المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في قتال عمار بن ياسر الجن - آكام المرجان في أحكام الجان

[الشبلي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فِي بَيَان إِثْبَات الْجِنّ وَالْخلاف فِيهِ

- ‌فِي بَيَان أجسام الْجِنّ

- ‌فِي بَيَان أَصْنَاف الْجِنّ

- ‌فِي بَيَان أَن بعض الْكلاب من الْجِنّ

- ‌فِي أَن الْجِنّ يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ

- ‌فِي أَن الشَّيْطَان يَأْكُل وَيشْرب بِشمَالِهِ

- ‌فِيمَا يمْنَع الْجِنّ من تنَاول طَعَام الْإِنْس وشرابهم

- ‌فِي أَن الْجِنّ يتناكحون ويتناسلون

- ‌فِي أَن الْجِنّ مكلفون بِإِجْمَاع أهل النّظر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌وَفِي الحَدِيث من سنَن ابي دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود أَنه قدم وَفد الْجِنّ على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا يَا مُحَمَّد إِنَّه أمتك أَن يستنجوا بِعظم أَو رَوْث أَو حممة فَإِن الله تَعَالَى جَاعل لنا فِيهَا رزقا وَفِي صَحِيح مُسلم فَقَالَ كل عظم ذكر اسْم الله عَلَيْهِ يَقع فِي أَيْدِيكُم

- ‌فِي قتال عمار بن يَاسر الْجِنّ

- ‌فصل

- ‌الْبَاب الرَّابِع وَالسِّتُّونَ فى إِخْبَار الْجِنّ بنزول النبى صلى الله عليه وسلم خيمة أم معبد حِين الْهِجْرَة

- ‌هما نزلا بِالْبرِّ ثمَّ ترحلا…فأفلح من أَمْسَى رَفِيق مُحَمَّدلِيهن بني كَعْب مَكَان فَتَاتهمْ…ومقعدها للْمُؤْمِنين بِمَرْصَد

- ‌فصل

- ‌فِي نوحهم على عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه

- ‌فِي نوحهم على الشُّهَدَاء بِالْحرَّةِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فِي أَن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل بِالنَّبِيِّ عليه السلام

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌خَاتِمَة فِي التحذر من فتن الشَّيْطَان ومكائده

- ‌خَاتِمَة صَالِحَة

الفصل: ‌في قتال عمار بن ياسر الجن

الْبَاب الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ

‌فِي قتال عمار بن يَاسر الْجِنّ

قَالَ أَبُو بكر بن عبيد حَدثنَا اسحاق بن اسماعيل حَدثنَا وهب ابْن جرير حَدثنَا ابي عَن الْحسن عَن عمار بن يَاسر قَالَ قَاتَلت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْجِنّ وَالْإِنْس قيل وَكَيف قَاتَلت الْجِنّ وَالْإِنْس قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي سفر فنزلنا منزلا فَأخذت قربتي ودلوي لأستقي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أما إِنَّه سيأتيك على المَاء آتٍ يمنعك مِنْهُ فَلَمَّا كنت على رَأس الْبِئْر إِذا رجل أسود كَأَنَّهُ مرس فَقَالَ وَالله لَا تستقي مِنْهَا الْيَوْم ذنوبا وَاحِدًا فأخذني وأخذته فصرعته ثمَّ أخذت حجرا فَكسرت بِهِ وَجهه وَأَنْفه ثمَّ مَلَأت قربتي فَأتيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ هَل أَتَاك على المَاء من أحد فَقلت نعم فقصصت عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ أَتَدْرِي من هُوَ قلت لَا قَالَ ذَاك الشَّيْطَان وَقَالَ أَبُو نعيم حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن أبي الْحُسَيْن عَن حميد بن هِلَال عَن الْأَحْنَف بن قيس قَالَ قَالَ عَليّ بن أبي طَالب وَالله لقد قَاتل عمار بن يَاسر الْجِنّ وَالْإِنْس على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا هَذَا الْإِنْس قد قَاتل فَكيف الْجِنّ فَقَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي سفر فَقَالَ لعمَّار انْطلق فاستق لنا من المَاء فَانْطَلق فَعرض لَهُ الشَّيْطَان فِي صُورَة عبد أسود فحال بَينه وَبَين المَاء فَأَخذه فصرعه عمار فَقَالَ لَهُ دَعْنِي وأخلي بَيْنك وَبَين المَاء فَفعل ثمَّ أَتَى فَأَخذه عمار الثَّانِيَة فصرعه فَقَالَ دَعْنِي وأخلي بَيْنك وَبَين المَاء فَتَركه فَأتى فصرعه فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِك فَتَركه فوفى لَهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الشَّيْطَان قد حَال بَين عمار وَبَين المَاء فِي صُورَة عبد أسود وَإِن الله أظفر عمارا بِهِ قَالَ عَليّ فلقينا عمارا فَقلت ظَفرت يداك يَا أَبَا الْيَقظَان فَإِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ كَذَا وَكَذَا أما وَالله لَو شَعرت أَنه شَيْطَان لقتلته وَلَكِن هَمَمْت أَن أعض بِأَنْفِهِ لَوْلَا نَتن رِيحه وَالله أعلم

ص: 171

الْبَاب التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ فِي تصفيد مَرَدَة الْجِنّ فِي شهر رَمَضَان

روى التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا كَانَ أول لَيْلَة من رَمَضَان صفدت الشَّيَاطِين ومردة الْجِنّ وغلقت أَبْوَاب النَّار فَلم يفتح مِنْهَا بَاب وَفتحت أَبْوَاب الْجنَّة فَلم يغلق مِنْهَا بَاب وينادي مُنَاد يَا باغي الْخَيْر أقبل وَيَا باغي الشَّرّ أقصر وَللَّه عُتَقَاء من النَّار وَذَلِكَ عِنْد كل لَيْلَة وروى مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة يرفعهُ إِذا جَاءَ رَمَضَان فتحت أَبْوَاب الْجنَّة وغلقت أَبْوَاب النَّار وصفدت الشَّيَاطِين وَفِي رِوَايَة إِذا جَاءَ رَمَضَان فتحت أَبْوَاب الرَّحْمَة وغلقت أَبْوَاب جَهَنَّم وسلسلت الشَّيَاطِين قَالَ عبد الله بن أَحْمد سَأَلت أبي عَن حَدِيث إِذا جَاءَ رَمَضَان صفدت الشَّيَاطِين قَالَ نعم قلت الرجل يوسوس فِي رَمَضَان ويصرع قَالَ هَكَذَا جَاءَ الحَدِيث فِي قَوْله صفدت أَي شدت وأوثقت يُقَال صفده يصفده صفدا والصفد الوثاق والصفد مَا يوثق بِهِ الْأَسير من قد وَقيد وغل والأصفاد الْقُيُود وَالله سبحانه وتعالى أعلم

الْبَاب الموفي سِتِّينَ فِي أَن الظباء مَاشِيَة الْجِنّ

قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنِي هِشَام بن مُحَمَّد عَن أَيُّوب بن خوط عَن حميد بن هِلَال أَو غَيره قَالَ كُنَّا نتحدث أَن الظباء مَاشِيَة الْجِنّ فَأقبل غُلَام وَمَعَهُ قَوس ونبل فاستتر بارطأة وَبَين يَدَيْهِ قطيع من ظَبْي وَهُوَ يُرِيد أَن يَرْمِي بعضه فَهَتَفَ بِهِ هَاتِف لَا يرى

