الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي استقبلتنا باليد قاله أبو حيان فى البحر، ومنه قوله تعالى:«أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ» : فلا تخضعن بالقول: أي فلا تجبن بقول خاضع ليّن، أي إذا استقبلتن أحدا فلا تلنّ الكلام ولا ترققنه، مرض: أي ريبة وفجور، قولا معروفا: أي حسنا بعيدا من الريبة غير مطمع لأحد، قرن: من قرّ يقرّ من باب علم وأصله اقررن دخله الحذف، والتبرج: إبداء المرأة من محاسنها ما يجب عليها ستره، والجاهلية الأولى:
هى الجاهلية القديمة جاهلية الكفر قبل الإسلام، وهناك جاهلية أخرى هى جاهلية الفسوق فى الإسلام، والرجس: فى الأصل الشيء القذر والمراد به هنا الإثم المدنّس للعرض، واذكرن ما يتلى فى بيوتكن: أي وعظن الناس بما يتلى فى بيوتكنّ، وآيات الله: هى القرآن، والحكمة: هى السنة وحديث الرسول.
المعنى الجملي
بعد أن أذكر ما اختص به أمهات المؤمنين من مضاعفة العذاب والثواب، أردف ذلك بيان أن لهن مكانة على بقية النساء، تم نهاهن عن رخامة الصوت ولين الكلام إذا هن استقبلن أحدا حتى لا يطمع فيهن من فى قلبه نفاق، ثم أمرهن بالقرار فى بيوتهن ونها هن عن إظهار محاسنهن كما يفعل ذلك أهل الجاهلية الأولى، ثم أمرهنّ بأهمّ أركان الدين، وهو إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله فيما يأمر وينهى، لأنه تعالى أذهب الآثام عن أهل البيت وطهرهم تطهيرا، ثم أمرهن بتعليم غيرهن القرآن وما يسمعنه من النبي صلى الله عليه وسلم من السنة.
الإيضاح
(يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) أي يا نساء النبي إذا استقصيت النساء جماعة لم يوجد منهن جماعة واحدة تساويكن فى الفضل والكرامة.
والخلاصة- إنه لا يشبهكن أحد من النساء ولا يلحقكنّ فى الفضيلة والمنزلة.
(إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً) أي إذا استقبلتن أحدا من الرجال فلا ترقّقن الكلام فيطمع فى الخيانة من فى قلبه فساد وريبة من فسق ونفاق، وقلن قولا بعيدا عن الريبة غير مطمع لأحد.
وتفسير الاتقاء بهذا المعنى أبلغ فى مدحهن، إذ لم يعلق فضلهن على التقوى، ولا نهيهن عن الخضوع بها إذ هن متقيات لله فى أنفسهن، والتعليق يقتضى بظاهره أنهن لسن متحليات بالتقوى قاله فى البحر، وقال فى الكشاف: إن المعنى إن أردتن التقوى، أو إن كنتن متقيات اهـ، يريد إن اتقيتن مخالفة حكم الله تعالى ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإجمال هذا- خاطبن الأجانب بكلام لا ترخيم فيه للصوت ولا تخاطبنهم كما تخاطبن الأزواج.
ولما أمرهن بالقول المعروف أتبعه بذكر الفعل فقال:
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) أي الزمن بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة، وهو أمر لهن ولسائر النساء،
أخرج الترمذي والبزّار عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المرأة عورة فإذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهى فى قعر بيتها» .
(وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) أي ولا تبدين زينتكن ومحاسنكن للرجال كما كان النساء يفعلن ذلك فى الجاهلية قبل الإسلام.
وبعد أن نهاهن عن الشر أمرهن بالخير فقال:
(وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) أي وأدّين الصلاة على الوجه القيّم المعتبر شرعا، وأعطين زكاة أموالكن كما أمركن الله.
وخص هاتين العبادتين بالذكر لما لهما من كبير الآثار فى طهارة النفس وطهارة المال.
وأطعن الله ورسوله فيما تأتين وما تذرن، واجعلن نصب أعينكن اتباع الأوامر وترك النواهي.
ثم ذكر السبب فى هذه الأوامر والنواهي على وجه عام فقال:
(إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) إنما يريد الله ليذهب عنكم السوء والفحشاء يا أهل بيت الرسول ويطهركم من دنس الفسق والفجور الذي يعلق بأرباب الذنوب والمعاصي.
وأهل بيته صلى الله عليه وسلم من كان ملازما له من الرجال والنساء والأزواج والإماء والأقارب، وكلما كان المرء منهم أقرب وبالنبي أخصّ وألزم كان بالارادة أحق وأجدر.
ثم بين ما أنعم به عليهن من أن بيوتهن مهابط الوحى بقوله:
(وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) أي واذكرن نعمة الله عليكن، بأن جعلكن فى بيوت تتلى فيها آيات الله وما ينزل على الرسول من أحكام الدين ولم ينزل به قرآن، فاحمدن الله على ذلك واشكرنه على جزيل فضله عليكن.
ولا يخفى ما فى هذا من الحث على الانتهاء والائتمار فيما كلّفنه، كما لا يخفى ما فى تسمية ما نزل عليه من الشرائع بالحكمة، إذ فيه الحكمة فى صلاح المجتمع فى معاشه ومعاده، فمن استمسك به رشد، ومن تركه ضلّ عن طريق الهدى، وسلك سبيل الردى.
(إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً) أي إن الله كان ذا لطف بكنّ إذ جعلكن فى البيوت التي تتلى فيها آياته وشرائعه، خبيرا بكنّ إذ اختار كن لرسوله أزواجا.