الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْلُهُ تَعَالَى:" رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا" الْمَعْنَى: وَيَقُولَانِ" رَبَّنا"، فَحَذَفَ. وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ:" وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ وَيَقُولَانِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا". وَتَفْسِيرُ إِسْمَاعِيلَ: اسْمَعْ يَا أَللَّهُ، لِأَنَّ" إِيلَ" بِالسُّرْيَانِيَّةِ هُوَ اللَّهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ «1». فَقِيلَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا دَعَا رَبَّهُ قَالَ: اسْمَعْ يَا إِيلُ، فَلَمَّا أَجَابَهُ رَبُّهُ وَرَزَقَهُ الْوَلَدَ سَمَّاهُ بِمَا دَعَاهُ. ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" اسْمَانِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْكِتَابِ" الأسنى في شرج أسماء الله الحسنى".
[سورة البقرة (2): آية 128]
رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ" أي صيرنا، و" مُسْلِمَيْنِ" مَفْعُولٌ ثَانٍ، سَأَلَا التَّثْبِيتَ وَالدَّوَامَ. وَالْإِسْلَامُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْإِيمَانُ وَالْأَعْمَالُ جَمِيعًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ «2» " فَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ: إِنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ شي وَاحِدٌ، وَعَضَّدُوا هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:" فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ «3» ". وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ" مُسْلِمِينَ" عَلَى الْجَمْعِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ" أَيْ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا فَاجْعَلْ، فَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يَدْعُ نَبِيٌّ إِلَّا لِنَفْسِهِ وَلِأُمَّتِهِ إِلَّا إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّهُ دَعَا مَعَ دُعَائِهِ لِنَفْسِهِ وَلِأُمَّتِهِ ولهذه الامة. و" من" فِي قَوْلِهِ:" وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا" لِلتَّبْعِيضِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَانَ أَعْلَمَهُ أَنَّ مِنْهُمْ ظَالِمِينَ. وَحَكَى الطَّبَرِيُّ: أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ" وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا" العرب خاصة. قال السهيلي «4» : وذريتهما
(1). راجع ص 36 من هذا الجزء.
(2)
. راجع ج 4 ص 43.
(3)
. راجع ج 17 ص 48.
(4)
. اضطربت الأصول في ذكر كلام السهيلي، وقد ذكر الطبري في تاريخه خبر أولاد إسماعيل (ص 351 قسم أول)، وابن الأثير (ج 1 ص 88) وابن هشام في سيرته ص 4 طبع أوربا، فيراجع.
الْعَرَبُ، لِأَنَّهُمْ بَنُو نَبِتِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، أَوْ بَنُو تَيْمَنَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَيُقَالُ: قِيدَرَ بْنُ نَبِتِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ. أَمَّا الْعَدْنَانِيَّةُ فَمِنْ نَبِتِ، وَأَمَّا الْقَحْطَانِيَّةُ فَمِنْ قَيدَرَ بْنِ نَبِتِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، أَوْ تَيْمَنَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ دَعْوَتَهُ ظَهَرَتْ فِي الْعَرَبِ وَفِيمَنْ آمَنَ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَالْأُمَّةُ: الْجَمَاعَةُ هُنَا، وَتَكُونُ وَاحِدًا إِذَا كَانَ يُقْتَدَى بِهِ فِي الْخَيْرِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً «1» لِلَّهِ"، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم فِي زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ:(يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرِكْ فِي دِينِهِ غَيْرَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ يُطْلَقُ لَفْظُ الْأُمَّةِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ «2» " أَيْ عَلَى دِينٍ وَمِلَّةٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً «3» ". وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْحِينَ وَالزَّمَانَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ «4» " أَيْ بَعْدَ حِينٍ وَزَمَانٍ. وَيُقَالُ: هَذِهِ أُمَّةُ زَيْدٍ، أَيْ أُمُّ زَيْدٍ. وَالْأُمَّةُ أَيْضًا: الْقَامَةُ، يُقَالُ: فُلَانٌ حَسَنُ الْأُمَّةِ، أي حسن القامة، قال «5»:
وإن معاوية الاكرمي
…
ن حِسَانُ الْوُجُوهِ طِوَالُ الْأُمَمِ
وَقِيلَ: الْأُمَّةُ الشَّجَّةُ الَّتِي تَبْلُغُ أُمَّ الدِّمَاغِ، يُقَالُ: رَجُلٌ مَأْمُومٌ وَأَمِيمٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَأَرِنا مَناسِكَنا"" أَرِنَا" مِنْ رُؤْيَةِ الْبَصَرِ، فَتَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَقِيلَ: مِنْ رُؤْيَةِ الْقَلْبِ، وَيَلْزَمُ قَائِلُهُ أَنْ يَتَعَدَّى الْفِعْلُ مِنْهُ إِلَى ثَلَاثَةِ مَفَاعِيلَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَنْفَصِلُ «6» بِأَنَّهُ يُوجَدُ مُعَدًّى بِالْهَمْزَةِ مِنْ رُؤْيَةِ القلب إلى مفعولين [كغير المعدي «7»]، قال حطايط بْنُ يَعْفُرَ أَخُو الْأَسْوَدِ بْنِ يَعْفُرَ:
أَرِينِي جَوَادًا مَاتَ هَزْلًا لِأَنَّنِي «8»
…
أَرَى مَا تَرَيْنَ أَوْ بَخِيلًا مُخَلَّدًا
وَقَرَأَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَتَادَةُ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَالسُّدِّيُّ وَرَوْحٌ عَنْ يَعْقُوبَ وَرُوَيْسٍ وَالسُّوسِيِّ" أَرْنَا" بِسُكُونِ الرَّاءِ فِي الْقُرْآنِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِمٍ. وَقَرَأَ أبو عمرو باختلاس كسرة
(1). راجع ج 10 ص 197.
