الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الرابعة والثلاثون
34 - العبادات تتفاضل باعتبار ما يقترن بها من المصالح
وهذا هو الحق، وفهم هذه القاعدة يعطي طالب العلم ملكةً في التفضيل بين العبادات، فالعبادات الفاضلة قد تكون أحيانًا وفي بعض الظروف مفضولة، والمفضولة تتحول إلى فاضلة، وكل ذلك باقتران المصلحة من عدمها، فالذي ينبغي لطالب العلم الاهتمام به هو النظر في المصلحة، فكل عملٍ اقترنت به المصلحة فهو الفاضل وما ضده فمفضول، فالنظر في المصالح والمفاسد هو لب الشريعة، بل إن الشريعة ما جاءت إلا بتقرير المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فلا ينبغي إهمال النظر في المصالح.
وهذه القاعدة لها أدلة كثيرة جدًا نذكر طرفًا منها:
فمن ذلك: قوله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} فلاشك أن سب آلهة المشركين المجرد عمل فاضل وترك سبها عمل مفضول لكن لما اقترنت بالسب مفسدة أعظم وهي سبهم - أعني المشركين - لله تعالى، وسكوتنا عن سب آلهتهم فيه سكوتهم عن سب ربنا جل وعلا، انقلبت المسألة فصار الفاضل مفضولاً، والمفضول فاضلاً أي أن السب تحول من كونه فاضلاً إلى كونه مفضولاً لوجود المفسدة، وترك سب آلهتهم تحول من كونه مفضولاً إلى كونه فاضلاً لوجود المصلحة وهي سكوتهم عن سب ربنا جل وعلا. فالفاضل لما اقترنت به مفسدة صار مفضولاً، والمفضول لما اقترنت به المصلحة صار فاضلاً.
ومن الأدلة على هذا الأصل من السنة: حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلمًا ولا يَؤمَّنَّ الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه) فذكر النبي صلى الله عليه وسلم الأفضل فالأفضل في الإمامة، ثم بين أن صاحب المرتبة ذا السلطان كالإمام الأعظم وأمير الحرب وأئمة المساجد ونحوهم مقدمون على غيرهم، وإن كان غيرهم أفضل منهم، فالمفضول في الإمامة إن كان هو صاحب السلطة أو صاحب الدار أو أمير الحرب أو إمام المسجد الراتب فيكون في هذه الحالة فاضلاً، والمصلحة التي جعلت المفضول يكون فاضلاً هنا هي جمع الكلمة على السلطان وعدم الافتئات عليه والتقدم بين يديه إلا بإذنه، فاقتران هذه المصلحة بالمفضول في الإمامة جعله فاضلاً، وتخلفها عن الفاضل جعله مفضولاً.
ومن الأدلة: حديث عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض وجعلت له بابين، بابًا شرقيًا وبابًا غربيًا فبلغت به أساس إبراهيم) متفق عليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث نبه على الأمر الفاضل وهو بناء البيت على هذه الصفة المذكورة والأمر المفضول هو بقاؤه على هذه الصفة لكن هذا الأمر المفضول صار فاضلاً لاقتران المصلحة الشرعية به وهي ألَاّ يفتتن من هو حديث عهدٍ بجاهلية فاقتران هذه المصلحة رفع المفضول وجعله فاضلاً وأنزل الفاضل وجعله مفضولاً، ولذلك أبقاه النبي صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه عملاً بالأمر الفاضل الذي كان مفضولاً لولا اقتران هذه المصلحة به.
ومن الأدلة: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُم الْمَيْتَةُ
…
إلى قوله: فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فالأكل من الميتة أمر محرم مفضول وتركها أمرٌ واجب فاضل ولاشك في ذلك، لكن إذا اضطر الإنسان إلى أكلها لعدم وجود غيرها وخاف الهلاك على نفسه فإن الأمر المفضول سابقًا قبل الضرورة يتحول إلى أمرٍ فاضل لاقتران المصلحة الشرعية به وهي حفظ النفس، بل أوجب جمع من العلماء الأكل منها في هذه الحالة وهو الصحيح بلا ريب، بل نحن نجد في شريعتنا - ولله الحمد والمنة - أن بعض المحرمات تحل للضرورة كشرب الخمر لدفع غصةٍ ونحوه وذلك مراعاة للمصلحة الشرعية المترتبة على إباحة الحرام، وقد تقدم لنا قاعدة:(لا واجب مع العجز ولا محرم مع الضرورة) وهي قاعدة منبثقة من مراعاة المصالح والمفاسد.
