المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

- صلى الله عليه وسلم، فالعُروبَةُ لَا تُغنِي شَيئًا مَعَ - تفسير العثيمين: الزخرف

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآية (1)

- ‌الآية (2)

- ‌الآية (3)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الآية (4)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (5)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (6)

- ‌الآية (7)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (8)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (9)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (10)

- ‌الآية (11)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌الفَائِدَةُ الحَادِيَة عَشْرَةَ:

- ‌الآية (12)

- ‌الآيتان (13، 14)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الآية (15)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (16)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الآية (17)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الآية (18)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (19)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الآية (20)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الآية (21)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (22)

- ‌الآية (23)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (24)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (25)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الآيتان (26، 27)

- ‌الآية (28)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الآية (29)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الآية (30)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثانِيَةُ:

- ‌الآية (31)

- ‌الآية (32)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌الآية (33)

- ‌الآية (34)

- ‌الآية (35)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآيات (36 - 38)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الآية (39)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (40)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (41)

- ‌الآية (42)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الآية (43)

- ‌الآية (44)

- ‌الآية (45)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

الفصل: - صلى الله عليه وسلم، فالعُروبَةُ لَا تُغنِي شَيئًا مَعَ

- صلى الله عليه وسلم، فالعُروبَةُ لَا تُغنِي شَيئًا مَعَ الكُفْرِ، فإِذَا اجتمَعَ الدِّينُ والدُّنيا فَمَا أحْسَنَ الدِّينَ والدُّنيَا إِذَا اجتَمَعَا: صَارَ مُسلِمًا وعَرَبيًّا.

فإِنْ قَال قَائِلٌ: هَلْ فِي القُرآنِ مِنَ الكلِمَاتِ مَا لَيسَ بعَرَبيٍّ؟

فالجَوابُ: لَا، أبَدًا، كُلُّ مَا فِي القُرآنِ عرَبيٌّ، لكِنَّ بعضَهُ مِنْ صَمِيمِ اللُّغةِ العَربيَّةِ، وبعضَهُ مُعرَّب، أَي: أصْلُهُ غَيرُ عرَبيٍّ لكنَّهُ عُرِّب، وإِذَا عُرِّبَ صَارَ عَرَبيًّا، فإنَّهُ لمَّا تَكَلَّم بِهِ العَرَبُ صَارَ عرَبِيًّا للاستِعْمَالِ وإِنْ كَانَ أَصْلُهُ غَيرَ عرَبِيٍّ، أرَأَيتَ أنْتَ إِذَا أخذْتَ الجِنْسِيَّةَ فِي بَلَدٍ تَكوُن مُنهُمْ، وأنْتَ فِي الأَصْلِ مِنْ غَيرِهِمْ، فلَيسَ فِي القُرآنِ مَا لَيسَ بعَرَبيٍّ.

وأمَّا قَوُله تَعالى: {سُنْدُسٍ} ، {وَإِسْتَبْرَقٌ} ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ فإنَّ هَذه عُرِّبت فصَارَتْ مِنْ كَلَامِ العَرَبِ.

‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

أن الحُجَّة لَا تَكُونُ إلَّا بالفَهْمِ، أَي: أن الحُجَّةَ لَا تَقُوم عَلَى العِبَادِ إلا إِذَا فهِمُوها، لقَولِهِ:{لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} والعَقْلُ هُنَا بمَعْنَى الفَهْمِ، فَلَوْ تُلِيَ القُرآنُ عَلَى رَجُلٍ أَعْجميٍّ لَا يَعرِفُ معنَاهُ ولَمْ يُقَلْ لَهُ: هَذَا كَلَامُ اللهِ. فإنَّهُ لَا حُجَّةَ قَائمَةٌ، ويدُلُّ لهَذَا قولُهُ عز وجل:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4]، فهذ مسأَلةٌ عظِيمَةٌ؛ الحُجَّةُ لَا تَقُومُ عَلَى العِبَادِ إلَّا بفَهمِهَا ومعرِفَةِ مَعْناهَا، وإلَّا فأَيُّ حُجَّةٍ فِي رَجُلٍ يَتكَلَّمُ بكَلَامٍ لَا نَفهَمُه؟ ! لَا حُجَّةَ؛ ولذَلِكَ لَوْ قَامَ أعجمِيٌّ أمَامَنا ونحْنُ عرَبٌ لَا نَعرِفُ لُغتَهُ وتَكَلَّم بأفصَحِ مَا يكُونُ فِي لُغتِهِ لَا نَفهَمُ شَيئًا أبَدًا؛ فلَا بُدَّ مِنْ فَهْمِ الحُجَّةِ.

