المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الصافات - تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم - جـ ٧

[أبو السعود]

الفصل: الصافات

الصافات

ص: 196

‌77

- 83 {وَجَعَلْنَا ذُرّيَّتَهُ هُمُ الباقين} فحسب حيثُ أهلكنا الكفرة بموجب دعائه رب لاتذر عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً وقد رُوي أنَّه ماتَ كلُّ من كانَ معه في السَّفينةِ غير أبنائه وأزواجهم أو هم الذين بقوا مُتناسلين إلى يوم القيامة قال قتادة النَّاسُ كلُّهم من ذُرِّيةِ نوحٍ عليه السلام وكان له ثلاثةُ أولادٍ سامٌ وحام ويافث فسام أبو العربِ وفارسَ والرُّومِ وحامٌ أبُو السودانِ من المشرق إلى المغربِ ويافثٌ أبو التُّركِ ويأجوجَ ومأجوجَ

ص: 196

{سلام على نُوحٍ} أي هذا الكلامُ بعينه وهو واردٌ على الحكاية كقولك قرأتُ سورة أنزلناها والمعنى يُسلِّمون عليه تسليماً ويدعُون له على الدَّوام أمَّةً بعد أمَّةٍ وقيل ثمة قولٌ مقدَّرٌ أي فقلنا وقيل ضُمِّن تركنا معنى قلنا وقوله تعالى {فِى العالمين} متعلِّقٌ بالجارِّ والمجرورِ ومعناهُ الدُّعاء بثباتِ هذه التَّحيةِ واستمرارِها أبداً في العالمين من الملائكة والثَّقلينِ جميعاً وقوله تعالى

ص: 196

{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} تعليلٌ لما فُعل به عليه الصلاة والسلام من التَّكرمةِ السَّنيةِ من إجابةِ دُعائهِ أحسنَ إجابةٍ وإبقاء ذُرِّيتهِ وتَبقيةِ ذكره الجميلِ وتسليم العالمين عليه إلى آخرِ الدَّهرِ بكونه من زُمرة المعروفين بالإحسان الرَّاسخينَ فيه وأنَّ ذلك من قبيل مُجازاة الإحسانِ بالإحسانِ وَذَلِكَ إشارةٌ إلى ما ذُكر من الكراماتِ السَّنيةِ التي وقعتْ جزاءً له عليه الصلاة والسلام وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمُشار إليه للإيذان بعلو رتبتِه وبُعدِ منزلتِه في الفضل والشَّرفِ والكافُ متعلِّقةٌ بما بعدها أي مثلَ ذلك الجزاءِ الكامل نجزِي الكاملينَ في الاحسان لاجزاء أدنى منه وقوله تعالى

ص: 196

{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} تعليل لكونهِ من المحسنين بخلوصِ عبوديته وكمال إيمانه وفيه من الدلالة على جلالة قدرهما مالا يخفى

ص: 196

{ثُمَّ أَغْرَقْنَا الاخرين} أي المغايرين لنوحٍ وأهله وهُم كفار وقومه أجمعين

ص: 196

{وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ} أي ممَّن شايعه في أصول الدِّينِ {لإبراهيم} وإنِ اختلفتْ فروعُ شرائعهما ويجوزُ أن يكون بين شريعتيهما اتِّفاقٌ كلي او اكثرى وعن ابن عباس رضي الله عنهما من أهل دينهِ وعلى سنَّتهِ أو ممَّن شايعه على التَّصلُّبِ في دينِ الله ومصابرةِ المكذِّبين وما

ص: 196

الصافات 84 90 كان بينهما إلا نبيَّانِ هود وصالح عليهم السلام وكان بين نوح وإبراهيمَ ألفانِ وستمائةٍ وأربعون سنةً

ص: 197

{إِذْ جَاء رَبَّهُ} منصوب باذكُر أو متعلقٌ بما في الشِّيعةِ من معنى المُشايعةِ {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} أي من آفات القلوب أو من العلائقِ الشَّاغلةِ عن التَّبتلِ إلى الله عز وجل ومعنى المجيء به ربَّه إخلاصُه له كأنَّه جاء به متحفاً إيَّاهُ بطريق التَّمثيلِ

ص: 197

{إذ قال لابيه وقومه مَاذَا تَعْبُدُونَ} بدلٌ من الأولى أو ظرفٌ لجاء أو لسليمٍ أي أيَّ شيءٍ تعبدُونه

ص: 197

{أئفكا آلهة دُونَ الله تُرِيدُونَ} أي أتريدون آلهةً من دونِ الله إفكاً أي للإفكِ فقدَّم المفعولَ على الفعل للعنايةِ ثمَّ المفعولَ له على المفعولِ به لأنَّ الأهمَّ مكافحتُهم بأنَّهم على إفكٍ وباطل في شركهم ويجوزُ أن يكونَ إفكاً مفعولاً به بمعنى أتريدون إفكاً ثم يفسَّر الإفكُ بقوله آلهةً من دونِ الله دلالةً على أنَّها إفكٌ في نفسها للمبالغةِ أو يراد بها عبادتُها بحذفِ المضافِ ويجوزُ أنْ يكون حالاً بمعنى آفكينَ

ص: 197

{فَمَا ظنُّكم بِرَبّ العالمين} أي بمن هو حقيقٌ بالعبادة لكونه ربًّا للعالمين حتَّى تركتُم عبادته خاصَّةً وأشركتُم به أخسَّ مخلوقاته أو فما ظنُّكم به أي شيء هو من الأشياء حتى جعلتُم الأصنام له اندادا او فماظنكم به ماذا يفعل بكم وكيف يعاقبكم بعد ما فعلتم ما فعلتُم من الإشراكِ به

ص: 197

{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى النجوم} قيل كانت له عليه الصلاة والسلام حُمَّى لها نوبةٌ معيَّنةٌ في بعض ساعات اللَّيلِ فنظر ليعرفَ هل هي تلك السَّاعةُ فإذا هي قد حضرتْ

ص: 197

{فَقَالَ إِنّى سَقِيمٌ} وكان صادقاً في ذلك فجعلَه عُذراً في تخلُّفهِ عن عيدهم وقيل أرادَ إنِّي سقيمُ القلبِ لكفرِكم وقيل نظر في علمِها أو في كتبها أو في أحكامها ولا منعَ من ذلك حيثُ كان قصدُه عليه الصلاة والسلام إيهامَهم حين أرادُوا أنْ يخرجُوا به عليه الصلاة والسلام الى معيدهم ليتركُوه فإنَّ القومَ كانوا نجَّامين فأوهمهم أنَّه قد استدل بأمارة في النُّجوم على أنَّه سقيمٌ أي مشارف للسقمِ وهو الطَّاعُونُ وكان أغلبَ الأسقامِ عليهم وكانوا يخافون العدوى ليتفرَّقوا عنه فهربُوا منه الى معبدهم وتركوه في بيت الأصنامِ وذلك قوله تعالى

ص: 197

ص: 197