الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَجْهُ عِبَارَةٌ عَنْهُ عز وجل، كَمَا قَالَ:" وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ «1» ". وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: تِلْكَ صِفَةٌ ثَابِتَةٌ بِالسَّمْعِ زَائِدَةٌ عَلَى مَا تُوجِبُهُ الْعُقُولُ مِنْ صِفَاتِ الْقَدِيمِ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَضَعَّفَ أَبُو الْمَعَالِي هَذَا الْقَوْلَ، وَهُوَ كَذَلِكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ وُجُودُهُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْوَجْهِ هُنَا الْجِهَةُ الَّتِي وُجِّهْنَا إِلَيْهَا أَيِ الْقِبْلَةُ. وَقِيلَ: الْوَجْهُ الْقَصْدُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ
…
رَبَّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ
وَقِيلَ: الْمَعْنَى فَثَمَّ رِضَا اللَّهِ وَثَوَابُهُ، كَمَا قَالَ:" إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ" أَيْ لِرِضَائِهِ وَطَلَبِ ثَوَابِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:(مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يبتغي به وجه لله بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ). وَقَوْلُهُ: (يُجَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصُحُفٍ مُخْتَمَةٍ فَتُنْصَبُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَقُولُ عز وجل لِمَلَائِكَتِهِ أَلْقُوا هَذَا وَاقْبَلُوا هَذَا فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ وَعِزَّتِكَ يَا رَبَّنَا مَا رَأَيْنَا إِلَّا خَيْرًا وَهُوَ أَعْلَمُ فَيَقُولُ إِنَّ هَذَا كَانَ لِغَيْرِ وَجْهِي وَلَا أَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهِي) أَيْ خَالِصًا لِي، خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ فَثَمَّ اللَّهُ، وَالْوَجْهُ صِلَةٌ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ:" وَهُوَ مَعَكُمْ". قَالَهُ الْكَلْبِيُّ وَالْقُتَبِيُّ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ" أَيْ يُوَسِّعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي دِينِهِمْ، وَلَا يُكَلِّفُهُمْ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِمْ. وَقِيلَ:" واسِعٌ" بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسَعُ عِلْمُهُ كُلَّ شي، كَمَا قَالَ:" وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً «2» ". وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْوَاسِعُ هُوَ الْجَوَادُ الَّذِي يَسَعُ عَطَاؤُهُ كل شي، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ «3» ". وَقِيلَ: وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ أَيْ لَا يَتَعَاظَمُهُ ذَنْبٌ. وَقِيلَ: مُتَفَضِّلٌ عَلَى الْعِبَادِ وَغَنِيٌّ عَنْ أَعْمَالِهِمْ، يقال: فلان يسع ما يسئل، أَيْ لَا يَبْخَلُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ «4» " أَيْ لِيُنْفِقِ الْغَنِيُّ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ. وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهِ فِي الكتاب" الأسنى" والحمد لله.
[سورة البقرة (2): آية 116]
وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (116)
(1). راجع ج 17 ص 165.
(2)
. راجع ج 11 ص 243.
(3)
. راجع ج 7 ص 296.
(4)
. راجع ج 18 ص 170.
فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً" هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ النَّصَارَى فِي قَوْلِهِمْ: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ. وَقِيلَ عَنِ الْيَهُودِ فِي قَوْلِهِمْ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ. وَقِيلَ عَنْ كَفَرَةِ الْعَرَبِ فِي قَوْلِهِمُ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ. وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَنِ الْجَهَلَةِ الْكُفَّارِ فِي" مَرْيَمَ «1» " وَ" الْأَنْبِيَاءِ «2» ". الثَّانِيَةُ- قوله:" سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ" الْآيَةُ. خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ لِي وَلَدٌ فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا". الثَّالِثَةُ-" سُبْحَانَ" مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَمَعْنَاهُ التَّبْرِئَةُ وَالتَّنْزِيهُ وَالْمُحَاشَاةُ، مِنْ قَوْلِهِمُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً، بَلْ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ، أَحَدٌ فِي صِفَاتِهِ، لَمْ يَلِدْ فَيَحْتَاجُ إِلَى صَاحِبَةٍ،" أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ" وَلَمْ يُولَدْ فَيَكُونُ مَسْبُوقًا، جَلَّ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا! " بَلْ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" مَا" رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ فِي الْمَجْرُورِ، أَيْ كُلُّ ذَلِكَ لَهُ مِلْكٌ بِالْإِيجَادِ وَالِاخْتِرَاعِ. وَالْقَائِلُ بأنه اتخذ ولدا داخل في جملة السموات وَالْأَرْضِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَعْنًى سُبْحَانَ اللَّهِ: بَرَاءَةُ اللَّهِ مِنَ السُّوءِ «3» . الرَّابِعَةُ- لَا يَكُونُ الْوَلَدُ إِلَّا مِنْ جِنْسِ الْوَالِدِ، فَكَيْفَ يَكُونُ لِلْحَقِّ سُبْحَانَهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وهو لا يشبهه شي، وَقَدْ قَالَ:" إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً «4» "، كَمَا قَالَ هُنَا:" بَلْ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" فَالْوَلَدِيَّةُ تَقْتَضِي الْجِنْسِيَّةَ وَالْحُدُوثَ، وَالْقِدَمُ يَقْتَضِي الْوَحْدَانِيَّةَ وَالثُّبُوتَ، فَهُوَ سُبْحَانُهُ الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ، الْفَرْدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. ثُمَّ إِنَّ الْبُنُوَّةَ تُنَافِي الرِّقَّ وَالْعُبُودِيَّةَ- عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ" مَرْيَمَ «5» " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- فَكَيْفَ يَكُونُ وَلَدَ عَبْدًا! هَذَا مُحَالٌ، وما أدى إلى المحال محال.
(1). راجع ج 11 ص 158 فما بعدها وص 281.
(2)
. راجع ج 11 ص 158 فما بعدها وص 281. [ ..... ]
(3)
. راجع ج 1 ص 276 طبعه ثانية.
(4)
. راجع ج 11 ص 158 فما بعدها وص 281.
(5)
. راجع ج 11 ص 158 فما بعدها وص 281.