المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْمشرق إِن الْفِتْنَة هَهُنَا ثَلَاثًا وَذكر نَحوه وَفِي أُخْرَى أَنه - آكام المرجان في أحكام الجان

[الشبلي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فِي بَيَان إِثْبَات الْجِنّ وَالْخلاف فِيهِ

- ‌فِي بَيَان أجسام الْجِنّ

- ‌فِي بَيَان أَصْنَاف الْجِنّ

- ‌فِي بَيَان أَن بعض الْكلاب من الْجِنّ

- ‌فِي أَن الْجِنّ يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ

- ‌فِي أَن الشَّيْطَان يَأْكُل وَيشْرب بِشمَالِهِ

- ‌فِيمَا يمْنَع الْجِنّ من تنَاول طَعَام الْإِنْس وشرابهم

- ‌فِي أَن الْجِنّ يتناكحون ويتناسلون

- ‌فِي أَن الْجِنّ مكلفون بِإِجْمَاع أهل النّظر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌وَفِي الحَدِيث من سنَن ابي دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود أَنه قدم وَفد الْجِنّ على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا يَا مُحَمَّد إِنَّه أمتك أَن يستنجوا بِعظم أَو رَوْث أَو حممة فَإِن الله تَعَالَى جَاعل لنا فِيهَا رزقا وَفِي صَحِيح مُسلم فَقَالَ كل عظم ذكر اسْم الله عَلَيْهِ يَقع فِي أَيْدِيكُم

- ‌فِي قتال عمار بن يَاسر الْجِنّ

- ‌فصل

- ‌الْبَاب الرَّابِع وَالسِّتُّونَ فى إِخْبَار الْجِنّ بنزول النبى صلى الله عليه وسلم خيمة أم معبد حِين الْهِجْرَة

- ‌هما نزلا بِالْبرِّ ثمَّ ترحلا…فأفلح من أَمْسَى رَفِيق مُحَمَّدلِيهن بني كَعْب مَكَان فَتَاتهمْ…ومقعدها للْمُؤْمِنين بِمَرْصَد

- ‌فصل

- ‌فِي نوحهم على عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه

- ‌فِي نوحهم على الشُّهَدَاء بِالْحرَّةِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فِي أَن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل بِالنَّبِيِّ عليه السلام

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌خَاتِمَة فِي التحذر من فتن الشَّيْطَان ومكائده

- ‌خَاتِمَة صَالِحَة

الفصل: الْمشرق إِن الْفِتْنَة هَهُنَا ثَلَاثًا وَذكر نَحوه وَفِي أُخْرَى أَنه

الْمشرق إِن الْفِتْنَة هَهُنَا ثَلَاثًا وَذكر نَحوه وَفِي أُخْرَى أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مُسْتَقْبل الْمشرق يَقُول أَلا الْفِتْنَة هَهُنَا من حَيْثُ يطلع قرن الشَّيْطَان وَزَاد البُخَارِيّ فِي رِوَايَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُمَّ بَارك لنا فِي شامنا اللَّهُمَّ بَارك لنا فِي يمننا قَالُوا يَا رَسُول الله وَفِي نجدنا فأظنه قَالَ فِي الثَّالِثَة هُنَالك الزلازل والفتن وَمِنْهَا يطلع قرن الشَّيْطَان

‌فصل

ذكر أهل السّير أَن قُريْشًا لما بنت الْكَعْبَة اخْتلفت فِيمَن يضع الرُّكْن وَأَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هُوَ الَّذِي وَضعه بِيَدِهِ وَأَن إِبْلِيس تمثل فِي صُورَة شيخ نجدي حِين حكمُوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي أَمر الرُّكْن فصاح إِبْلِيس بِأَعْلَى صَوته يَا معشر قُرَيْش أقد رَضِيتُمْ أَن يضع هَذَا الرُّكْن وَهُوَ شرفكم غُلَام يَتِيم دون ذوى أسنتكم فكاد يثير شرا فِيمَا بَينهم ثمَّ سكنوا ذَلِك وَكَذَلِكَ لما اجْتمعت قُرَيْش للتشاور فِي أَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم تمثل لَهُم إِبْلِيس أَيْضا فِي صُورَة شيخ جليل وانتسب إِلَى نجد فَأَما فِي الْكَعْبَة فتمثل نجديا لِأَن نجدا يطلع مِنْهَا قرن الشَّيْطَان كَمَا تقدم وَأما فِي وَقت التشاور فَذكر بعض أهل السّير أَن قُريْشًا لما اجْتمعت قَالَت لَا يدخلن مَعكُمْ فِي الْمُشَاورَة أحد من تهَامَة لِأَن هواهم مَعَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فانضم انتسابه إِلَى نجد لينتفي من تهَامَة إِلَى كَون قرنه يطلع من نجد فتناسب المعنيان وَقد ورد فِي حَدِيث ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم حِين قَالَ هَذَا الْكَلَام وقف عِنْد بَاب عَائِشَة رضي الله عنها وَنظر إِلَى الْمشرق يحذر من الْفِتْنَة قَالَ السُّهيْلي وَفِي وُقُوفه عِنْد بَاب عَائِشَة رضي الله عنها نَاظرا إِلَى الْمشرق يحذر من الْفِتْنَة عِبْرَة وفكر فِي خُرُوجهَا إِلَى الْمشرق عِنْد وُقُوع الْفِتْنَة تفهم الْإِشَارَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى واضمم إِلَى هَذَا قَوْله صلى الله عليه وسلم حِين ذكر نزُول الْفِتَن أيقظوا صَوَاحِب الْحجر وَالله أعلم

ص: 248

الْبَاب الرَّابِع عشر بعد الْمِائَة فِي بَيَان طُلُوع الشَّمْس بَين قَرْني الشَّيْطَان

روى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث عَمْرو بن عبسة قَالَ قلت يَا رَسُول الله أَي اللَّيْل أسمع قَالَ جَوف اللَّيْل الآخر فصل مَا شِئْت فَإِن الصَّلَاة مَشْهُودَة مَكْتُوبَة حَتَّى تصلي الصُّبْح ثمَّ أقصر حَتَّى تطلع الشَّمْس فترتفع قيد رمح أَو رُمْحَيْنِ فَإِنَّهَا تطلع بَين قَرْني شَيْطَان فَيصَلي لَهَا الْكفَّار ثمَّ صل مَا شِئْت فَإِن الصَّلَاة مَشْهُودَة مَكْتُوبَة حَتَّى يعدل الرمْح ظله ثمَّ أقصر فَإِن جَهَنَّم تسجر وتفتح أَبْوَابهَا فَإِذا زاغت الشَّمْس فصل مَا شِئْت فَإِن الصَّلَاة مَشْهُودَة مَكْتُوبَة حَتَّى تصلي الْعَصْر ثمَّ أقصر حَتَّى تغرب الشَّمْس فَإِنَّهَا تغرب بَين قَرْني شَيْطَان وَيُصلي لَهَا الْكفَّار

وروى مَالك عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن عبد الله الصنَابحِي أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الشَّمْس تطلع وَمَعَهَا قرن الشَّيْطَان فَإِذا ارْتَفَعت فَارقهَا ثمَّ إِذا اسْتَوَت قارنها فَإِذا دنت للغروب قارنها وَنهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الصَّلَاة فِي تِلْكَ الْأَوْقَات

قَالَ ابْن عبد الْبر تَابع يحيى على قَوْله فِي هَذَا الحَدِيث عَن عبد الله الصنَابحِي جُمْهُور الروَاة مِنْهُم العقبي وَغَيره وَقَالَ مطرف عَن مَالك عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي عبد الله الصنَابحِي وَتَابعه إِسْحَاق بن عِيسَى الطباع وَهُوَ الصَّوَاب وَهُوَ أَبُو عبد الله الصنَابحِي واسْمه عبد الرَّحْمَن بن غسيلة وَهُوَ من كبار التَّابِعين وَلَا صُحْبَة لَهُ توفّي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قبل قدومه الْمَدِينَة بِخمْس لَيَال وللعلماء فِي معنى الحَدِيث قَولَانِ

