الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَدْرَ الْإِنْعَامِ فَقَالَ:" وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ" وَالْكَافُ فِي" كَمَا" نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَ" مَا" مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ كَافَّةٌ. وَالْمَعْنَى: اذْكُرُوهُ ذِكْرًا حَسَنًا كَمَا هَدَاكُمْ هِدَايَةً حَسَنَةً، وَاذْكُرُوهُ كَمَا عَلَّمَكُمْ كَيْفَ تَذْكُرُونَهُ لَا تَعْدِلُوا عَنْهُ. وَ" إِنْ" مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، يَدُلُّ على ذلك دخول اللام في الخبر، قال سِيبَوَيْهِ. الْفَرَّاءُ: نَافِيَةٌ بِمَعْنَى مَا، وَاللَّامُ بِمَعْنَى إِلَّا، كَمَا قَالَ:
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إِنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِمًا
…
حَلَّتْ عَلَيْكَ عُقُوبَةُ الرَّحْمَنِ «1»
أَوْ بِمَعْنَى قَدْ، أَيْ قَدْ كُنْتُمْ، ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. وَالضَّمِيرُ فِي" قَبْلِهِ" عَائِدٌ إِلَى الْهُدَى. وَقِيلَ إِلَى الْقُرْآنِ، أَيْ مَا كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِ إِنْزَالِهِ إِلَّا ضَالِّينَ. وَإِنْ شِئْتَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كِنَايَةٌ عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ، والأول أظهر والله أعلم.
[سورة البقرة (2): آية 199]
ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)
قِيلَ: الْخِطَابُ لِلْحُمْسِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقِفُونَ مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَاتٍ، بَلْ كَانُوا يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَهِيَ مِنْ الْحَرَمِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ قَطِينُ «2» اللَّهِ، فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُعَظِّمَ الْحَرَمَ، وَلَا نُعَظِّمَ شَيْئًا مِنَ الْحِلِّ، وَكَانُوا مَعَ مَعْرِفَتِهِمْ وَإِقْرَارِهِمْ إِنَّ عَرَفَةَ مَوْقِفُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام لَا يَخْرُجُونَ مِنْ الْحَرَمِ، وَيَقِفُونَ بِجَمْعٍ وَيُفِيضُونَ مِنْهُ وَيَقِفُ النَّاسُ بِعَرَفَةَ، فَقِيلَ لَهُمْ: أَفِيضُوا مع الجملة. و" ثم" لَيْسَتْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلتَّرْتِيبِ وَإِنَّمَا هِيَ لِعَطْفِ جُمْلَةِ كَلَامٍ هِيَ مِنْهَا مُنْقَطِعَةٌ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْمُخَاطَبُ بِالْآيَةِ جُمْلَةُ الْأُمَّةِ، وَالْمُرَادُ بِ" النَّاسِ" إِبْرَاهِيمُ عليه السلام، كَمَا قَالَ:" الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ"«3» [آل عمران: 173] وَهُوَ يُرِيدُ وَاحِدًا. وَيُحْتَمَلُ عَلَى هَذَا أَنْ يُؤْمَرُوا بِالْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ إِفَاضَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ الَّتِي مِنْ الْمُزْدَلِفَةَ، فَتَجِيءُ" ثُمَّ" عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ عَلَى بَابِهَا، وَعَلَى هذا الاحتمال عول
(1). البيت لعاتكة بنت زيد. والرواية فيه:
…
عقوبة المعتمد. راجع الكلام عليه في الشاهد 868.
(2)
. قطين الله: أي سكان حرمه، والقطين جمع قاطن كالقطان.
(3)
. راجع ج 4 ص 279. [ ..... ]
الطبري. والمعنى: أفيضوا من حيت أَفَاضَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ جَمْعٍ، أَيْ ثُمَّ أَفِيضُوا إِلَى مِنًى لِأَنَّ الْإِفَاضَةَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ مِنْ جَمْعٍ. قُلْتُ: وَيَكُونُ فِي هَذَا حُجَّةً لِمَنْ أَوْجَبَ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، لِلْأَمْرِ بِالْإِفَاضَةِ مِنْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالصَّحِيحُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْقَوْلَيْنِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ كَانَ عَلَى دِينِهَا وَهُمُ الْحُمْسُ يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ يَقُولُونَ: نَحْنُ قَطِينُ اللَّهِ، وَكَانَ مَنْ سِوَاهُمْ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: الْحُمْسُ هُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ:" ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ" قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يُفِيضُونَ مِنْ عَرَفَاتٍ، وَكَانَ الْحُمْسُ يُفِيضُونَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ، يَقُولُونَ: لَا نُفِيضُ إِلَّا مِنْ الْحَرَمِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ:" أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ" رَجَعُوا إِلَى عَرَفَاتٍ. وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ صَحِيحٌ، فَلَا مُعَوَّلَ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَقْوَالِ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. وَقَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ" النَّاسِي" وَتَأْوِيلُهُ آدَمُ عليه السلام، لِقَوْلِهِ تعالى:" فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً"«1» [طه: 115]. وَيَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ تَخْفِيفُ الْيَاءِ فَيَقُولُ النَّاسُ، كَالْقَاضِ وَالْهَادِ. ابْنُ عَطِيَّةَ: أَمَّا جَوَازُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ فَذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ، وَأَمَّا جَوَازُهُ مَقْرُوءًا بِهِ فَلَا أَحْفَظُهُ. وَأَمَرَ تَعَالَى بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَنَّهَا مَوَاطِنُهُ، وَمَظَانُّ الْقَبُولِ وَمَسَاقِطُ الرَّحْمَةِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الْمَعْنَى وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ مِنْ فِعْلِكُمُ الَّذِي كَانَ مُخَالِفًا لِسُنَّةِ إِبْرَاهِيمَ فِي وُقُوفِكُمْ بِقُزَحٍ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ دُونَ عَرَفَةَ. الثَّانِيَةُ- رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ- يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ عَلَى قُزَحَ فَقَالَ: (هَذَا قُزَحُ وَهُوَ الْمَوْقِفُ وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ ونحرت هاهنا وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ). فَحُكْمُ الْحَجِيجِ إِذَا دَفَعُوا مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ أَنْ يَبِيتُوا بِهَا ثُمَّ يُغَلِّسُ «2» بِالصُّبْحِ الْإِمَامُ بِالنَّاسِ وَيَقِفُونَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ. وَقُزَحُ هُوَ الْجَبَلُ الَّذِي يَقِفُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ، وَلَا يَزَالُونَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ وَيَدْعُونَ إِلَى قُرْبِ طُلُوعِ الشَّمْسِ، ثُمَّ يَدْفَعُونَ قَبْلَ الطُّلُوعِ، عَلَى مُخَالَفَةِ الْعَرَبِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَدْفَعُونَ بَعْدَ الطُّلُوعِ وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ، كيما نغير، أي كيما نقرب
(1). راجع ج 11 ص 251.
(2)
. الغلس (محركة): ظلمة آخر الليل.
مِنَ التَّحَلُّلِ فَنَتَوَصَّلُ إِلَى الْإِغَارَةِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ «1» عَنْ عَمْرِو بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ صَلَّى بِجَمْعٍ الصُّبْحَ ثُمَّ وَقَفَ فَقَالَ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ «2» ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَالَفَهُمْ فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ. وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عن محمد بن قيس بْنِ مَخْرَمَةَ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَكَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَأَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا وَعَجَّلَ هَذَا، أَخَّرَ الدَّفْعَ مِنْ عَرَفَةَ، وَعَجَّلَ الدَّفْعَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ مُخَالِفًا هَدْي الْمُشْرِكِينَ. الثَّالِثَةُ- فَإِذَا دَفَعُوا قَبْلَ الطُّلُوعِ فَحُكْمُهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا عَلَى هَيْئَةِ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ، وَهُوَ أَنْ يَسِيرَ الْإِمَامُ بِالنَّاسِ سَيْرَ الْعَنَقِ، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدَهُمْ فُرْجَةً زَادَ فِي الْعَنَقِ شَيْئًا. وَالْعَنَقُ: مَشْيٌ لِلدَّوَابِّ مَعْرُوفٌ لَا يُجْهَلُ. وَالنَّصُّ: فَوْقَ الْعَنَقِ، كَالْخَبَبِ أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ. وَفِي صَحِيحٌ مُسْلِمٌ عَنْ أُسَامَةَ بن زيد رضي الله عنهما وسيل: كَيْفَ كَانَ يَسِيرُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ؟ قَالَ: كَانَ يَسَيِّرُ الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ. قَالَ هِشَامٌ «3»: وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُحَرِّكَ فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ قَدْرَ رَمْيَةٍ بِحَجَرٍ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا حَرَجَ، وَهُوَ مِنْ مِنًى. وَرَوَى الثَّوْرِيُّ «4» وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: دَفَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَقَالَ لَهُمْ: (أَوْضِعُوا فِي وَادِي مُحَسِّرٍ) وَقَالَ لَهُمْ: (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ). فَإِذَا أَتَوْا مِنًى وَذَلِكَ غَدْوَةُ يَوْمِ النَّحْرِ، رَمَوْا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِهَا ضُحًى رُكْبَانًا إِنْ قَدَرُوا، وَلَا يُسْتَحَبُّ الرُّكُوبُ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْجِمَارِ، وَيَرْمُونَهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، كُلُّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلُ حَصَى الْخَذْفِ «5» - عَلَى مَا يَأْتِيِ بَيَانُهُ- فَإِذَا رَمَوْهَا حَلَ لَهُمْ كُلُّ مَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ مِنَ اللباس
(1). في ب، ج:" النحاس" وهو خطأ.
(2)
. ثبير (بفتح المثلثة وكسر الموحدة وسكون التحية): جبل عظيم بالمزدلفة على يسار الذاهب منا إلى منى. هذا هو المراد، وللعرب جبال أخر اسم كل منها ثبير. (عن زهر الربى للسيوطي).
(3)
. هشام هو أحد رواة سند هذا الحديث.
(4)
. في ج،:" الترمذي".
(5)
. الخذف (بالخاء المعجمة المفتوحة والذال المعجمة الساكنة): رميك حصاة أو نواة تأخذها بين الإبهام والسابة وترمى بها. والمراد الحصا الصغار.
وَالتَّفَثِ كُلِّهِ، إِلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَالصَّيْدَ عِنْدَ مَالِكٍ وَإِسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ الْخَفَّافِ عَنْهُ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عُمَرَ: يحل له كل شي إِلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ. وَمَنْ تَطَيَّبَ عِنْدَ مَالِكٍ بَعْدَ الرَّمْيِ وَقَبْلَ الْإِفَاضَةِ لَمْ يُرَ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ، لِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ. وَمَنْ صَادَ عِنْدَهُ بَعْدَ أَنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةَ وَقَبْلَ أَنْ يُفِيضَ كَانَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ: يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شي إِلَّا النِّسَاءَ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. الرَّابِعَةُ- وَيَقْطَعُ الْحَاجُّ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِ حَصَاةٍ يَرْمِيهَا مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ جَائِزٌ مُبَاحٌ عِنْدَ مَالِكٍ. وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ قَطْعُهَا عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، عَلَى مَا ذَكَرَ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَ: هُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا. قُلْتُ: وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنَ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي عَشِيَّةِ عَرَفَةَ وَغَدَاةِ جَمْعٍ «1» لِلنَّاسِ حِينَ دَفَعُوا:(عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ) وَهُوَ كَافٌّ «2» نَاقَتَهُ حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا (وَهُوَ مِنْ مِنًى) قَالَ: (عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي يُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةَ)، وَقَالَ: لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. فِي رِوَايَةٍ: وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يشير بيده كما يحذف الْإِنْسَانُ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، وَرَمَى بِسَبْعٍ وَقَالَ: هَكَذَا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ صلى الله عليه وسلم. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ وَذَبَحْتُمْ فَقَدْ حل لكم كل شي إِلَّا النِّسَاءَ وَحَلَّ لَكُمُ الثِّيَابُ وَالطِّيبُ). وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ، حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ، وَبَسَطَتْ يَدَيْهَا. وَهَذَا هُوَ التَّحَلُّلُ الْأَصْغَرُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ. وَالتَّحَلُّلُ الْأَكْبَرُ: طَوَافُ الْإِفَاضَةِ، وَهُوَ الَّذِي يَحِلُّ النِّسَاءَ وَجَمِيعَ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي سُورَةِ" الْحَجِّ"«3» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(1). أي صباح المزدلفة.
(2)
. من الكف بمعنى الإسراع.
(3)
. راجع ج 12 ص 51.