المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات (36 - 38) - تفسير العثيمين: الزخرف

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآية (1)

- ‌الآية (2)

- ‌الآية (3)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الآية (4)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (5)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (6)

- ‌الآية (7)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (8)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (9)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (10)

- ‌الآية (11)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌الفَائِدَةُ الحَادِيَة عَشْرَةَ:

- ‌الآية (12)

- ‌الآيتان (13، 14)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الآية (15)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (16)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الآية (17)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الآية (18)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (19)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الآية (20)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الآية (21)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (22)

- ‌الآية (23)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (24)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (25)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الآيتان (26، 27)

- ‌الآية (28)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الآية (29)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الآية (30)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثانِيَةُ:

- ‌الآية (31)

- ‌الآية (32)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌الآية (33)

- ‌الآية (34)

- ‌الآية (35)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآيات (36 - 38)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الآية (39)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (40)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (41)

- ‌الآية (42)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الآية (43)

- ‌الآية (44)

- ‌الآية (45)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

الفصل: ‌الآيات (36 - 38)

‌الآيات (36 - 38)

قَال اللهُ عز وجل: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَال يَاليتَ بَينِي وَبَينَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَينِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف: 36 - 38].

قَال اللهُ تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} لمَّا ذكَرَ أحوَال الدُّنيَا، وأنَّهُ لَولَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً عَلَى الكُفْرِ لمتَّعَ الكُفَّار بِمَا سمِعْتُم، وهذِهِ الدُّنيا لَا بُدَّ أَنْ تَحمِلَ الإنسَانَ عَلَى الإعْرَاضِ عَنْ ذِكْرِ اللهِ عز وجل؛ قَال:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيطَانًا} .

قَوُلهُ: {وَمَنْ يَعْشُ} فسَّرها رحمه الله بـ[يُعرِضُ]، ولكِنَّ التَّفسِيرَ المُطَابِقَ أَنَّ مَعْنَى:{يَعْشُ} أَي: يَتَعَامَى حتَّى يَرَى رُؤَيةَ الأعْشَى الَّذِي يُبصِرُ فِي النَّهارِ ولَا يُبْصِرُ فِي اللَّيلِ، فمَعْنَى:{يَعْشُ} أَي: يَتَعَامَى كَمَا فَسَّرَهَا بذَلِكَ ابْنُ كَثِيرٍ وغَيرُهُ مِنَ المُفسِّرينَ، ولكِنَّ المُفسِّرَ فسَّرَها بـ[يُعرِضُ]؛ لأنَّهُ مِنْ لازِمِ التَّعامِي الإعرَاضُ.

قَال رحمه الله: [{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} أَيِ: القُرآنِ] فجعَلَ المُفسِّرُ ذِكْرَ الرَّحمنِ يَعْنِي: القُرآنَ، وأَضَافَهُ إِلَى الرَّحمَنِ؛ لأَنَّ إنزَالهُ رحمَةٌ للخَلْقِ، هكَذَا مَشَى المُفسِّرُ رحمه الله.

والصَّوابُ: خِلَافُ ذَلِكَ، والمُرادُ بـ {ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} تَذَكُّر الرَّحمنِ، يَعْنِي: مَنْ

ص: 147

تَعَامَى عَنْ ذِكْرِ الرَّحمَنِ فِي قَلبِهِ واستِحْضَارِهِ لعظَمَةِ رَبِّه وجلَالِهِ، فإِنَّه يُقيِّضُ لَهُ الشَّيطانَ، فيَكُونُ هَذَا جَزاءً عَلَى إعرَاضِهِ وتَعَامِيهِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ، وهَذَا كقَوْلِهِ تعَالى:{وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} [الجن: 17].

