الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث في تحذير أهل القرآن والعلم من الرياء، وغيره
قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} ، وقال تعالى:{فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} .
روى مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ أوّل الناس يقضى عليه يوم القيامة؛ رجل استشهد فأتي به، فعرّفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟
قال: قاتلت فيك حتّى استشهدت، قال: كذبت، ولكنّك قاتلت ليقال: جرىء، فقد قيل، ثمّ أمر به فسحب على وجهه، حتى ألقي في النار، ورجل تعلّم العلم، وعلّمه، وقرأ القرآن. فأتي به، فعرّفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلّمت العلم وعلّمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنّك تعلّمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارىء، فقد قيل، ثمّ أمر به فسحب على وجهه، حتى ألقي في النار، ورجل وسّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كلّه، فأتي به، فعرّفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت فيها من سبيل تحبّ أن ينفق فيها، إلّا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنّك فعلت ليقال: هو
جواد، فقد قيل، «ثمّ أمر به فسحب على وجهه، حتى ألقي في النار» . وقال الترمذيّ في هذا الحديث: ثمّ ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي، فقال:«يا أبا هريرة! أولئك الثلاثة أوّل خلق الله، تسعّر بهم النار يوم القيامة» . قال ابن عبد البرّ: وهذا الحديث، فيمن لم يرد بعمله، وعلمه وجه الله تعالى.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «من طلب العلم لغير الله، أو أراد به غير الله، فليتبوّأ مقعده من النار» .
وأخرج ابن المبارك في «رقائقه» عن العباس بن عبد المطلّب. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يظهر هذا الدين حتى يجاوز البحار، وحتى تخاض البحار، بالخيل في سبيل الله تبارك وتعالى، ثمّ يأتي أقوام يقرءون القرآن، فإذا قرءوه قالوا» : من أقرأ منّا، من أعلم منّا؟ ثم التفت إلى أصحابه، فقال:«هل ترون في أولئكم من خير؟» قالوا: لا، قال:«أولئك منكم، أولئك من هذه الأمّة، وأولئك هم وقود النّار» .
وروى أبو داود، والترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تعلّم علما ممّا يبتغى به وجه الله، لا
يتعلّمه؛ إلّا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنّة يوم القيامة».
يعني: ريحها. قال الترمذي: حديث حسن.
وروى الترمذي أيضا: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعوّذوا بالله من جبّ الحزن» ، قالوا: يا رسول الله! وما جبّ الحزن؟ قال: «واد في جهنّم، تتعوّذ منه جهنّم في كلّ يوم
مائة مرّة»، قيل: يا رسول الله! ومن يدخله؟ قال: «القرّاء المراءون بأعمالهم» ، وقال هذا حديث غريب.
وفي كتاب أسد بن موسى: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ في جهنّم واديا، إنّ جهنّم تتعوّذ من شرّ ذلك الوادي، كلّ يوم سبع مرّات، وإنّ في ذلك الوادي لجبّا، إنّ جهنّم، وذلك الوادي؛ ليتعوّذان بالله من شرّ ذلك الجبّ، وإنّ في الجبّ لحيّة، وإنّ جهنّم والوادي والجبّ؛ ليتعوّذون بالله من شر تلك الحيّة سبع مرات، أعدّها الله تعالى للأشقياء من حملة القرآن، الذين يعصون الله» . فيجب على حامل القرآن، وطالب العلم أن يتّقي الله في نفسه، ويخلص العمل لله، فإن كان تقدّم له شيء ممّا يكره؛ فليبادر التّوبة والإنابة، وليبتدىء الإخلاص في التوبة وعمله، فالذي يلزم حامل القرآن من التحفّظ، أكثر ممّا يلزم غيره، كما أنّ له من الأجر ما ليس لغيره.
وأخرج الطبريّ في كتاب «آداب النفوس» قال: حدّثنا أبو كريب، محمد بن العلاء، حدثنا المحاربيّ، عن عمرو بن عامر البجليّ، عن ابن صدقة، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو عمّن حدّثه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تخادع الله؛ فإنّه من يخادع الله يخدعه الله، ونفسه يخدع لو يشعر» قالوا يا رسول الله. وكيف يخادع الله؟ قال: «تعمل بما أمرك الله به، وتطلب به غيره، واتقوا الرياء، فإنّه الشرك، وإنّ المرائي يدعى يوم القيامة على رؤوس الأشهاد بأربعة أسماء، ينسب إليها: يا كافر! يا فاجر! يا غادر! يا
خاسر! ضل عملك، وبطل أجرك، فلا خلاق لك اليوم، فالتمس أجرك ممّن كنت تعمل له، يا مخادع.
وروى علقمة، عن عبد الله بن مسعود، قال:(كيف أنتم، إذا لبستكم فتنة يربوا فيها الصغير، ويهرم الكبير، وتتّخذ سنة مبتدعة، يجري عليها الناس؟ فإذا غيّر منها شيء)، قيل: قد غيرت السّنة، قيل: متى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: «إذا كثر قرّاؤكم، وقلّ فقهاؤكم، وكثر أمراؤكم، وقلّ أمناؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة، وتفقّه لغير الدّين). وقال سفيان بن عيينة: بلغنا عن ابن عباس أنّه قال: (لو أنّ حملة القرآن أخذوه بحقّه، وما ينبغي؛ لأحبّهم الله، ولكن طلبوا به الدنيا، فأبغضهم الله، وهانوا على الناس).
وروي عن أبي جعفر، محمد بن علي في قول الله تعالى:{فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ} (94)، قال: قوم وصفوا الحقّ والعدل بألسنتهم، وخالفوه إلى غيره.
والله أعلم
* * *