المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2): آية 125] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ٢

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[سورة البقرة (2): آية 75]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 76 الى 77]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 78]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 79]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 80]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 81 الى 82]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 83]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 84]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 85 الى 86]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 87]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 88]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 89]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 90]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 91]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 92]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 93]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 94 الى 95]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 96]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 97]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 98]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 99]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 100]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 101]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 102]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 103]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 104]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 105]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 106]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 107]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 108]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 109 الى 110]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 111 الى 112]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 113]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 114]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 115]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 116]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 117]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 118]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 119]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 120]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 121 الى 123]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 124]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 125]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 126]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 127]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 128]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 129]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 130]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 131]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 132]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 133]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 134]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 135]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 136]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 137]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 138]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 139]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 140]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 141]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 142]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 143]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 144]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 145]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 146]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 147]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 148]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 149 الى 150]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 151]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 152 الى 153]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 154]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 155]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 156 الى 157]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 158]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 159]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 160]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 161 الى 162]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 163]

- ‌[سورة البقرة (2): آيَةً 164]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 165]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 166]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 167]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 168]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 169]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 170]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 171]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 172]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 173]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 174]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 175]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 176]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 177]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 178]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 179]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 180]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 181]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 182]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 183 الى 184]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 185]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 186]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 187]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 188]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 189]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 190]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 191 الى 192]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 193]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 194]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 195]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 196]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 196]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 197]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 198]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 199]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 200]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 201]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 202]

الفصل: ‌[سورة البقرة (2): آية 125]

الْأُمَرَاءِ الْيَوْمَ فَالْوَرَعُ تَرْكُهُ، وَيَجُوزُ لِلْمُحْتَاجِ أَخْذُهُ، وَهُوَ كَلِصٍّ فِي يَدِهِ مَالٌ مَسْرُوقٌ، وَمَالٌ جَيِّدٌ حَلَالٌ وَقَدْ وَكَّلَهُ فِيهِ رَجُلٌ فَجَاءَ اللِّصُّ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى إِنْسَانٍ فَيَجُوزُ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ الصَّدَقَةُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللِّصُّ يَتَصَدَّقُ بِبَعْضِ مَا سَرَقَ، إذا لم يكن شي مَعْرُوفٌ بِنَهْبٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ أَوِ اشْتَرَى كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا لَازِمًا- وَإِنْ كَانَ الْوَرَعُ التَّنَزُّهُ عَنْهُ- وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْوَالَ لَا تُحَرَّمُ بِأَعْيَانِهَا وَإِنَّمَا تُحَرَّمُ لِجِهَاتِهَا. وَإِنْ كَانَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ظُلْمًا صُرَاحًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ أَيْدِيهِمْ. وَلَوْ كَانَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْمَالِ مَغْصُوبًا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ صَاحِبٌ وَلَا مُطَالِبٌ، فَهُوَ كَمَا لَوْ وُجِدَ فِي أَيْدِي اللُّصُوصِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَيُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيُنْتَظَرُ طَالِبُهُ بِقَدْرِ الِاجْتِهَادِ، فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ صَرَفَهُ الْإِمَامُ فِي مصالح المسلمين.

[سورة البقرة (2): آية 125]

وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً" فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" جَعَلْنَا" بِمَعْنَى صَيَّرْنَا لِتَعَدِّيهِ إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ." الْبَيْتَ" يَعْنِي الْكَعْبَةَ." مَثابَةً" أَيْ مَرْجِعًا، يقال: ثاب يثوب مثابا ومثابة وثئوبا وَثَوَبَانًا. فَالْمَثَابَةُ مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ وَيُرَادُ بِهِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُثَابُ إِلَيْهِ، أَيْ يُرْجَعُ إِلَيْهِ. قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ فِي الْكَعْبَةِ «1»:

مَثَابًا لِأَفْنَاءِ الْقَبَائِلِ كُلِّهَا

تَخُبُّ إِلَيْهَا الْيَعْمَلَاتُ الذَّوَامِلُ

وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ:" مَثَابَاتٍ" عَلَى الْجَمْعِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الثَّوَابِ، أَيْ يُثَابُونَ هُنَاكَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يَقْضِي أَحَدٌ مِنْهُ وَطَرًا، قَالَ الشَّاعِرُ:

جُعِلَ الْبَيْتُ مَثَابًا لَهُمْ

لَيْسَ مِنْهُ الدَّهْرُ يَقْضُونَ الْوَطَرْ

وَالْأَصْلُ مَثُوبَةٌ، قُلِبَتْ حَرَكَةُ الْوَاوِ عَلَى الثَّاءِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ أَلِفًا اتِّبَاعًا لِثَابَ يَثُوبُ، وَانْتَصَبَ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي، وَدَخَلَتِ الْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ لِكَثْرَةِ مَنْ يَثُوبُ أَيْ يَرْجِعُ، لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يُفَارِقُ أَحَدُ الْبَيْتِ إِلَّا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ مِنْهُ وَطَرًا، فَهِيَ كَنَسَّابَةِ وَعَلَّامَةٍ، قَالَهُ الْأَخْفَشُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هي هاء تأنيث المصدر وليست للمبالغة.

(1). الذي في اللسان وشرح القاموس مادة" ثوب" أن البيت لابي طالب.

ص: 110

فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ كُلُّ مَنْ جَاءَهُ يَعُودُ إِلَيْهِ، قِيلَ: لَيْسَ يَخْتَصُّ بِمَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنَ الْجُمْلَةِ، وَلَا يَعْدَمُ قَاصِدًا مِنَ النَّاسِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَأَمْناً" اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى تَرْكِ إِقَامَةِ الْحَدِّ فِي الْحَرَمِ عَلَى الْمُحْصَنِ وَالسَّارِقِ إِذَا لَجَأَ إِلَيْهِ، وَعَضَّدُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً" كَأَنَّهُ قَالَ: آمِنُوا مَنْ دَخَلَ الْبَيْتَ. وَالصَّحِيحُ إِقَامَةُ الْحُدُودِ فِي الْحَرَمِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَنْسُوخِ، لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ حَاصِلٌ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ فِي الْبَيْتِ، وَيُقْتَلُ خَارِجَ الْبَيْتِ. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ يُقْتَلُ فِي الْحَرَمِ أَمْ لَا؟ وَالْحَرَمُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْبَيْتِ حَقِيقَةً. وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ قُتِلَ بِهِ، وَلَوْ أَتَى حَدًّا أُقِيدَ مِنْهُ فِيهِ، وَلَوْ حَارَبَ فِيهِ حُورِبَ وَقُتِلَ مَكَانَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ لَا يُقْتَلُ فِيهِ وَلَا يُتَابَعُ، وَلَا يَزَالُ يُضَيَّقُ عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَخْرُجَ. فَنَحْنُ نَقْتُلُهُ بِالسَّيْفِ، وَهُوَ يَقْتُلُهُ بِالْجُوعِ وَالصَّدِّ، فَأَيُّ قَتْلٍ أَشَدُّ مِنْ هَذَا. وَفِي قَوْلِهِ:" وَأَمْناً" تَأْكِيدٌ لِلْأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ، أَيْ لَيْسَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ، وَلَا يَحُجُّ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَمَنِ اسْتَعَاذَ بِالْحَرَمِ أَمِنَ مِنْ أَنْ يُغَارَ عَلَيْهِ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا فِي" الْمَائِدَةِ «1» " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى" فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَاتَّخِذُوا" قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ بِفَتْحِ الْخَاءِ عَلَى جِهَةِ الْخَبَرِ عَمَّنِ اتَّخَذَهُ مِنْ مُتَّبِعِي إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى" جَعَلْنَا" أَيْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً وَاتَّخَذُوهُ مُصَلًّى. وَقِيلَ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى تَقْدِيرِ إِذْ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً وَإِذِ اتَّخَذُوا، فَعَلَى الْأَوَّلِ الْكَلَامُ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي جُمْلَتَانِ. وَقَرَأَ جُمْهُورُ الْقُرَّاءِ" وَاتَّخِذُوا" بِكَسْرِ الْخَاءِ عَلَى جِهَةِ الْأَمْرِ، قَطَعُوهُ مِنَ الْأَوَّلِ وَجَعَلُوهُ مَعْطُوفًا جُمْلَةً عَلَى جُمْلَةً. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى" اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ" كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِلْيَهُودِ، أَوْ عَلَى مَعْنَى إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلْنَا. أَوْ عَلَى مَعْنَى قوله:" مَثابَةً" لان معناه ثوبوا.