فالصَّوابُ أن المُرادَ بذِكْرِ الرَّحمَنِ لَيسَ القُرآنَ، بَلِ المُرادُ بذِكْرِ الرَّحمَنِ ذِكْرُ اللهِ نفسِهِ. يَعْنِي: يَغْفُلُ قَلبُهُ عَنْ ذِكْرِ اللهِ، ولَا يَذكُرُ اللهَ بقَلْبِهِ، فهَذَا هُوَ الَّذِي يُقيَّض لَهُ الشَّيطانُ فيَتَّبعُ هَوَاهُ، كَمَا قَال عز وجل:{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} .

فإنْ قَال قَائِلٌ: قَولُهُ: {وَمَنْ يَعْشُ} هَلْ هَذَا يَكُونُ بالتَّقصِير فِي أُمُورِ الطَّاعاتِ أَو انتِهَاكِ المُحرَّماتِ؟

فالجَوابُ: لَا، الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى مَسأَلةٍ قَلبيَّةٍ {وَمَنْ يَعْشُ} يَتَعَامَى. فإِذَا صَلَحَ القَلْبُ صَلَحَتِ الجَوارِحُ.

وقَولُهُ: {نُقَيِّضْ لَهُ شَيطَانًا} قَال رحمه الله: [نُسبِّبُ لَهُ] وهَذَا قَرِيبٌ مِنَ المعْنَى المُطابِقِ، وإلَّا فإِنَّ مَعْنَى {نُقَيِّضْ} أَي: نُهيِّئ لَهُ شَيطَانًا يَحُلُّ محَلَّ ذِكْرِ اللهِ سبحانه وتعالى فيَستَوْلِي الشَّيطانُ عَلَى قَلْبِهِ، والشَّيطانُ يَأمُرُ بالفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ، كَمَا قَال سبحانه وتعالى:{الشَّيطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 268].

{نُقَيِّضْ لَهُ شَيطَانًا} : {فَهُوَ} أيِ: الشَّيطانَ {لَهُ} أيِ: للعَاشِي عَنْ ذِكْرِ اللهِ {قَرِينٌ} قَال رحمه الله: [لَا يُفارِقُه]، نَعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ.

ووجْهُ ذَلِكَ: أن الإنسَانَ فعَّالٌ مُريدٌ مُتحرِّكٌ قلبًا وقالبًا، فلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَشتَغِلَ

ص: 148

بشَيءٍ، فإِمَّا أَنْ يَكُونَ بذِكْرِ اللهِ، وإمَّا أَنْ يَكُونَ بوَسَاوسِ الشَّيطانِ، ولَا بُدَّ، لَا تَجِدُ أحَدًا قلبُهُ ساكِنٌ لَا يَتَحرَّكُ ولَا يُرِيدُ، هَذَا مُستحِيلٌ.

ولهَذَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ فِي الأسْمَاءِ: "أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ وعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ"

(1)

هَمَّامٌ الإرادَةُ القلبِيَّةُ، والحَارِثُ العَمَلُ، كُلُّ إنسَانٍ هكَذَا لَا بُدَّ. فيُهيِّئُ اللهُ لَهُ هَذَا الشَّيطانَ الَّذِي يُقارِنُهُ ولَا يُفارِقُهُ.

فإِنْ قَال قَائِلٌ: بالنِّسبَةِ لقُرنَاءِ السُّوءِ، إذَا كَانَ هُنَاكَ إنسَانٌ مُنحَرِفٌ يَظُنُّ الإنسَانُ أنَّهُ إِذَا كَانَ مَعَهُ رُبَّما يَدْعُوهُ، هَلْ يُصاحِبُه أَوْ يُصادِقُه؟

فالجَوابُ: ليسَ هَذَا صحيحًا، بَلْ يَجْلِسُ معَهُ للدَّعوةِ للحَقِّ ويُفارِقُه؛ لأنَّهُ لَا بُدَّ إذَا لازَمَهُ أَنْ يَتَأثَّر، ولَا نَدْرِي هَلْ يُؤثِّرُ المُستقِيمُ عَلَى المُنحَرِفِ، أَو المنْحَرِفُ عَلَى المُستقِيمِ.

والمُشَاهَدُ الْآنَ فِي الغَالِبِ أن المُنحرِفَ هُوَ الَّذِي يُؤثِّرُ عَلَى المُستَقِيمِ، هَذَا لَا نَعْلَمُه، فأنْتَ لَا تُقارِنُه، تَأتِي تَزورُهُ أَوْ تَدْعُوه إِلَى بيتِكَ فَقَطْ. أمَّا أَنْ تُلازِمَهُ وتَجعَلَهُ صَاحِبًا لَكَ فأنْتَ عَلَى خَطَرٍ عظِيمٍ، والإنسَانُ تُسوِّل نفسُهُ أنَّهُ إِذَا صَاحبَهُ كَانَ سَبَبًا فِي إقَامَتِهِ، ويَكُونُ الأمْرُ بالعَكْسِ مِثْلَ المرْأةِ يَخْطِبُها إنسَانٌ مُنحَرِفٌ، وتَرْغَبُ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ، وتَقُولُ فِي نفْسِهَا، أَوْ يَقُولُ وَليُّها: يَهْدِيهِ اللهُ. لعَلَّ اللهَ يَهدِيهِ إذَا تَزوَّجَ، ويَكُونُ الأمْرُ بالعَكْسِ، هذ المَرأةُ المُستقِيمَةُ تَكُونُ مُنحَرِفَةً بوَاسِطَةِ هَذَا الزَّوجِ.

والوَاجِبُ عَلَى الإنسَانِ إِذَا كَانَ لَهُ أخٌ مُستقِيمٌ ثُمَّ انحَرَفَ -مِنْ ناحِيَةِ نُصحِهِ أو تَركِهِ بالكُليَّةِ- لأنَّ الانحِرَافَ ينَصبُّ عَلَى المعَاصِي وعَلَى الدُّنيَا؛ الواجِبُ أَنْ

(1)

أخرجه الإمام أحمد (4/ 345)، وأبو داود: كتاب الأدب، باب في تغيير الأسماء، رقم (4950)، من حديث أبي وهب الجشمي.

ص: 149

يَدْعُوَه، فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ألَمْ يَدْعُ عَشِيرتَهُ الأقرَبِينَ، فلمَاذَا لَا يَدْعُوهُ؟ !

وقَال رحمه الله: [{وَإِنَّهُمْ} أَيِ: الشَّياطِينَ {لَيَصُدُّونَهُمْ} أيِ: العَاشِينَ {عَنِ السَّبِيلِ} أَي: طَريقِ الهُدَى {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}].

{وَيَحْسَبُونَ} أيِ: العَاشُونَ الَّذِين صَدَّتْهُمُ الشَّياطِينُ {أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} قَال رحمه الله: [فِي الجمْعِ رِعَايَةُ مَعْنَى (مَنْ)].

الشَّيطانُ -نَعُوذُ باللهِ مِنْهُ- إِذَا استَوْلَى عَلَى قَلْبِ الإنسَانِ زيَّن لَهُ سُوءَ عمَلِهِ، وظَنَّ أنَّهُ عَلَى حَقٍّ، ولكِنَّهُ عَلَى بَاطِلٍ، وهؤُلاءِ هُمْ أَخْسَرُ النَّاسِ أعْمالًا، كَمَا قَال تعَالى:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف: 103]، الجَوابُ بيَّنَهُ اللهُ، قَال:{الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104]؛ لأَنَّ الشَّيطانَ زِيَّن لهُمْ هَذَا، وقَال: أنْتُمْ عَلَى حَقٍّ، أنْتُمُ الأعْلَونَ. وسَوَّل لهُمْ، وأَمْلَى لهُمْ، حتَّى تَبِعوه.

ولهَذَا قَال رحمه الله: {وَإِنَّهُمْ} أيِ: الشَّياطينَ {لَيَصُدُّونَهُمْ} أيِ: العَاشِينَ {عَنِ السَّبِيلِ} أَي: سَبِيلِ الحَقِّ وطَرِيقِ الهُدَى].

{وَيَحْسَبُونَ} الوَاوُ تَعُودُ عَلَى العَاشِينَ {وَإِنَّهُمْ} أَيِ: العَاشِينَ {مُهْتَدُونَ} أَي: عَلَى هُدًى، وهَذَا غَايَةُ مَا يَكُونُ مِنَ الخُسْرَانِ -والعِيَاذُ باللهِ- أَنْ يَتَمَادَى الإنسَانُ بالبَاطِلِ، وهُوَ يَظُنُّ أنَّهُ عَلَى حَقٍّ.

قَال المُفسِّر رحمه الله: [فِي الجَمْعِ رعَايةُ معْنَى (مَنْ)] الجَمْعُ هُوَ قَولُهُ: {وَيَحْسَبُونَ} ، {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ} ففِيهَا رِعَايَةُ مَعْنَى (مَنْ) فِي قَوْلِهِ:{وَمَنْ يَعْشُ} كَلِمَةُ (مَنْ) وَ (مَا)، ومَا أَشبَهَهُما مِنَ الأَلفَاظِ العَامَّةِ، يَجوزُ مُراعَاةُ مَعْنَاهَا ومُراعَاةُ لفْظِهَا،

ص: 150

فاللَّفْظُ مُفرَدٌ {وَمَنْ يَعْشُ} ؛ ولذَلِكَ عَادَ الضَّمِيرُ إلَيهِ بالمُفرَدِ {وَمَنْ يَعْشُ} ، {نُقَيِّضْ لَهُ} أيضًا مُراعَاةُ اللَّفظِ {فَهُوَ لَهُ} مُرَاعَاةُ اللَّفظِ، {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ} مُرَاعَاةُ المَعْنَى {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} كذَلِكَ مُراعَاةُ المَعْنَى.

إذَنْ: إِذَا أَتَتْكَ (مَنْ) مَوصُولَةً كَانَتْ أَوْ شَرطيَّةً فلَكَ أَنْ تُراعِيَ فِي ضَمِيرِهَا اللَّفظَ فتَجعَلَه مُفرَدًا، والمَعْنَى فتَجْعَلَهُ حَسبَ مَا أُرِيدَ بِهَا، وانْظُرْ إِلَى قَوْلِهِ تعَالى:{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الطلاق: 11]، كُلُّ هَذَا مُرَاعَاةُ اللَّفظِ {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} مُرَاعَاةُ المَعْنَى {قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقً} مُراعَاةُ اللَّفظِ، فتَجِدُ هَذِهِ الآياتِ تَارَةً رُوعِيَ اللَّفظُ، وتَارَةً رُوعِي المَعْنَى.

قَال المُفسِّر رحمه الله: [{حَتَّى إِذَا جَاءَنَا} العَاشِي بقَرِينِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ {قَال} لَهُ: (يَا) للتَّنبِيهِ {يَاليتَ بَينِي وَبَينَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَينِ} أَي: مِثْلَ بُعْد مَا بَينَ المَشرِقِ والمَغْرِبِ {فَبِئْسَ الْقَرِينُ} أنْتَ لِي].

{حَتَّى إِذَا جَاءَنَا} يَعْنِي: الشَّيطانَ وقَرينَهُ، وذَلِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ تَبرَّأ كلُّ وَاحِدٍ مِنَ الآخَرِ {قَال يَاليتَ بَينِي وَبَينَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَينِ} (يَا) هَذِهِ للتَّنبِيه، ولَا تَصِحُّ أَنْ تَكُونَ للنِّداءِ؛ لأَنَّ (يَا) الَّتِي للنِّداءِ لَا تَدْخُلُ إلَّا عَلَى اسْمٍ، لَا تَدْخُلُ عَلَى حَرْفٍ كَمَا هُنَا، ولَا عَلَى فِعْلٍ، فإِذَا وُجِدَتْ داخِلَةً عَلَى حَرْفٍ أَوْ فِعْلٍ فهِيَ للتَّنبِيهِ {يَاليتَ بَينِي وَبَينَكَ} ومثْلُ ذَلِكَ قَوُلهُ تعَالى:{قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَال يَاليتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} [يس: 26] فهِيَ للتَّنبِيهِ.

