الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهؤلاء العلماء المذكورين عظماء الفرقة البروتستنتية وقروا على عدم كون كل كلام من العهد الجديد إلهامياً، وعلى غلط الحواريين.
الوجه (السادس عشر)
كتب الفاضل نورتن كتاباً في الإسناد وطبع هذا الكتاب في بلدة بوستن سنة 1837، فقال في المجلد الأول من هذا الكتاب في الديباجة:"قال إكهارن في كتابه: إنه كان في ابتداء الملة المسيحية في بيان أحوال المسيح رسالة مختصرة يجوز أن يقال إنها هي الإنجيل الأصلي، والغالب أن هذا الإنجيل كان سُوِّيَ للمريدين الذين كانوا لم يسمعوا أقوال المسيح بآذانهم ولم يروا أحواله بأعينهم وكان هذا الإنجيل بمنزلة القلب وما كانت الأحوال المسيحية مكتوبة فيها على الترتيب" فكان هذا الإنجيل على قول إكهارن مخالفاً لتلك الأناجيل المروّجة الآن مخالفة كثيرة.
تلك الأناجيل ليست بمنزلة القالب كما كان هذا الإنجيل، لأن تلك الأناجيل كتبت بالصعوبة والمشقة وكتب فيها بعض أحوال المسيح التي لم تكن فيه، وهذا الإنجيل كان مأخذاً لجميع الأناجيل التي كانت رائجة في القرنين، ولإنجيل متى ولوقا ومرقص أيضاً، وهذه الأناجيل الثلاثة فاقت على الأناجيل الأخرى ورفعتها، لأن هذه الثلاثة وإن كانت يوجد فيها نقصان الأصل، لكنها وقعت في أيدي الذين جبروا نُقصانها وتبرؤوا عن الأناجيل التي كانت مشتملة على أحوال المسيح، التي ظهرت بعد النبوة، مثل إنجيل مارسيون وإنجل تي شن وغيرهما فضموا إليها أحوالاً أخرى أيضاً مثل بيان النسب، وحال الولادة
والبلوغ، ويظهر هذا الحال من الإنجيل الذي اشتهر بالتذكرة ونقل عنه جستن، ومن إنجيل سرن تهس، ولو قابلنا الأجزاء التي بقيت من تلك الأناجيل ظهر أن الزيادة وقعت فيها تدريجياً، مثل الصوت الذي سُمِع من السماء كان في الأصل "هكذا أنت ابني أنا اليوم ولدتك" كما نقل جستن في الموضعين، ونقل كليمنس في هذه الفقرة من الإنجيل الذي لم يعلم حاله هكذا:"أنت ابني الحبيب أنا اليوم ولدتك" ووقع في الأناجيل العامة: "أنت ابني الحبيب الذي به سررت" كما نقل مرقس في الآية الحادية عشرة من الباب الأول من إنجيله، وجمع الإنجيل الأبيوني بين العبارتين هكذا:"أنت ابني الحبيب الذي به سررت وأنا اليوم ولدتك" كما صرح به أبي فانيس.