فإِنْ قَال قَائِلٌ: قَوُلكُم: إنَّ الحُجَّةَ لَا تَقُوم إلَّا بفَهْمِهِ، هَلْ يَنبَنِي عَلَى هَذَا أن القُبورِّيينَ الَّذِين لَمْ يَفهَمُوا بَابَ العِبَادَةِ حَقَّ الفَهْمِ -وَيقْرَؤُون القُرآنَ- أنَّهُم مَعذُورُون

ص: 39

بذَلِكَ؛ لأَنَّ البعْضَ يَقُولُ: الحُجَّةُ قَائمَةٌ بوجُودِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ؟

فالجَوابُ: هؤُلاءِ مُقصِّرُون، يَعْنِي: أنَّهُم يُعرَض عليهِمُ الحَقُّ ولكِنَّهُم لَا يَقْبَلُونَهُ، لكِنْ لَوْ فَرَضْنا أن أُنَاسًا بَعِيدِينَ عَنِ المُدُنِ وعَنِ العِلْمِ، وهُمْ مُسلِمُونَ، يُصَلُّونَ، وَيعمَلُونَ كُلَّ أعْمَالِ الإسلَامِ وهُمْ قُبورِيُّون، هؤُلاءِ لَمْ تُقَمْ عليهِمُ الحُجَّةُ، لكِنَّ غَالِبَ القُبوريِّينَ الْآنَ -إنْ لَمْ يَكُنْ كُلُّهم- قَدْ قِيلَ لهمْ: إنَّ هَذَا شِرْكٌ، ولكِنْ قصَّرُوا وقَالُوا:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 22].

وإِنْ قَال قَائِلٌ: هَلْ فَهْمُ القُرآنِ يَكُونُ عَلَى حَسبِ ذَكَاءِ الشَّخصِ أَوْ عَلَى حسبِ تَقْوَاهُ للهِ جَلَّ وَعَلَا؟

فالجَوابُ: عَلَى هَذَا وهَذَا؛ ولذَلِكَ قَال عَليٌّ رضي الله عنه: "إلا فَهْمًا يُؤْتِيهِ اللهُ تَعَالى مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ"

(1)

، والتَّقْوَى لهَا تأْثِيرٌ فِي فَهْمٍ القُرآنِ الكَرِيمِ؛ قَال اللهُ سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17] وَقَال فِي القُرْآنِ: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2].

فإِنْ قَال قَائِلٌ: مَاذَا تَقُولُون فِي قَولِ اللهِ سبحانه وتعالى: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] وَلَمْ يَقُلْ: ومَنْ فَهِمَهُ؟ !

فالجَوابُ: أَنْ نَقُولَ {وَمَنْ بَلَغَ} مُقيَّد بالنُّصوصِ الأُخْرَى الدَّالَّةِ عَلَى أنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الفَهْمِ. أَوْ يُقالُ: {وَمَنْ بَلَغَ} مِنَ العَرَبِ الَّذِين يَفهَمُونَهُ، ولَا بُدَّ مِنْ هَذَا، واللهُ عز وجل أرْحَمُ وأحكَمُ مِنْ أَنْ يُلزِمَ العِبَادَ بِمَا لَا يَفهَمُونَهُ.

(1)

أخرجه البخاري: كتاب العلم، باب كتابة العلم، رقم (111)، ومسلم: كتاب الحج، باب فضل المدينة، رقم (1370).

ص: 40

فإِنْ قِيل: سِيَاقُ الآيَاتِ الَّتِي فِيهَا: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] إنَّما كَانَ فِي رسَالةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فهَلْ يَصِحُّ الاستِشْهَادُ بِهِ عَلَى العُمُومِ؟

فالجَوابُ: نعَمْ يَصِحُّ؛ لأَنَّ العِبرَةَ بعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّببِ.

