الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا تجزى نفس عن نفس شيئا، ولا تستطيع دفع ضر عنها ولو كانت ذات قرابة منها، ثم أرشد إلى أن البشارة والإنذار إنما تجدى نفعا لدى من يخشى الله ويخاف عقابه، وأن من يتزكى فنفع ذلك عائد إليه، وإلى الله عاقبة الأمور كلها ومردّها إليه.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي أنتم أيها العباد أولو الحاجة والفقر إلى خالقكم ورازقكم، فإياه فاعبدوا، وإلى رضاه فسارعوا، وهو الغنى عن عبادتكم وعن غيرها، وهو المحمود على نعمه، فكل نعمة بكم وبسواكم فهى منه، فله الحمد والشكر على كل حال.
والخلاصة- أنتم في حاجة إليه وهو ذو الغنى وحده لا شريك له، والمحمود فى جميع ما يقول ويفعل ويشرع لكم ولغيركم من الأحكام.
ثم أرشد إلى غناه وإلى قدرته الكاملة بقوله:
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) أي إن يشأ ربكم أن يهلككم أهلككم، لأنه هو الذي أنشأكم من غير حاجة به إليكم، ويأت بخلق سواكم يطيعونه ويأتمرون بأمره وينتهون عما نهاهم عنه، وما ذلك بصعب على الله الخالق لجميع عباده، بل هو يسير هيّن عليه.
وليس بخاف ما في هذا من تهديد ووعيد، وزجر وتأنيب.
ثم أخبر عن أحوال يوم القيامة وأهوالها وشدائدها بقوله:
(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي ولا تحمل نفس مذنبة ذنب نفس أخرى، بل تحمل كل نفس وزرها فحسّب، ولا تنافى بين هذا وما جاء في سورة العنكبوت من قوله سبحانه:«وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ» فإن هذا في الضالين المضلين وهم يحملون إثم إضلالهم مع إثم ضلالهم، وكل ذلك آثامهم لا آثام غيرهم.
(وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) أي وإن تسأل نفس ذات ثقل من الذنوب، من يحمل عنها ذنوبها؟ لم تجد من يجيبها إلى ما تطلب ولو كان المدعو ذا قرابة لها كأب أو ابن، إذ كلّ مشغول بنفسه، ولكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ونحو الآية قوله:«لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً» وقوله: «يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ» قال عكرمة: إن الوالد ليتعلق بولده يوم القيامة فيقول يا بنىّ: أىّ والد كنت لك؟ فيثنى خيرا فيقول له يا بني إنى قد احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك أنجو بها مما ترى، فيقول له ولده: يا أبت ما أيسر ما طلبت، ولكنى أتخوف مثل ما تتخوف، فلا أستطيع أن أعطيك شيئا، ثم يتعلق بزوجته فيقول يا فلانة: أىّ زوج كنت لك؟ فنثنى خيرا فيقول لها إنى أطلب إليك حسنة واحدة تهبينها لى لعلى أنجو بها مما ترين، فتقول ما أيسر ما طلبت. ولكنى لا أطيق أن أعطيك شيئا، إنى أتخوف مثل الذي تتخوف ثم سلى رسوله صلى الله عليه وسلم على عدم قبولهم دعوته وإصرارهم على عنادهم فقال:
(إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أي إنما يجدى النصح والإنذار لدى من يخشون الله ويخافون شديد عقابه يوم القيامة من غير معاينة منهم لذلك، بل لإيمانهم بما أتيت به وتصديقهم لك فيما أنبأت به عن ربك، فهؤلاء هم الذين ينفعهم إنذارك ويتعظون بمواعظك، لا من طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون- إلى أنهم يؤدون الصلاة المفروضة عليهم ويقيمونها على ما رسمه الدين،