واختلط المتن الأصلي للتاريخ المسيحي لأجل هذه الزيادات التدريجية بالإلحاقات الكثيرة اختلاطاً ما أبقى الامتياز ومن شاء فليحصل اطمئنان قلبه بملاحظة حال اصطباغ المسيح الذي جمع من
الأناجيل المختلفة، وصارت نتيجة هذا الاختلاط أن الصدق والكذب والأحوال الصادقة والحكايات الكاذبة التي اجتمعت في رواية طويلة، وصارت قبيحة الشكل اختلطت اختلاطاً شديداً، وهذه الحكايات كلما انتقلت من فم إلى فم صارت كريهة غير محققة بمقدار الانتقال، ثم أرادت الكنيسة في آخر القرن الثاني وابتداء القرن الثالث أن تحافظ على الإنجيل الصادق وتبلِّغ إلى الأمم الآتية الحال الصحيح على حسب قدرته، فاختارت هذه الأناجيل الأربعة من الأناجيل الرائجة في هذا الوقت لما رأتها معتبرة وكاملة، ولا توجد إشارة إلى إنجيل متى ومرقس ولوقا قبل آخر القرن الثاني أو ابتداء القرن الثالث، ثم الذي ذكر أولاً هذه الأناجيل أرينيوس في سنة 200 تخميناً وأورد بعض الدلائل على عددها، ثم اجتهد في هذا الباب اجتهاداً عظيماً كليمنس إسكندريانوس في سنة 216، وأظهر أن هذه الأناجيل الأربعة واجبة التسليم، فظهر من هذا أن الكنيسة في آخر القرن الثاني أو ابتداء القرن الثالث اجتهدت في أن تسلم عموماً هذه الأناجيل الأربعة التي كان وجودها من قبل، وإن لم تكن في جميع الحالات هكذا، وأرادت أن يترك الناس الأناجيل التي هي غيرها، ويسلمون هذه الأربعة، ولو جردت الكنيسة الإنجيل الأصلي الذي حصل للواعظين السابقين لتصديق وعظهم عن الإلحاقات وضمته
إلى إنجيل يوحنا لكانت الأمم الآتية شاكرة عظيمة لها، لكن هذا الأمر ما كان ممكناً لها، إذ لم تكن نسخة خالية عن الإلحاق، وكانت الأسباب التي يُعرف بها الأصل والإلحاقات في غاية القلة"، ثم قال إكهارن في الحاشية: "إن كثيراً من القدماء كانوا شاكين في
الأجزاء الكثيرة من أناجيلنا هذه، وما قدروا أن يفصلوا الأمر"، ثم قال إكهارن: "إنه لا يمكن في زماننا لأجل وجود صنعة الطبع أن يُحَرَّف كتاب أحد، ولم يسمع هذا الأمر لكن حال الزمان السابق الذي لم يخترع فيه الصنعة المذكورة مخالف لهذا الزمان، لأن النسخة الواحدة المملوكة لواحدٍ هذا الأمر ممكن فيها، فإذا نقلت عن هذه النسخة نسخ متعددة، ولم يحقق أن هذه النسخة مشتملة على كلام المصنف فقط أم لا، فهذه النقول تنتشر لأجل عدم العلم، وكثير من النسخ المكتوبة في الأزمنة المتوسطة موجودة الآن أيضاً، ومتوافقة في العبارات الإلحاقية أو الناقصة، ونرى كثيراً من المرشدين أنهم يشكون شكاية عظيمة أن الكاتبين وملاك النسخ حرفوا مصنفاتهم بعد مدة قليلة من تصنيفهم، وحرفت رسائل ديوني سيش قبل أن ينتشر نقولها، كما يشكو أن تلامذة الشيطان أدخلوا فيها نجاسة أخرجوا بعض الأشياء، وزادوا بعضها من جانبهم".
وعلى هذه الشهادة ما بقيت الكتب المقدسة محفوظة، وإن لم تكن عادة أهل ذلك الزمان التحريف لما كتب المصنفون في ذلك الزمان في آخر كتبهم اللعن والأيمان الغليظة، لئلا يُحرِّف أحد كلامهم، وهذا الأمر
قد وقع بالنسبة إلى تاريخ عيسى عليه السلام أيضاً ألبتة، وإلا لماذا يعترض سلسوس أنهم بدلوا أناجيلهم ثلاث مرات أو أربع مرات بل أزيد منها، ولماذا اجتمع في بعض الأناجيل بعض الفقرات التي كانت مشتملة على بعض الأحوال المسيحية ومتفرقة في الأناجيل المختلفة، مثلاً: اجتمع في الإنجيل الأبيوني جميع حال اصطباغ المسيح، الذي كان متفرقاً في هذه الأناجيل الثلاثة الأول والتذكرة التي نقل عنها جُستن كما صرح أبي فانيس، ثم قال إكهارن في موضع آخر:"إن الناس الذين لم يكن لهم استعداد التحقيق اشتغلوا من وقت ظهور هذه الأناجيل بالزيادة والنقصان، وتبديل لفظ بمرادف له، ولا تعجب فيه، لأن الناس كان عادتهم من وقت وجود التاريخ العيسوي أنهم كانوا يبدلون عبارات الوعظ والحالات المسيحية التي كانت عندهم على حسب علمهم، وهذا القانون الذي أجراه أهل الطبقة الأولى كان جارياً في الطبقة الثانية والثالثة، وهذه العادة كانت في القرن الثاني مشهورة بحيث كان مخالف الدين المسيحي واقفاً عليها. يعترض سلسوس على المسيحيين أنهم بدلوا أناجيلهم ثلاث مرات أو أربع مرات، بل أزيد منها تبديلاً كأن مضامينها بُدِّلت، وذكر كليمنس أيضاً أن في آخر القرن الثاني أناساً كانوا يحرِّفون الأناجيل، وكان ينسب إلى هذا التحريف أنه وقع في الآية الحادية عشرة من الباب الخامس من إنجيل متى بدل هذه الفقرة: "لهم ملك السماوات"، وفي بعض النسخ هذه الفقرة: "يكونون كاملين"، وفي بعض النسخ هذه الفقرة: "يجدون موضعاً لا يولمون هناك" انتهى كلام إكهارن على ما نقل نورتن.
