الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلَا يلدوا إِلَاّ فَاجِراً كَفَّاراً} [نوح: 26 - 27] .
ومحمد صلى الله عليه وسلم َ يقول في محاورته مع كفار مكة: {قُل لَاّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سبأ: 25] .
سبحان الله ما هذا التواضع، وهذا الأدب الجم في استمالة القوم، ينسب الإجرام إلى نفسه وهو رسول الله، وحينما يتكلم عنهم يقول {تَعْمَلُونَ} [سبأ: 25] فيُسمِّي إجرامهم وإيذاءهم وكفرهم عملاً، ولو قال كما قال أخوه لكان تواضعاً منه صلى الله عليه وسلم َ.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ياأيها الملأ
…
} .
خشي فرعون من كلام موسى على قومه، وتصوَّر أنه سيحدث لهم كما نقول (غسيل مخ) فأراد أن يُذكِّرهم بألوهيته، وأنه لم يتأثر بما سمع من موسى {ياأيها الملأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي
…
} [القصص:
38]
يعني: إياكم أنْ تصدّقوا كلام موسى، فأنا إلهكم، وليس لكم إله غيري.
ثم يؤكد هذه الألوهية فيقول لهامان وزيره: {فَأَوْقِدْ لِي ياهامان عَلَى الطين فاجعل لِّي صَرْحاً لعلي أَطَّلِعُ إلى إله موسى
…
} [القصص: 38] وفي موضع آخر قال: {ياهامان ابن لِي صَرْحاً لعلي أَبْلُغُ الأسباب أَسْبَابَ السماوات فَأَطَّلِعَ إلى إله موسى
…
} [غافر: 36 - 37] .
وكأنه يريد أن يُرضي قومه، فها هو يريد أنْ يبحث عن الإله الذي يدَّعيه موسى، وكأنه إنْ بنى صرحا واعتلاه سيرى رب موسى، لكن هل بنى له هامان هذا الصرح؟ لم يَبْن له شيئاً، مما يدل على أن المسألة هَزْل في هَزْل، وضحك على القوم الذين استخفّهم ولعِب بعقولهم.
وإلا، فما حاجتهم لحرق الطين ليصير هذه القوالب الحمراء التي نراها ونبني بها الآن وعندهم الحجارة والجرانيت التي بنَوْا بها الأهرامات وصنعوا منها التماثيل؟ وعملية حَرْق الطين تحتاج إلى كثير من الوقت والجهد، إذن: المسألة كسب الوقت من الخَصْم، وتخدير الملأ من قومه.
وقوله: {لعلي أَطَّلِعُ إلى إله موسى
…
} [القصص: 38] وقبل أنْ يصل إلى حكم فيرى إله موسى أو لا يراه، يبادر بالحكم على موسى {وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الكاذبين} [القصص: 38] ؛ ليصرف ملأه عن كلام موسى.
أي: تكبروا دون حق، وبغير مبررات للكِبْر، فليس لديهم هذه المبررات؛ لأن الإنسان يتكبَّر حين تكون عظمَته ذاتية فيه، أمّا العظمة المخلوقة لك من الغير فلا تتكبر بها، مَنْ يتكبر يتكبَّر بشيء ذاتي فيه، كما يقولون (اللي يخرز يخرز على وركه) .
وكذلك في دواعي الكِبْر الأخرى: الغِنَى، القوة، الجاه، والسلطان
…
إلخ.
لذلك يكره الله تعالى المتكبرين، ويقول في الحديث القدسي:«الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما أدخلته جهنم» .
والكبرياء والعظمة صفة جلال وجمال لله تعالى تجعل الجميع أمام كبرياء الله سواء، فلا يتكبَّر أحد على أحد (ونرعى جميعاً مساوي) في ظل كبرياء الله الذي يحمي تواضعنا، فلو تكبَّر أحدنا على الآخر لتكبَّر بشيء موهوب له، ليس ذاتياً فيه؛ لذلك ينتصر الله لمن تكبَّرت عليه، ويجعله أعلى منك، وعندنا في الأرياف يقولون:(اللي يرمي أخاه بعيب لن يموت حتى يراه في نفسه) .
والمتكبّر في الحقيقة ناقصُ الإيمان؛ لأنه لا يتكبَّر إلا حين يرى الناس جميعاً دونه، ولو أنه استحضر كبرياء خالقه لاستحيا أنْ يتكبَّر أمامه، وهكذا كان استكبار فرعون وجنوده في الأرض بغير حق.
أما إنْ كان الاستكبار من أجل حماية الضعيف ليعيش في ظلاله