الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الحادي والعشرون في بيان معنى القرآن، ومعنى السّورة، والكلمة، والحرف
والقرآن لغة: الشيء المجموع من قرأه إذا جمعه.
واصطلاحا: هو اللفظ المنزّل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز بأقصر سورة منه، المتعبّد بتلاوته. ووصفه بالكريم: من حيث ما فيه من الخيرات الكثيرة، والمنافع الغزيرة.
والسورة لغة: الحائط المرتفع.
واصطلاحا: طائفة من القرآن لها أوّل، وآخر، وترجمة باسم خاصّ بها، بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق: أنّ الراجح كون ترتيب الآيات، والسّور، وتسميتها توقيفا: مأخوذة من سور البلد، لارتفاع رتبتها، كارتفاعه. وفي القرطبي معنى السورة في كلام العرب: الإبانة لها من أخرى، وانفصالها عنها، وسميت السورة القرآنية بذلك، لأنّه يرتفع فيها من منزلة إلى منزلة، قال النابغة:
ألم تر أنّ الله أعطاك سورة
…
ترى كلّ ملك دونها يتذبذب
أي: منزلة شرف ارتفعت إليها عن منزلة الملوك.
وقيل: سمّيت بذلك؛ لشرفها، وارتفاعها، كما يقال: لما ارتفع من الأرض سورة.
وقيل: سميت بذلك؛ لأن قارئها يشرف على ما لم يكن عنده، كسور البناء. (كله بغير همز).
وقيل: سميت بذلك؛ لأنها قطعت من القرآن على حدة من قول العرب للبقية سؤرة، وجاء في أسار الناس؛ أي: بقاياهم، فعلى هذا يكون الأصل سؤرة بالهمز، ثم خففت فأبدلت واوا؛ لانضمام ما قبلها.
وقيل: سميت بذلك، لتمامها، وكمالها من قول العرب للناقة التامة: سورة، وجمع سورة: سور بفتح الواو. وقال الشاعر:
سود المحاجر لا يقرنّ بالسّور
ويجوز أن يجمع على: سورات وسورات.
وأمّا الآية فهي لغة: العلامة.
واصطلاحا: قطعة من السورة، لها أوّل وآخر، سميت بذلك؛ لأنها علامة على انقطاع الكلام الذي قبلها من الذي بعدها، وانفصاله عنه؛ أي: هي بائنة من أختها، ومنفردة، وتقول العرب: بيني وبين فلان آية؛ أي: علامة. ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ} ، وقال النّابغة:
توهّمت آيات لها فعرفتها
…
لستّة أعوام وذا العام سابع
وقيل: سمّيت آية؛ لأنّها جماعة حروف من القرآن، وطائفة منه، كما يقال: خرج القوم بآيتهم، بجماعتهم. قال زجّ بن مسهر الطائيّ:
خرجنا من النّقبين لا حىّ مثلنا
…
بآيتنا نزجي اللّقاح المطا فلا
وقيل: سميت آية؛ لأنها عجب يعجز البشر عن التكلم بمثلها.
واختلف النحويون في أصل آية:
فقال سيبويه: أيية على وزن فعلة، مثل: أكمة، وشجرة، فلمّا تحرّكت الياء، وانفتح ما قبلها، انقلبت ألفا، فصارت آية بهمزة بعدها مدة.
وقال الكسائيّ: أصلها آيية بوزن فاعلة، مثل: آمنة، فقلبت الياء ألفا، لتحركها، وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت؛ لالتباسها بالجمع.
وقيل أصلها: آئية بوزن قائلة، فحذفت الهمزة للتخفيف.
وقال الفرّاء: أصلها أيّية بتشديد الياء الأولى، فقلبت ألفا؛ كراهة التشديد، فصارت آية، وجمعها: آي، وآياء، وآيات. وأنشد أبو زيد:
لم يبق هذا الدهر من آيائه
…
غير أثافيه وأرمدائه
وأمّا الكلمة فهي: الصورة القائمة بجمع ما يختلط بها من الشبهات؛ أي: الحروف. وأطول الكلم في كتاب الله عز وجل: ما بلغ عشرة أحرف، نحو قوله:{لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ} ، و {أَنُلْزِمُكُمُوها} وشبههما؛ فأما قوله:{فَأَسْقَيْناكُمُوهُ} : فهو عشرة أحرف في الرسم، وأحد عشر في اللفظ.
وأقصرهن: ما كان على حرفين، نحو: ما، ولا، ولك، وله، وما أشبه ذلك.
ومن حروف المعاني: ما هو على كلمة واحدة، كهمزة الاستفهام، وواو العطف، إلا أنه لا ينطق به مفردا، وقد تكون الكلمة وحدها آية تامّة، نحو قوله تعالى:{وَالْفَجْرِ (1)} {وَالضُّحى (1)} {وَالْعَصْرِ (1)} ، وكذلك {الم * (1)} و {المص (1)} و {طه (1)} و {حم * (1)} في قول الكوفيين، وذلك في فواتح السور، فأمّا في حشوهن: فلا. قال أبو عمرو الدّانيّ: ولا أعلم كلمة، هي وحدها اية، إلّا قوله في الرحمن:{مُدْهامَّتانِ (64)} لا غير، وقد أتت كلمتان متصلتان، وهما آيتان، وذلك في قوله: حم عسق على قول الكوفيين لا غير، وقد تكون الكلمة في غير هذا الآية التامّة، والكلام القائم بنفسه، وإن كان أكثر، أو أقل. قال الله عز وجل:{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا} قيل: إنما يعني بالكلمة ههنا: قوله تبارك وتعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ
…
} إلى آخر الآيتين. وقال عز وجل: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى} قال مجاهد: هي لا إله إلا الله.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن (سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم). وقد تسمّي العرب القصيدة بأسرها، والقصة كلها كلمة، فيقولون: قال قس في كلمته كذا؛ أي: في خطبته. وقال زهير: في كلمته كذا أي: في قصيدته وقال فلان في كلمته؛ يعني: في
رسالته، فتسمى جملة الكلام، إذ كانت الكلمة منها على عادتهم في تسميتهم الشيء باسم ما هو منه، وما قاربه، وما جاوره، وكان بسبب منه مجازا، واتساعا.
وأما الحرف فهو: الشبهة القائمة وحدها من الكلمة، وقد يسمى الحرف كلمة، والكلمة حرفا على ما بيناه من الاتساع، والمجاز. قال أبو عمرو الدانيّ: فإن قيل: فكيف يسمى ما جاء من حروف الهجاء في الفواتح على حرف واحد، نحو:{ص} و {ق} و {ن} حرفًا، أو كلمةً؟.
قلت: كلمة لا حرفا؛ وذلك من جهة: أنّ الحرف لا يسكن عليه، ولا ينفرد وحده في الصورة، ولا ينفصل مما يختلط به، وهذه الحروف مسكون عليها، منفصلة، كانفراد الكلم، وانفصالها، فلذلك سميت كلمات لا حروفا. قال أبو عمر: وقد يكون الحرف في غير هذا، المذهب والوجه. قال الله عز وجل:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ} أي: على وجه، ومذهب. ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:«أنزل القرآن على سبعة أحرف» أي: سبعة أوجه من اللغات، والله أعلم.
* * *