ثم قال نورتن بعد نقله: "لا يظن أحد أن هذا رأي إكهارن فقط، لأن كتاباً من الكتب لم يقبل في الجرمن قبولاً زائداً من كتابه، ويوافق رأي كثير من العلماء المتأخرين من الجرمن رأيه في أمر الأناجيل، وكذا في الأمور التي يلزم منها الإلزام على صدق الأناجيل" ولما كان نورتن حامياً للإنجيل رد كلام إكهارن بعد نقله على زعمه، لكنه ما أتى بشيء يُعْتد به كما لا يخفى على من نظر إليه، ومع ذلك اعترف هو أيضاً أن سبعة مواضع من هذه الأناجيل محرفة إلحاقية ليست من كلام الإنجيليين: 1 - صرح في الصفحة 53 من كتابه أن البابين الأولين من إنجيل متى ليسا من تصنيفه، 2 - وفي الصفحة 63 أن قصة يهودا الأسخريوطي المذكورة في الباب السابع والعشرين من إنجيل متى من الآية الثالثة إلى العاشرة كاذبة إلحاقية، 3 - وكذا الآية 52 و 53 من الباب المذكور إلحاقيتان، 4 - في الصفحة 70 أن اثنتي عشرة آية من التاسعة إلى العشرين من الباب السادس عشر من إنجيل مرقس إلحاقية، و 5 - في الصفحة 89 أن الآية 43 و 44 من الباب الثاني والعشرين من إنجيل لوقا إلحاقية،.
و 6 - في الصفحة 84 أن هذه العبارة: "يتوقعون تحريك الماء لأن ملاكاً كان ينزل أحياناً في البركة، ويحرك الماء فمن نزل أولاً بعد تحريك الماء كان يبرأ من أي مرض اعتراه" في الآية الثالثة والرابعة من الباب الخامس من إنجيل يوحنا إلحاقية، و 7 - في الصفحة 88 أن الآية 24 و 25 من الباب الحادي والعشرين من إنجيل يوحنا إلحاقيتان. فهذه المواضع السبعة عنده إلحاقية وليست إلهامية.
وقال في الصفحة 61: "قد اختلط الكذب الروايتي ببيان المعجزات التي نقلها لوقا، والكاتب ضمه على طريقة المبالغة الشاعرية لكن تميز الصدق عن الكذب في هذا الزمان عسير" فالبيان المختلط بالكذب والمبالغة الشاعرية كيف يكون إلهامياً صرفاً؟.
وأقول: ظهر من كلام إكهارن الذي هو مختار كثير من العلماء المتأخرين من الجرمن أربعة أمور: (الأول) أن الإنجيل الأصلي قد فُقد. (والثاني) أنه يوجد في هذه الأناجيل الروايات الصادقة والكاذبة. (والثالث) أنه وقع فيها التحريف أيضاً، وكان سلسوس من علماء