الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس في ما جاء في إعراب القرآن، وتعليمه، والحثّ عليه، وثواب من قرأ القرآن معربا
قال أبو بكر الأنباريّ: جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه، وتابعيهم - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - من تفصيل إعراب القرآن، والحضّ على تعليمه، وذمّ اللّحن وكراهيته، ما وجب به على قرّاء القرآن، أن يأخذوا أنفسهم بالاجتهاد في تعلّمه.
من ذلك: ما حدّثنا يحيى بن سليمان، الضبّيّ، قال: حدّثنا محمد يعني: ابن سعيد، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن عبد الله بن سعيد المقبريّ، عن أبيه، عن جدّه، عن أبي هريرة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعربوا القرآن، والتمسوا غرائبه» . حدّثني أبي، قال: حدّثنا إبراهيم بن الهيثم، قال: حدّثنا آدم يعني: ابن أبي إياس. قال:
حدّثنا أبو الطيب المروزيّ قال: حدّثنا عبد العزيز بن أبي روّاد، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وروى جويبر عن الضحاك قال: قال عبد الله بن مسعود:
(جوّدوا القرآن، وزيّنوه بأحسن الأصوات، وأعربوه، فإنّه عربيّ، والله يحبّ أن يعرب به).
وعن مجاهد، عن ابن عمر قال:(أعربوا القرآن). وعن محمد بن عبد الرحمن بن زيد قال: قال أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما:(إعراب القرآن، أحبّ إلينا من حفظ حروفه). وعن الشّعبيّ قال: قال عمر رضي الله عنه: (من قرأ القرآن فأعربه، كان له عند الله أجر شهيد). وقال مكحول: بلغني أنّ من قرأ بإعراب، كان له من الأجر ضعفان ممّن قرأ بغير إعراب.
وروى ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحبّ العرب لثلاث، لأنّي عربيّ، والقرآن عربيّ، وكلام أهل الجنّة عربيّ» .
وروى سفيان، عن أبي حمزة قال: قيل للحسن في قوم يتعلّمون العربية، قال:(أحسنوا)، يتعلّمون لغة نبيّهم صلى الله عليه وسلم. وقيل للحسن: إنّ لنا إماما يلحن، قال:(أخّروه). وعن ابن أبي مليكة قال: قدم أعرابيّ في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: من يقرئني ممّا أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: فأقرأه رجل (براءة) فقال: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ بالجرّ، فقال الأعرابيّ: أو قد برىء الله من رسوله؟ فإن يكن الله برىء من رسوله، فأنا أبرأ منه، فبلغ عمر مقالة الأعرابي فدعاه، فقال: يا أعرابيّ! أتبرأ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: يا أمير المؤمنين! إنّي
قدمت المدينة، ولا علم لي بالقرآن، فسألت: من يقرئني؟ فأقرأني هذا (سورة براءة)، فقال: إنّ الله بريء من المشركين ورسوله، فقلت: أو قد برىء الله من رسوله؟ إن يكن الله برىء من رسوله، فأنا أبرأ منه، فقال عمر: ليس هكذا يا أعرابيّ! قال: فكيف هي يا أمير المؤمنين؟ قال: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} ، فقال الأعرابيّ: وأنا والله أبرأ ممّا برىء الله ورسوله منه، فأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن لا يقرىء الناس إلا عالم باللّغة، وأمر أبا الأسود فوضع النّحو.
وعن عليّ بن الجعد، قال: سمعت شعبة يقول: مثل صاحب الحديث الذي لا يعرف العربية؛ مثل الحمار عليه مخلاة لا علف فيها. وقال حماد بن سلمة: من طلب الحديث، ولم يتعلّم النّحو، أو قال العربية - فهو كمثل الحمار، تعلّق عليه مخلاة ليس فيها شعير. قال ابن عطيّة: إعراب القرآن أصل في الشريعة؛ لأنّ بذلك تقوم معانيه التي هي الشّرع. قال ابن الأنباري: وجاء عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتابعيهم - رضوان الله تعالى عليهم - من الاحتجاج على غريب القرآن، ومشكله باللغة والشعر، ما بيّن صحّة مذهب النحويين في ذلك، وأوضح فساد مذاهب من أنكر ذلك عليهم.
من ذلك: ما حدّثنا عبيد بن عبد الواحد بن الشريف البزّاز، قال: حدّثنا ابن أبي مريم، قال: أنبأنا ابن فرّوخ، قال: أخبرني أسامة، قال: أخبرني عكرمة أنّ ابن عباس قال: (إذا سألتموني
عن غريب القرآن، فالتمسوه في الشعر؛ فإنّ الشعر ديوان العرب).
وحدّثنا إدريس بن عبد الكريم، قال: حدّثنا خلف، قال: حدّثنا حمّاد بن زيد، عن عليّ بن زيد بن جدعان، قال: سمعت سعيد بن جبير، ويوسف بن مهران يقولان: سمعنا ابن عباس يسأل عن الشيء فيقول فيه: (هكذا وهكذ، أما سمعتم الشاعر يقول: كذا، وكذا). وعن عكرمة، عن ابن عباس، وسأله رجل عن قول الله عز وجل:{وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ} (4) قال: (لا تلبس ثيابك على غَدْرٍ) وتمثّل بقول غيلان الثقفيّ:
فإنّي بحمد الله لا ثوب غادر
…
لبست ولا من سوءة أتقنّع
وسأل رجل عكرمة عن الزّنيم، قال: هو ولد الزنا، وتمثّل ببيت شعر:
زنيم ليس يعرف من أبوه
…
بغيّ الأمّ ذو حسب لئيم
وعنه أيضا: الزّنيم: الدّعيّ الفاحش اللئيم، ثمّ قال:
زنيم تداعاه الرجال زيادة
…
كما زيد في عرض الأديم أكارعه
وعنه في قوله تعالى: {ذَواتا أَفْنانٍ} (48) قال: (ذواتا) ظلّ وأغصان، ألم تسمع إلى قول الشاعر:
ما هاج شوقك من هديل حمامة
…
تدعو على فنن الغصون حماما
تدعو أيا فرخين صادف طائرا
…
ذا مخلبين من الصّقور قطاما
وعن عكرمة، عن ابن عباس في قوله تعالى: {فَإِذا هُمْ
بِالسَّاهِرَةِ} قال: (الأرض). وقال أميّة بن أبي الصلت: عندهم لحم بحر، ولحم ساهرة، قال ابن الأنباري: والرّواة يروون هذا البيت:
وفيها لحم ساهرة وبحر
…
وما فاهوا به لهم مقيم
وقال نافع بن الأزرق لابن عباس: أخبرني عن قول الله جلّ وعزّ: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} ما السنة؟ قال: (النّعاس) قال زهير بن سلمى:
لا سِنَةٌ في طُوال اللّيل تأخذه
…
ولا ينام ولا في أمره فند
والله أعلم
* * *