إِن غُلَام عسر الْيَدَيْنِ

يسْعَى بلبد أَو بلهزمين

متخذ الأرطاة جنتين

ليقْتل التيس مَعَ العنزين

فَسمِعت الظباء فتفرقت حَدثنِي مُحَمَّد بن صدران الْأَزْدِيّ حَدثنَا نوح ابْن قيس حَدثنَا قيس حَدثنَا نعْمَان بن سهل الْحَرَّانِي قَالَ بعث عمر ابْن الْخطاب رضي الله عنه رجلا إِلَى الْبَادِيَة فَرَأى ظَبْيَة مصرورة فطاردها

ص: 172

حَتَّى إِذا أَخذهَا فَإِذا رجل من الْجِنّ يَقُول

يَا صَاحب الكنانة الْمَكْسُورَة

خل سَبِيل الظبية المصرورة

فَإِنَّهَا لضبية مضرورة

غَابَ أبوهم غيبَة مَذْكُورَة

فِي كورة لَا بوركت من كورة

حَدثنِي أبي عَن هِشَام عَن مُحَمَّد أَن مَالك بن نصر الدالاني من هَمدَان قَالَ سَمِعت شَيخا لنا يذكر قَالَ خرج مَالك بن حَرِيم الدلاني فِي نفر من قومه فِي الْجَاهِلِيَّة يُرِيدُونَ عكاظ فاصطادوا ظَبْيًا وأصابهم عَطش شَدِيد فَانْتَهوا إِلَى مَوضِع يُقَال لَهُ أجيرة فقصدوا ظَبْيًا وَجعلُوا يشربون من دَمه من الْعَطش فَلَمَّا ذهب دَمه ذبحوه وَخَرجُوا فِي طلب الْحَطب وَكَمن مَالك فِي خبائه فأثار بَعضهم شجاعا فَأقبل منسابا حَتَّى دخل رجل مَالك فلاذ بِهِ وَأَقْبل الرجل فِي أَثَره فَقَالَ يَا مَالك اسْتَيْقَظَ فَإِن الشجاع عنْدك فَاسْتَيْقَظَ مَالك فَنظر إِلَيْهِ وَهُوَ يلوذ فَقَالَ مَالك للرجل عزمت عَلَيْك إِلَّا تركته فَكف عَنهُ وانساب الشجاع إِلَى مأمنه وَأَنْشَأَ مَالك يَقُول

وأوصاني الْحَرِيم بعز جاري

وأمنعه وَلَيْسَ بِهِ امْتنَاع

وأدفع ضيمة وأذب عَنهُ

وأمنعه إِذا منع الْمَتَاع

فذلكم أبي عَنهُ ينحو

لسيء مَا استجار بِهِ الشجاع

وَلَا تتحملوا دم مستجير

تضمنه أجيرة فالتلاع

فَإِن لما ترَوْنَ على أمرا

لَهُ من دون أعينكُم قناع

فارتحلوا وَاشْتَدَّ بهم الْعَطش فَإِذا هَاتِف يَهْتِف بهم

أَيهَا الْقَوْم لَا مَاء أمامكم

حَتَّى تسوموا المطايا يَوْمهَا التعبا

ثمَّ اعدلوا شامة فالماء عَن كثب

عين رواء وَمَاء يذهب اللغبا

حَتَّى إِذا مَا أصبْتُم مِنْهُ ريكم

فاسقوا المطايا مِنْهُ فاملئوا القربا

فنزلوا شامة فَإِذا هم فِي عين خرارة فِي أصل جبل فَشَرِبُوا وَسقوا هم إبلهم وحملوا ريهم حَتَّى أَتَوا عكاظ ثمَّ أقبئوا حَتَّى انْتَهوا إِلَى ذَلِك الْموضع فَلم يرَوا شَيْئا وَإِذا هَاتِف يَقُول

يَا مَال عني جَزَاك الله صَالِحَة

هَذَا وداع لكم مني وتنسيم

ص: 173

. لَا تزهدن فِي اصطناع الْخَيْر مَعَ أحد

إِن الَّذِي يحرم الْمَعْرُوف محروم

من يفعل الْخَيْر لَا يعْدم مغبته

مَا عَاشَ وَالْكفْر بعد الغب مَذْمُوم

أَنا الشجاع الَّذِي أنجبت من رهق

شكرت ذَلِك أَن الشُّكْر مقسوم

فطلبوا الْعين فَلم يجدوها وَالله اعْلَم حَدثنَا أَبُو بكر التَّيْمِيّ رجل من ولد أبي بكر الصّديق رضي الله عنه سَمِعت رجلا من بني عقيل قَالَ صدت يَوْمًا تَيْسًا من الظباء فَجئْت بِهِ إِلَى منزلي فأوثقته هُنَاكَ فَلَمَّا كَانَ من اللَّيْل سَمِعت هاتفا يَقُول أَنا فلَان هَل رَأَيْت جمل الْيَتَامَى أَخْبرنِي صبي أَن الْإِنْسِي أَخذه قَالَ أما وَرب الْبَيْت لَئِن كَانَ أحدث فِيهِ شَيْئا لأخذن مثله فَلَمَّا سَمِعت ذَلِك جِئْت إِلَى التيس فأطلقته فَسَمعته يَدعُوهُ فَأقبل نَحْو الصَّوْت وَله حنين وإرزام كلحنين الْجمل وإرزامه قَالَ أَبُو بكر التَّيْمِيّ وَأصَاب رجل قنفذا فكفأ عَلَيْهِ برمة فَبينا هُوَ على المَاء إِذْ نظر إِلَى رجلَيْنِ عريانين أَحدهمَا يَقُول واكبداه إِن كَانَ عفارا ذبح فَقَالَ الآخر ثكلت بعل عَمَّتي إِن لم أنح فَلَمَّا سَمِعت ذَلِك جِئْت إِلَى البرمة وَله جلبة تحتهَا فَكشفت عَنهُ فَمر يخْطر حَدثنِي أَبُو الْحسن الْبَاهِلِيّ حَدثنِي حسان بن غَزوَان الْأَسدي حَدثنِي رقاد بن زِيَاد قَالَ حملت ظَبْيًا جنح اللَّيْل فَبَاتَ عِنْدِي فَسمِعت هاتفا يَهْتِف من اللَّيْل يَقُول

أيا طَلْحَة الْوَادي أَلا إِن شاتنا

أُصِيبَت بلَيْل وَهِي مِنْك قريب

أحسي لنا من بَات يخْتل فرقنا

لَهُ بهليع الواديين دَبِيب

قَالَ فبشكتها أَي أطلقتها قَالَ وَسَأَلته عَن هليع الْوَادي قَالَ أَسْفَله وَالْفرق من الظباء مثل القطيع من الْغنم وَالله أعلم

ص: 174

الْبَاب الْحَادِي وَالسِّتُّونَ فِي عبَادَة الْإِنْس الْجِنّ

قَالَ الإِمَام أَحْمد حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا شُعْبَة عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن أبي معمر قَالَ قَالَ عبد الله بن مَسْعُود كَانَ نفر من الْإِنْس يعْبدُونَ نَفرا من الْجِنّ فَأسلم النَّفر من الْجِنّ واستمسك هَؤُلَاءِ بعبادتهم فَأنْزل الله تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذين يدعونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبهم الْوَسِيلَة أَيهمْ أقرب}

وَرَوَاهُ شُعَيْب عَن الاعمش وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ عَن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش وَمن طَرِيق آخر عَن عبد الله بن عتبَة ابْن مَسْعُود قَالَ نزلت فِي نفر من الْعَرَب كَانُوا يعْبدُونَ نَفرا من الْجِنّ فَأسلم الجنيون وَالْإِنْس كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَنزلت {أُولَئِكَ الَّذين يدعونَ} الْآيَة وَالله تَعَالَى أعلم

