الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك الاستهزاء به والحطّ من قدره حتى لقد قال بعضهم لبعض: أهذا الذي بعث الله رسولا؟ بل لقد غالوا فى ذلك فسمّوا دعوته إضلالا، فرد الله عليهم مقالهم وأبان لهم أنه سيظهر لهم حين مشاهدة العذاب من الضالّ ومن المضلّ؟ ثم عجّب رسوله من شناعة أحوالهم بعد حكاية أقوالهم وأفعالهم القبيحة، وأرشد إلى أن مثل هؤلاء يبعد أن يزدجروا عما هم فيه من الغىّ بنصحك وإرشادك، فإن أكثرهم لا يسمعون ولا يعقلون وما هم إلا كالأنعام أو أضل منها سبيلا.
روى أن الآية الأولى نزلت فى أبى جهل ومن معه فإنه كان إذا مر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحبه قال مستهزئا (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا) .
الإيضاح
(وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا) أي وإذا رآك هؤلاء المشركون الذين قصصت عليك قصصهم- اتخذوك موضع هزؤ وسخرية وقالوا احتقارا لشأنك هذه المقالة.
ثم ذكر ما زاد قبحه فى زعمهم فقال:
(إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) أي ويقولون إنه قد كاد يصدّنا عن عبادة آلهتنا لولا صبرنا على عبادتها وثباتنا على ديننا.
وفى هذا إيماء إلى وجوه من الفائدة:
(1)
إنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ من الاحتفال فى الدعوة إلى التوحيد وإظهار المعجزات، وإقامة الحجج والبينات، مبلغا شارفوا به أن يتركوا دينهم لولا فرط عنادهم وتناهى عتوهم ولجاجهم.
(2)
الدلالة على تناقضهم واضطرابهم، فإن فى استفهامهم السابق ما يدل على التحقير له، وفى آخر كلامهم ما يدل على قوة حجته، ورجاحة عقله، فذكره تحميق لهم وتجهيل لاستهزائهم بما استعظموه.
وبعد أن حكى مقالتهم سفّه آراءهم من وجوه ثلاثة:
(1)
(وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا) أي إنهم حين يشاهدون العذاب الذي استوجبوه بكفرهم وعنادهم سيعلمون من الضال ومن المضل؟
وفى هذا رد لقولهم إن كاد ليضلنا عن آلهتنا، كما أن فيه وعيدا شديدا على التعامي والإعراض عن الاستدلال والنظر.
(ب)(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا؟) أي انظر فى حال هذا الذي جعل هواه إلهه، بأن أطاعه وبنى عليه أمر دينه، وأعرض عن استماع الحجة الباهرة، والبرهان الجلى الواضح، واعجب ولا تأبه به، فإنك لن تكون حفيظا على مثل هذا تزجره عما هو عليه من الضلال وترشده إلى الصراط السوىّ.
وخلاصة ذلك- كأنه سبحانه يقول لرسوله: إن هذا الذي لا يرى معبودا له إلا هواه، لا تستطيع أن تدعوه إلى الهدى، وتمنعه من متابعة الهوى، إن عليك إلا البلاغ.
ونحو الآية قوله: «لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ» وقوله: «وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ» وقوله: «لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ» .
وفى هذا الأسلوب تعجيب لرسوله من سوء أحوالهم بعد أن حكى قبيح أقوالهم وأفعالهم، وتنبيه له إلى سوء عاقبتهم.
قال ابن عباس: كان الرجل فى الجاهلية يعبد الحجر الأبيض زمانا، فإذا رأى غيره أحسن منه عبد الثاني وترك الأول فأنزل الله الآية.
(ح)(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) أي بل أتظن أن أكثرهم يسمعون حق السماع ما تتلو عليهم من الآيات، أو يعقلون ما تتضمنه من المواعظ الداعية إلى الفضائل ومحاسن الأخلاق، حتى تجتهد فى دعوتهم، وتحتفل بإرشادهم وتذكيرهم، وتطمع فى إيمانهم فما حالهم إلا حال البهائم فى تركهم للتدبر فيما يشاهدون من البينات والحجج، بل هم أضل منها سبيلا،