الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يرشد إلى ذلك
قوله صلى الله عليه وسلم «خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء»
يريد عائشة رضى الله عنها، والعرب تقول امرأة حمراء أي بيضاء.
(2)
إن المصاهرة من أقوى عوامل التآلف والتناصر كما هو مشاهد معروف، والدعوة في أول أمرها كانت في حاجة ماسة إلى الإكثار من ذلك، لا جتذاب القبائل إليه ومؤازرتهم له، لذود عوادى الضالين، وكف أذاهم عنه، ومن ثم كان أكثر زوجاته من قريش سيدة العرب.
(3)
إن المؤمنين كانوا يرون أن أعظم شرف وأمتن قربة إلى الله تعالى مصاهرتهم لنبيه وقربهم منه، فمن ظفر بالمصاهرة فقد أدرك ما يرجو. ألا ترى أن عمر رضى الله عنه أسف جد الأسف حين فارق رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته وقال: لا يعبأ بعدها بعمر، ولم ينكشف عنه الهم حتى روجعت، وأن عليا كرم الله وجهه على اتصاله برسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق النسب وشرف اقترانه بالزهراء رغب في أن يزوجه أخته أم هانىء بنت أبى طالب ليتضاعف شرفه ولم يمنعها من ذلك إلا خوفها أن تقصّر فى القيام بحقوق الرسول مع خدمة أبنائها.
الأسباب الخاصة بزواج كل واحدة من أمهات المؤمنين
(1)
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة سودة بنت زمعة أرملة السكران ابن عمرو الذي أسلم واضطرّ إلى الهجرة إلى بلاد الحبشة هربا من اضطهاد المشركين ومات هناك وأصبحت امرأته بلا معين، وهى أرمل رجل مات في سبيل الدفاع عن الحق، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وفاء لرجل غادر الأهل والأوطان احتفاظا بعقيدته، وقد شاركته هذه الزوجة في أهوال التغريب والنفي، وحماية لها من أهلها أن يفتنوها، لأنها هاجرت مع زوجها على غير رغبتهم.
(2)
تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية وعمرها زهاء خمسين عاما، وكان زواجه منها سببا في دخول خالد بن الوليد في دين الله، وهو المجاهد الكبير والبطل العظيم،
وهو الذي غلب الروم على أمرهم فيما بعد، وله في الإسلام أيام غرّ محجلة- إلى أن زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم يسّر لذوى قرباها وسيلة للعيش فطعموا من جوع وأمنوا من مخوف وأثروا بعد فاقة.
(3)
تزوج جويرية وكان أبوها الحارث بن ضرار سيد بنى المصطلق بن خزاعة جمع قبل إسلامه جموعا كثيرة لمحاربة النبي صلى الله عليه وسلم، ولما التقى الجمعان عرض عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم الإسلام فأبوه فحاربهم حتى هزموا ووقعت جويرية فى سهم ثابت بن قيس، فكاتبها على سبع أواق من الذهب فلم تر معينا لها غير النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت إليه وأدلت بنسبها وطلبت حريتها فتذكر النبي صلى الله عليه وسلم ما كان لأهلها من العز والسؤدد وما صاروا إليه بسوء التدبير والعناد، فأحسن إليها وإلى قومها بأداء ما عليها من نجوم، ثم تزوجها فقال المسلمون بعد أن اقتسموا بنى المصطلق: إن أصهار رسول الله لا يسترقّون، وأعتقوا من بأيديهم من سبيهم، وعلى إثر ذلك أسلم بنو المصطلق شكرا لله على الحرية بعد ذل الكفر والأسر.
(4)
تزوج السيدة عائشة مكافأة لأبى بكر الصديق، إذ كان شديد التمسك برسول الله صلى الله عليه وسلم مولعا بالتقرب منه، فكان ذلك قرة عين لها ولأبويها وفخرا لذوى قرباها، وكان عبد الله بن الزبير (ابن أختها) يفاخر بنى هاشم بذلك.
(5)
تزوج أم المؤمنين حفصة بنت عمر مكافأة لزوجها الذي توفى مجروحا في موقعة بدر وفي تلك الحقبة كانت السيدة رقية بنت الرسول وزوج عثمان قد توفيت، فعرض عمر ابنته على عثمان فأعرض عنها رغبة في أم كلثوم بضعة الرسول ليستديم له بذلك الشرف، فعزّ هذا على عمر وأنفت نفسه فشكاه إلى أبى بكر فقال له لعلها تتزوج من هو خير منه ويتزوج من هى خير منها له (يريد زواج عثمان بأم كلثوم وزواج حفصة بالنبي صلى الله عليه وسلم .
(6)
تزوج صفية بنت حيىّ بن أخطب سيد بنى النّضير، وكانت قد وقعت
فى السبي مع عشيرتها، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها رأفة بها إذ ذلت بعد عزة، واسترقّت وهى السيدة الشريفة عند أهلها، وتأليفا لقومها حتى يدخلوا في كنف الإسلام، وينضووا تحت لوائه.
(7)
تزوج زينب بنت جحش الأسدية، لإبطال عادة جاهلية كانت متأصلة عند العرب وهى التبني بتنزيل الدّعى منزلة الابن الحقيقي، وإذا أراد الله إبطال هذه العادة جعل رسوله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في هذا، فسعى في تزويج زيد مولاه بعد أن أعتقه بزينب ذات الحسب والمجد فأنفت هى وأخوها عبد الله، وأبت أن تكون زوجا لدعىّ غير كفء، فأنزل الله «وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» فرضيا بقضاء الله ورسوله غير أنها كانت نافرة من هذا القرآن، مترفعة عن زيد، ضائقة به ذرعا، فآثر فراقها، فسأل الرسول الإذن في ذلك،
فقال له: أمسك عليك زوجك واتق الله،
وأخفى في نفسه ما الله مبديه من تزوجه منها بعد زيد، وخشى أن يقول الناس: تزوج محمد من زيد ابنه.
ولما لم يبق لزيد فيها شىء من الرغبة طلقها، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، إبطالا لتلك العادة، وهى إعطاء المتبنّى حكم لابن، وقد تقدم تفصيل هذا في أثناء تفسير السورة بشىء من البسط والإيضاح.
ومما سلف يستبين لك أن ما يتقوله غير المنصفين من الغربيين من أن النبي صلى الله عليه وسلم خوّل لنفسه ميزة لم يعطها لأحد من أتباعه- لا وجه له من الصحة فإن زواجه بأمهات المؤمنين كان لأغراض اجتماعية اقتضتها الدعوة، ودعا إليها حب النصرة، ولا سيما إذا علم أنه لم يتزوج بكرا قط إلا عائشة، وأن من أمهات المؤمنين من كن في سن الكهولة أو جاوزنها.