(1). راجع ج 6 ص 325.

ص: 111

الثَّانِيَةُ- رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ: فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَفِي الْحِجَابِ، وَفِي أُسَارَى بَدْرٍ. خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَخَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ اللَّهَ فِي ثَلَاثٍ، أَوْ وَافَقَنِي رَبِّي فِي ثَلَاثٍ

الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي أَرْبَعٍ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ صَلَّيْتَ خَلْفَ الْمَقَامِ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:" وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى" وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ ضَرَبْتَ عَلَى نِسَائِكَ الْحِجَابِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ:" وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ «1» "، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ

«2» "، فَلَمَّا نَزَلَتْ قُلْتُ أَنَا: تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ، فَنَزَلَتْ:" فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ «3» "، وَدَخَلْتُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: لَتَنْتَهُنَّ أَوْ لَيُبَدِّلَنَّهُ اللَّهُ بِأَزْوَاجٍ خَيْرٍ مِنْكُنَّ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ:" عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ «4» ". قُلْتُ: لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ذِكْرٌ لِلْأُسَارَى، فَتَكُونُ مُوَافَقَةُ عُمَرَ فِي خَمْسٍ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" مِنْ مَقامِ" الْمَقَامُ فِي اللُّغَةِ: مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ. قال النحاس:" مقام" من قام يقوم، يكون مَصْدَرًا وَاسْمًا لِلْمَوْضِعِ. وَمُقَامٌ مِنْ أَقَامَ، فَأَمَّا قَوْلُ زُهَيْرٍ:

وَفِيهِمْ مَقَامَاتٌ حِسَانٌ وُجُوهُهُمْ «5»

وَأَنْدِيَةٌ يَنْتَابُهَا الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ

فَمَعْنَاهُ: فِيهِمْ أَهْلُ مَقَامَاتٍ. وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ الْمَقَامِ عَلَى أَقْوَالٍ، أَصَحُّهَا- أَنَّهُ الْحِجْرُ الَّذِي تَعْرِفُهُ النَّاسُ الْيَوْمَ الَّذِي يُصَلُّونَ عِنْدَهُ رَكْعَتَيْ طَوَافٍ الْقُدُومِ. وَهَذَا قَوْلُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى الْبَيْتَ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ تَقَدَّمَ «6» إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ:" وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى" فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَرَأَ فِيهِمَا بِ" قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" وَ" قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ". وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الصلوات

(1). راجع ج 14 ص 227.

(2)

. راجع ج 12 ص 109، 10 1.

(3)

. راجع ج 12 ص 109، 10 1.

(4)

. راجع ج 18 ص 193.

(5)

. في نسخ الأصل:" وجوهها". والتصويب عن الديوان.

(6)

. في ب، ج، ز:" نفذ".