فائدة: بعضُ النَّاسِ يَستَنْبِطُ مِنَ الآيَاتِ مَا لَا تَحتَمِلُهُ الآيَاتُ، أرَأيتُمْ أوَّلَ مَا خرَجَ وُصولُ البشَرِ إِلَى القَمَرِ -ولعَلَّهُ حصَلَ قَبْلَ أَنْ يُميِّزَ أكثَرُكُمْ، أكثرُكُمْ شَبَابٌ والحمْدُ لله- لمَّا حدَثَتْ هذِهِ الحَادِثَةُ وقَالُوا: إنَّ البَشَرَ وَصلُوا إِلَى القَمَرِ وأخذُوا منْهُ عيِّنةٌ وجَاؤُوا بهَا إِلَى الأَرْضِ وادَّعَوْا أنَّها مِنَ القَمَرِ، أحجَارٌ سودَاءُ رأَينَاها، قَال النَّاسُ: هَذَا مَوجُود في القُرآنِ، فاللهُ عز وجل يَقُولُ:{يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إلا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: 33] أي: بعِلْمٍ، وهؤُلاءِ وَصَلُوا إِلَى أقطَارِ السَّمواتِ بالعِلْمِ، فقَالُوا: هذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى هَذَا.

لكِنَّ هَذَا التَّفسِيرَ محُرَّم، وقَولٌ عَلَى اللهِ، وكذِبٌ عَلَى اللهِ، فإنَّ الْآيَةَ في سِيَاقِ التَّحدِّي {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إلا بِسُلْطَانٍ} ، ولا يُمكِنُ أَنْ يَتَحَدَّى اللهُ عز وجل أحَدًا بِمَا يَستَطِيعُ، التَّحدِّي مَعنَاهُ أن المُخاطبَ لَا يَستَطِيعُ، هذِهِ وَاحِدَةٌ.

ثَانيًا: الْآيَةُ {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إلا بِسُلْطَانٍ} فبَدَأَ بالسَّمواتِ، فلَا يُمكِنُ لهؤُلاءِ أَنْ يَنفُذُوا مِنْ أقطَارِ السَّمواتِ، وإِذَا كَانَ أفضَلُ رَسُولٍ فِي البَشَرِ، وأفضَلُ رَسُولٍ فِي المَلَائكَةِ لَمْ يَدْخُلِ السَّماءَ الدُّنيَا إلَّا باستِفْتَاحٍ وإذْنٍ فكَيفَ بهَؤُلاءِ؟ !

فهؤُلاءِ إِنْ نفَذُوا مِنْ أقطَارِ الأَرْضِ لَمْ يَنفُذُوا مِنْ أقطَارِ السَّمواتِ.

ص: 41

ثَالثًا: قَال اللهُ عز وجل بعْدَ قولِهِ: {لَا تَنْفُذُونَ إلا بِسُلْطَانٍ} قَال: {يُرْسَلُ عَلَيكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ} [الرحمن: 35] وَلَمْ يُرسَلْ عَلَى هَؤُلاءِ شُواظٌ مِنْ نَارٍ ونُحَاسٌ؛ فتَفسيرُ القُرَآنِ بمَا لَا يَحتَمِلُه هَذَا محُرَّم؛ لأَنَّ المُفسِّر يَشْهَدُ أن اللهَ أَرَادَ كَذَا.

ومثْلُ قَولِ بعضِهِمْ: {وَتَرَى الْجِبَال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: 88] قَال: هَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أن الأرْضَ تَدُور.

والمَسأَلةُ هذ حَصَلَ فِيهَا مَعرَكَةٌ كَبِيرةٌ: هَلِ الأَرْضُ تَدُورُ أَوْ لَا تَدُورُ؟ وكُتِبت فِي ذَلِكَ مَنشُوراتٌ فِي الصُّحفِ ورسَائِلُ صَغِيرةٌ؛ إنْكَارًا وتَأيِيدًا، فجَاءَ هَذَا الرَّجُل المُتعلِّم فقَال: هَذهِ في القُرآنِ: {وَتَرَى الْجِبَال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} قِيلَ: هَذَا يومَ القِيَامَةِ. قَال: يَومَ القِيامَةَ لَا يُمكِنُ أَنْ يُرَى الشَّيءُ إلَّا عَلَى حقِيقَتِهِ، لَا يَرَاهُ عَلَى غَيرِ حقيقَتِهِ. فقِيلَ لَهُ جَوَابًا عَلَى هَذَا: أَلَمْ تَقْرَأْ قَولَ اللهِ عز وجل: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج: 1 - 2] فهَذَا رؤْيةُ الشَّيءِ عَلَى غَيرِ حقيقَتِهِ، وهُوَ مُمكِن؛ فالْآيَةُ {وَتَرَى الْجِبَال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} يَوْمَ القِيامَةِ {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} لأنَّها تَكُونُ هَبَاءً.

فهَذَا أيضًا مِنَ الغَلَطِ، وتَحْمِيلِ القُرآنِ مَا لَا يَحْتَمِلُ.

ص: 42