الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير المفردات
الفزع: انقباض ونفار من الأمر المهول المخيف، التناوش: التناول السهل لشىء قريب يقال للرجل إذا تناول رجلا ليأخذ برأسه ولحيته، ناشه ينوشه نوشا، وأنشدوا لغيلان بن حريث في وصف الإبل:
فهى تنوش الحوض نوشا من علا
…
نوشا به تقطع أجواز الفلا
يريد أنها عالية الأجسام طويلة الأعناق، يقذفون بالغيب: أي يرجمون بالظنون التي لا علم لهم بها، والعرب تقول لكل من تكلم بما لا يستيقنه: هو يقذف بالغيب.
بأشياعهم: أي أشباههم ونظرائهم في الكفر جمع شيع، وشيع جمع شيعة وشيعة الرجل: أتباعه وأنصاره، وكل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأى بعض فهم شيع، مريب: أي موقع في الريبة والظّنة، يقال أراب الرجل: أي صار ذا ريبة فهو مريب.
المعنى الجملي
بعد أن أبطل سبحانه شبههم وردّ عليهم بما لم يبق بعده مستزاد لمستزيد- هددهم بشديد العقاب إن هم أصروا على عنادهم واستكبارهم، ثم ذكر أنهم حين معاينة العذاب يقولون آمنا بالرسول، وأنّى لهم ذلك وقد فات الأوان؟ وقد كان ذلك فى مكنتهم في دار الدنيا لو أرادوا، أما الآن فإن ذلك لا يجديهم فتيلا ولا قطميرا من جراء ما كانوا فيه من شك مريب في الحياة الأولى، وتلك سنة الله في أشباههم من قبل.
الإيضاح
(وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ) أي ولو رأيت أيها الرسول هؤلاء المكذبين حين يفزعون مما رأوا من العذاب الشديد- لرأيت من الأمر ما يعجز القول عن وصفه، فهم لا يمكّنون من الهرب، ولا يفوتهم ذلك العذاب ولا يجدون ملجأ ولا مأوى يبتعدون فيه.
(وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) أي وأخذوا حين الفزع من الموقف إلى النار ولم يمكّنوا أن يمعنوا في الهرب.
(وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) أي وقالوا حينئذ: آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله، وأنّى لهم ذلك وقد صاروا بعيدين عن قبول الإيمان؟ إذ هذه الدار ليست أهلا لقبول التكاليف من الإيمان بالله والعمل الصالح.
ونحو الآية قوله: «وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ» .
(وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) أي وكيف يحصل لهم الإيمان في الآخرة وقد كفروا بالحق في الدنيا وكذبوا الرسل؟.
(وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) أي وهم قد كانوا يرجمون بظنون لا مستند لهم فيها، فيتكلمون في الرسول بمطاعن ليس لها ما يؤيدها، فتارة يقولون إنه شاعر، وأخرى إنه كاهن، وثالثة إنه ساحر، إلى نحو ذلك من الأقوال الباطلة، ويكذبون بالبعث والنشور والحساب والجزاء.
(وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) أي وحيل بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا ليعلموا صالحا كما قال: «فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا» .
ثم بين أن هذه سنة الله في أمثالهم ممن كذبوا الرسل من قبلهم فقال:
(كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ) أي فعلنا بهم كما فعلنا بالأمم الماضية التي كذبت رسلها فتمنّوا حين رأوا بأس الله أن لو آمنوا ولكن لم يقبل منهم.
ثم علل عدم قبول إيمانهم ووصولهم إلى بغيتهم حينئذ بقوله:
(إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ) أي لأنهم كانوا في الدار الأولى شاكين فيما أخبرت به الرسل من البعث والجزاء، وقد تغلغل الشك في قلوبهم حتى صاروا لا يطمئنون إلى شىء مما جاءوا به.