ص: 112

[لأهل مكة «1» أفضل و] يدل مِنْ وَجْهٍ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ لِلْغُرَبَاءِ أَفْضَلُ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَفِي الْبُخَارِيِّ: أَنَّهُ الْحَجَرُ الَّذِي ارْتَفَعَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ حِينَ ضَعُفَ عَنْ رَفْعِ الْحِجَارَةِ الَّتِي كَانَ إِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهَا إِيَّاهُ فِي بِنَاءِ الْبَيْتِ، وَغَرِقَتْ قَدَمَاهُ فِيهِ. قَالَ أَنَسٌ: رَأَيْتُ فِي الْمَقَامِ أَثَرَ أَصَابِعِهِ وَعَقِبِهِ وَأَخْمَصِ قَدَمَيْهِ، غَيْرَ أَنَّهُ أَذْهَبَهُ مَسْحُ النَّاسِ بِأَيْدِيهِمْ، حَكَاهُ الْقُشَيْرِيُّ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْمَقَامُ الْحَجَرُ الَّذِي وَضَعَتْهُ زَوْجَةُ إِسْمَاعِيلَ تَحْتَ قَدَمِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام حِينَ غَسَلَتْ رَأْسَهُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ «2» وَعَطَاءٍ: الْحَجُّ كُلُّهُ. وَعَنْ عَطَاءٍ: عَرَفَةُ وَمُزْدَلِفَةُ وَالْجِمَارُ، وَقَالَهُ الشَّعْبِيُّ. النَّخَعِيُّ: الْحَرَمُ كُلُّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمُ، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ. فلت: وَالصَّحِيحُ فِي الْمَقَامِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، حَسَبَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ. وَخَرَّجَ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَجُلٍ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، أَوِ الْبَابِ وَالْمَقَامِ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِفُلَانٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:(مَا هَذَا)؟ فَقَالَ: رَجُلٌ اسْتَوْدَعَنِي أَنْ أَدْعُوَ لَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَقَالَ:(ارْجِعْ فَقَدْ غُفِرَ لِصَاحِبِكَ). قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ ابن إِبْرَاهِيمَ الْقَاضِي قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ يَحْيَى الْكَاتِبُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ الْقَطَّانِ الْكُوفِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عِمْرَانَ الْجَعْفَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، فَذَكَرَهُ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: كَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ عَنْ جَابِرٍ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمَعْنَى" مُصَلًّى". مُدَّعًى يُدْعَى فِيهِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقِيلَ: مَوْضِعُ صَلَاةٍ يُصَلَّى عِنْدَهُ، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقِيلَ: قِبْلَةٌ يَقِفُ الْإِمَامُ عِنْدَهَا، قَالَهُ الْحَسَنُ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" فِيهِ سِتُّ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَعَهِدْنا" قِيلَ: مَعْنَاهُ أَمَرْنَا. وَقِيلَ: أَوْحَيْنَا." أَنْ طَهِّرا"" أَنْ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْخَافِضِ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: إنها بمعنى أي

(1). زيادة يقتضيها السياق، وقد اعتمدنا في زيادتها على ما ورد في المسألة السادسة ص 116 من هذا الجزء. [ ..... ]

(2)

. هذا الاسم ساقط من ب، ج، ز.

ص: 113

مُفَسِّرَةٌ، فَلَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ. وَقَالَ الكوفيون: تكون بمعنى القول. و" طَهِّرا" قِيلَ مَعْنَاهُ: مِنَ الْأَوْثَانِ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَالزُّهْرِيِّ. وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مِنَ الْآفَاتِ وَالرِّيَبِ. وَقِيلَ: مِنَ الْكُفَّارِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: ابْنِيَاهُ وَأَسِّسَاهُ عَلَى طَهَارَةٍ وَنِيَّةِ طَهَارَةٍ، فَيَجِيءُ مِثْلَ قَوْلِهِ:" أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى «1» ". وَقَالَ يَمَانُ: بَخِّرَاهُ وَخَلِّقَاهُ." بَيْتِيَ" أَضَافَ الْبَيْتَ إِلَى نَفْسِهِ إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ وَتَكْرِيمٍ، وَهِيَ إِضَافَةُ مَخْلُوقٍ إِلَى خَالِقٍ، وَمَمْلُوكٍ إِلَى مَالِكٍ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَهِشَامٌ وَحَفْصٌ:" بَيْتِيَ" بفتح الياء، والآخرون بإسكانها. الثانية- قوله تعالى:" لِلطَّائِفِينَ" ظاهره الذين يطفون بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَعْنَاهُ لِلْغُرَبَاءِ الطَّارِئِينَ عَلَى مَكَّةَ، وَفِيهِ بُعْدٌ." وَالْعاكِفِينَ" الْمُقِيمِينَ مِنْ بَلَدِيٍّ وَغَرِيبٍ، عَنْ عَطَاءٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:" لِلطَّائِفِينَ". وَالْعُكُوفُ فِي اللُّغَةِ: اللُّزُومُ وَالْإِقْبَالُ عَلَى الشَّيْءِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ «2»:

عَكْفَ النَّبِيطِ يَلْعَبُونَ الْفَنْزَجَا «3»

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْعَاكِفُونَ الْمُجَاوِرُونَ. ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُصَلُّونَ. وَقِيلَ: الْجَالِسُونَ بِغَيْرِ طَوَافٍ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ." وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" أَيِ الْمُصَلُّونَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ. وَخُصَّ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ أَحْوَالِ الْمُصَلِّي إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ «4» مَعْنَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لُغَةً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. الثَّالِثَةُ- لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى" أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ" دَخَلَ فِيهِ بِالْمَعْنَى جَمِيعُ بُيُوتِهِ تَعَالَى، فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَهُ فِي التَّطْهِيرِ وَالنَّظَافَةِ. وَإِنَّمَا خُصَّ الْكَعْبَةُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرُهَا، أَوْ لِكَوْنِهَا أَعْظَمَ حُرْمَةً، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي التَّنْزِيلِ" فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ «5» " وَهُنَاكَ يَأْتِي حُكْمُ الْمَسَاجِدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أنه

(1). راجع ج 8 ص 259.

(2)

. هو العجاج، يصف ثورا. وصدر البيت:

فهن يعكفن به إذا حجا

(3)

. الفنزجة والفنزج (بفتح فسكون): رقص العجم إذا أخذ بعضهم يد بعض وهم يرقصون.

(4)

. راجع ج 1 ص 291، 344 طبعه ثانية.

(5)

. راجع ج 12 ص 264.

ص: 114

سَمِعَ صَوْتَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: مَا هَذَا! أَتَدْرِي أَيْنَ أَنْتَ!؟ وَقَالَ حُذَيْفَةُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ يَا أَخَا الْمُنْذِرِينَ يَا أَخَا الْمُرْسَلِينَ أَنْذِرْ قَوْمَكَ أَلَّا يَدْخُلُوا بَيْتًا مِنْ بُيُوتِي إِلَّا بِقُلُوبٍ سَلِيمَةٍ وَأَلْسِنَةٍ صَادِقَةٍ وَأَيْدٍ نَقِيَّةٍ وَفُرُوجٍ طَاهِرَةٍ وَأَلَّا يَدْخُلُوا بَيْتًا مِنْ بُيُوتِي مَا دَامَ لِأَحَدٍ عِنْدَهُمْ مَظْلِمَةٌ فَإِنِّي أَلْعَنُهُ مَا دَامَ قَائِمًا بَيْنَ يَدَيَّ حَتَّى يَرُدَّ تِلْكَ الظُّلَامَةَ إِلَى أَهْلِهَا فَأَكُونَ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَكُونَ مِنْ أَوْلِيَائِي وَأَصْفِيَائِي وَيَكُونَ جَارِي مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ (. الرَّابِعَةُ- اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ دَاخِلَ الْبَيْتِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: إِنْ صَلَّى فِي جَوْفِهَا مُسْتَقْبِلًا حَائِطًا مِنْ حِيطَانِهَا فَصَلَاتَهُ جَائِزَةٌ، وَإِنْ صَلَّى نَحْوَ الْبَابِ وَالْبَابِ مَفْتُوحٌ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، وَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقْبِلْ مِنْهَا شَيْئًا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلَّى فِيهِ الْفَرْضُ وَلَا السُّنَنُ، وَيُصَلَّى فِيهِ التَّطَوُّعُ، غَيْرَ أَنَّهُ إِنْ صَلَّى فِيهِ الْفَرْضُ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ. وَقَالَ أَصْبَغُ: يُعِيدُ أَبَدًا. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ فِي قُبُلِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ: (هَذِهِ الْقِبْلَةُ) وَهَذَا نَصٌّ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ الْبَيْتَ فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ. فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ فَلَقِيتُ بِلَالًا فَسَأَلْتُهُ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ، نَعَمْ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَفِيهِ قَالَ: جَعَلَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ وَثَلَاثَةُ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ. قُلْنَا: هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى بِمَعْنَى دَعَا، كَمَا قَالَ أُسَامَةُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى الصَّلَاةَ الْعُرْفِيَّةَ، وَإِذَا احْتَمَلَ هَذَا وَهَذَا سَقَطَ الاحتجاج به.