ومن الأدلة أيضًا على هذا الأصل العظيم: ما رواه أصحاب السنن أن رجلاً سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فلم يرد عليه السلام حتى فرغ ثم تيمم ثم رد عليه السلام، ومن المعلوم أن رد السلام أمر فاضل وتركه مفضول، لكن هذا المفضول في هذه الحالة أعني في حالة قضاء الحاجة تحول إلى فاضل لاقتران المصلحة به وهي تنزيه ذكر الله تعالى أن يقال في الخلاء والرد تحول من الفاضل إلى المفضول بسبب تخلف المصلحة ووجود المفسدة، ولذلك لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام إلا بعد أن فرغ وتيمم وقال:(إني كرهت أن أذكر الله إلا وأنا على طهارة) وفي آخر قال: (فإذا رأيتني على هذه الحالة فلا تسلم علي فإنك إن سلمت علي لن أرد عليك)(1) .
(1) لكن التعليل في الحديث في لفظه الأول الصحيح: هو كراهته ذكر الله إلا على طهارة لا كونه في الخلاء.
ومن الأدلة أيضًا: النهي عن الصلاة في أوقات النهي أعني التطوع الذي لا سبب له، فإن الصلاة أعني التطوع فيها أجر عظيم وثواب جزيل قد أثبتته الأدلة فهي من الأمور الفاضلة لكن نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات النهي سدًا لذريعة مشابهة المشركين في سجودهم للشمس عند طلوعها وغروبها، فهذه المصلحة وهي عدم مشابهة المشركين جعلت الأمر الفاضل الذي هو التطوع بالصلاة أمرًا مفضولاً وترك التطوع الذي هو المفضول جعلته أمرًا فاضلاً، فانظر كيف أدَّى اقتران المصلحة الشرعية إلى جعل المفضول فاضلاً والفاضل مفضولاً، فإن قلت: فلماذا تجوزون إيقاع الصلاة إذا كان لها سبب في وقت النهي مع فوات المصلحة ووجود المفسدة؟ قلنا: لنا جوابان: الأول: أن الأدلة دلت على جواز إيقاع ذوات الأسباب في أوقات النهي كصلاة الطواف لحديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا بني عبد مناف لا تمنعوا من طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليلٍ أو نهار) رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن حبان وظاهره العموم وكذلك الوضوء لحديث بلال: (ما توضأت أية ساعة من ليلٍ أو نهار إلا صليت بعده ركعتين) وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وكتحية المسجد لحديث أبي قتادة مرفوعًا:(إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)، وفي رواية:(فليركع ركعتين قبل أن يجلس) وظاهره العموم في أي وقتٍ، وكالصلاة المعادة لحديث يزيد بن الأسود الصحيح مرفوعًا:(إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتما الإمام ولم يصل فصليا معه فإنها لكما نافلة) وقد قال ذلك لما رأى رجلين قد تخلفا عن صلاة الفجر مع الناس؛ لأنهما قد صليا في رحالهما فقاله مع دخول وقت النهي في حقهما، وأما سجود التلاوة والشكر فلا تعلق لهما بما نحن فيه؛ لأن القول الراجح أنهما ليسا بصلاة كما هو اختيار الشيخ تقي الدين رحمه الله، والمقصود أن ذوات الأسباب
مخصوصة من عموم النهي لأمرين: أحدهما: أن الأدلة أجازت ذلك وندبت إليه في ذوات الأسباب خاصة. والثاني: أن هذه الصلوات المذكورة أعني ذوات الأسباب مرتبطة بسببها وهي تفوت بفواته فإذا فات سببها فاتت وإذا فاتت فقد فاتت مصلحتها فعندنا الآن مصلحة فعلها لئلا تفوت بفوات سببها ومصلحة مخالفة المشركين، والأدلة رجحت فعلها وإدراك مصلحتها ولم تنظر إلى المفسدة المقابلة، ذلك لأن مصلحة تحصيل هذه الصلوات أكبر من مراعاة مصلحة مخالفة المشركين وإذا تعارضت مصلحتان فإننا نفوت أدناهما بتحصيل كبراهما، كما أنه إذا تعارضت مفسدتان روعي اجتناب أشدهما بارتكاب أخفهما، فإذًا نقول: المصلحة في فعل ذوات الأسباب موجودة متحققة وإن فعلت في أوقات النهي فهي الفاضلة أبدًا، أما بقية التطوعات التي لا سبب لها فإنها لا تفوت مصلحتها بالمنع من فعلها في أوقات النهي، إذ أنها لا تفوت فيمكن التطوع في غير هذه الأوقات وبهذا يتحرر الجواب ولله الحمد والمنة.
ومن الأدلة على ذلك أيضًا: المعقول وهو أن الشيء إذا كان أفضل على تقدير لم يلزم أن يكون هو الأفضل دائمًا وأبدًا، فالذهب مثلاً أفضل من الحديد والنحاس وغيرهما من المعادن،لكن قد تكون هذه المعادن مقدمة على الذهب عند الحاجة إليها دونه وهنا يرتقي المفضول حتى يصير فاضلاً، ولولا خوف الإطالة لسردت جميع الأدلة الدالة على هذا الأصل الكبير لكن لعل ما مضى فيه كفاية - إن شاء الله تعالى -.
وإليك بعض الفروع على ذلك الأصل المهم حتى ترى كيف تأثير المصلحة في تفاضل العبادات فأقول:
منها: جميع ما مضى في الأدلة هي أدلة وفروع لهذه القاعدة الكلية.
ومنها: أن الذكر والدعاء في الأمكنة التي نهي عن الصلاة فيها كمعاطن الإبل والمقبرة وغيرها أفضل من الصلاة بل لاتصح، وكذلك الذكر حال السجود والركوع أفضل من القراءة بل هي ممنوعة شرعاً، لحديث ابن عباس في البخاري مرفوعًا:(ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) .
ومنها: أن الذكر للجنب أفضل في حقه من سائر العبادات، وإن كانت تلك أفضل إذا زال وصف الجنابة، وكذلك المحدث حدثًا أصغر القراءة بلا مس والذكر في حقه أفضل من غيرهما (1) .
ومنها: أن الاشتغال بالطواف للآفافي أفضل من الصلاة النافلة لأن الطواف فيه مصلحة عظيمة للآفافي وهي تفوت وأما الصلاة فإنها لا تفوت.
ومنها: أن الإنسان إذا صلى بقوم يرون استحباب القنوت في الفجر وسيحدث فتنة لو لم يقنت بهم فالأفضل في حقه وحقهم أن يقنت بهم، لاقتران مصلحة التأليف، وإذا صلى بقوم يرون الجهر بالبسملة مطلوب إما وجوبًا وإما استحبابًا فالأفضل في حقه أن يجهر بها أحيانًا لمصلحة التأليف مع أن ترك القنوت في الفجر أولى وكذلك الجهر بالبسملة والإخفات بها هو السنة لكن ترك هذه المستحبات أفضل في هذه الحالة مع أن القنوت في الفجر (2) والجهر بالبسملة أفعال مفضولة لكن لما اقترن بها مصلحة التأليف وإبعاد الشحناء والشجار ارتفع إلى مرتبة الفاضل (3)
(1) بل لا يمس القرآن إلا وهو طاهر على الراجح من قولي العلماء.
(2)
لكن لو كان فيه من يصلح للإمامة ممن يرى القنوت في الصحيح فكان من لا يرى القنوت مأموماً كان أحسن لأن القنوت في صلاة الصبح بدعة على الصحيح.
(3)
لكن الجهر بالبسملة سنة أحياناً قليلة على الراجح.
، ولقد رأيت وسمعت عن بعض الأئمة الحنابلة ذهبوا إلى بلادٍ يعتقد أهلها سنة القنوت في الفجر، ووجوب الجهر بالبسملة فلما لم يفعلوا ذلك حصل نزاع في المسجد كبير جدًا كاد يؤدي إلى الضرب بالأيدي لولا تدخل بعض الأجهزة الأمنية، فالفقه مطلوب وترك الفاضل وفعل المفضول لتعلق المصلحة به هو عين الحكمة فنسأل الله أن يلهمنا رشدنا.
ومنها: ترك السلام على أهل البدع المجاهرين بها بعد النصيحة الواجبة وعدم إجابة دعوتهم إن كان فيه زجر لهم عن بدعتهم فإنه يكون فاضلاً وذلك لتعلق المصلحة الشرعية به.
ومنها: أن الأفضل إيقاع الصلاة في أول الوقت وتأخيرها إلى آخر وقتها مفضول لكن إذا اقترن به مصلحة راجحة صار فاضلاً كأن يؤخرها لأنه سيصليها بالماء أو بساتر للعورة أو لشدة حر في الظهر أو أن يتعلم الفاتحة والتشهد في آخر الوقت وهكذا فيكون الفعل المفضول فاضلاً بسبب اقتران المصلحة.
ومنها: التعزير بالضرب أو الحبس أو مصادرة المال الأصل أن هذه الأفعال لا تجوز لكن لما اقترن بها إظهار الحق وقمع المجرمين وردعهم عن إجرامهم وباطلهم وكف شرهم وعدوانهم صارت فاضلة وجاء بها الشرع وذلك لتعلق المصلحة الشرعية بها، وكل فعلٍ تعلقت به المصلحة الشرعية فهو الفاضل.
ومنها: الحدود من قطع يد السارق ورجم الزاني المحصن وجلد غير المحصن والقصاص في النفس والأطراف الأصل أنها لا تجوز، لكن لما اقترن به إقامة العدل وقطع دابر الشر والفساد والعدوان وحفظ النسل وغيرها من المصالح صارت فاضلة بشروطها وجاء بها الشرع، مع أنها هي في حد ذاتها مفسدة لكن لما يترتب عليها من المصالح في الدنيا والآخرة صار عين المصلحة هو إقامتها، وقال تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .وفي الحديث: (لحد يعمل به في الأرض خير من أن يمطروا أربعين صباحاً) .
ومنها: تغميض العينين في الصلاة منهي عنه، فالسنة أن ينظر الإنسان موضع سجوده، فالأفضل إذًا فتح العينين في الصلاة، وأقل أحوال التغميض أنه مكروه، لكن إذا كان في جدار القبلة ما يلهي المصلي من صورةٍ أو كتابةٍ أو زخرفة أو أن قلبه لا يجتمع إلا بالتغميض (1) فيكون في هذه الحالة فاضلاً لما اقترن به من المصلحة الشرعية وهي مراعاة الخشوع، فما كان أخشع لقلبه فهو أفضل، ولا تنظر لقول بعضهم:(إن هذا الخشوع خشوع شيطاني) فهو كلام لا أصل له، فإن الشيطان لا يعين على الخشوع في الصلاة بل هو من أول الحريصين على ذهاب الخشوع، والله أعلم.
ومنها: السنة هي صلاة التطوعات القبلية والبعدية في البيت وذلك لحديث عمر في الصحيحين، وحديث زيد بن ثابت وفيه:(أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) ففعلها في البيت أمر فاضل، وفعلها في المسجد أمر مفضول، لكن إن كان فعلها في المسجد فيه تعليم للناس بأعدادها وصفاتها وشرعيتها فيكون فعلها أحياناً فيه أفضل وذلك لاقتران المصلحة الشرعية بها.
(1) في ذلك نظر لأنه لو كان مصلحة في اجتماع القلب لجاء به الشرع، ولفعله الرسول عندما وجد السبب من ستر عائشة وقميص أبي جهم لكن لو لم يستطع في إزالة المشغل فأغمض عينيه فلا بأس، والمسألة محتملة.
ومنها: الجهر فيما السنة فيه عدمه، كدعاء الاستفتاح والفاتحة في السرية أو في الجنازة ونحو ذلك، الأصل أنه مفضول لكن إن اقترنت به مصلحة تعليم الناس بالسنة فإنه يكون فاضلاً، ولذلك ثبت عن عمر أنه جهر بدعاء الاستفتاح، وجهر ابن عباس بالفاتحة في صلاة الجنازة وقال: لتعلموا أنها السنة، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وسجد في أصل المنبر ليتعلم الناس صلاته، مع أنه فيه حركة ليست من جنس الصلاة من تقدم وتأخر، لكن لما اقترنت مصلحة تعليم الناس الأمر المشروع صار المفضول فاضلاً (1) .
ومنها: أن الأفضل هو إخفاء الصدقة كما قال تعالى: {وَإنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} وفي الحديث: (صدقة السر تطفئ غضب الرب) والمفضول هو إخراجها أمام الناس، لكن إن اقترنت بهذا المفضول مصلحة شرعية فإنه يكون فاضلاً كحث الناس على الصدقة وترغيبهم فيها ونحوه، وعلى هذا يخرج حديث صدقة أبي بكرٍ بماله كله، وعمر بنصف ماله، ولما أمر بالصدقة على بعض الوفود وجاء رجل بذهيبة تكاد يده تعجز عن حملها ووضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فتتابع الناس في الصدقة فقال:(من سن سنة حسنة)
…
الحديث. وهو معروف، فإخفاء الصدقة أفضل إن لم يكن هناك مصلحة شرعية، وإبداؤها أفضل إن كان هناك مصلحة شرعية، والله أعلم.
(1) لكن لو جهر ببعض ذلك كفى حتى لا يعارض حديث " كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة أو قال في القرآن " ويكون التعليم الحرفي في غير الصلاة.