الْبَاب الثَّانِي وَالسِّتُّونَ فِي جَوَاز المذاكرة بِحَدِيث الْجِنّ

قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد الْقرشِي حَدثنَا الْحسن بن عَليّ حَدثنِي إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن زُرَيْق حَدثنِي عَمْرو بن الْحَارِث حَدثنَا عبد الله بن سَالم عَن الزبيدِيّ قَالَ أَخْبرنِي مُحَمَّد بن مُسلم أَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ يَوْمًا لمن حضر من جُلَسَائِهِ اذْكروا شَيْئا من حَدِيث الْجِنّ فَقَالَ رجل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ خرجت أَنا وصاحبان لي نُرِيد الشَّام فأصبنا ظَبْيَة عضباء وأدركنا رَاكب من خلفنا وَكُنَّا أَرْبَعَة فَقَالَ خل سَبِيلهَا فَقلت لَا لعمرك لَا أخلي سَبِيلهَا فَقَالَ لربما رَأَيْتنَا فِي هَذِه الطَّرِيق وَنحن أَكثر من عشرَة فيخطف بَعْضنَا بَعْضًا فأذهلني مَا كَانَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ حَتَّى نزلنَا ديرا يُقَال لَهُ دير العنيف فارتحلنا وَهِي مَعنا فَإِذا هَاتِف يَهْتِف وَهُوَ يَقُول

يَا أَيهَا الركب السراع الْأَرْبَعَة

خلوا سَبِيل النافر المروعة

مهلا عَن العضبا فَفِي الأَرْض سَعَة

وَلَا أقل قَول كذوب إمعة

قَالَ فخليت سَبِيلهَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَعرض لَازِمَة رِكَابنَا فأميل بِنَا إِلَى

ص: 175

حَيّ عَظِيم فَأتى علينا طَعَام وشراب ثمَّ مضينا حَتَّى أَتَيْنَا الشَّام وقضينا حوائجنا ثمَّ رَجعْنَا حَتَّى إِذا كُنَّا فِي الْمَكَان الَّذِي ميل بِنَا إِلَيْهِ إِذا أَرض قفر لَيْسَ بهَا سفر فأيقنت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنهم حَيّ من الْجِنّ فَأَقْبَلت سائرا إِلَى الدَّيْر فَإِذا هَاتِف يَهْتِف

إياك لَا تعجل وخذها من ثِقَة

إِنِّي أَسِير الْحَد يَوْم الحجفقة

قد لَاحَ نجم واستوى بمشرقه

ذُو ذَنْب كالشعلة المحرقة

يخرج من ظلماء عسر موبقه

إِنِّي امْرُؤ أنباؤه مصدقة

فَأَقْبَلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِذا النَّبِي صلى الله عليه وسلم قد ظهر ودعا إِلَى الْإِسْلَام فَأسْلمت قَالَ رجل وَأَنا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ خرجت وَصَاحب لي نُرِيد حَاجَة لنا فَإِذا شخص رَاكب حَتَّى إِذا كَانَ منا مزجر الْكَلْب هتف بِأَعْلَى صَوته أَحْمد يَا أَحْمد الله أَعلَى وأمجد مُحَمَّد أَتَانَا بإله يوحد يَدْعُو إِلَى الْخَيْر وَإِلَيْهِ فاعمد فراعنا ذَلِك فَأَجَابَهُ صَوت عَن يسَاره يَقُول

أنْجز مَا أوعد من شقّ الْقَمَر

حَان لَهُ وَالله إِذْ دين ظهر

فَإِذا النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَام فَأسْلمت قَالَ عمر وَأَنا كنت عِنْد دريح لنا إِذْ هتف هَاتِف من جَوْفه يَا لدريح يَا لدريح صائح يَصِيح بِأَمْر فليح ورشد نجيح يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله فَأَقْبَلت فَإِذا النَّبِي صلى قد ظهر ودعا إِلَى الله فَأسْلمت قَالَ خريم ابْن فاتك وَأَنا أضللت إبِلا لي فَخرجت فِي طلبَهَا حَتَّى إِذا كنت ببارق الْعرَاق فأنخت رَاحِلَتي ثمَّ علقتها ثمَّ أنشأت أَقُول أعوذ بِسَيِّد هَذَا الْوَادي أعوذ بعظيم هَذَا الْوَادي ثمَّ وضعت رَأْسِي على جمل فَإِذا بهاتف من اللَّيْل يَهْتِف وَيَقُول

الا فعذ بِاللَّه ذِي الْجلَال

ثمَّ اقْرَأ آيَات من الْأَنْفَال

ووحد الله وَلَا تبال

مَا هول الْجِنّ من الْأَهْوَال

فانتبهت فَزعًا فَقلت

يَا أَيهَا الْهَاتِف مَا تَقول

ارشد عنْدك أم تضليل

فَأَجَابَنِي

هَذَا رَسُول الله ذُو الْخيرَات

أرْسلهُ يَدْعُو إِلَى النجَاة

وَينْزع النَّاس عَن الهنات

يَأْمر بِالصَّوْمِ وبالصلاة

ص: 176

وَفِي الْخَبَر زِيَادَة من غير هَذَا الطَّرِيق الْهَاتِف ظهر لَهُ وَضمن عود إبِله إِلَى أَهله وَأمره بالمضي إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه مضى فَدخل الْمَدِينَة وَجَاء الْمَسْجِد وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يخْطب فَأخْبرهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِحَال الْهَاتِف وانه مِمَّن آمن بن من الْجِنّ وَهَذِه الْقِصَّة تدخل فِي مَوَاضِع من الْكتاب مِنْهَا أَن الظباء مَاشِيَة الْجِنّ وَمِنْهَا إِخْبَار الْجِنّ بِظُهُور النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَمِنْهَا دُعَاء الْإِنْس إِلَى الْإِسْلَام وَمِنْهَا دلَالَة الْجِنّ على مَا يدْفع كيدهم وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

الْبَاب الثَّالِث وَالسِّتُّونَ فِي إِخْبَار الْجِنّ بمبعث النَّبِي صلى الله عليه وسلم وحراسة السَّمَاء مِنْهُم بالنجوم

ذكر الزبير بن أبي بكر وَغَيره أَن إِبْلِيس كَانَ يخترق السَّمَوَات قبل عِيسَى عليه السلام فَلَمَّا ولد وَبعث عليه السلام حجب عَن ثَلَاث سموات فَلَمَّا ولد مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم حجب عَنْهَا كلهَا وقذفت الشَّيَاطِين بالنجوم

وَقَالَت قُرَيْش حِين كثر الْقَذْف بالنجوم قَامَت السَّاعَة فَقَالَ عتبَة ابْن ربيعَة انْظُرُوا إِلَى العيوق فَإِن كَانَ قد رمي بِهِ فقد آن قيام السَّاعَة وَإِلَّا فَلَا وَذكر ابْن اسحاق مَا رميت بِهِ الشَّيَاطِين حِين ظهر الْقَذْف بالنجوم لِئَلَّا يلتبس بِالْوَحْي وليكون ذَلِك أظهر للحجة وأقطع للشُّبْهَة قَالَ السُّهيْلي وَالَّذِي قَالَه صَحِيح وَلَكِن الْقَذْف بالنجوم كَانَ قَدِيما وَذَلِكَ مَوْجُود فِي أشعار القدماء من الْجَاهِلِيَّة مِنْهُم عَوْف بن الخرع وَأَوْس بن حجر وَبشر بن أبي خازم وَكلهمْ جاهلي وَقد وصفوا الرَّمْي بالنجوم وأبياتهم فِي ذَلِك مَذْكُورَة فِي مُشكل ابْن قُتَيْبَة فِي تَفْسِير سُورَة الْجِنّ وَذكر عبد الرازق فِي تَفْسِيره عَن معمر عَن ابْن شهَاب انه سُئِلَ عَن هَذَا الرَّمْي بالنجوم أَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة قَالَ نعم وَلكنه لما جَاءَ الْإِسْلَام غلظ وشدد وَفِي قَوْله سُبْحَانَهُ {وَأَنا لمسنا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا ملئت حرسا شَدِيدا وشهبا} وَلم يقل

ص: 177

حرست دَلِيل على أَنه قد كَانَ مِنْهُ شَيْء فَلَمَّا بعث النَّبِي صلى الله عليه وسلم ملئت حرسا شَدِيدا وشهبا وَذَلِكَ لينحسم أَمر الشَّيَاطِين وتخليطهم ولتكون الْآيَة أبين وَالْحجّة أقطع وَإِن وجد الْيَوْم كَاهِن فَلَا يدْفع ذَلِك بِمَا أخبر الله من طرد الشَّيْطَان عَن استراق السّمع فَإِن ذَلِك التَّغْلِيظ وَالتَّشْدِيد كَانَ زمن النُّبُوَّة ثمَّ بقيت مِنْهُ أَعنِي من استراق السّمع بقايا يسيرَة بِدَلِيل وجودهم على الندور وَفِي بعض الْأَزْمِنَة فِي بعض الْبِلَاد وَقد سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الْكُهَّان فَقَالَ لَيْسُوا بِشَيْء فَقيل إِنَّهُم يَتَكَلَّمُونَ بِالْكَلِمَةِ فَتكون كَمَا قَالُوا فَقَالَ تِلْكَ الْكَلِمَة من الْحق يحفظها الجني فيقرها فِي أذن وليه قر الزجاجة فيخلط فِيهَا أَكثر من مائَة كذبة ويروى قر الدَّجَاجَة بِالدَّال وعَلى هَذِه الرِّوَايَة تكلم قَاسم بن ثَابت فِي الدَّلَائِل قَالَ السُّهيْلي والزجاجة بالزاي اولى لما ثَبت فِي الصَّحِيح فيقرها فِي أذن وليه كَمَا تقر القارورة وَمعنى يقرها يصبهَا ويفرغها قَالَ الراجز

لَا تفرغن فِي أُذُنِي بعْدهَا

مَا يسْتَقرّ فأريك فقدها

وَقَالَ ابْن دُرَيْد يُقَال قر عَلَيْهِ دلوا من مَاء إِذا صبها عَلَيْهِ وَفِي تَفْسِير ابْن سَلام عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِذا رمى الشهَاب الجني لم يخطئه وَيحرق مَا أصَاب وَلَا يقْتله وَعَن الْحسن قَالَ يقْتله فِي أسْرع من طرفَة الْعين وَفِي تَفْسِير ابْن سَلام أَيْضا عَن أبي قَتَادَة أَنه كَانَ مَعَ قوم فَرمى بِنَجْم فَقَالَ لَا تَتبعُوهُ أبصاركم وَفِيه أَيْضا عَن حَفْص أَنه سَأَلَ الْحسن أيتبع بَصَره الْكَوْكَب فَقَالَ قَالَ الله تَعَالَى {وجعلناها رجوما للشياطين} وَقَالَ تَعَالَى {أولم ينْظرُوا فِي ملكوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ كَيفَ نعلم إِذا لم نَنْظُر إِلَيْهِ لأتبعنه بصرى وَذكر ابْن اسحاق حَدِيث ابْن عَبَّاس وَفِيه كُنَّا إِذا رَأَيْنَاهُ نقُول يَمُوت عَظِيم أَو يُولد عَظِيم والْحَدِيث فِي صَحِيح مُسلم وَلَفظه أَن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ أَخْبرنِي رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من الْأَنْصَار أَنهم بَينا هم جُلُوس عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذْ رمى بِنَجْم فَاسْتَنَارَ فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا كُنْتُم تَقولُونَ فِي الْجَاهِلِيَّة

ص: 178

إِذا رمى بِمثل هَذَا قَالُوا الله وَرَسُوله أعلم كُنَّا نقُول ولد اللَّيْلَة رجل عَظِيم أَو مَاتَ رجل عَظِيم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهَا لَا يرْمى بهَا لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِن رَبنَا تبَارك اسْمه إِذا قضى أمرا سبح حَملَة الْعَرْش ثمَّ سبح أهل السَّمَوَات الَّذين يَلُونَهُمْ حَتَّى يبلغ التَّسْبِيح أهل هَذِه السَّمَاء الدُّنْيَا ثمَّ يَقُول الَّذين يلون حَملَة الْعَرْش لحملة الْعَرْش مَاذَا قَالَ ربكُم فَيُخْبِرُونَهُمْ مَاذَا قَالَ فيستخبر بعض أهل السَّمَاء بَعْضًا حَتَّى يبلغ الْخَبَر هَذِه السَّمَاء الدُّنْيَا فيخطف الْجِنّ السّمع فيقذفون إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ ويرمون فَمَا جَاءُوا بِهِ على وَجهه فَهُوَ حق وَلَكنهُمْ يقذفون فِيهِ وَيزِيدُونَ وَفِي هَذَا دَلِيل على مَا قدمْنَاهُ من أَن الْقَذْف بالنجوم قد كَانَ قَدِيما وَلكنه إِذْ بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم غلظ وشدد كَمَا قَالَ الزُّهْرِيّ ملئت السَّمَاء حرسا شَدِيدا وشهبا وَقَوله فِي آخر الحَدِيث من رِوَايَة ابْن اسحاق وَقد انْقَطَعت الكهانة الْيَوْم فَلَا كهَانَة يدل قَوْله الْيَوْم على تَخْصِيص ذَلِك الزَّمَان كَمَا قدمْنَاهُ وَالَّذِي انْقَطع الْيَوْم وَإِلَى يَوْم الْقِيَامَة أَن تدْرك الشَّيَاطِين مَا كَانَت تُدْرِكهُ فِي الْجَاهِلِيَّة الجهلاء عِنْد تمكنها من سَماع أَخْبَار السَّمَاء وَمَا يُوجد الْيَوْم من كَلَام الْجِنّ على أَلْسِنَة المجانين إِنَّمَا هُوَ خبر مِنْهُم عَمَّا يرونه فِي الأَرْض مِمَّا لَا نرَاهُ نَحن كسرقة سَارِق وخبية فِي مَكَان خَفِي أَو نَحْو ذَلِك وَأَن أخبروا بِمَا سَيكون كَانَ تخرصا وتظننا فيصيبون قَلِيلا ويخطئون كثيرا وَذَلِكَ الْقَلِيل الَّذِي يصيبون فِيهِ هُوَ مَا تَتَكَلَّم بِهِ الْمَلَائِكَة فِي الْعَنَان كَمَا فِي حَدِيث البُخَارِيّ فيطردون بالنجوم فيضيفون إِلَى الْكَلِمَة الْوَاحِدَة أَكثر من مائَة كذبة كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي الحَدِيث الْمُتَقَدّم

وَذكر ان أول الْعَرَب فزع للرمي بالنجوم حِين رمى بهَا للقذف ثَقِيف وَأَنَّهُمْ جَاءُوا إِلَى رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ عَمْرو بن امية أحد بني علاج وَكَانَ أدهى الْعَرَب وأكثرها رَأيا فَقَالُوا لَهُ يَا عَمْرو ألم تَرَ مَا حدث فِي السَّمَاء من الْقَذْف بِهَذِهِ النُّجُوم قَالَ بلَى فانظروا فَإِن كَانَت معالم النُّجُوم الَّتِي يهتدى بهَا فِي الْبر وَالْبَحْر وتعرف بهَا الأنواء من الصَّيف والشتاء لما تصلح النَّاس فِي مَعَايشهمْ هِيَ الَّتِي يرْمى بهَا فَهُوَ وَالله طي الدُّنْيَا وهلاك هَذَا الْخلق الَّذِي فِيهَا وان كَانَت نجوما غَيرهَا وَهِي ثَابِتَة فَهَذَا الْأَمر أَرَادَ الله تَعَالَى

ص: 179