الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هائلة، يقصدون بها الاستعاذة من وقوع ذلك الخطب الذي يلحقهم والمكروه الذي يلمّ بدارهم: أي نسأل الله أن يمنع ذلك منعا ويحجره حجرا، وقدمنا: أي عمدنا وقصدنا، والهباء كما قال الراغب: دقاق التراب وما انبثّ فى الهواء ولا يبدو إلا فى أثناء ضوء الشمس من كوّة ونحوها، والمستقر: المكان الذي يستقر فيه المرء فى أكثر الأوقات للجلوس والمحادثة، والمقيل: المكان الذي يؤوى إليه للاستمتاع بالأزواج والتمتع بحديثهن، سمى بذلك لأن التمتع به يكون وقت القائلة غالبا.
المعنى الجملي
بعد أن حكى سبحانه أباطيل المشركين السالفة بطعنهم فى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بقولهم «لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً» أردف ذلك بذكر سخافات أخرى لهم فى هذا الصدد فقالوا: هلا أنزل علينا الملائكة فيخبرونا بصدقه، أو يرى ربنا فينبئنا بذلك، ثم بين أن هذا عتو عظيم منهم، ثم أعقب هذا ببيان أنهم سيرون الملائكة حين الهول يوم الجزاء والحساب حين يقولون لهم: لا بشرى لكم اليوم بل فيه منعكم من كل خير، فإن ما قدمتم من عمل صالح فى الدنيا صار هباء منثورا، ثم أخبر بما يكون لأهل الجنة من خير المستقر، وحسن المقيل، فى ظل ظليل، ونعم لا مقطوعة ولا ممنوعة، حين يقولون:«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ» ولعل فى ذكر هذا ما يكون حافزا لهم على مراجعة أنفسهم وتخمير الرأى، ليرشدوا إلى طريق السّداد، ويقلعوا عما هم فيه من هوى متّبع، وشيطان مطاع.
الإيضاح
(وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا) أي وقال الذين ينكرون البعث والحشر ويطعنون فى صدق الرسول فيما أوحى به إليه: هلا أنزل علينا
الملائكة فيخبرونا بأن محمدا صادق فيما يدّعى، فإنا فى شك من أمره، وفى ريب مما يخبر به، وإن لم يكن هذا فلنر ربنا ونعلم أنه هو حقا بأمارات لا يعتريها لبس ثم يقول لنا:
إنى أرسلت إليكم محمدا من لدنى بشيرا ونذيرا، فإن تم لنا ذلك صدّقناه وآمنا به، وما مقصدهم من هذا وذاك إلا التمادي فى الإنكار والعناد والعتوّ ومن ثم قال:
(لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) أي والله لقد استكبروا فى شأن أنفسهم، وتجاوزوا الحد فى الظلم والطغيان تجاوزا بلغ أقصى الغاية، تكذيبا برسوله، وشموخا بأنوفهم عن أن ينصاعوا إليه ويتبعوه، ولم يأبهوا بباهر معجزاته، ولا كثرة آياته، وإنهم لقد بلغوا غاية القحة فى الطلب، وفى الحق إن شأنهم لعجب، وإن العقل ليحار فى أمرهم، ويدهش لقصور عقولهم، وسذاجة آرائهم، وضعف أحلامهم، «أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ» ولله در القائل:
ومن جهلت نفسه قدره
…
رأى غيره منه ما لا يرى
ونحو الآية قوله تعالى: «إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ» .
ثم بين أنهم سيلقون الملائكة حين الهول يوم القيامة لا على الوجه الذي طلبوه، ولا على الصورة التي اقترحوها، بل على وجه آخر لم يمر ببالهم فقال:
(يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) أي يوم يرى هؤلاء المجرمون الملائكة فلا بشرى لهم بخير، إذ يقولون لهم: حجرا محجورا أي محرم عليكم البشرى بالغفران والجنة، أي جعلهما الله حراما عليكم، إذ هما لا يكونان إلا لمن اعترف بوحدانية الله وصدّق رسوله.
والخلاصة- لا بشرى يومئذ للكافرين وتقول لهم الملائكة: حرام أن نبشركم بما نبشر به المتقين.
ثم بين السبب فى وبالهم وخسرانهم حينئذ فقال:
(وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) أي فعمدنا إلى محاسن