وقِيلَ: إنَّ (يَا) داخِلَةٌ عَلَى مُنادًى مَحذُوفٍ، والتَّقدِيرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: يَا هَذَا لَيتَ بَينِي وبينَكَ بُعْدَ المَشرِقَينِ. يعْنِي: تُقدِّر المُنادَى اسْمًا: يَا هَذَا لَيتَ بَينِي وبينَكَ بُعْدَ المَشرِقَينِ.

ص: 151

فإِذَا قَال قَائِلٌ: أيُّهُما أَوْلَى نُقدِّر منَادًى مُنَاسِبًا للسِّياقِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَصِحَّ حُلولُ (يَا) فِي هَذَا المكَانِ، أَوْ نَقُولُ: الأَصْلُ عَدَمُ التَّقدِيرِ. ونَجْعَلُ اليَاءَ للتَّنبيهِ؟

فالجَوابُ: الثَّانِي أَوْلَى؛ لأنَّهُ إِذَا دَارَ الأمْرُ بَينَ أَنْ يَكُونَ فِي الكلَامِ شَيءٌ مَحذُوفٌ أَوْ لَا، فالأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ شَيءٌ محَذُوفٌ.

وقَولُهُ: {بُعْدَ الْمَشْرِقَينِ} يَقُولُ المفسِّر رحمه الله: [مَا بَينَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ]، وعَلَيهِ فيَكُونُ فِي الكَلَامِ تَغْلِيبٌ، وهُوَ تَغْلِيبُ المَشْرِق عَلَى المَغْرِب، والتَّغلِيبُ هَذَا جارٍ فِي اللُّغةِ العرَبيَّةِ، مِثْلُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: بَينَ كُلِّ أَذَانين صَلَاةٌ"

(1)

إِذَا جعَلْنا مُطلقَ الأذَانِ هُوَ الأذَانَ الَّذِي يَكُونُ بِهِ دُخُولُ الوَقْتِ.

أمَّا إِذَا جعَلْنا الأذَانَ بمَعْنَى الإعلَامِ فإِنَّ الأَذانَينِ لَيسَ فِيهَا تَغْلِيبٌ؛ لأَنَّ كُلًّا مِنَ الإقَامَةِ والأذَانِ يُسمَّى الأذَانَ، لكِنْ قَولهُم: القَمرَان. يَعنُونَ بذَلِكَ الشَّمسَ والقمَرَ، وقولهم: العُمَرَانِ. يَعنُونَ بذَلِكَ أبا بَكْرٍ وعُمَرَ، هَذَا مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ، فيَكُونُ {بُعْدَ الْمَشْرِقَينِ} أَي: بُعْدَ مَا بَينَ المَشرِقِ والمغْرِبِ، ولكِنْ ذُكِر بلَفْظِ المَشْرِقِ تَغْلِيبًا.

ويُحتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَولِهِ: {بُعْدَ الْمَشْرِقَينِ} أي: مَشرِقِ الشَّمسِ شِتَاءً ومَشرِقِها صَيفًا؛ لأَنَّ بينَهُما مسَافَةً عظِيمَةً جِدًّا لَا يَعْلَمُ قَدْرَها إلا اللهُ عز وجل، وكِلَا المَعنيَينِ صحِيحٌ. يَعنِي: سَوَاءٌ جَعَلْنا اللَّفْظَ للتَّغليبِ أَوْ لَا، والمُرادُ أن هَذَا العَاشِيَ الَّذِي أَضَلَّه الشَّيطانُ إِذَا جَاءَ مَعَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ تَبرَّأ مِنْهُ، وقَال: ليتَكَ بَعِيدٌ عَنِّي وأنا بعِيدٌ عنْكَ.

(1)

أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب بين كل أذانين صلاة لمن شاء، رقم (627)، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب بين كل أذانين صلاة، رقم (838)، من حديث عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه.

ص: 152