ص: 115

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ أُسَامَةَ قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صُوَرًا فِي الْكَعْبَةِ فَكُنْتُ آتِيهِ بِمَاءٍ فِي الدَّلْوِ يَضْرِبُ بِهِ تِلْكَ الصُّوَرَ. وَخَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ حَدَّثَنَا عُمَيْرٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْكَعْبَةِ وَرَأَى صُوَرًا قَالَ: فَدَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَجَعَلَ يَمْحُوهَا وَيَقُولُ: (قَاتَلَ اللَّهُ قَوْمًا يُصَوِّرُونَ مَا لَا يَخْلُقُونَ). فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي حَالَةِ مُضِيِّ أُسَامَةَ فِي طَلَبِ الْمَاءِ فَشَاهَدَ بِلَالٌ مَا لَمْ يُشَاهِدْهُ أُسَامَةُ، فَكَانَ مَنْ أَثْبَتَ أَوْلَى مِمَّنْ نَفَى، وَقَدْ قَالَ أُسَامَةُ نَفْسُهُ: فَأَخَذَ النَّاسُ بِقَوْلِ بِلَالٍ وَتَرَكُوا قَوْلِي. وَقَدْ رَوَى مُجَاهِدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: كَيْفَ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ؟ قَالَ: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. قُلْنَا: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى النَّافِلَةِ، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ النَّافِلَةِ فِي الْكَعْبَةِ، وَأَمَّا الْفَرْضُ فَلَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَيَّنَ الْجِهَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ" عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ «1» ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا خَرَجَ:(هَذِهِ الْقِبْلَةُ) فَعَيَّنَهَا كَمَا عَيَّنَهَا اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ كَانَ الْفَرْضُ يَصِحُّ دَاخِلَهَا لَمَا قَالَ: (هَذِهِ الْقِبْلَةُ). وَبِهَذَا يَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إِسْقَاطِ بَعْضِهَا، فَلَا تَعَارُضَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. الْخَامِسَةُ- وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ عَلَى ظَهْرِهَا، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ. وَقَدْ روي عن بعض أصحاب مالك: يعيدا أَبَدًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ صَلَّى عَلَى ظهر الكعبة فلا شي عَلَيْهِ. السَّادِسَةُ- وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا أَيُّمَا أَفْضَلُ الصَّلَاةُ عِنْدَ الْبَيْتِ أَوِ الطَّوَافُ بِهِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: الطَّوَافُ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ أَفْضَلُ، وَالصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَفْضَلُ. وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ. وَفِي الْخَبَرِ:(لَوْلَا رِجَالٌ خُشَّعٌ وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ وَأَطْفَالٌ رُضَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ لَصَبَبْنَا عَلَيْكُمُ الْعَذَابَ صَبًّا). وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ (السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله

(1). راجع ص 160 من هذا الجزء.

ص: 116