الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ، فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي خِطَابِهِ بِذَلِكَ الضَّمِيرِ، فَعَلِمَ أَنَّ الَّذِي يُخَاطِبُهُ هُوَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ. وَسَيَأْتِي فِي سُورَةِ" الْقَصَصِ" بَيَانُ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:" نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ"«1» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ" قَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: هُمْ عُلَمَاءُ الْيَهُودِ الَّذِينَ يُحَرِّفُونَ التَّوْرَاةَ فَيَجْعَلُونَ الْحَرَامَ حَلَالًا وَالْحَلَالَ حَرَامًا اتِّبَاعًا لِأَهْوَائِهِمْ." مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ" أَيْ عَرَفُوهُ وَعَلِمُوهُ. وَهَذَا تَوْبِيخٌ لَهُمْ، أَيْ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ قَدْ سَلَفَتْ لِآبَائِهِمْ أَفَاعِيلُ سُوءٍ وَعِنَادٍ، فَهَؤُلَاءِ عَلَى ذَلِكَ السُّنَنِ، فَكَيْفَ تَطْمَعُونَ فِي إِيمَانِهِمْ!. وَدَلَّ هَذَا الْكَلَامُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْعَالِمَ بِالْحَقِّ الْمُعَانِدِ فِيهِ بَعِيدٌ مِنَ الرُّشْدِ، لِأَنَّهُ عَلِمَ الْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ وَلَمْ ينهه ذلك عن عناده.
[سورة البقرة (2): الآيات 76 الى 77]
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (77)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا" هذا الْمُنَافِقِينَ. وَأَصْلُ" لَقُوا" لَقِيُوا، وَقَدْ تَقَدَّمَ «2» ." وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ" الْآيَةُ فِي الْيَهُودِ، وَذَلِكَ أَنَّ نَاسًا مِنْهُمْ أَسْلَمُوا ثُمَّ نَافَقُوا، فَكَانُوا يُحَدِّثُونَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعَرَبِ بِمَا عُذِّبَ بِهِ آبَاؤُهُمْ، فَقَالَتْ لَهُمُ الْيَهُودُ:" أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ" أَيْ حَكَمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَذَابِ، لِيَقُولُوا نَحْنُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْكُمْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيِّ. وَقِيلَ: إِنَّ عَلِيًّا لَمَّا نَازَلَ قُرَيْظَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ سَمِعَ سَبَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فَانْصَرَفَ إِلَيْهِ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا تَبْلُغْ إِلَيْهِمْ، وَعَرَضَ لَهُ، فَقَالَ:" أَظُنُّكَ سَمِعْتَ شَتْمِي مِنْهُمْ لَوْ رَأَوْنِي لَكَفُّوا عَنْ ذَلِكَ" وَنَهَضَ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ أَمْسَكُوا، فَقَالَ لَهُمْ:(أَنَقَضْتُمُ الْعَهْدَ يَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ أَخْزَاكُمُ الله وأنزل بكم نقمته) فقالوا:
(1). راجع ج 13 ص 281. [ ..... ]
(2)
. راجع ج 1 ص 206 طبعه ثانية
مَا كُنْتَ جَاهِلًا يَا مُحَمَّدُ فَلَا تَجْهَلْ عَلَيْنَا، مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا؟ مَا خَرَجَ هَذَا الْخَبَرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِنَا! رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ مُجَاهِدٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَإِذا خَلا" الْأَصْلُ فِي" خَلا" خَلَوَ، قُلِبَتِ الْوَاوُ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، وَتَقَدَّمَ مَعْنَى" خَلا" فِي أَوَّلِ السُّورَةِ «1». وَمَعْنَى" فَتَحَ" حَكَمَ. وَالْفَتْحُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْقَضَاءُ وَالْحُكْمُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ"«2» أَيِ الْحَاكِمِينَ، وَالْفَتَّاحُ: الْقَاضِي بِلُغَةِ الْيَمَنِ، يُقَالُ: بَيْنِي وَبَيْنَكَ الْفَتَّاحُ، قِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَنْصُرُ الْمَظْلُومَ عَلَى الظَّالِمِ. وَالْفَتْحُ: النَّصْرُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ:" يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا"، «3» ، وَقَوْلُهُ:" إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ"«4» . وَيَكُونُ بِمَعْنَى الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" لِيُحَاجُّوكُمْ" نُصِبَ بِلَامِ كَيْ، وَإِنْ شِئْتَ بِإِضْمَارِ أَنْ، وَعَلَامَةُ النَّصْبِ، حَذْفُ النُّونِ. قَالَ يُونُسُ: وَنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ يَفْتَحُونَ لَامَ كَيْ. قَالَ الْأَخْفَشُ: لِأَنَّ الْفَتْحَ الْأَصْلُ. قَالَ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ: هِيَ لُغَةُ بَنِي الْعَنْبَرِ. وَمَعْنَى" لِيُحَاجُّوكُمْ" لِيُعَيِّرُوكُمْ، وَيَقُولُوا نَحْنُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْكُمْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لِيَحْتَجُّوا عَلَيْكُمْ بِقَوْلِكُمْ، يَقُولُونَ كَفَرْتُمْ بِهِ بَعْدَ أَنْ وَقَفْتُمْ عَلَى صِدْقِهِ. وَقِيلَ: إِنَّ الرَّجُلَ مِنَ الْيَهُودِ كَانَ يَلْقَى صَدِيقَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَقُولُ لَهُ: تَمَسَّكْ بِدِينِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ حَقًّا." عِنْدَ رَبِّكُمْ" قِيلَ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ:" ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ"«5» . وَقِيلَ: عِنْدَ ذِكْرِ رَبِّكُمْ. وَقِيلَ:" عِنْدَ" بِمَعْنَى" فِي" أَيْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ فِي رَبِّكُمْ، فَيَكُونُوا أَحَقَّ به منكم لظهور الحجة عليكم، وروي عَنِ الْحَسَنِ. وَالْحُجَّةُ: الْكَلَامُ الْمُسْتَقِيمُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَحَجَّةُ الطَّرِيقِ. وَحَاجَجْتُ فُلَانًا فَحَجَجْتُهُ، أَيْ غَلَبْتُهُ بِالْحُجَّةِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:(فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى)." أَفَلا تَعْقِلُونَ" قِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ الْأَحْبَارِ لِلْأَتْبَاعِ. وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ، أَيْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يُؤْمِنُونَ وَهُمْ بِهَذِهِ الْأَحْوَالِ. ثُمَّ وَبَّخَهُمْ تَوْبِيخًا يُتْلَى فَقَالَ:" أَوَلا يَعْلَمُونَ" الْآيَةَ. فَهُوَ اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ التَّوْبِيخُ وَالتَّقْرِيعُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ" يَعْلَمُونَ" بِالْيَاءِ، وَابْنِ مُحَيْصِنٍ بِالتَّاءِ، خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ. وَالَّذِي أَسَرُّوهُ كُفْرُهُمْ، وَالَّذِي أَعْلَنُوهُ الْجَحْدُ بِهِ.
(1). يراجع ج 1 ص 206 طبعه ثانية
(2)
. راجع ج 7 ص 251.
(3)
. راجع ص 26 من هذا الجزء
(4)
. راجع ج 7 ص 386.
(5)
. راجع ج 15 ص 254