الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنها تهدى إلى الصراط المستقيم، ومعاند جاحد بها يسعى في إبطالها، ومآل أمره العذاب الأليم على ما دسّى به نفسه من قبيح الخلال.
الإيضاح
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) أي وقال الذين ستروا ما أرشدتهم إليه عقولهم من البراهين الدالة على قيام الساعة: إنه لا رجعة بعد هذه الدنيا ولا بعث ولا حساب، إن هى إلا أرحام تدفع، وأرض تبلع، وما نحن بمبعوثين.
وقد أمر الله رسوله أن يرد عليهم مؤكدا لهم بطلان ما يدّعون.
(قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ) أي قل لهم إنها وربى لآتية لا ريب فيها.
وهذه الآية إحدى آيات ثلاث أمر الله فيها رسوله أن يقسم بربه العظيم على وقوع المعاد حين أنكره من أنكره من أهل الشرك والعناد، فإحداهن في سورة يونس «وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ» وثانيتها فى سورة التغابن «زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا، قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» وثالثتها ما هنا.
ثم وصف المولى نفسه بكامل العلم وعظيم الإحاطة بالموجودات مما يؤكد إمكان البعث فقال:
(عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) أي إن وقت مجيئها لا يعلمه سوى علام الغيوب الذي لا يغيب عن علمه شىء في السموات ولا في الأرض من ذرة فما دونها ولا ما فوقها، أين كانت وأين ذهبت، فكل ذلك محفوظ في كتاب مبين، فالعظام وإن تلاشت، واللحوم وإن تفرقت وتمزقت، فهو عالم أين ذهبت وأين تفرقت، فيعيدها كما بدأها أول مرة وهو بكل شىء عليم.
ثم بين الحكمة في إعادة الأجسام وقيام الساعة بقوله:
(لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) أي ببعثهم من قبورهم يوم القيامة، ليثيب الذين آمنوا بالله وعملوا بما أمرهم به وانتهوا عما نهاهم عنه وأولئك لهم مغفرة لذنوبهم من لدنه، وعيش هنىء في الجنة لا تعب فيه ولا منّ عليه، والخلاصة- إن الحكمة تقتضى وجودها، وليس هناك مانع منها، فالعلم المحيط بالغيب موجود، فقد وجد المقتضى لوجودها، وارتفع المانع من إتيانها.
(وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) أي وليجزى الذين سعوا في إبطال أدلتنا وحججنا عنادا منهم وكفرا، وظنوا أنهم يسبقوننا بأنفسهم فلا نقدر عليهم بشديد العذاب في جهنم وبئس المهاد، لما اجترحوا من السيئات ودسّوا به أنفسهم من قبيح الأعمال.
وإجمال ذلك- إن الساعة آتية لا محالة، لينعم السعداء المؤمنون، ويعذّب الأشقياء الكافرون.
ونحو الآية قوله: «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ» وقوله: «لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ» .
ثم استشهد باعتراف أولى العلم ممن آمن من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وكعب وأضرابهما بصحة ما أنزل إليك، ليردّ به على أولئك الجهلة الساعين في الآيات الذين أنكروا الساعة فقال:
(وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) أي وقال الجهلة المنكرون للبعث والحشر والحساب- إنه لا رجعة بعد هذه الدنيا وقال العالمون من أهل الكتاب ومن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يأتى من بعدهم من أمته: إن الذي أنزل إليك من ربك مثبتا لقيام الساعة ومجازاة كل عامل بما عمل من خير أو شر- هو الحق الذي لا شك فيه، وأنه هو الذي