المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الصافات 1 3 وقر اءتها كيف خُصَّتْ بذلك فإذا أنه - تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم - جـ ٧

[أبو السعود]

الفصل: الصافات 1 3 وقر اءتها كيف خُصَّتْ بذلك فإذا أنه

الصافات 1 3 وقر اءتها كيف خُصَّتْ بذلك فإذا أنه لهذه الآيةِ قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ لكلِّ شيءٍ قَلباً وإن قلب القرآن يس مَن قَرأها يريدُ بها وجهُ الله تعالى غفرَ اللَّهُ له وأُعطيَ منَ الأجرِ كأنَّما قرأ القُرآنَ اثنين وعشرينَ مرَّةً وأيَّما مسلمٍ قُرىء عنده إذَا نزل به مَلَكُ الموتِ سورةُ يس نزلَ بكلِّ حرفٍ منها عشرةُ أملاكٍ يقومون بين يديهِ صفوفاً يصلُّون عليهِ ويستغفرونَ له ويشهدونَ غسلَهُ ويتبعونَ جنازتَهُ ويصلُّون عليهِ ويشهدون دفنَهُ وأيَّما مسلمٍ قرأ يس في سكراتِ الموتِ لم يقبضْ مَلَكُ الموتِ رُوحَه حتَّى يجيئه رَضوانُ خازنُ الجنَّةِ بشربةٍ من شراب الجنَّةِ فيشربها وهو عَلى فراشِه فيقبضُ مَلَكُ الموتِ رُوحَه وهو ريَّانُ ويمكثُ في قبرهِ وهو ريَّانُ ولا يحتاجُ إلى حوضٍ من حياض الأنبياءِ حتَّى يدخلَ الجنَّة وهو ريَّانُ وقال صلى الله عليه وسلم إنَّ في القُرآنِ سورةً تشفعُ لقارئِها وتستغفرُ لمستمِعها ألا وهي سورة يس

سورة الصافات مكية وآياتها مائة واثنتان وثمانون آية

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرحيم}

ص: 183

{و‌

‌الصافات

صَفَّا} إقسامٌ من اللَّهِ عز وجل بطوائِفَ الملائكةِ الفاعلاتِ للصُّفوفِ على أنَّ المرادَ إيقاعُ نفسِ الفعلِ منْ غيرِ قصدٍ إلى المفعولِ أو الصَّافَّاتُ أنفسَها أي النَّاظمات لها في سلك الصُّفوفِ بقيامها في مقاماتِها المعلومةِ حسبما ينطِق به قوله تعالى وَمَا مِنَّا إِلَاّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ وعلى هذينِ المعنيينِ مدارُ قوله تعالى وَإِنَّا لَنَحْنُ الصافون وقيل الصَّافاتُ أقدامها في الصَّلاةِ وقيل أجنحتها في الهواءِ

ص: 183

{فالزاجرات زَجْراً} أي الفاعلاتِ للزَّجرِ او الزاجرت لما نيطَ بها زَجرُه من الأجرام العلوية والسفلية وغيرِها على وجهٍ يليقُ بالمزجورِ ومن جُملة ذلك زجر العباد بالمعاصي وزجرُ الشَّياطينِ عن الوسوسةِ والإغواءِ وعن استراقِ السَّمعِ كما سيأتي وصفًّا وزَجْراً مصدرانِ مؤكِّدانِ لما قبلهما أي صفًّا بديعاً وزَجْراً بليغاً وأمَّا ذِكراً في قولهِ تعالى

ص: 183

{فالتاليات ذِكْراً} فمفعولُ التَّالياتِ أي التَّالياتِ ذكراً عظيمَ الشَّأنِ من آياتِ الله تعالى وكتبهِ المنزَّلةِ على الأنبياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ وغيرِها من التَّسبيحِ والتَّقديسِ والتَّحميدِ والتَّمجيدِ وقيل هو أيضاً مصدرٌ مؤكِّدٌ لما قبله فإنَّ التِّلاوةَ من بابِ الذِّكرِ ثم إنَّ هذه الصِّفاتِ إنْ أُجريتْ على الكلِّ فعطفُها بالفاءِ للدِّلالةِ على ترتُّبها في الفضلِ إمَّا بكونِ الفضلِ للصَّفِ ثم للزجر ثم

ص: 183

الصافات 4 6 للتِّلاوةِ أو على العكسِ وإن أُجريت كلُّ واحدة منهنَّ على طوائفَ معيَّنةٍ فهو الدلالة على ترتُّبِ الموصوفاتِ في مراتب الفضل بمعنى أنَّ طوائفَ الصَّافَّاتِ ذواتُ فضل والزَّاجراتُ أفضلُ والتَّالياتُ أبهرُ فضلاً أو على العكس وقيل المرادُ بالمذكوراتِ نفوسُ العلماءِ العمَّالِ الصَّافَّاتُ أنفسَها في صفوف الجماعاتِ وأقدامها في الصَّلواتِ الزَّاجراتُ بالمواعظ والنَّصائحِ التَّالياتُ آياتِ الله تعالى الدَّارساتُ شرائعه وأحكامَه وقيل طوائفُ الغُزاة الصَّافَّات أنفسَهم في مواطنِ الحروبِ كأنَّهم بنيانٌ مرصوصٌ أو طوائفُ قُوَّادِهم الصَّافَّاتُ لهم فيها الزَّاجراتُ الخيلَ للجهادِ سوقاً والعدوَّ في المعارك طَرْداً التَّالياتُ آياتِ اللَّهِ تعالى وذكره وتسبيحَه في تضاعيفِ ذلك والكلامُ في العطفِ ودلالتهِ على ترتُّبِ الصِّفاتِ في الفضلِ أو ترتُّب موصوفاتِها فيه كالذي سلفَ وأمَّا الدِّلالةُ على التَّرتُّبِ في الوجودِ كما في قوله يالهف زبانة للحرث الصابح فالغانمِ فالآيبِ فغيرُ ظاهرةٍ في شئ من الطَّوائفِ المذكورة فإنَّه لو سُلِّم تقدُّمُ الصَّفِ على الزَّجرِ في الملائكةِ والغزاةِ فتأخُّرُ التِّلاوةِ عن الزَّجرِ غيرُ ظاهرٍ وقيل الصَّافَّاتُ الطَّيرُ من قوله تعالى والطير صافات والزَّاجراتُ كلُّ ما يزجرُ عن المعاصِي والتّاليات كُّل مَن يتلُو كتابَ اللَّهِ تعالى وقيل الزَّاجراتُ القوارعُ القُرآنيةُ وقرئ بإدغامِ التَّاءِ في الصَّادِ والزاي والذَّالِ

ص: 184

{إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ} جوابٌ القسم والجملةُ تحقيقٌ للحقِّ الذي هو التَّوحيدُ بما هو المألوفُ في كلامِهم من التَّأكيدِ القسميِّ وتمهيدٌ لما يعقُبه من البُرهانِ النَّاطقِ به أعني قوله تعالى

ص: 184

{رب السماوات والارض وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ المشارق} فإنَّ وجودَها وانتظامَها على هذا النمط البديعِ من أوضحِ دلائلِ وجودِ الصَّانعِ وعلمهِ وقُدرتهِ وأعدلُ شواهدِ وحدتهِ كما مرَّ في قوله تعالى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلَاّ الله لَفَسَدَتَا} وربُّ خبرٌ ثانٍ لأن أو خبر مبتدأ محذوفٍ أي مالكُ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا من الموجوداتِ ومربِّيها ومبلِّغَها إلى كمالاتِها والمرادُ بالمشارقِ مشارقُ الشَّمسِ وإعادةُ الربِّ فيها لغايةِ ظهورِ آثارِ الرُّبوبيَّةِ فيها وتجدُّدِها كلَّ يومٍ فإنها ثلثمائة وستُّون مشرقاً تشرقُ كلَّ يومٍ من مشرقٍ منها وبحسبها تختلفُ المغاربُ وتغربُ كلَّ يوم في مغربٍ منها وأما قولُه تعالى {رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين} فهُما مشرقا الصَّيفِ والشِّتاءِ ومغرباهُما

ص: 184

{إِنَّا زَيَّنَّا السماء الدنيا} أي القُربى منكم {بِزِينَةٍ} عجيبة بديعة {الكواكب} بالجرِّ بدلٌ من زينةٍ على أنَّ المرادَ بها الاسمُ أي ما يزن به لا المصدرُ فإنَّ الكواكبَ بأنفسها وأوضاع بعضِها من بعضٍ زينةٌ وأيُّ زينة وقرئ بالإضافة على أنَّها بيانيَّةٌ لما أنَّ الزِّينةَ مبهمة صادقة على كلِّ ما يُزان به فتقع الكواكب بياناً لها ويجوزُ أنْ يُراد بزينةِ الكواكبِ ما زُيِّنت هي به وهو ضوؤها ورُوي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما بزينةِ الكواكبِ بضوءِ الكواكبِ هذا وإمَّا على تقديرِ كون الزِّينةِ مصدراً فالمعنى على

ص: 184

الصافات 7 10 تقدير إضافتها إلى الفاعل بأنْ زانتِ الكواكبُ إيَّاها وأصله بزينة الكواكب وعلى تقدير إضافتها إلى المفعولِ بأنْ زانَ اللَّهُ الكواكبَ وحسَّنها وأصله بزينة الكواكب والمرادُ هو التَّزيينُ في رأي العينِ فإنَّ جميع الكواكب من الثَّوابتِ والسَّياراتِ تبدو للنَّاظرينَ كأنَّها جواهرُ مُتلالئةٌ في سطح سماء الدُّنيا بصورٍ بديعةٍ وأشكال رائعة ولا يقدحُ في ذلك ارتكازُ الثَّوابتِ في الفلك الثَّامنِ وما عدا القمر في الستة المتوسطة إنْ ثبتَ ذلك

ص: 185

{وَحِفْظاً} منصوبٌ إمَّا بعطفه على زينةٍ باعتبارِ المَعْنى كأنَّه قيلَ إنَّا خلقنا الكواكبَ زينةً للسَّماءِ وحِفظاً {من كل شيطان مارد} أي خارجٍ عن الطَّاعةِ برميِ الشُّهبِ وإمَّا بإضمار فعلهِ وإمَّا بتقدير فعلٍ مؤخَّر معلَّلٍ به كأنَّه قيل وحِفظاً من كلِّ شيطانٍ ماردٍ زيَّناها بالكواكبِ كقوله تعالَى {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رُجُوماً للشياطين} وقوله تعالى

ص: 185

{لَاّ يَسَّمَّعُونَ إلى الملإ الاعلى} كلامٌ مبتدأٌ مسوقٌ لبيان حالهم بعد بيانِ حفظ السماء عنهم مع التَّنبيهِ على كيفيةِ الحفظِ وما يعتريهم في أثناء ذلك من العذابِ ولا سبيلَ إلى جعلهِ صفةً لكلِّ شيطانٍ ولا جواباً عن سؤال مقدَّرٍ لعدمِ استقامةِ المعنى ولا علَّةً للحفظِ على أن يكونَ الأصلُ لئلَاّ يسمعُوا فحُذفتِ اللَاّمُ كما حُذفتْ من قولك جئتُك أنْ تكرمني فبقيَ أنْ لا يسمعُوا ثم بحذف أنْ ويُهدرُ عملُها كما في قول من قالَ أَلَا أيُّهذا الزَّاجِريْ أحضر الوَغَى لما أنَّ كلَّ واحدٍ من ذينكَ الحذفينِ غيرُ منكرٍ بانفرادِه فأمَّا اجتماعُهما فمنْ أنكرِ المنكرات التي يجبُ تنزيهُ ساحةِ التنزيلِ الجليلِ عن أمثالها وأصل يسمعون يتسمعون والملأالأ الأعلى الملائكةُ وعن ابن عباس رضي الله عنهما هم الكَتَبةُ وعنه أشرافُ الملائكةِ عليهم الصلاة والسلام أي لا يتطلَّبون السَّماعَ والإصغاء إليهم وقرئ يسمعُون بالتَّخفيفِ {وَيَقْذِفُونَ} يُرمَون {مِن كُلّ جَانِبٍ} من جميع جوانبِ السَّماءِ إذا قصدوا الصُّعودَ إليها

ص: 185

{دُحُوراً} علَّةً للقذفِ أي للدحور أو حالٌ بمعنى مدحورينَ أو مصدرٌ مؤكِّد له لأنَّهما من وادٍ واحدٍ وقرئ دَحُوراً بفتح الدَّالِ أي قَذْفاً دَحُوراً مبالغاً في الطَّردِ وقد جُوِّز أنْ يكونَ مصدراً كالقَبُولِ والولُوعِ {وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ} أي وَلَهُمْ فِى الآخرةِ غيرُ ما في الدُّنيا من عذاب الرَّجمِ بالشُّهبِ عذابٌ شديد دائمٌ غيرُ منقطعٍ كقوله تعالَى {وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السعير}

