الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من غير سوء: أي من غير برص ولا نحوه من الآفات، آيات: أي معجزات دالة على صدقك، مبصرة: أي بينة واضحة، جحدوا بها: أي كذبوا، واستيقنتها أنفسهم:
أي علمت علما يقينيا أنها من عند الله، وعلوا: أي ترفعا واستكبارا.
المعنى الجملي
بعد أن وصف عز اسمه القرآن بأنه هدى وبشرى للمؤمنين، وأن من أعرض عنه كان له الخسران المبين- أردفه بذكر حال المنزل عليه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبا له.
الإيضاح
(وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) أي وإنك أيها الرسول لتحفظ القرآن وتعلّمه من عند حكيم بتدبير خلقه، عليم بأخبارهم وما فيه الخير لهم، فخبره هو الصدق، وحكمه هو العدل كما قال:«وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا» .
ثم خوطب صلى الله عليه وسلم وأمر بتلاوة بعض ما تلقاه من لدنه عز اسمه تقريرا لما قبله وتحقيقا له بقوله:
(إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) أي واذكر أيها الرسول لقومك حين قول موسى لأهله وقد ساربهم فضلّ الطريق فى ليل دامس وظلام حالك، فرأى نارا تأجج وتضطرب، إنى أبصرت نارا سآتيكم منها إما بخبر عن الطريق أو آتيكم بشعلة من النار تستدفئون بها، وكان كما قال: فإنه رجع منها بخبر عظيم، واقتبس نورا جليلا.
وقد كان هذا حين مسيره من مدين إلى مصر ولم يكن معه سوى امرأته، وكانا يسيران ليلا فاشتبه عليهما الطريق والبرد شديد.
وفى مثل هذه الحال يستبشر الناس بمشاهدة النار من بعد لما يرجى فيها من زوال الحيرة وأمن الطريق ومن الانتفاع بها للاصطلاء، ومن ثم قال لها هذه المقالة.
(فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي فلما وصل إلى النار نودى بأن بورك من فى مكان النار ومن حول مكانها، ومكانها هى البقعة المباركة المذكورة فى قوله:«نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ» ومن حولها من فى ذلك الوادي وحواليه من أرض الشام الموسومة بالبركات ومهبط الخيرات، لكونها مبعث الأنبياء وكفاتهم أحياء وأمواتا.
وقوله سبحان الله تنزيه لنفسه عما لا يليق به فى ذاته وحكمته وإيذان بأن مدبر ذلك الأمر هو رب العالمين.
أخرج عبد بن حميد وابن ماجه وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقي عن أبى موسى الأشعري قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله لا ينام، ولا ينبغى له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات (أنوار) وجهه كل شىء أدركه بصره» ثم قرأ أبو عبيدة «أن بورك من فى النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين» .
وفى التوراة: جاء الله من سيناء، وأشرف من ساعير، واستعلى من جبل فاران، فمجيئه من سيناء بعثه موسى منها، وإشرافه من ساعير بعثه المسيح منها، واستعلاؤه من فاران بعثه محمدا صلى الله عليه وسلم (وفاران مكة) .
ولما تشوقت النفس إلى تحقيق ما يراد بالتصريح قال تعالى تمهيدا لما أراد إظهاره على يد موسى من المعجزات الباهرة:
(يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي يا موسى إن الذي يخاطبك ويناجيك هو ربك الذي عزّ كل شىء وقهره، وهو الحكيم فى أقواله وأفعاله.
ثم أرى موسى آية تدل على قدرته، ليعلم ذلك علم شهود فقال:
(وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي وألق عصاك، فلما ألقاها انقلبت حية سريعة الحركة، فلما رآها كذلك ولّى هاربا خوفا منها ولم يلتفت وراءه من شدة فرقه.
وحينئذ تاقت النفس إلى معرفة ما قيل إذ ذاك فقال:
(يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) أي لا تخف مما ترى، فإنى لا يخاف عندى رسلى وأنبيائى الذين اختصهم وأصطفيهم بالنبوة.
(إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي لكن من ظلم من سائر العباد، فإنه يخاف إلا إذا تاب، فبدل بتوبته حسنا بعد سوء، فإنى أغفر له وأمحو ذنوبه وجميع آثارها كما فعل السحرة الذين آمنوا بموسى، وفى هذا بشارة عظيمة لسائر البشر، فإن من عمل ذنبا ثم أقلع عنه وتاب وأناب، فإن الله يتوب عليه كما قال:
«وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى» وقال: «وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً» .
ثم أراه جلت قدرته آية أخرى ذكرها بقوله:
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي وأدخل يدك فى جيب «مدخل الرأس منه المفتوح إلى الصدر» فميصك تخرج بيضاء بياضا عظيما، ولها شعاع كشعاع الشمس بلا آفة بها من برص أو غيره.
والآية الأولى كانت بتغيير ما فى يده وقلبها من جماد إلى حيوان، والثانية بتغيير يده نفسها وقلب أوصافها إلى أوصاف أخرى نورانية.
(فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) أي هاتان آيتان من تسع آيات أؤيدك بهن، وأجعلهن برهانا لك إلى فرعون وقومه كما قال:«وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ» .
ثم علل إرساله إليهم بالخوارق بقوله: