الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: فيما علم كذبه من الأخبار بالنظر إلى أمور خارجة عنه
وهو قسمان: وزاد الإمام قسمًا ثالثًا:
وهو: ما نقل عنه، صلى الله عليه وسلم، بعد استقرار الأخبار.
ثم فتش عنه، فلم يوجد في بطون الصحف، ولا في صدور الرواة.
واستشكل: بأن عدم الوجدان يفيد الظن دون القطع.
قلت: فلعل المصنف تركه لذا، والله أعلم.
الأول: ما علم خلافه: إما ضرورة، مثل قول القائل: النقيضان يجتمعان.
أو استدلالًا: كالخبر المخالف لما علم صدقة من خبر الله- تعالى- نحو قول الفلسفي: العالم قديم، فهذا مقطوع بكذبه.
الثاني: ما لو صح، أي الخبر الذي لو صح لتوفرت الدواعي على نقله، إما لغرابته: كسقوط الخطيب عن المنبر يوم الجمعة.
أو لتعلقه: بأصل من أصول الدين، كالنص على إمامة علي -
رضي الله عنه- فعدم تواتره يدل على عدم صحته لمخالفته للعادة.
فإنا نجد من أنفسنا العلم بكذبه قطعًا.
ولولا أن هذا الأصل مذكور في العقول لما قطعنا بكذب من ادعى أن بين مكة والمدينة أكبر منهما.
ولما علمنا نفيها، لكنا نعلم النفي قطعًا، ولا مستند لهذا العلم إلا عدم النقل المتواتر.
وإليه أشار بقوله: «كما يعلم أن لا بلد بين مكة والمدينة أكبر منهما، إذ لو كان لنقل» .
وادعت الشيعة: «أنا لا نقطع بكذبه» لتجويز العقل صدقه.
وقالوا: إن النص دل على إمامة علي- كرم الله وجهه- نحو: «أنت الخليفة من بعدي» . ولم يتواتر، كما لم يتواتر غيره من الأمور
المهمة؛ لأن الحوامل المقدرة على كتمان الأخبار كثيرة لا يمكن ضبطها فكيف الجزم بعدمها.
ومع جوازها لا يحصل الجزم.
فمن ذلك الإقامة فإنه تعم به البلوى، وتمس الحاجة إليها، ونقل آحادًا إفرادها وتثنيتها.
وقراءة التسمية في الصلاة وتركها.
وكذلك معجزات الرسول- صلى الله عليه وسلم كانشقاق القمر، وتسبيح الحصى في يده، ومشي الشجر ونحوها. فلم ينقل متواترًا بل آحادًا.
قلنا: الأولان: وهما الإقامة والتسمية من الفروع.
ولا كفر ولا بدعة في مخالفتهما، وإن كان المخالف فيهما مخطئًا. فليست مما ذكرنا، لعدم توفر الدواعي على نقلها، بخلاف الإمامة، فإنها من أصول الدين، ومخالفتها فتنة وبدعة. وهنا تحقيق في الشرح.
وأما تلك المعجزات: فلقلة المشاهدين عدم التواتر، وهي غير محل النزاع، مع أنا لا نسلم أنها مما تتوفر الدواعي على نقلها، فإنها إنما تنقل لتستمر بين الناس، وقد استغنى عنها وعن استمرارها بالقرآن العظيم، الباقي على وجه كل زمان، الدائر على كل لسان في كل مكان.
بخلاف ما يذكر في إمامة علي- رضي الله عنه فإنه لا يعرف، ولو كان لما خفي على الصحابة الذين بايعوا أبا بكر.
وهنا تحقيقات حسنة مع فوائد في الأصل.
مسألة
بعض ما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كذب لقوله- صلى الله عليه وسلم: «سيكذب علي» .
فإن كان قال ذلك فلا بد من وقوعه، وإلا ففيه كذب عليه. وفيه نظر مبين في الأصل.
وأيضًا: لأن منها أي من الأخبار المنسوبة له- صلى الله عليه وسلم ما لا يحتمل التأويل.
وهو معارض للدليل العقلي فيمتنع صدوره عنه- صلى الله عليه وسلم لعصمته عن قول الباطل.
وحديث: «سيكذب علي» .
قال الزركشي: لا يعرف بهذا اللفظ، ولعله مروي بالمعنى مما رواه مسلم مرفوعًا: «يكون في آخر الزمان دجالون كذابون، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم لا
يضلونكم».
وسببه، أي سبب وقوع الكذب، نسيان الراوي، بأن سمع خبرًا وطال عهده به، فنسي، فزاد أو نقص، أو عزاه للنبي- صلى الله عليه وسلم وليس من كلامه.
أو غير معناه أو غلطه، بأن أراد أن ينطق بلفظ، فسبق لسانه إلى غيره ولم يشعر.
أو كان يرى جواز النقل بالمعنى، فأبدل مكان اللفظ المسموع، لفظًا آخر لا يطابقه، ظانًا المطابقة.
أو افتراء الملاحدة، أي الزنادقة، وغيرهم من الكفار، فإنهم وضعوا أحاديث تخالف المعقول لتنفير العقلاء عن شريعته المطهرة.
أو وضع الحديث للترغيب والترهيب، أو للارتزاق والاحتراف، أو
والاحتساب وطلب الأجر أو الانتصار لآرائهم.
* * *