(2)
. راجع ج 16 ص 74.
(3)
. راجع ج 11 ص 338.
(4)
. راجع ج 9 ص 201.
(5)
. القائل هو الأعشى، كما في اللسان. [ ..... ]
(6)
. قال أبو حيان في البحر:" وقوله: ينفصل
…
إلخ. يعنى أنه قد استعمل في اللسان العربي متعديا إلى إثنين ومعه همزة النقل كما استعمل متعديا إلى اثنين بغير الهمزة.
(7)
. زيادة عن ابن عطية.
(8)
. ويروى" لعلى"، ولان بمعنى لعل.
الرَّاءِ، وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ. وَأَصْلُهُ أرينا بِالْهَمْزِ، فَمَنْ قَرَأَ بِالسُّكُونِ قَالَ: ذَهَبَتِ الْهَمْزَةُ وَذَهَبَتْ حَرَكَتُهَا وَبَقِيَتِ الرَّاءُ سَاكِنَةً عَلَى حَالِهَا، وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
أَرْنَا إِدَاوَةَ عَبْدِ اللَّهِ نَمْلَؤُهَا
…
مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ إِنَّ الْقَوْمَ قَدْ ظَمِئُوا
وَمَنْ كَسَرَ فَإِنَّهُ نَقَلَ حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ الْمَحْذُوفَةِ إِلَى الرَّاءِ، وَأَبُو عَمْرٍو طَلَبَ الْخِفَّةَ. وَعَنْ شُجَاعِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ «1» وَكَانَ أَمِينًا صَادِقًا أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ فَذَاكَرَهُ أَشْيَاءَ مِنْ حُرُوفِ أَبِي عَمْرٍو فَلَمْ يَرُدْ عَلَيْهِ إِلَّا حَرْفَيْنِ: هَذَا، وَالْآخَرُ" مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نَنْسَأْهَا" مَهْمُوزًا. قَوْلُهُ تَعَالَى:" مَناسِكَنا" يُقَالُ: إِنَّ أَصْلَ النُّسُكِ فِي اللُّغَةِ الْغَسْلُ، يُقَالُ مِنْهُ: نَسَكَ ثَوْبَهُ إِذَا غَسَلَهُ. وَهُوَ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِلْعِبَادَةِ، يُقَالُ: رَجُلٌ نَاسِكٌ إِذَا كَانَ عَابِدًا. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْمَنَاسِكِ هُنَا، فَقِيلَ: مَنَاسِكُ الْحَجِّ وَمَعَالِمُهُ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ: الْمَنَاسِكُ الْمَذَابِحُ، أَيْ مَوَاضِعُ الذَّبْحِ. وَقِيلَ: جَمِيعُ الْمُتَعَبَّدَاتِ. وَكُلُّ مَا يُتَعَبَّدُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يقال له منسك ومسك. وَالنَّاسِكُ: الْعَابِدُ. قَالَ النَّحَّاسُ: يُقَالُ نَسَكَ يَنْسُكُ، فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ عَلَى هَذَا: مَنْسُكٌ، إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَفْعُلٌ. وَعَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ قَالَ: أَيْ رَبِّ، قَدْ فَرَغْتُ فَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا، فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ جِبْرِيلَ فَحَجَّ بِهِ، حَتَّى إِذَا رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ وَجَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ عَرَضَ لَهُ إِبْلِيسُ، فَقَالَ لَهُ: أَحْصِبْهُ، فَحَصَبَهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، ثُمَّ الْغَدَ ثُمَّ الْيَوْمَ الثَّالِثَ، ثُمَّ عَلَا ثَبِيرًا «2» فَقَالَ: يَا عِبَادَ اللَّهِ، أَجِيبُوا، فَسَمِعَ دَعْوَتَهُ مِنْ بَيْنِ الْأَبْحُرِ مِمَّنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ، اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، قَالَ: وَلَمْ يَزَلْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ سَبْعَةُ مُسْلِمُونَ فَصَاعِدًا، لَوْلَا ذَلِكَ لَأُهْلِكَتِ الْأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْهَا. وَأَوَّلُ مَنْ أَجَابَهُ أَهْلُ الْيَمَنِ. وَعَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ الْبَيْتِ جَاءَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فأراه الطواف
(1). في أ، ب، ز:" أبى نصرة". وفي ج، ح:" أبى بصرة". والتصويب عن طبقات القراء وتهذيب التهذيب.