ص: 185

{إِلَاّ مَنْ خَطِفَ الخطفة} استثناءٌ من واوِ يسمَّعون ومَن بدلٌ منه والخطفُ الاختلاسُ والمرادُ اختلاسُ كلامِ الملائكةِ مسارقة كما يُعرب عنه تعريفُ الخَطفةِ وقُرىء بكسرِ الخاءِ والطَّاءِ المشدَّدةِ وبفتحِ الخاء وكسرِ الطَّاءِ

ص: 185

الصافات 11 16 وتشديدها وأصلُهما اختطفَ {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ} أي تبعَه ولحقَه وقرىء فانبعه والشِّهابُ ما يُرى منقضاً من السَّماءِ {ثَاقِبٌ} مضىءٌ في الغايةِ كأنَّه يثقبُ الجوَّ بضوئهِ يُرجم به الشَّياطينُ إذا صعدُوا لاستراقِ السَّمعِ فيقتلهم أو يحرقُهم أو يخبلُهم قالُوا وإنَّما يعودُ من يَسلم منهم حيًّا طمعاً في السَّلامةِ ونيلِ المُرادِ كراكبِ السَّفينةِ

ص: 186

{فاستفتهم} فاستخبر مُشركي مكَّة {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً} أي أقوى خِلقةً وأمتنُ بنيةً أو أصعبُ خَلْقاً وأشقُّ إيجاد {أَم مَّنْ خَلَقْنَا} من الملائكةِ والسَّماءِ والأرضِ وما بينهما والمشارقُ والكواكبُ والشُّهبُ الثَّواقبُ ومن لتغليبِ العقلاءِ على غيرِهم ويدلُّ عليه إطلاقُه ومجيئُه بعد ذلك لا سيَّما قراءةُ مَن قرأ أمْ مَن عددنا وقولُه تعالى {إِنَّا خلقناهم مّن طِينٍ لَاّزِبٍ} فإنَّه الفارقُ بينهم وبينها لا بينهم وبين مِن قَبْلِهِم من الأممِ كعادٍ وثمود ولأنَّ المرادَ إثباتُ المعادِ وردُّ استحالتهم والأمرُ فيه بالإضافةِ إليهم وإلى مَن قبلهم سواء وقرئ لازمٍ ولاتبٍ

ص: 186

{بَلْ عَجِبْتَ} أي من قدرةَ الله تعالى على هذه الخلائقِ العظيمة وإنكارِهم للبعث {ويسخرون} من تعجيبك وتقريرك للبعث وقرئ بضمِّ التَّاءِ على معنى أنَّه بلغ كمالُ قدرتي وكثرةُ مخلوقاتي إليَّ حيث عجبتُ منها وهؤلاءِ لجهلهم يسخرونَ منها أو عجبتُ من أنْ ينكرُوا البعثَ ممَّن هذه أفاعيلُه ويسخرُوا ممَّن يجوزُه والعجبُ من اللَّهِ تعالى إمَّا على الفرضِ والتَّخييلِ أو على معنى الاستعظامِ اللَاّزمِ له فإنَّه رَوعةٌ تعتري الإنسانَ عند استعظام الشئ وقيل إنَّه مقدَّرٌ بالقولِ أي قُل يا محمدُ بل عجبتُ

ص: 186

{وَإِذَا ذُكّرُواْ} أي ودأبُهم المستمرُّ أنَّهم إذا وُعظوا بشئ من المواعظِ {لَا يَذْكُرُونَ} لا يتَّعظون وإذَا ذُكر لهم ما يدلُّ على صحَّةِ البعثِ لا ينتفعُون به لغايةِ بلادتهم وقصورِ فكرهم

ص: 186

{وإذا رأوا آية} أي معجزةً تدلُّ على صدقِ القائلِ به {يَسْتَسْخِرُونَ} يُبالغون في السُّخريةِ ويقُولون إنَّه سحرٌ أو يستدعي بعضُهم من بعضٍ أنْ يسخرَ منها

ص: 186

{وَقَالُواْ إِنَّ هَذَا} أي ما يَرونه من الآياتِ الباهرةِ {إِلَاّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} ظاهر سحريته

