الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيضاح
(فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) أي إن الملأ بعد أن أشاروا على فرعون بتأخير البت فى أمر موسى، وبان من الخير له أن يجمع السحرة، ليظهر عند حضورهم فساد قوله- رضى بما أشاروا به واستقر عليه الرأى وأحب أن تقع المناظرة فى يوم عيد لهم، لتكون بمحضر الجمّ الغفير من الناس، ويتم الله نوره ويظهر الحق على الباطل بلطفه وفضله.
(وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ) أي وقيل للناس حثا لهم على المبادرة إلى الاجتماع ومشاهدة ما يكون من الجانبين: هل أنتم مجتمعون فى ذلك الميقات لتروا ما سيكون فى ذلك اليوم المشهود، وكان ذلك ثقة من فرعون بالظهور، وقد طلب أن يكون ذلك بمجمع من الناس لئلا يؤمن بموسى أحد منهم، فوقع من موسى الموقع الذي يريده، لأنه يعلم أن حجة الله هى الغالبة، وحجة الكافرين هى الداحضة، وفى ظهور حجة الله بمجمع من الناس زيادة فى الاستظهار للمحقين، وقهر للمبطلين.
(لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) أي إنا نرجو أن يكون لهم الغلبة فنتبعهم ونستمر على دينهم ولا نتبع دين موسى.
(فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ؟ قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) أي فلما جاء السحرة مجلس فرعون طلبوا منه الإحسان ببذل المال والتقرب إليه إن هم غلبوا، فأجابهم إلى ما طلبوا وزاد على هذا أن وعدهم بأنهم سيكونون من جلسائه وخاصة بطانته.
بعدئذ عادوا إلى مقام المناظرة وقالوا يا موسى إما أن تلقى وإما أن نكون نحن الملقين.
(قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ. فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ) أي قال لهم موسى ألقوا ما تريدون إلقاءه، مما يكون حجة لكم
على إبطال ما أدعيه من المعجزات فألقوا ما معهم من الحبال والعصى وقد كانت مطليّة بالزئبق، والعصىّ مجوّفة مملوءة به، وقالوا بقوة فرعون وجبروته: إنا لنحن الغالبون، فلما حميت حرارة الشمس اشتدت حركتها وصارت كأنها حيات تدبّ من كل جانب، وسحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم.
وجاء فى سورة طه: «فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى» .
وقد استفرغوا الوسع وقاموا بما ظنوا أن فيه الكفاية بل ما فوقها وأن النصر قد كتب لهم.
(فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) أي وحين ألقى موسى عصاه ابتلعت ما كانوا يقلبون صورته وحاله الأولى بتمويههم وتخييل الحبال والعصى أنها حيات تسعى.
وجاء فى آية أخرى: «فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» .
وقد قامت الحجة لموسى عليهم واستبان لهم أن هذا ليس من متناول أيديهم كما أشار إلى ذلك سبحانه بقوله:
(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) أي فخروا سجد الله، لأنهم قد علموا أن هذا الذي فعلوه هو منتهى التخييل السحرى، فلما ابتلعت الحية ما زّوروه أيقنوا أن هذا من قدرة فوق ما عرفوا، وما هو إلا من قوة آتية من السماء لتأييد موسى، حينئذ خروا سجدا لله القوى القاهر فوق عباده.
وفى التعبير بالإلقاء إشارة إلى أنهم لم يتمالكوا أنفسهم من الدهش حتى كأنهم أخذوا فطرحوا.
ثم فاهوا بما يجيش فى صدورهم، وتنطوى عليه جوانحهم.
(قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ. رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) أي قالوا: آمنا برب العالمين الذي دعا إليه موسى أول ما تكلم مع فرعون.
وفى هذا إيماء إلى عزل فرعون عن الربوبية، وأن سبب إيمانهم ما أجراه الله على يدى موسى وهرون من المعجزات.
وبعد أن حصحص الحق، وو صح الصبح لذى عينين، لجأ فرعون إلى العناد والمكابرة وشرع يهدّد ويتوعد، ولكن ذلك لم يجد فى السحرة شيئا، ولم يزدهم إلا إيمانا وتسليما، إذ كان حجاب الكفر قد انكشف، واستبان لهم نور الحق، وعلمهم ما جهل قومهم، وأن القوة التي تؤيد موسى قوة غيبية قد أيده الله بها، وجعلها دليلا على صدق ما يدّعى.
(قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ؟) أي قال لهم: أتؤمنون به قبل أن تستأذنو، وقد كان ينبغى أن تفعلوا ذلك، وألا تفتاتوا علىّ، فإنى أنا الحاكم المطاع؟
ثم التمس لإيمانهم عذرا آخر غير انبلاج الحق، ليعمّى على العامة، ويصرفهم عن وجه الحق فقال:
(إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) فأنتم فعلتم ذلك عن مواطأة بينكم وبينه.
ولا شك أن هذا تضليل لقومه، ومكابرة ظاهرة البطلان، فإنهم لم يجتمعوا بموسى قبل ذلك اليوم، فكيف يكون هو كبيرهم الذي أفادهم صناعة السحر.
ثم توعدهم فقال:
(فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) وبال ما فعلتم، وسوء عاقبة ما اجترحتم.
ثم بين ذلك بقوله:
(لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) أي لأقطعنّ اليد اليمنى من كل منكم والرجل اليسرى، ثم لأصلبنكم أجمعين بعد ذلك.
فأجابوه غير مكترثين بقوله، ولا عابثين بتهديده، بأمرين فى كل منهما دليل على اطمئنان النفس وبرد اليقين: