الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجتمع من فساد المناهج الباطلة، وتعصمهم أن يكونوا من أهل النار {لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [القصص: 43] .
والتذكر يعني: أنه كان لديك قضية، ثم نسيتها فاحتجْتَ لمن يُذكرك بها، فهي ليست جديدة عليك، هذه القضية هي الفطرة:
{فِطْرَتَ الله التي فَطَرَ الناس عَلَيْهَا
…
} [الروم: 30] .
لكن هذه الفطرة السليمة تنتابها شهوات النفس ورغباتها، وتطرأ عليها الغفلة والنسيان؛ لذلك يذكِّر الحق سبحانه الناس بما غفلوا عنه من منهج الحق، إذن: في الفطرة السليمة المركوزة في كل نفس مُقوِّمات الإيمان والهداية، لولا غفلة الإنسان.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي
…
} .
قوله: {بِجَانِبِ الغربي
…
} [القصص:
44]
أي: الجانب الغربي من البقعة المباركة من الشجرة، وهو المكان الذي كلَّم الله فيه موسى وأرسله {إِذْ قَضَيْنَآ إلى مُوسَى الأمر
…
} [القصص: 44] يعني: أمرناه به أمراً مقطوعاً به، وهو الرسالة.
{وَمَا كنتَ مِنَ الشاهدين} [القصص: 44] .
ولك أنْ تسأل: إذا لم يكُنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم َ شاهداً لهذه الأحداث، فمَنْ أخبره بها؟ نقول: أخبره الله تعالى، فإنْ قُلْت فربما أخبره بها شخص آخر، أو قرأها في كتب السابقين.
نقول: لقد شهد له قومه بأنه أُميٌّ، لا يقرأ ولا يكتب، ولم يُعْلَم عنه أنه جلس في يوم من الأيام إلى مُعلِّم، كذلك كانوا يعرفون سيرته في حياته وسفرياته ورحلاته، ولم يكُنْ فيها شيء من هذه الأحداث.
لذلك لما اتهموا رسول الله أنه جلس إلى معلم، وقالوا: كما حكى القرآن: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ
…
} [النحل: 103] ردَّ القرآن عليهم في بساطة: {لِّسَانُ الذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وهذا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} [النحل: 103] .
وكانوا يقصدون بذلك حدادين روميين تردد عليهما رسول الله. وكذلك كانت الأمة التي بُعِث فيها رسول الله أمة أمية، فمَّمن تعلَّم إذن؟
وإذا كانت الأمية صفة مذمومة ننفر منها، حتى أن أحد سطحيي الفهم يقول: لا تقولوا لرسول الله أميٌّ ونقول: إن كانت الأمية مَذمَّة، فهي ميزة في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم َ؛ لأن الأمي يعني المنسوب إلى الأم وما يزال على طبيعته لا يعرف شيئاً.
واقرأ قوله تعالى: {والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً
…
} [النحل: 78] ونقول في المثل (فلان زي ما ولدتْه أمه) يعني: لا يعرف شيئاً، وهذه مذمة في عامة البشر؛ لأنه لم يتعلم ممَّنْ حوله، ولم يستفِدْ من خبرات الحياة.
أما الأمية عند رسول الله فشرف؛ لأن قصارى المتعلِّم في أيِّ أمة من الأمم أنْ يأخذ بطرفٍ من العلم من أمثاله من البشر، فيكون مديناً له بهذا العلم، أمَّا رسول الله فقد تعلم من العليم الأعلى، فلم يتأثر في علمه بأحد، وليس لأحد فضل عليه ولا منة.
لذلك تعجب الدنيا كلها من أمة العرب، هذه الأمة الأمية المتبدية التي لا يجمعها قانون، إنما لكل قبيلة فيها قانونها الخاص، يعجبون: كيف سادتْ هذه الأمةُ العالمَ، وغزتْ حضارتهم الدنيا في نصف قرن من الزمان.
ولو أن العرب أمة حضارة لقالوا عن الإسلام قفزة حضارية، كما قالوا بعد انتصارنا في أكتوبر، وبعد أن رأى رجالنا أشياء غير عادية تقاتل معهم، حتى أنهم لم يشكُّوا في أنها تأييد من الله تعالى لجيش بدأ المعركة بصيحة الله أكبر، لكن ثالث أيام المعركة طلع علينا في جرائدنا من يقول: إنه نصر حضاري، وفي نفس اليوم فُتحت الثغرة في (الدفرسوار) .
وعجيب أمر هؤلاء من أبناء جلدتنا؛ لماذا تردُّون فضل الله وتنكرون تأييده لكم؟ وماذا يضايقكم في نصر جاء بمدد من عند الله؟ ألم تقرأوا: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَاّ هُوَ
…
} [المدثر: 31] وبعد أن فُتحت الثغرة ماذا قدمتم لسدِّها، تعالوا بفكركم الحضاري وأخرجونامن هذا المأزق.
وإذا ثَقُلَ على هؤلاء الاعتراف بجنود الله بين صفوفهم، أليس المهندس الذي اهتدى إلى فكرة استخدام ضغط الماء في فتح الطريق في (بارليف) لينفذ منه الجنود، أليس من جنود الله؟