ص: 186

{أئذا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وعظاما} أي كانَ بعضُ أجزائِنا تُراباً وبعضُها عظاماً وتقديمُ التُّرابِ لأنَّه منقلبٌ من الأجزاءِ الباديةِ والعاملُ فِي إذَا ما دلَّ عليه مبعوثونَ في قوله تعالى {أئنا لمبعوثون} أي نبعث لانفسه لأن دونه خطوبا

ص: 186

الصافات 17 22 لو تفرَّدَ واحدٌ منها لكفى في المنعِ وتقديمُ الظَّرفِ لتقويةِ الإنكارِ للبعثِ بتوجيههِ إلى حالةٍ منافيةٍ له غايةَ المُنافاة وكذا تكرير الهمزة في اثنا للمبالغةِ والتَّشديدِ في ذلك وكذا تحليةُ الجملةِ بأنْ واللامِ لتأكيد الانكار لالانكار التاكيد كما يوهمه ظاهر النَّظمِ الكريمِ فإنَّ تقديمَ الهمزةِ لاقتضائِها الصدارةَ كما في مثلِ قولِه تعالى {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} على رأي الجمهورِ فإن المعنى عندهم تعقيبُ الإنكارِ لا إنكارُ التعقيبِ كما هو المشهور وقُرىء بطرحِ الهمزةِ الأُولى وبطرحِ الثَّانيةِ فَقَطْ

ص: 187

{أو آباؤنا الاولون} رفعٌ على الابتداءِ وخبرُه محذوفٌ عند سيبويهِ أي وآباؤنا الأوَّلُون أيضاً مبعثون وقبل عطفٌ على محلِّ إنَّ واسمِها وقيل على الضَّميرِ في مبعوثُون للفصلِ بهمزةِ الإنكارِ الجاريةِ مجرى حرفِ النَّفيِ في قوله تعالى مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وأيًّا ما كانَ فمرادُهم زيادةُ الاستبعادِ بناءً على أنَّهم أقدمُ فبعثهم أبعدُ على زعمهم وقُرىء أو آباؤُنا

ص: 187

{قُلْ} تبكيتاً لهم {نِعْمَ} والخطابُ في قولِه تعالَى {وَأَنتُمْ داخرون} لهم ولآبائِهم بطريقِ التَّغليبِ والجملةُ حالٌ من فاعلِ ما دلَّ عليه نعم أي كلُّكم مبعوثون والحالُ أنَّكم صاغرونَ أذلاء وقرئ نَعِم بكسرِ العينِ وهي لغةٌ فيه

ص: 187

{فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ واحدة} هي إمَّا ضميرٌ مبهمٌ يفسِّرهُ خبرُه أو ضميرُ البعثةِ والجملةُ جوابُ شرطٍ مضمرٍ أو تعليلٌ لنهيَ مقدَّرٍ أي إذا كانَ كذلك فإنَّما هي الخ أو لا تستصعبُوه فإنَّما هي الخ والزَّجرةُ الصَّيحةُ من زجرَ الرَّاعي غنمه إذا صاحَ عليها وهي النَّفخةُ الثَّانيةُ {فَإِذَا هُم} قائمونَ من مراقدهم أحياءً {يَنظَرُونَ} يُبصرون كما كانُوا أو ينتظرون ما يفعل بهم

ص: 187

{وَقَالُواْ} أي المبعوثونَ وصيغةُ الماضي الدِلالة على التحقق والتقرّرِ {يا ويلنا} أي هلا كنا احضر فهذا أو ان حضورِك وقولُه تعالى {هذا يَوْمُ الدين} تعليلٌ لدعائهم الويلِ بطريق الاستئنافِ أي اليوم الذي نُجازى فيه بأعمالنا وإنَّما علموا ذلك لأنَّهم كانوا يسمعون في الدُّنيا أنَّهم يُبعثون ويُحاسبون ويُجزَون بأعمالهم فلمَّا شاهدوا البعثَ أيقنُوا بما بعدَه أيضاً وقولُه تعالى

ص: 187

{هذا يَوْمُ الفصل الذى كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ} كلامُ الملائكةِ جواباً لهم بطريقِ التَّوبيخِ والتَّقريعِ وقيل هُو أيضاً من كلامِ بعضِهم لبعضٍ والفصلُ القضاءُ أو الفرقُ بين فِرقِ الهُدى والضَّلالِ وقولُه تعالى

