الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه (الثالث عشر)
قال كلي شيس: "إن مرقص ومتى يتخالفان في التحرير، وإذا اتفقا ترجح قولهما على قول لوقا" أقول: يعلم منه أمران: (الأول) أن متى ومرقس يوجد في تحريرهما في بعض المواضع اختلاف معنوي، لأن الاتفاق اللفظي لا يوجد في قصة من القصص (والثاني) أن هذه الأناجيل الثلاثة ليست إلهامية وإلا لا معنى لترجيح الأولين على الثالث.
الوجه (الرابع عشر)
المحقق بيلي صنف كتاباً في الإسناد، وهو من العلماء المعتبرين من فرقة البروتستنت وطبع هذا الكتاب سنة 1850 فقال في الصفحة 323 هكذا: الغلط الثاني الذي نسب إلى القدماء المسيحيين أنهم كانوا يرجون قرب القيامة، وأنا أقدم نظيراً آخر قبل الاعتراض، وهو أن ربنا قال في حق يوحنا لبطرس: إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجيء فما ذلك، ففهم هذا القول على خلاف المراد بأن يوحنا لا يموت، فذاع بين الأخوة، فانظروا لو كان هذا القول وصل إلينا بعد ما صار رأياً عاماً، وفقد السبب الذي نشأ منه هذا الغلط واستعد أحدٌ اليوم لرد الملة العيسوية متمسكاً بهذا الغلط لكان هذا الأمر بلحاظ الشيء الذي وصل إلينا في غاية الاعتساف، والذين يقولون أنه يحصلُ الجزمُ من الإنجيل بأن الحوارين والقدماء المسيحية كانوا يرجون قيام القيامة في زمانهم، فلهم أن يتصوروا ما قلنا في هذا الغلط القديم القليل البقاء، وهذا الغلط منعهم عن كونهم خادعين، لكن يرد الآن
سؤال وهو إنا إذا سلمنا أن رأي الحواريين كان قابلاً للسهو فكيف يعتمد على أمر منهم؟ ويكفي في جوابه من جانب حامي الملة المسيحية في مقابلة المنكرين هذا القدر أن شهادة الحواريين مطلوبة لي، ولا غرض لي عن رأيهم، وأن المطلب الأصلي مطلوب، ومن جانب النتيجة مأمون، لكنه لا بد أن يُلاحظ في هذا الجواب أمران أيضاً ليزول الخوف كله (الأول) أن يُميز المقصود الذي كان من إرسال الحواريين، وثبت من إظهارهم عن الشيء الذي هو أجنبي أو اختلط به اتفاقاً، ولا حاجة لنا أن نقول في الأشياء التي هي أجنبية من الدين صراحة، لكن يقال في الأشياء التي اختلطت بالمقصود اتفاقاً قولاً ما، ومن هذه الأشياء تسلط الجن، والذين يفهمون أن هذا الرأي الغلط كان عاماً في ذلك الزمان، فوقع مؤلفو الأناجيل واليهود الذين كانوا في
ذلك الزمان، فلا بد أن يقبل هذا الأمر، ولا خوف منه في صدق الملة المسيحية لأن هذه المسألة ليست من المسائل التي جاء بها عيسى عليه السلام، بل اختلطت بالأقوال المسيحية اتفاقاً، بسبب كونها رأياً عاماً في تلك المملكة، وذلك الزمان وإصلاح رأي الناس في تأثير الأرواح ليس جزءاً من الرسالة ولا علاقة له بالشهادة بوجه ما (والثاني) أن يميز بين مسائلهم ودلائلهم، فمسائلهم إلهامية لكنهم يوردون في أقوالهم لتوضيحها وتقويتها أدلة ومناسبات، مثلاً هذه المسألة
مَنْ تنَصَّر مِن غير اليهود فلا يجب عليه إطاعة الشريعة الموسوية الإلهامية، وثبت تصديقها بالمعجزات، وبولس إذا ذكر هذا المطلب يذكر أشياء كثيرة في تأييده. فالمسألة واجبة التسليم، لكن لا ضرورة أن نصير حامين لصحة كل من أدلة الحواري، وتشبيهاته، لأجل حماية الملة المسيحية، وهذا القول يعتبر في موضع آخر أيضاً، وقد تحقق عندي هذا الأمر تحققاً قوياً أن الربانيين إذا اتفقوا على أمر فالنتيجة التي تحصل من مقدماتهم واجبة التسليم، لكنه لا يجب علينا أن نشرح المقدمات كلها أو نقبلها إلا إذا اعترفوا بالمقدمات مثل اعتراف النتيجة" انتهى كلامه.
أقول: أستفيد من كلامه أربع فوائد: (الأولى) أن الحواريين والقدماء المسيحية كانوا يعتقدون أن القيامة تقوم في عهدهم، وأن يوحنا لا يموت إلى قيامها. أقول هذا حق، إذ قد عرفت في القسم الثاني من الفصل الثالث في بيان الأغلاط أن أقوالهم صريحة في أن القيامة تقوم في عهدهم، وقال المفسر يارنس في شرح الباب الحادي والعشرين من إنجيل يوحنا هكذا:"نشأ هذا الغلط أن يوحنا لا يموت من ألفاظ عيسى التي كانت تفهم غلطاً بالسهولة، وتأكد هذا الأمر من [أن] يوحنا بقي في قيد الحياة بعد الحواريين أيضاً"، وقال جامعو تفسير هنري واسكات هكذا: "والغالب أن مراد المسيح بهذا
القول الانتقام من اليهود، لكن الحواريين فهموا غلطاً أن يوحنا يبقى حياً إلى القيامة، وإن بناء الإيمان عليها حمق، لأن هذه الرواية كانت رواية الحواريين، وكانت عامة بين الإخوة وكانت أوليّة ومنتشرة ورائجة، ومع ذلك كانت كاذبة، فالآن الاعتماد على الروايات الغير المكتوبة على أية درجة من القلة وهذا التفسير كان روايتنا، وما كان قولاً جديداً من أقوال عيسى ومع ذلك كان غلطاً" ثم قال في الحاشية:"إن الحواريين فهموا الألفاظ غلطاً كما صرح الإنجيلي لأنهم كانوا يتخيلون أن مجيء الرب يكون للعدل فقط" فعلى تقرير هؤلاء المفسرين لا شبهة أنهم فهموا غلطاً، وإذا كان اعتقادهم في مجيء القيامة كاعتقادهم أن يوحنا لا يموت إلى القيامة فتكون أقوالهم التي تُشعر بمجيء القيامة في عهدهم محمولةً على ظاهرها وغلطاً، والتأويل فيها يكون مذموماً يقيناً وتوجيهاً للقول بما لا يرضي قائله، وإذا كانت غلطاً لا تكون إلهامية (الفائدة الثانية) سلم بيلي أن المعاملات التي هي أجنبية من الدين أو اختلطت بالأمر الديني اتفاقاً لا يلزم من وقوع الغلط فيها نُقصان ما في الملة المسيحية