المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ثم يمتنُّ الله تعالى بالآية المقابلة لليل، وهي آية النهار: - تفسير الشعراوي - جـ ١٨

[الشعراوي]

الفصل: ثم يمتنُّ الله تعالى بالآية المقابلة لليل، وهي آية النهار:

ثم يمتنُّ الله تعالى بالآية المقابلة لليل، وهي آية النهار: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ الليل سَرْمَداً إلى يَوْمِ القيامة

} [القصص: 72] يعني: دائم لا نهاية له {مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلَا تُبْصِرُونَ} [القصص: 72] .

تلحظ أن هاتين الآيتين على نَسَق واحد، لكن تذييلهما مختلف، مما يدلُّ على بلاغة وإعجاز القرآن، فلكلِّ معنىً ما يناسبه، ففي آية الليل قال {أَفَلَا تَسْمَعُونَ} [القصص: 71] وفي آية النهار قال: {أَفلَا تُبْصِرُونَ} [القصص: 72] ذلك لأن العين لا عملَ لها في الليل إنما للأذن، فأنت تسمع دون أنْ ترى، وبالأذن يتمُّ الاستدعاء.

أما في النهار وفي وجود الضوء، فالعمل للعين حيث تبصر، فهو إذن ختام حكيم للآيات يضع المعنى فيما يناسبه.

ثم يُجمل الله تعالى هاتين الآيتين في قوله سبحانه: {وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ

} .

ص: 11003

بعد أنْ فصَّل الله تعالى القولَ في الليل والنهار كلّ على حدة جمعهما؛ لأنهما معاً مظهر من مظاهر رحمة الله، وفي الآية ملمح بلاغي يسمونه «اللف والنشر» ، فبعد أن جمع الله تعالى الليل والنهار أخبر عنهما بقوله:{لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ. .} [القصص:‌

‌ 73]

ثقة منه تعالى بفطْنة السامع، وأنه سيردُّ كلاً منهما إلى ما يناسبه، فالليل يقابل {لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ

} [القصص: 73] ، والنهار يقابل {وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ

} [القصص: 73] .

فاللفُّ أي: جَمْع المحكوم عليه معاً في جانب والحكم في جانب آخر، والنشرْ: ردّ كلِّ حكم إلى صاحبه.

ص: 11003

وضربنا لذلك مثلاً بقول التيمورية:

قَلْبي وجَفْني واللسَانُ وخَالِقي

رَاضٍ وبَاكٍ شَاكِرٌ وغَفُور

فجمعتْ المحكوم عليه في الشطر الأول والحكم في الشطر الثاني، وعليك أنْ تعيد كلَّ حكم إلى صاحبه.

والليل والنهار آيتان متكاملتان، وبهما تنتظم حركة الحياة؛ لأنك إنْ لم ترتح لا تقوى على العمل؛ لأن لك طاقة، وفي جسمك مُولِّدات للطاقة، فساعةَ تتعب تجد أن أعضاءك تراخَتْ وأُجهدَتْ، وهذا إنذار لك، تُنبِّهك جوارحك لم تَعُدْ صالحاً للحركة، ولا بُدَّ لك من الراحة لتستعيد نشاطك من جديد.

والراحة تكون بقدر التعب، فربما ترتاح حين تقف مثلاً في حالة السير، فإنْ لم يُرِحْك الوقوف تجلس أو تضطجع، فإنْ زاد التعب غلبك النوم، وهو الرَّدْع الذاتي الذي يكبح جماح صاحبه إنْ تمرد على الطبيعة التي خلقها الله فيه.

ومن عجب أن البعض يخرج عن هذه الطبيعة، فيأخذ مُنشِّطات حتى لا يغلبه النوم، ويأخذ مُهدِّئات لينام، ولو أسلم نفسه لطبيعتها، فنام حينما يحضره النوم، وعمل حينما يجد في نفسه نشاطاً للعمل لأراحَ نفسه من كثير من المتاعب.

لذلك يقولون: النوم ضيف إنْ طلبك أراحك، وإنْ طلبته أعْنتك، وحتى الآن، ومع تقدُّم العلوم لم يصلوا إلى سرِّ النوم، وكيف يأخذ الإنسان في هدوء ولُطْف دون أنْ يشعر ماهيتهَ، وأتحدى أن يعرف أحد منا كيف ينام.

لذلك جعل الله النوم آية من آياته تعالى، مثل الليل والنهار والشمس والقمر، فقال سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بالليل والنهار

} [الروم: 23] .

ص: 11004

ثم يقول الحق سبحانه: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ

} .

ص: 11005

تقدمت المناداة قبل ذلك مرتين ومع ذلك لا يوجد تكرار لهذا المعنى؛ لأن كلَّ نداء منها له مقصوده الخاص، فالنداء في الأولى خاص بمَنْ أشركوهم مع الله وما قالوه أمام الله تعالى: {رَبَّنَا هؤلاء الذين أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا

} [القصص: 63] .

أما الثانية، فالنداء فيها للمشركين {مَاذَآ أَجَبْتُمُ المرسلين} [القصص: 65] .

أما هنا، فيهتم النداء بمسألة الشهادة عليهم. إذن: فكلمة (أين) و (شركائي) و (الذين كنتم تزعمون) قَدْر مشترك بين الآيات الثلاثة، لكن المطلوب في كل قَدْر غير المطلوب في القَدْر الآخر، فليس في الأمر تكرار، إنما توكيد في الكل.

ثم يقول الحق سبحانه: {وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا

} .

ص: 11005