أَحدهمَا أَن ذَلِك اللَّفْظ على حَقِيقَته وَأَنَّهَا تغرب وتطلع على قرن شَيْطَان وعَلى رَأس شَيْطَان وَبَين قَرْني شَيْطَان على ظَاهر الحَدِيث حَقِيقَة لَا مجَازًا

ص: 249

من غير تكييف لِأَنَّهُ لَا يكيف مَا لَا يرى وَحجَّة من قَالَ هَذَا القَوْل حَدِيث عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لَهُ أرايت مَا جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي أُميَّة بن أبي الصَّلْت آمن شعره وَكفر قلبه قَالَ هُوَ حق فَمَا أنكرتم من شعره قَالُوا أَنْكَرْنَا قَوْله

وَالشَّمْس تطلع كل آخر لَيْلَة

حَمْرَاء يصبح لَوْنهَا يتورد

لَيست بطالعة لَهُم فِي رسلها

إِلَّا معذبة وَإِلَّا تجلد

فَمَا بَال الشَّمْس تجلد فَقَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا طلعت الشَّمْس قطّ حَتَّى ينخسها سَبْعُونَ ألف ملك وَيَقُولُونَ لَهَا اطلعِي اطلعِي فَتَقول لَا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله فيأتيها ملك من الله عز وجل يأمرها بالطلوع فيستقبل الضياء بني آدم فيأتيها شَيْطَان يُرِيد أَن يصدها عَن الطُّلُوع فَتَطلع بَين قرنيه فيحرقه الله تَعَالَى تحتهَا وَمَا غربت الشَّمْس قطّ إِلَّا خرت لله تَعَالَى سَاجِدَة فيأتيها شَيْطَان يُرِيد أَن يصدها عَن السُّجُود فتغرب بَين قرنيه فيحرقه الله تَعَالَى تحتهَا فَذَلِك قَول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا طلعت إِلَّا بَين قَرْني شَيْطَان وَلَا غربت إِلَّا بَين قَرْني شَيْطَان

وَقَالَ آخَرُونَ معنى هَذَا الحَدِيث عندنَا على الْمجَاز واتساع الْكَلَام وَأَنه أُرِيد بقرن الشَّيْطَان هُنَا أمة تعبد الشَّمْس وتسجد لَهَا وَتصلي فِي حِين غُرُوبهَا وطلوعها تقصد بذلك الشَّمْس من دون الله وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يكره التَّشَبُّه بالكفار وَيجب مخالفتهم فَنهى عَن الصَّلَاة فِي هَذِه الْأَوْقَات لذَلِك وَهَذَا التَّأْوِيل جَائِز فِي لُغَة الْعَرَب مَعْرُوف فِي لسانها لِأَن الْأمة تسمى عِنْده قرنا والأمم قرونا وَقَالَ عز وجل {وَكم أهلكنا قبلهم من قرن} وَقَالَ تَعَالَى {وقرونا بَين ذَلِك كثيرا} وَقَالَ تَعَالَى {فَمَا بَال الْقُرُون الأولى} وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خير النَّاس قَرْني وَجَائِز أَن يُضَاف الْقرن إِلَى الشَّيْطَان لطاعتهم لَهُ وَقد سمى الله تَعَالَى الْكفَّار حزب الشَّيْطَان وَمن حجَّة من تَأَول هَذَا التَّأْوِيل من طَرِيق الْآثَار حَدِيث

ص: 250

عَمْرو بن عبسة السّلمِيّ الَّذِي قدمْنَاهُ وَحَدِيث أبي أُمَامَة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالله أعلم

الْبَاب الْخَامِس عشر بعد الْمِائَة فِي بَيَان مقْعد الشَّيْطَان

قَالَ أَبُو بكر الْخلال فِي كتاب الْأَدَب أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن صَدَقَة حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم الزُّهْرِيّ حَدثنَا عمي حَدثنَا شُعْبَة عَن مُغيرَة الْعَبْسِي الْأَعْمَى عَن الشّعبِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ قعُود الرجل بعضه فِي الشَّمْس وَبَعضه فِي الظل مقْعد الشَّيْطَان أخبرنَا أَحْمد حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم حَدثنَا عمي حَدثنَا شُعْبَة عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ بِمثل ذَلِك أخبرنَا يحيى بن جعدة حَدثنَا عبد الْوَهَّاب حَدثنَا قُرَّة بن خَالِد عَن نفيع عَن سعيد بن الْمسيب أَنه كَانَ يَقُول مقيل الشَّيْطَان بَين الظل وَالشَّمْس أخبرنَا يحيى أَنبأَنَا عبد الْوَهَّاب أَنبأَنَا سعيد عَن قَتَادَة كَانَ يُقَال مقْعد الشَّيْطَان بَين الظل وَالشَّمْس وَيكرهُ الْقعُود فِيهِ أَخْبرنِي أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَازِم أَن إِسْحَاق بن مَنْصُور حَدثهمْ أَنه قَالَ لِابْنِ عبد الله يكره أَن يجلس بَين الظل وَالشَّمْس قَالَ هَذَا مَكْرُوه أَلَيْسَ قد نهى عَن ذَلِك قَالَ إِسْحَاق ابْن مَنْصُور قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه قد صَحَّ النَّهْي فِيهِ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَكِن لَو ابْتَدَأَ فَجَلَسَ فِيهِ كَانَ أَهْون

ص: 251

الْبَاب السَّادِس عشر بعد الْمِائَة فِي لُزُوم الشَّيْطَان القَاضِي الجائر

روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الله بن أبي أوفى قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الله مَعَ القَاضِي مَا لم يجر فَإِذا جَار تخلى عَنهُ وَلَزِمَه الشَّيْطَان

الْبَاب السَّابِع عشر بعد الْمِائَة فِي ادباره إِذا نُودي للصَّلَاة

فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا نُودي بِالصَّلَاةِ أدبر الشَّيْطَان لَهُ ضراط حَتَّى لَا يسمع المنادين حَتَّى إِذا قضى التثويب أقبل حَتَّى يخْطر بَين الْمَرْء وَنَفسه يَقُول اذكر كَذَا وَاذْكُر كَذَا مَا لم يكن يذكر قبل حَتَّى يظل الرجل مَا يدْرِي كم صلى وَفِي رِوَايَة أَن الشَّيْطَان إِذا سمع النداء بِالصَّلَاةِ أحَال لَهُ حَتَّى لَا يسمع صَوته فَإِذا أنْتَهى رَجَعَ فوسوس وَفِي أُخْرَى إِذا أذن الْمُؤَذّن أدبر الشَّيْطَان وَله حصاص قَالَ الْجَوْهَرِي الضراط الردام ضرط يضرط ضرطا مثل خبق يخبق خبقا وَرَأَيْت فِي الجمهرة ضبط ابْن خالويه خبقا بِسُكُون الْبَاء والحصاص بِالضَّمِّ شدَّة الْعَدو وسرعته عَن الْأَصْمَعِي وَقد حص يحص حصا قَالَ حَمَّاد بن سَلمَة قلت لعاصم بن أبي النجُود مَا الحصاص قَالَ مَا رَأَيْت الْحمار إِذا صر بأذنيه ومصغ بِذَنبِهِ وَعدا فَذَلِك حصاصه قَالَ أَبُو عبيد يُقَال هُوَ الضراط فِي قَول بَعضهم قَالَ وَقَول عَاصِم أحب إِلَى وَهُوَ قَول الْأَصْمَعِي أَو نَحوه وَالله أعلم

ص: 252

الْبَاب الثَّامِن عشر بعد الْمِائَة فِي مشْيَة الشَّيْطَان فِي نعل وَاحِدَة

قَالَ حَرْب حَدثنَا مُحَمَّد بن الْوَزير الدِّمَشْقِي حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم حَدثنَا اللَّيْث بن سعد عَن جَعْفَر بن ربيعَة عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يمشي أحدكُم فِي نعل وَاحِدَة فَإِن الشَّيْطَان يمشي فِي نعل وَاحِدَة قَالَ حَرْب وَسمعت أَحْمد يكره أَن يمشي الرجل فِي نعل وَاحِدَة كَرَاهِيَة وَاحِدَة قَالَ حَرْب حَدثنَا يحيى ابْن عبد الحميد حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن أبي رزين عَن أبي هُرَيْرَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِذا انْقَطع شسع أحدكُم فَلَا يمش فِي الْأُخْرَى حَتَّى يصلحها

الْبَاب التَّاسِع عشر بعد الْمِائَة فِي اعتزاله ابْن آدم إِذا تَلا السَّجْدَة

إِذا تَلا ابْن آدم السَّجْدَة اعتزل الشَّيْطَان يبكي وَيَقُول يَا ويله أَمر ابْن آدم بِالسُّجُود فَسجدَ فَلهُ الْجنَّة وَأمرت بِالسُّجُود فأبيت فلي النَّار قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا أَبُو مُسلم عبد الرَّحْمَن بن يُونُس حَدثنَا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن عبيد الله بن مقسم قَالَ إِذا لعنت الشَّيْطَان قَالَ لعنت ملعنا فَإِذا استعذت مِنْهُ يَقُول قطعت ظَهْري وَإِذا سجدت يَقُول يَا ويله أَمر ابْن آدم بِالسُّجُود فأطاع وَأمر الشَّيْطَان فعصى فلابن آدم الْجنَّة وللشيطان النَّار

ص: 253

الْبَاب الموفي عشْرين بعد الْمِائَة فِي أَن التثاؤب وَالنُّعَاس والعطاس فِي الصَّلَاة من الشَّيْطَان

فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عبد الله بن زيد بن عَاصِم الْمَازِني قَالَ شكي إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إِلَيْهِ أَنه يجد الشَّيْء فِي الصَّلَاة قَالَ لَا ينْصَرف أحدكُم حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا قَالَ أَو بكر قَالَ أَبُو بكر ابْن مُحَمَّد حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن جرير عَن الْأَعْمَش عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن قيس بن سكن قَالَ قَالَ عبد الله إِن الشَّيْطَان يطِيف بأحدكم فِي الصَّلَاة فَإِذا أعياه أَن ينْصَرف نفخ فِي دبره ليريه أَنه قد أحدث فَلَا ينصرفن حَتَّى يجد ريحًا أَو يسمع صَوتا

وَقَالَ إِسْحَاق حَدثنَا مُحَمَّد بن جَابر عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم قَالَ قَالَ عبد الله إِن الشَّيْطَان يجْرِي من ابْن آدم فِي الْعُرُوق مجْرى الدَّم حَتَّى أَنه يَأْتِي أحدكُم وَهُوَ فِي الصَّلَاة فينفخ فِي دبره ويبل إحليله ثمَّ يَقُول أحدثت فَلَا ينصرفن أحدكُم حَتَّى يجدن ريحًا أَو يسمع صَوتا أَو يجد بللا وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الْكَبِير حَدثنَا مُحَمَّد بن النَّضر حَدثنَا أَبُو غَسَّان النَّهْدِيّ حَدثنَا قيس بن الرّبيع عَن زر عَن عبد الله قَالَ النعاس عِنْد الْقِتَال امنة من الله تَعَالَى وَالنُّعَاس فِي الصَّلَاة من الشَّيْطَان ثمَّ سَاقه عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن أبي زريرة عَن عبد الله حَدثنَا مُحَمَّد بن النَّضر الْأَزْدِيّ حَدثنَا مُعَاوِيَة بن عَمْرو أَنبأَنَا زَائِدَة عَن يزِيد بن أبي ظبْيَان عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ التثاؤب والعطاس فِي الصَّلَاة من الشَّيْطَان

ص: 254

الْبَاب الْحَادِي وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة فِي أَن العجلة من الشَّيْطَان

قَالَ ابْن السّني فِي كتاب الإيجاز حَدثنَا أَحْمد بن دَاوُد ابْن عبد الْغفار حَدثنَا أَبُو مُصعب الزُّهْرِيّ حَدثنَا عبد الْمُهَيْمِن بن الْعَبَّاس ابْن سهل عَن أَبِيه عَن جده ان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الأناة من الله عز وجل والعجلة من الشَّيْطَان

الْبَاب الثَّانِي وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة فِي أَن نهيق الْحمار عِنْد رُؤْيَة الشَّيْطَان

روى البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا سَمِعْتُمْ صياح الديكة فاسألوا الله من فَضله فَإِنَّهَا رَأَتْ ملكا وَإِذا سَمِعْتُمْ نهيق الْحمار فتعوذوا بِاللَّه من الشَّيْطَان فَإِنَّهُ رأى شَيْطَانا

الْبَاب الثَّالِث وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة فِي تعرض الشَّيْطَان لأهل الْمَسْجِد

قَالَ أَحْمد فِي مُسْنده حَدثنَا أَبُو بكر الْحَنَفِيّ حَدثنَا الضَّحَّاك ابْن عُثْمَان عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن أحدكُم إِذا كَانَ فِي الْمَسْجِد جَاءَ الشَّيْطَان فأنس بِهِ كَمَا يأنس الرجل بدابته فَإِذا سكن لَهُ رنقه وألجمه قَالَ أَبُو هُرَيْرَة وانتم ترَوْنَ ذَلِك أما الْمرْفق فتراه مائلا كَذَا لَا يذكر الله وَأما الملجم ففاتح فَاه لَا يذكر الله تَعَالَى وَقَالَ أَحْمد حَدثنَا ابان حَدثنَا قَتَادَة عَن أنس أَن نَبِي الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول راصوا صفوفكم وقاربوا بَينهَا وحاذوا بَين الاعناق فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِنِّي لأرى الشَّيْطَان يدْخل من خلل الصَّفّ كَأَنَّهُ الْحَذف وروى ابْن السّني فِي كتاب عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة بِسَنَدِهِ عَن أبي امامة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن أحدكُم إِذا أَرَادَ أَن يخرج من الْمَسْجِد تداعت جنود إِبْلِيس واجتلبت كَمَا يجْتَمع النَّحْل على

ص: 255

بعسوبها فَإِذا قَامَ أحدكُم على بَاب الْمَسْجِد فَلْيقل اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من إِبْلِيس وَجُنُوده فَإِنَّهَا لن تضره اليعسوب ذكر النَّحْل وَقيل أميرها والحذف بِالتَّحْرِيكِ غنم سود صغَار من غنم الْحجاز الْوَاحِدَة حذفة وَفِي حَدِيث كَأَنَّهَا بَنَات حذف

الْبَاب الرَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة فِي تكبر إِبْلِيس عَن السُّجُود لآدَم ووسوسته لَهُ حَتَّى أكل من الشَّجَرَة

قَالَ ابْن جرير اخْتلف السّلف من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فِي السَّبَب الَّذِي سَوَّلت لَهُ نَفسه من أَجله الاستكبار فروى عَن ابْن عَبَّاس فِي ذَلِك أَقْوَال

أَحدهَا مَا رَوَاهُ الضَّحَّاك أَن إِبْلِيس لما قتل الْجِنّ الَّذين عصوا الله وأفسدوا فِي الأَرْض وشردهم أَعْجَبته نَفسه وَرَأى فِي نَفسه أَن لَهُ من الْفَضِيلَة مَا لَيْسَ لغيره

وَالْقَوْل الثَّانِي من الْأَقْوَال المروية عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ ملك السَّمَاء وسائسها وسائس مَا بَينهَا وَبَين الأَرْض وخازن الْجنَّة مَعَ اجْتِهَاده فِي الْعِبَادَة فأعجب بِنَفسِهِ وَرَأى أَن لَهُ بذلك فضلا فاستكبر على ربه حَدثنَا مُوسَى بن هَارُون حَدثنَا عمر بن حَمَّاد حَدثنَا أَسْبَاط عَن السّديّ فِي خبر ذكره عَن أبي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة الهمذاني عَن ابْن مَسْعُود عَن أنَاس من اصحاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ الله من خلق مَا أحب اسْتَوَى على الْعَرْش فَجعل إِبْلِيس على ملك سَمَاء الدُّنْيَا وَكَانَ من قَبيلَة يُقَال لَهَا الْجِنّ وَإِنَّمَا سموا الْجِنّ لانهم خزان الْجنَّة وَكَانَ إِبْلِيس مَعَ ملكه خَازِنًا فَوَقع فِي صَدره كبر وَقَالَ مَا أَعْطَانِي الله تَعَالَى على هَذَا الْأَمر إِلَّا لمزية هَكَذَا حَدثنِي مُوسَى بن هَارُون وحد ثني بِهِ أَحْمد عَن خَيْثَمَة عَن عَمْرو بن حَمَّاد وَقَالَ لمزية لي على الْمَلَائِكَة فَلَمَّا وَقع ذَلِك الْكبر فِي نَفسه اطلع الله على ذَلِك مِنْهُ فَقَالَ الله للْمَلَائكَة {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة}

ص: 256

وَالْقَوْل الثَّالِث من الْأَقْوَال عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يَقُول السَّبَب فِي ذَلِك أَنه كَانَ من بقايا خلق خلقهمْ الله فَأَمرهمْ الله بِأَمْر فَأَبَوا طَاعَته حَدثنِي مُحَمَّد بن سِنَان حَدثنَا أَبُو عَاصِم عَن شريك عَن رجل عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن الله تَعَالَى خلق خلقا فَقَالَ {اسجدوا لآدَم} فَقَالُوا لَا نَفْعل فَبعث الله عَلَيْهِم نَارا تحرقهم ثمَّ خلق خلقا آخر فَقَالَ {إِنِّي خَالق بشرا من طين} فاسجدوا لآدَم قَالَ فَأَبَوا فَبعث الله تَعَالَى عَلَيْهِم نَارا فَأَحْرَقَتْهُمْ قَالَ ثمَّ خلق هَؤُلَاءِ فَقَالَ {اسجدوا لآدَم} قَالُوا نعم وَكَانَ إِبْلِيس من أُولَئِكَ الَّذين أوا أَن يسجدوا لآدَم قَالَ أَبُو الْفِدَاء اسماعيل ابْن كثير هَذَا غَرِيب وَلَا يكَاد يَصح إِسْنَاده فَإِن فِيهِ رجلا مُتَّهمًا وَمثله لَا يحْتَج بِهِ وَالله أعلم

وَقَالَ آخَرُونَ بل السَّبَب أَنه كَانَ من بقايا الْجِنّ الَّذين كَانُوا فِي الأَرْض فسفكوا الدِّمَاء فِيهَا وأفسدوا وعصوا رَبهم فقاتلتهم الْمَلَائِكَة حَدثنَا ابْن حميد حَدثنَا يحيى بن وَاضح حَدثنَا أَبُو سعيد اليحمدي إِسْمَاعِيل ابْن إِبْرَاهِيم حَدثنَا سوار بن أبي الْجَعْد عَن شهر بن حَوْشَب قَوْله كَانَ من الْجِنّ قَالَ كَانَ إِبْلِيس من الْجِنّ الَّذين طردتهم الْمَلَائِكَة فَأسرهُ بعض الْمَلَائِكَة فَذهب بِهِ إِلَى السَّمَاء حَدثنِي عَليّ بن الْحُسَيْن حَدثنَا أَبُو نصر أَحْمد ابْن مُحَمَّد الْخلال حَدثنَا سُهَيْل بن دَاوُد حَدثنَا هشيم أَنبأَنَا عبد الرَّحْمَن ابْن يحيى عَن مُوسَى بن نمير وَعُثْمَان بن سعيد عَن سعد بن مَسْعُود قَالَ كَانَت الْمَلَائِكَة تقَاتل الْجِنّ فسبي إِبْلِيس وَكَانَ صَغِيرا وَكَانَ مَعَ الْمَلَائِكَة فتعبد مَعهَا فَلَمَّا أمروا أَن يسجدوا لآدَم سجدوا وأبى إِبْلِيس فَلذَلِك قَالَ الله تَعَالَى {إِلَّا إِبْلِيس كَانَ من الْجِنّ} قَالَ أَبُو جَعْفَر وَأولى الْأَقْوَال فِي ذَلِك بِالصَّوَابِ أَن يُقَال كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس كَانَ من الْجِنّ} ففسق عَن أَمر ربه وَجَائِز أَن يكون فسوقه عَن أَمر ربه كَانَ من أجل أَنه كَانَ من الْجِنّ وَجَائِز أَن يكون من أجل إعجابه بِنَفسِهِ لشدَّة اجْتِهَاده فِي عبَادَة ربه وَكَثْرَة علمه وَمَا كَانَ أُوتِيَ من ملك سَمَاء الدُّنْيَا وَالْأَرْض وخزن الْجنان وَجَائِز أَن يكون كَانَ ذَلِك لأمر من الْأُمُور وَلَا يدْرك علم ذَلِك إِلَّا بِخَبَر تقوم بِهِ الْحجَّة وَلَا خبر بذلك عندنَا وَالِاخْتِلَاف فِي أمره مَا حكيناه ورويناه

ص: 257

وَقد قيل إِن سَبَب هَلَاكه كَانَ من أجل أَن الأَرْض كَانَ فِيهَا من قبل آدم الْجِنّ فَبعث الله تَعَالَى إِبْلِيس قَاضِيا يقْضِي بَينهم فَلم يزل يقْضِي بَينهم بِالْحَقِّ ألف سنة حَتَّى سمي حكما وَسَماهُ الله بِهِ وَأوحى إِلَيْهِ اسْمه فَعِنْدَ ذَلِك دخله الْكبر فتعظم وتكبر وَألقى بَين الَّذين كَانَ الله بَعثه اليهم حكما الْبَأْس والعداوة والبغضاء فَاقْتَتلُوا عِنْد ذَلِك فِي الأَرْض ألفي سنة فِيمَا زَعَمُوا حَتَّى أَن خيولهم تخوض فِي دِمَائِهِمْ قَالُوا فَذَلِك قَول الله {أفعيينا بالخلق الأول بل هم فِي لبس من خلق جَدِيد} وَقَول الْمَلَائِكَة {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء} فَبعث الله تَعَالَى عِنْد ذَلِك نَارا فَأَحْرَقَتْهُمْ قَالُوا فَلَمَّا رأى إِبْلِيس مَا نزل بقَوْمه من الْعَذَاب عرج إِلَى السَّمَاء فَأَقَامَ عِنْد الْمَلَائِكَة يعبد الله تَعَالَى فِي السَّمَاء مُجْتَهدا لم يعبده شَيْء من خلقه مثل عِبَادَته فَلم يزل مُجْتَهدا فِي الْعِبَادَة حَتَّى خلق الله تَعَالَى آدم فَكَانَ من أمره ومعصيته ربه مَا كَانَ فَلَمَّا أَرَادَ الله تَعَالَى إطلاع الْمَلَائِكَة على مَا قد علم من انطواء إِبْلِيس على الْكبر وَإِظْهَار أمره لَهُم حِين دنا أمره للبوار وَملكه وسلطانه للزوال قَالَ {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} فَأَجَابُوهُ {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء}

روى عَن ابْن عَبَّاس أَن الْمَلَائِكَة قَالَت ذَلِك لما كَانُوا عهدوا من أَمر إِبْلِيس وَأمر الْجِنّ الَّذين كَانُوا فِيهَا فَكَانُوا يسفكون الدِّمَاء فِيهَا ويفسدون فِي الأَرْض ويعصونك {وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس لَك} فَقَالَ {إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} من انطواء إِبْلِيس على التكبر وعزمه على خلاف أَمْرِي وتسويل نَفسه لَهُ بِالْبَاطِلِ واعتزازه وَأَنا مبد ذَلِك لكم لتروا ذَلِك مِنْهُ عيَانًا

حَدثنَا مُوسَى بن هَارُون بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وأناس من اصحاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لما قَالَت الْمَلَائِكَة مَا قَالَت وَقَالَ الله تَعَالَى {إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} يَعْنِي من شَأْن إِبْلِيس فَبعث الله جِبْرِيل عليه الصلاة والسلام إِلَى الأَرْض ليَأْتِيه بطين مِنْهَا فَقَالَت الأَرْض إِنِّي أعوذ بِاللَّه مِنْك أَن تقبض مني أَو تشينني فَرجع فَلم يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا وَقَالَ يَا رب إِنَّهَا عاذت فأعذتها فَبعث الله تَعَالَى مِيكَائِيل فعاذت مِنْهُ فأعاذها فَرجع فَقَالَ كَمَا قَالَ جِبْرِيل عليه الصلاة والسلام فَبعث اليها ملك الْمَوْت فعاذت مِنْهُ فَقَالَ وَأَعُوذ بِاللَّه أَن أرجع وَلم أنفذ أمره فَأخذ من وَجه الأَرْض

ص: 258

وخلط فَلم يَأْخُذ من مَكَان وَاحِد وَأخذ من تربة حَمْرَاء وبيضاء وسوداء وَلذَلِك خرج بَنو آدم مُخْتَلفين فَصَعدَ بِهِ قبل التُّرَاب حَتَّى عَاد طينا لازبا واللازب الَّذِي يلتزق بعضه بِبَعْض ثمَّ ترك حَتَّى تغير وأنتن وَذَلِكَ حِين يَقُول حمأ مسنون قَالَ منتن

حَدثنَا ابْن حميد حَدثنَا يَعْقُوب الْعمي عَن جَعْفَر بن أبي الْمُغيرَة عَن سعيد ابْن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ بعث رب الْعِزَّة إِبْلِيس فَأخذ من آديم الأَرْض من عذبها وملحها فخلق مِنْهُ آدم وَمن ثمَّ سمي آدم لِأَنَّهُ خلق من أَدِيم الأَرْض وَمن ثمَّ قَالَ إِبْلِيس {أأسجد لمن خلقت طينا} أَي هَذِه الطينة أَنا جِئْت بهَا حَدثنَا أَبُو كريب حَدثنَا عُثْمَان بن سعيد حَدثنَا بشر بن عمَارَة عَن أبي روق عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أَمر الله تَعَالَى بتربة آدم فَرفعت فخلق آدم من طين لازب من حمأ مسنون قَالَ وَإِنَّمَا كَانَ مسنونا بعد التُّرَاب قَالَ فخلق مِنْهُ آدم بِيَدِهِ فَمَكثَ أَرْبَعِينَ لَيْلَة جسدا ملقى فَكَانَ إِبْلِيس يَأْتِيهِ فيضربه بِرجلِهِ فيصلصل أَي يصوت قَالَ فَهُوَ قَوْله تَعَالَى {من صلصال كالفخار} يَقُول كالشيء المنفرج الَّذِي لَيْسَ بمصمت قَالَ ثمَّ يدْخل من فِيهِ وَيخرج من دبره وَيدخل من دبره وَيخرج من فِيهِ ثمَّ يَقُول لست شَيْئا للصلصلة ولشيء مَا خلقت وَلَئِن سلطت عَلَيْك لأهلكتك وَلَئِن سلطت على لأعصينك

حَدثنَا مُوسَى بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وأناس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الله تَعَالَى للْمَلَائكَة {إِنِّي خَالق بشرا من طين فَإِذا سويته ونفخت فِيهِ من روحي فقعوا لَهُ ساجدين} فخلقه تَعَالَى بِيَدِهِ لكيلا يتكبر إِبْلِيس عَنهُ ليقول أتتكبر عَمَّا عملت بيَدي وَلم أتكبر أَنا عَنهُ فخلقته بشرا فَكَانَ جسدا من طين أَرْبَعِينَ سنة من مِقْدَار يَوْم الْجُمُعَة فمرت بِهِ الْمَلَائِكَة ففزعوا مِنْهُ لما رَأَوْهُ وَكَانَ أَشَّدهم مِنْهُ فَزعًا إِبْلِيس فَكَانَ يمر بِهِ فيصوت الْجَسَد كَمَا يصوت الفخار يكون لَهُ صلصلة فَذَلِك حِين يَقُول {من صلصال كالفخار} وَيَقُول لأمر مَا خلقت وَدخل فِيهِ وَخرج

ص: 259

من دبره فَقَالَ للْمَلَائكَة لَا ترهبوا من هَذَا فَإِن ربكُم صَمد وَهَذَا أجوف وَلَئِن سلطت عَلَيْهِ لأهلكنه

حَدثنَا مُوسَى بن هَارُون بِسَنَدِهِ قَالُوا فَلَمَّا بلغ آدم الْحِين الَّذِي يُرِيد الله عز وجل أَن ينْفخ فِيهِ الرّوح قَالَ للْمَلَائكَة إِذا نفخت فِيهِ من روحي فاسجدوا لَهُ فَلَمَّا نفخ فِيهِ الرّوح فَدخل الرّوح فِي رَأسه عطس فَقَالَت الْمَلَائِكَة قل الْحَمد لله فَقَالَ الْحَمد لله فَقَالَ الله يَرْحَمك رَبك يَا آدم فَلَمَّا دخل الرّوح فِي عَيْنَيْهِ نظر إِلَى ثمار الْجنَّة فَلَمَّا دخل إِلَى جَوْفه اشْتهى الطَّعَام فَوَثَبَ قبل أَن يبلغ الرّوح رجلَيْهِ عجلَان إِلَى ثمار الْجنَّة فَذَلِك حِين يَقُول {خلق الْإِنْسَان من عجل} فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيس أَبى واستكبر وَكَانَ من الْكَافرين قَالَ الله تَعَالَى {مَا مَنعك أَلا تسْجد إِذْ أَمرتك} قَالَ {أَنا خير مِنْهُ} لم أكن لأسجد لبشر خلقته من طين قَالَ الله عز وجل لَهُ {اخْرُج مِنْهَا} فَمَا يكون لَك أَن تتكبر فِيهَا يَعْنِي فَمَا يَنْبَغِي لَك أَن تتكبر فِيهَا {فَاخْرُج إِنَّك من الصاغرين}

ولبعض هَذَا السِّيَاق وَمَا قبله من حَدِيث السّديّ شَاهد من الْأَحَادِيث وَإِن كَانَ كثير مِنْهُ متلقى من الْإسْرَائِيلِيات وَقَوله تَعَالَى لإبليس اهبط مِنْهَا فَمَا يكون لَك أَن تتكبر فِيهَا وَقَوله {اخْرُج مِنْهَا} دَلِيل على أَنه كَانَ فِي السَّمَاء فَأمر بالهبوط مِنْهَا وَالْخُرُوج من الْمنزلَة والمكانة الَّتِي كَانَ نالها بِعِبَادَتِهِ وتشبهه بِالْمَلَائِكَةِ ثمَّ سلب ذَلِك فاهبط إِلَى الأَرْض مذموما مَدْحُورًا

قَالَ ابْن جرير حَدثنَا كريب حَدثنَا عُثْمَان بن سعيد حَدثنَا بشر ابْن عمَارَة عَن أبي روق عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ فَلَمَّا نفخ الله تَعَالَى فِيهِ يَعْنِي فِي آدم من روحه أَتَت النفخة من قبل رَأسه فَجعل لَا يجْرِي شَيْء مِنْهَا فِي جسده إِلَّا صَار لَحْمًا فَلَمَّا انْتَهَت النفخة إِلَى سرته نظر إِلَى جسده فأعجبه مَا رأى من حسنه فَذهب لينهض فَلم يقدر فَهُوَ قَول الله تَعَالَى {خلق الْإِنْسَان من عجل} وَقَوله تَعَالَى {وَكَانَ الْإِنْسَان عجولا} قَالَ ضجرا لَا صَبر لَهُ على سراء وَلَا ضراء قَالَ فَلَمَّا نمت النفخة فِي جسده عطس

ص: 260

فَقَالَ الْحَمد لله رب الْعَالمين بإلهام الله لَهُ فَقَالَ الله تَعَالَى لَهُ يَرْحَمك الله تَعَالَى يَا آدم قَالَ ثمَّ قَالَ للْمَلَائكَة الَّذين كَانُوا من إِبْلِيس خَاصَّة دون الْمَلَائِكَة الَّذين فِي السَّمَوَات {اسجدوا لآدَم فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس أَبى واستكبر} لما كَانَ حدث بِهِ نَفسه من كبره واغتراره فَقَالَ لَا أَسجد لَهُ وَأَنا خير مِنْهُ وأكبر سنا وَأقوى خلقا {خلقتني من نَار وخلقته من طين} يَقُول إِن النَّار أقوى من الطين قَالَ فَلَمَّا أَبى إِبْلِيس أَن يسْجد أبلسه الله أَي أيأسه من الْخَيْر كُله وَجعله شَيْطَانا رجيما عُقُوبَة لمعصيته وَهَذَا الَّذِي ذكره ابْن جرير فِيهِ انْقِطَاع وَفِي السِّيَاق نَكَارَة وَقد رَجحه بعض الْمُتَأَخِّرين وَالْجُمْهُور على أَن المُرَاد بِالْمَلَائِكَةِ المأمورين بِالسُّجُود جَمِيع الْمَلَائِكَة لَا الْمَلَائِكَة الَّذين كَانُوا فِي الأَرْض مَعَ إِبْلِيس وَهُوَ الَّذِي دلّ عَلَيْهِ عُمُوم الْآيَات وَهُوَ الَّذِي يظْهر من السياقات وَيدل عَلَيْهِ الحَدِيث وَقَوله وأسجد لَك مَلَائكَته وَهَذَا عُمُوم أَيْضا

قَالَ ابْن جرير حَدثنَا ابْن حميد حَدثنَا سَلمَة عَن مُحَمَّد بن اسحاق قَالَ فَيُقَال وَالله اعْلَم أَنه لما انْتهى الرّوح إِلَى رَأسه عطس فَقَالَ الْحَمد لله فَقَالَ لَهُ ربه يَرْحَمك رَبك وَوَقع الْمَلَائِكَة حِين اسْتَوَى سجودا لَهُ حفظا لعهد الله الَّذِي عهد اليهم وَطَاعَة لأَمره الَّذِي أَمرهم بِهِ وَقَامَ عَدو الله إِبْلِيس فَلم يسْجد متكبرا متعظما بغيا وحسدا فَقَالَ لَهُ يَا إِبْلِيس {مَا مَنعك أَن تسْجد لما خلقت بيَدي} إِلَى قَوْله {لأملأن جَهَنَّم مِنْك وَمِمَّنْ تبعك مِنْهُم أَجْمَعِينَ} قَالَ فَلَمَّا فرغ الله تَعَالَى من إِبْلِيس ومعاتبته وأبى إِلَّا الْمعْصِيَة أوقع عَلَيْهِ اللَّعْنَة وَأخرجه من الْجنَّة قَالَ الله تَعَالَى {فَاخْرُج مِنْهَا فَإنَّك رجيم وَإِن عَلَيْك لَعْنَتِي إِلَى يَوْم الدّين} اسْتحق هَذَا من الله تَعَالَى لِأَنَّهُ استلزم تنقصة لآدَم وازدراءه بِهِ وترفعه عَلَيْهِ مُخَالفَة الْأَمر الإلهي ومعاندة الْحق فِي النَّص على آدم على التَّعْيِين وَشرع فِي الِاعْتِذَار بِمَا لَا يجدي عَنهُ شَيْئا فَكَانَ اعتذاره أَشد من ذَنبه كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَة الْإِسْرَاء {وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم} إِلَى قَوْله {وَكفى بِرَبِّك وَكيلا} قَالَ ابْن جرير حَدثنَا مُوسَى بن هَارُون بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَعَن أنَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لما خرج إِبْلِيس من الْجنَّة حِين لعن

ص: 261

وأسكن آدم الْجنَّة فَكَانَ يمشي فِيهَا وحشيا لَيْسَ لَهُ زوج يسكن إِلَيْهَا فَنَامَ نومَة فَاسْتَيْقَظَ فَإِذا عِنْد رَأسه امْرَأَة قَاعِدَة خلقهَا الله تَعَالَى من ضلعه فَسَأَلَهَا مَا انت فَقَالَت امْرَأَة قَالَ وَلم خلقت قَالَت لتسكن إليى قَالَت لَهُ الْمَلَائِكَة ينظرُونَ مَا مبلغ علمه مَا اسْمهَا قَالَ حَوَّاء قَالُوا لم سميت حَوَّاء قَالَ لِأَنَّهَا خلقت من شَيْء حَيّ قَالَ الله عز وجل {يَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة وكلا مِنْهَا رغدا حَيْثُ شئتما}

وَهَذَا الَّذِي سَاقه ابْن جرير من حَدِيث مُوسَى بن هَارُون منتزع من نَص التَّوْرَاة الَّتِي بأيدي أهل الْكتاب وَسِيَاق الْآيَات وظاهرها يقتضى أَن خلق حَوَّاء كَانَ قبل دُخُول آدم عليه السلام إِلَى الْجنَّة كَقَوْلِه {يَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} وَهَذَا قد صرح بِهِ ابْن اسحاق وَذكر ابْن اسحاق عَن ابْن عَبَّاس ان حَوَّاء خلقت من ضلعه الأقصر وَهُوَ نَائِم ولثم مَكَانَهُ لحم ومصداق هَذَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَخلق مِنْهَا زَوجهَا} وَقَوله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَجعل مِنْهَا زَوجهَا ليسكن إِلَيْهَا} قَالَ ابْن جرير لما أسكن الله تَعَالَى آدم وزوجه جنته أطلق الله لَهما تبَارك اسْمه أَن يأكلا كل مَا شَاءَ أكله من كل مَا فِيهَا من ثمارها غير ثَمَرَة شَجَرَة وَاحِدَة ابتلاء مِنْهُ لَهما بذلك وليمضي قَضَاء الله فيهمَا وَفِي ذريتهما كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَيَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة فكلا من حَيْثُ شئتما وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة فتكونا من الظَّالِمين فوسوس لَهما الشَّيْطَان ليبدي لَهما مَا ووري عَنْهُمَا} أكل مَا نهاهما رَبهَا عَن أكله من ثَمَر تِلْكَ الشَّجَرَة وَحسن لَهما حَتَّى أكلا مِنْهَا فَبَدَا لَهما من سوآتهما مَا كَانَ توارى عَنْهُمَا مِنْهَا وَكَانَ وُصُول عَدو الله إِبْلِيس إِلَى تَزْيِين ذَلِك مَا ذكر فِي الْخَبَر الَّذِي حَدثنِي مُوسَى بن هَارُون حَدثنَا عَمْرو بن حَمَّاد حَدثنَا اسباط عَن السّديّ فِي خبر ذكره عَن ابي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة الْهَمدَانِي عَن ابْن مَسْعُود وَعَن اناس من اصحاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لما قَالَ الله تَعَالَى لآدَم {اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة وكلا مِنْهَا رغدا حَيْثُ شئتما وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة فتكونا من الظَّالِمين}

ص: 262

أَرَادَ إِبْلِيس أَن يدْخل عَلَيْهِمَا الْجنَّة فمنعته الخزنة فَأتى الْحَيَّة هِيَ دَابَّة لَهَا أَربع قَوَائِم كَأَنَّهَا الْبَعِير وَهِي كأحسن الدَّوَابّ فكلمها أَن تدخله فِي فمها حَتَّى يدْخل إِلَى آدم فأدخلته فِي فمها فمرت الْحَيَّة على الخزنة فَدخلت وهم لَا يعلمُونَ مَا أَرَادَ الله تَعَالَى من الامر فَكَلمهُ من فمها فَلم ينل كَلَامه فَخرج إِلَيْهِ فَقَالَ {يَا آدم هَل أدلك على شَجَرَة الْخلد وَملك لَا يبْلى} يَقُول هَل أدلك على شَجَرَة إِذا أكلت مِنْهَا كنت ملكا وَتَكون من الخالدين فَلَا تَمُوت أبدا وَحلف لَهما بِاللَّه {إِنِّي لَكمَا لمن الناصحين} وَإِنَّمَا أَرَادَ بذلك ليبدي لَهما مَا توارى عَنْهُمَا من سوآتهما يهتك لباسهما وَكَانَ قد علم أَن لَهما سوآت لما كَانَ يقْرَأ من كتاب الْمَلَائِكَة وَلم يكن آدم يعلم ذَلِك وَكَانَ لباسهما الظفر فَأبى آدم أَن يَأْكُل مِنْهَا فتقدمت حَوَّاء فَأكلت مِنْهَا ثمَّ قَالَت يَا آدم كل فَإِنِّي قد أكلت فَلم يضرني فَلَمَّا أكل آدم بَدَت لَهما سوآتهما فطفقا يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة طفقا أَقبلَا أَي جعلا يلصقان عَلَيْهِمَا من ورق التِّين حَدثنَا ابْن حميد حَدثنَا سَلمَة عَن ابْن اسحاق عَن لَيْث بن أبي سليم عَن طَاوس الْيَمَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن عَدو الله إِبْلِيس عرضه نَفسه على دَوَاب الارض أَيهَا يحملهُ حَتَّى يدْخل بِهِ مَعَه حَتَّى يكلم آدم وَزَوجته فَكل الدَّوَابّ أَبى ذَلِك عَلَيْهِ حَتَّى كلم الْحَيَّة فَقَالَ لَهَا امنعك من بني آدم فَأَنت فِي ذِمَّتِي إِن أَنْت أدخلتني الْجنَّة فَجَعَلته بَين نابين من أنيابها ثمَّ دخلت بِهِ فكلمهما من فِيهَا وَكَانَت كاسية تمشي على أَربع قَوَائِم فأعراها الله تَعَالَى وَجعلهَا تمشي على بَطنهَا قَالَ يَقُول ابْن عَبَّاس اقتلوها حَيْثُ وجدتموها اخفروا ذمَّة عَدو الله تَعَالَى فِيهَا قَالَ ابْن جرير حدثت عَن عمار بن الْحسن حَدثنَا عبد الله بن أبي جَعْفَر عَن أَبِيه عَن الرّبيع قَالَ حَدثنِي مُحدث أَن الشَّيْطَان دخل الْجنَّة فِي صُورَة دَابَّة ذَات قَوَائِم فَكَانَ يرى أَنه الْبَعِير قَالَ فلعن فَسَقَطت قوائمه فَصَارَ حَيَّة قَالَ الرّبيع وحَدثني أَبُو الْعَالِيَة أَن من الْإِبِل مَا كَانَ وَلها من الْجِنّ

حَدثنَا ابْن حميد حَدثنَا سَلمَة حَدثنَا مُحَمَّد بن اسحاق عَن بعض أهل الْعلم أَن آدم حِين دخل الْجنَّة وَرَأى مَا فِيهَا من الْكَرَامَة وَمَا اعطاه الله مِنْهَا قَالَ لَو أَن لي خلدا فِيهَا فاغتنم مِنْهُ إِبْلِيس لما سَمعهَا مِنْهُ فَأَتَاهُ من قبل الْخلد

ص: 263

قَالَ ابْن اسحاق حدثت أَن أول مَا ابتدأهما بِهِ من كَيده إيَّاهُمَا أَنه ناح عَلَيْهِمَا نياحة حزنتهما حِين سمعاها فَقَالَا لَهُ مَا يبكيك قَالَ أبْكِي عَلَيْكُمَا تموتان فتفارقان مَا أَنْتُمَا فِيهِ من النِّعْمَة والكرامة فَوَقع ذَلِك فِي أَنفسهمَا ثمَّ أتاهما فوسوس إِلَيْهِمَا فَقَالَ {يَا آدم هَل أدلك على شَجَرَة الْخلد وَملك لَا يبْلى} {وَقَالَ مَا نهاكما رَبكُمَا عَن هَذِه الشَّجَرَة إِلَّا أَن تَكُونَا ملكَيْنِ أَو تَكُونَا من الخالدين وقاسمهما إِنِّي لَكمَا لمن الناصحين} أَي تَكُونَا ملكَيْنِ أَو تخلدان إِن لم تَكُونَا ملكَيْنِ فِي نعْمَة الْجنَّة فَلَا تموتان قَالَ الله تَعَالَى {فدلاهما بغرور} قا ل ابْن جرير حَدثنِي يُونُس أَنبأَنَا ابْن وهب قَالَ قَالَ أَبُو زيد وسوس الشَّيْطَان إِلَى حَوَّاء فِي شَجَرَة حَتَّى أَتَى بهَا إِلَيْهَا ثمَّ حسنها فِي عينهَا ثمَّ حسنها فِي عين آدم قَالَ فَدَعَاهَا آدم لحَاجَة قَالَت لَا إِلَّا أَن تَأتي هَهُنَا فَلَمَّا أَتَى قَالَت لَا إِلَّا أَن تَأْكُل من هَذِه الشَّجَرَة فَأكل مِنْهَا فبدت لَهما سوآتهما قَالَ وَذهب آدم هَارِبا فِي الْجنَّة فناداه ربه يَا آدم مني تَفِر قَالَ لَا يَا رب وَلَكِن حَيَاء مِنْك قَالَ يَا آدم أَنِّي أتيت قَالَ من قبل حَوَّاء يَا رب فَقَالَ تَعَالَى فَإِن لَهَا على أَن أدميها فِي كل شهر مرّة وَأَن أجعلها سَفِيهَة فقد كنت خلقتها حليمة وَأَن أجعلها تحمل كرها وتضع كرها فقد كنت جَعلتهَا تحمل يسرا وتضع يسرا قَالَ أَبُو زيد وَلَوْلَا البلية الَّتِي أَصَابَت حَوَّاء لَكَانَ نسَاء الدُّنْيَا لَا يحضن وَكن حليمات وَكن يحملن يسرا ويضعن يسرا فَلَمَّا أكل آدم وحواء من الشَّجَرَة أخرجهُمَا الله من الْجنَّة وسلبهما كل ماكانا فِيهِ من النِّعْمَة والكرامة وأهبطهما وعدويهما إِبْلِيس والحية فَقَالَ تَعَالَى {اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عَدو} وَهَذَا قَول ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود فِي آخَرين من الصَّحَابَة وَغَيرهم من التَّابِعين فِي قَوْله تَعَالَى {اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عَدو} لآدَم وحواء وإبليس والحية قَالَ ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وأناس من اصحاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فلعن الْحَيَّة وَقطع قَوَائِمهَا وَتركهَا تمشي على بَطنهَا وَجعل رزقها فِي التُّرَاب

ص: 264

الِاخْتِلَاف على جنَّة آدم

فصل اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي الْجنَّة الَّتِي ادخلها آدم هَل هِيَ فِي السَّمَاء أَو فِي الأَرْض وَإِذا كَانَت فِي السَّمَاء هَل هِيَ جنَّة الْخلد أَو جنَّة أُخْرَى فالجمهور على أَنَّهَا هِيَ الَّتِي فِي السَّمَاء وَهِي جنَّة المأوى لظَاهِر الْآيَات وَالْأَحَادِيث كَقَوْلِه تَعَالَى {وَقُلْنَا يَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} وَالْألف وَاللَّام لَيست للْعُمُوم وَلَا لمعهود لَفْظِي وَإِنَّمَا تعود على مَعْهُود ذهني وَهُوَ المستقر شرعا من جنَّة المأوى وكقول مُوسَى لآدَم عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام اخرجتنا ونفسك من الْجنَّة وروى مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي مَالك الْأَشْجَعِيّ واسْمه سعد بن طَارق عَن أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يجمع الله النَّاس فَيقوم الْمُؤْمِنُونَ حِين تزلف لَهُم الْجنَّة فَيَأْتُونَ آدم فَيَقُولُونَ يَا أَبَانَا استفتح لنا الْجنَّة فَيَقُول وَهل اخرجكم من الْجنَّة إِلَّا خَطِيئَة أبيكم وَرَوَاهُ مُسلم أَيْضا من حَدِيث أبي مَالك عَن ربعي عَن حُذَيْفَة وَهَذَا فِيهِ قُوَّة جَيِّدَة ظَاهِرَة فِي الدّلَالَة على أَنَّهَا جنَّة المأوى وَقَالَ آخَرُونَ بل الْجنَّة الَّتِي أسكنها آدم لم تكن جنَّة الْخلد لِأَنَّهُ كلف فِيهَا أَن لَا يَأْكُل من تِلْكَ الشَّجَرَة وَلِأَنَّهُ نَام فِيهَا وَأخرج مِنْهَا وَدخل عَلَيْهِ إِبْلِيس فِيهَا وَهَذَا مِمَّا يُنَافِي أَن تكون جنَّة المأوى وَهَذَا القَوْل محكي عَن أبي بن كَعْب وَعبد الله بن عَبَّاس ووهب ابْن مُنَبّه وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَاخْتَارَهُ ابْن قُتَيْبَة فِي المعارف وَالْقَاضِي مُنْذر ابْن سعيد البلوطي فِي تَفْسِيره وَحَكَاهُ عَن أبي حنيفَة الإِمَام وَأَصْحَابه وَنَقله أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عمر الرَّازِيّ عَن أبي الْقَاسِم وَأبي مُسلم الْأَصْبَهَانِيّ وَنَقله الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِيره عَن الْمُعْتَزلَة والقدرية وَحكى الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي الْملَل والنحل وَأَبُو مُحَمَّد بن عَطِيَّة فِي تَفْسِيره وَأَبُو عِيسَى الرماني فِي تَفْسِيره وَحكى عَن الْجُمْهُور الأول وَأَبُو الْقَاسِم الرَّاغِب وَالْقَاضِي الْمَاوَرْدِيّ فِي تَفْسِيره فَقَالَ وَاخْتلف فِي الْجنَّة الَّتِي أسكنها يَعْنِي آدم وحواء على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا إِنَّهَا جنَّة الْخلد وَالثَّانِي أَنَّهَا جنَّة أعدهَا الله تَعَالَى لَهما وَجعلهَا دَار ابتلاء وَلَيْسَت جنَّة الْخلد الَّتِي جعلهَا

ص: 265

دَار جَزَاء وَمن قَالَ بِهَذَا القَوْل اخْتلفُوا على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا إِنَّهَا فِي السَّمَاء لِأَنَّهُ أهبطهما مِنْهَا وَهَذَا قَول الْحسن وَالثَّانِي أَنَّهَا فِي الأَرْض لِأَنَّهُ امتحنهما فِيهَا بِالنَّهْي عَن الشَّجَرَة الَّتِي نهيا عَنْهَا دون غَيرهَا من الثِّمَار وَهَذَا قَول ابْن يحيى وَكَانَ ذَلِك بعد أَمر إِبْلِيس بِالسُّجُود لآدَم وَالله أعلم بصواب ذَلِك هَذَا كَلَامه فقد تضمن كَلَامه حِكَايَة ثَلَاثَة أَقْوَال وَكَلَامه مشْعر بِالْوُقُوفِ وَلِهَذَا حكى الرَّازِيّ فِي تَفْسِيره أَرْبَعَة أَقْوَال وَجعل الْوَقْف هُوَ الرَّابِع وَحكى القَوْل بِأَنَّهَا فِي السَّمَاء وَلَيْسَت جنَّة المأوى عَن أبي عَليّ الجبائي وَقد أورد أَصْحَاب القَوْل الثَّانِي سؤالا يحْتَاج مثله إِلَى جَوَاب فَقَالُوا لَا شكّ أَن الله تَعَالَى طرد إِبْلِيس حِين امْتنع من السُّجُود عَن الحضرة الإلهية وَأمره بِالْخرُوجِ عَنْهَا والهبوط مِنْهَا وَهَذَا الْأَمر لَيْسَ من الْأَوَامِر الشَّرْعِيَّة بِحَيْثُ يُمكنهُ مُخَالفَته وَإِنَّمَا هُوَ أَمر قدري لَا يُخَالف وَلَا يمانع وَلِهَذَا قَالَ {فَاخْرُج مِنْهَا فَإنَّك رجيم} وَالضَّمِير عَائِد إِلَى الْجنَّة أَو السَّمَاء أَو الْمنزلَة وأيا مَا كَانَ فمعلوم أَنه لَيْسَ لَهُ الْكَوْن قدرا فِي الْمَكَان الَّذِي طرد عَنهُ وَأبْعد مِنْهُ لَا على سَبِيل الِاسْتِقْرَار وَلَا على الْمُرُور والاجتياز قَالُوا وَمَعْلُوم من سياقات الْقُرْآن أَنه وسوس لآدَم وخاطبه بقوله {هَل أدلك على شَجَرَة الْخلد وَملك لَا يبْلى} وَبِقَوْلِهِ {مَا نهاكما رَبكُمَا عَن هَذِه الشَّجَرَة} إِلَى قَوْله {بغرور} وَهَذَا ظَاهر فِي اجتماعه مَعَهُمَا فِي جنتهما وأجيبوا عَن هَذَا بِأَنَّهُ لَا يمْتَنع أَن يجْتَمع بهما فِي الْجنَّة على سَبِيل الْمُرُور لَا على سَبِيل الِاسْتِقْرَار بهَا أَو أَنه وسوس لَهما وَهُوَ على بَاب الْجنَّة أَو من تَحت السَّمَاء وَفِي الثَّالِثَة نظر وَالله أعلم وَمِمَّا احْتج بِهِ أَصْحَاب هَذِه الْمقَالة مَا رَوَاهُ عبد الله بن الإِمَام أَحْمد فِي الزِّيَادَات عَن هدبة ابْن خَالِد عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن حميد عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن يحيى بن ضَمرَة عَن أبي بن كَعْب قَالَ إِن آدم لما احْتضرَ اشْتهى قطفا من عِنَب الْجنَّة فَانْطَلق بنوه ليطلبوه فلقيتهم الْمَلَائِكَة فَقَالُوا أَيْن تُرِيدُونَ يَا بني آدم فَقَالُوا إِنَّا أَبَانَا اشْتهى قطفا من عِنَب الْجنَّة فَقَالُوا لَهُم ارْجعُوا فقد كفيتموه فَانْتَهوا إِلَيْهِ فقبضوا روحه وغسلوه وحنطوه وكفنوه وَصلى عَلَيْهِ جِبْرِيل عليه الصلاة والسلام وَالْمَلَائِكَة وَبَنوهُ خلف الْمَلَائِكَة ودفنوه وَقَالُوا هَذِه سنتكم فِي مَوْتَاكُم قَالُوا فلولا أَن الْوُصُول إِلَى الْجنَّة الَّتِي كَانَ فِيهَا آدم الَّتِي

ص: 266