(2)
. ثبير: جبل بين مكة ومنى وهو على يمين الذاهب إلى مكة.
بِالْبَيْتِ- قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ:" وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةَ- ثُمَّ انْطَلَقَا إِلَى الْعَقَبَةِ فَعَرَضَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ وَأَعْطَى إِبْرَاهِيمَ سَبْعَ حَصَيَاتٍ، فَرَمَى وَكَبَّرَ، وَقَالَ لِإِبْرَاهِيمَ: ارْمِ وَكَبِّرْ، فَرَمَيَا وَكَبَّرَا مَعَ كُلِّ رَمْيَةٍ حَتَّى أَفَلَ الشَّيْطَانُ. ثُمَّ انْطَلَقَا إِلَى الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى، فَعَرَضَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ وَأَعْطَى إِبْرَاهِيمَ سَبْعَ حَصَيَاتٍ، وَقَالَ: ارْمِ وَكَبِّرْ، فَرَمَيَا وَكَبَّرَا مَعَ كُلِّ رَمْيَةٍ حَتَّى أَفَلَ الشَّيْطَانُ. ثُمَّ أَتَيَا الْجَمْرَةَ الْقُصْوَى فَعَرَضَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ وَأَعْطَى إِبْرَاهِيمَ سَبْعَ حَصَيَاتٍ، وَقَالَ: ارْمِ وَكَبِّرْ، فَرَمَيَا وَكَبَّرَا مَعَ كُلِّ رَمْيَةٍ حَتَّى أَفَلَ الشَّيْطَانُ. ثُمَّ أَتَيَا الْجَمْرَةَ الْقُصْوَى فَعَرَضَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ وَأَعْطَى إِبْرَاهِيمَ سَبْعَ حَصَيَاتٍ، وَقَالَ: ارْمِ وَكَبِّرْ، فَرَمَيَا وَكَبَّرَا مَعَ كُلِّ رَمْيَةٍ حَتَّى أَفَلَ الشَّيْطَانُ. ثُمَّ أَتَى بِهِ جَمْعًا «1» فَقَالَ: هَا هُنَا يَجْمَعُ النَّاسُ الصَّلَوَاتِ. ثُمَّ أَتَى بِهِ عَرَفَاتٍ فَقَالَ: عَرَفْتَ؟ فَقَالَ نَعَمْ، فَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَ عَرَفَاتٍ. وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: عَرَفْتَ، عَرَفْتَ، عَرَفْتَ؟ أَيْ مِنًى وَالْجَمْعَ وَهَذَا، فَقَالَ نَعَمْ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَكَانُ عَرَفَاتٍ. وَعَنْ خُصَيْفِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ مُجَاهِدًا حَدَّثَهُ قَالَ: لَمَّا قَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام:" وَأَرِنا مَناسِكَنا" أَيِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ، وَهُمَا مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ بِنَصِ الْقُرْآنِ، ثُمَّ خَرَجَ بِهِ جِبْرِيلُ، فَلَمَّا مَرَّ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ إِذَا إِبْلِيسُ عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: كَبِّرْ وَارْمِهِ، فَارْتَفَعَ إِبْلِيسُ إِلَى الْوُسْطَى، فَقَالَ جِبْرِيلُ: كَبِّرْ وَارْمِهِ، ثُمَّ فِي الْجَمْرَةِ الْقُصْوَى كَذَلِكَ. ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ إِلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، ثُمَّ أَتَى بِهِ عَرَفَةَ فَقَالَ لَهُ: هَلْ عَرَفْتَ مَا أَرَيْتُكَ؟ قَالَ نَعَمْ، فَسُمِّيَتْ عَرَفَاتٍ لِذَلِكَ فِيمَا قِيلَ، قَالَ: فَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، قَالَ: كَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ قُلْ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَجِيبُوا رَبَّكُمْ، ثلاث مرار، فَفَعَلَ، فَقَالُوا: لَبَّيْكَ، اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ. قَالَ: فَمَنْ أَجَابَ يَوْمئِذٍ فَهُوَ حَاجٌّ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: أَنَّهُ حِينَ نَادَى اسْتَدَارَ فَدَعَا فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَلَبَّى النَّاسُ مِنْ كُلِّ مَشْرِقٍ وَمَغْرِبٍ، وَتَطَأْطَأَتِ الْجِبَالُ حَتَّى بَعُدَ صَوْتُهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ جَاءَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ لَهُ: طُفْ بِهِ سَبْعًا، فَطَافَ بِهِ سَبْعًا هُوَ وَإِسْمَاعِيلُ عليهما السلام، يَسْتَلِمَانِ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا فِي كُلِّ طَوَافٍ، فَلَمَّا أَكْمَلَا سَبْعًا صَلَّيَا خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: فَقَامَ جِبْرِيلُ فَأَرَاهُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا: الصفا والمروة ومنى والمزدلفة. قال:
(1). جمع (بفتح فسكون): المزدلفة.