ص: 187

{احشروا الذين ظَلَمُواْ} خطابٌ من الله عز وجل للملائكة

ص: 187

الصافات 23 28 أو من بعضِهم لبعضٍ بحشر الظَّلمةِ من مقامهم إلى الموقفِ وقيل من الموقفِ إلى الجحيمِ {وأزواجهم} أي أشباهَهم ونظراءَهم من العصاة عابد الصم مع عبدته وعابد الكواكب مع عَبَدتهِ كقوله تعالى وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثلاثة وقيل قرناءَهم من الشَّياطينِ وقيل نساءهم اللاتى عل دينهم {وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ}

ص: 188

{من دُونِ الله} مِن الأصنامِ ونحوِها زيادةً في تحسيرهم وتخجيلهم قيل هو عامٌ مخصوصٌ بقوله تعالى إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى الآيةَ الكريمةَ وأنت خبيرٌ بأنَّ الموصولَ عبارةٌ عن المشركين خاصَّةً جئ به لتعليل الحكمِ بما في حيِّزِ صلتهِ فلا عمومَ ولا تخصيصَ {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِراطِ الجحيم} أي عرِّفُوهم طريقها ووجِّهوهم إليها وفيه تهكُّمٌ بِهم

ص: 188

{وَقِفُوهُمْ} احبِسُوهم في الموقف كأنَّ الملائكة سارعُوا ألى مَا أُمروا بهِ من حشرِهم إلى الجحيم فأُمروا بذلك وعُلِّل بقوله تعالى {إنهم مسؤولون} إيذانا من أولِ الأمرِ بأنْ ذلك ليس للعفو عنهم ولا ليستريحُوا بتأخيرِ العذابِ في الجملة بل ليُسألوا لكن لا عن عقائدهم وأعمالهم كما قيل فإنَّ ذلك قد وقع قبل الأمرِ بهم إلى الجحيمِ بل عمَّا ينطقُ به قوله تعالى

ص: 188

{مَا لَكُمْ لَا تناصرون} بطريق التَّوبيخِ والتَّقريعِ والتَّهكُّمِ أي لا ينصرُ بعضُكم بعضاً كما كنتُم تزعمون في الدُّنيا وتأخيرُ هذا السُّؤالِ إلى ذلك الوقتِ لأنَّه وقتُ تنجُّزِ العذابِ وشدَّةِ الحاجةِ إلى النُّصرةِ وحالة انقطاعِ الرَّجاءِ عنها بالكُلِّية فالتَّوبيخُ والتَّقريعُ حينئذٍ اشد وقعا وتأثيرا وقرئ لا تَتَناصرون ولا تنَّاصرُون بالإدغامِ

ص: 188

{بَلْ هُمُ اليوم مُسْتَسْلِمُونَ} مُنقادون خاضعُون لظهورِ عجزهم وانسدادِ بابِ الحِيلِ عليهم أو أسلم بعضُهم بعضاً وخذله عن عجزٍ فكلُّهم مستسلم غيرُ منتصرٍ

ص: 188

{وَأَقْبَلَ} حينئذٍ {بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} هم الأتباعُ والرؤساء أو الكفرةُ والقُرناء {يَتَسَاءلُونَ} يسألُ بعضُهم بعضاً سؤالَ توبيخٍ بطريقِ الخصومةِ والجدالِ

ص: 188

{قَالُواْ} استئنافٌ وقع جوابا عن سؤالٍ نشأَ من حكايةِ تساؤلهم كأنَّه قيل كيف تساءلوا فقيلَ قالوا أي الأتباعُ للرُّؤساء أو الكلُّ للقرناءِ {إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا} في الدُّنيا {عَنِ اليمين} عن أقوى الوجوهِ وأمتنِها أو عن الدِّينِ أو عن الخيرِ كأنَّكم تنفعوننا نفعَ السائح فتبعناكم فهلكنا مستعارٌ من يمينِ الإنسانِ الذي هو أشرفُ الجانبينِ وأقواهما وأنفعُهما ولذلك سُمِّي يميناً ويُتيمَّن بالسائح أو عن القوَّة والقَسْر فتقسروننا على الغَيِّ وهو الأوفقُ للجوابِ أو عن الحلفِ حيثُ كانُوا يحلفون انهم على الحق

ص: 188