المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الأولى: في كيفية ألفاظ الصحابي في نقل الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم - تيسير الوصول إلى منهاج الأصول - جـ ٤

[ابن إمام الكاملية]

الفصل: ‌المسألة الأولى: في كيفية ألفاظ الصحابي في نقل الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم

على كتاب الله- تعالى- وبه قال الشافعي- رضي الله تعالى عنه- خلافًا لعيسى بن أبان.

وأما الشرط الثالث الذي في الخبر: وهو صيغة الرواية. ففيه، أي في هذا القسم مسائل خمس:

‌المسألة الأولى: في كيفية ألفاظ الصحابي في نقل الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم

فنقول:

لألفاظ الصحابي في نقل الأخبار سبع درجات:

ص: 363

الأولى وهي أعلاها: حدثني رسول الله- صلى الله عليه وسلم ونحوه.

كقوله: شافهني أو أخبرني، أو أنباني، أو سمعته يقول، أو رأيته يفعل كذا.

وإنما كانت أعلا الدرجات لكون هذه الصيغ نصوصًا في عدم الواسطة والاتصال.

الثانية: أن يقول الصحابي: قال الرسول- صلى الله عليه وسلم وهي دون الأولى، لاحتمال التوسط بينه وبين النبي- صلى الله عليه وسلم.

والصحيح: الاحتاج بها، حملًا على سماعه منه؛ لأن الظاهر أنه لا يجزم بذلك إلا وقد سمعه منه.

ص: 364

الثالثة: أن يقول: أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم بكذا أو نهى عن كذا.

وهي دون الثانية، لاحتمال التوسط، كما في الثانية، واختصاصها باحتمال اعتقاد ما ليس بأمر أمرًا، لاختلاف الناس في صيغ الأمر.

واحتمال العموم والخصوص؛ لأنه مطلق يحتمل أن يكون أمرًا للكل وللبعض.

وعلى التقديرين محتمل الدوام واللادوام.

والجمهور على قبول "أَمَرَ" لأن الصحابي عدل عارف باللسان، فلا يطلق ذلك إلا بعد التحقق.

ص: 365

وتوقف الإمام في القبول.

وضعف صاحب الحاصل: كونها حجة.

ولا شك أن قول الصحابي "سمعته" عليه الصلاة والسلام" "أمر أو نهى" أقوى من قوله: "أمر" لاحتمال انتفاء التوسط.

وجعل في جمع الجوامع المرتبة الثالثة والرابعة: أن يبنى الصيغة للمفعول، فيقول أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، أو أوجب، أو حرم، أو رخص.

وهو حجة عند الشافعي- رضي الله عنه والأكثرين لأن من طاوع أميرًا والتزم طاعته إذا قاله، أي قال: أمرنا بكذا، فهم منه أمره- أي: أمر ذلك الأمير- فكذا هنا.

ولأن غرضه- أي غرض الصحابي- في قوله: أمرنا، بيان

ص: 366

الشرع.

وتعليمنا إياه، فيحمل على من يصدر عنه الشرع، ويتعين أن يكون أمرًا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم دون الأئمة والولاة، لأن لأمره- تعالى- ظاهر، لا يتوقف على إخبار الصحابي، ولا يكون عن الإجماع؛ لأن الصحابي من الأمة، فلا يأمر نفسه.

وهذه دون ما قبلها لمساواتها لها في الاحتمالات مع اختصاصها باحتمال: أن لا يكون ذلك الأمر صادراً عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم.

ويكون الآمر والناهي بعض الولاة، والإيجاب والحريم والترخيص استنباطًا من قائله.

ولأجل هذا الاحتمال المرجوح نقل عن الكرخي، والصيرفي

ص: 367

أنها مترددة بين أمره خاصة، وأمر كل الأمة وأمر بعض الولاة.

الخامسة: أن يقول الصحابي: "من السنة كذا"

فالأكثر على أن ذلك مرفوع، وهو أصح قولي الشافعي رضي الله تعالى عنه؛ لأنه المتبادر عند الإطلاق.

وقد نقل سالم التابعي أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة عن الصحابة أنهم إذا أطلقوا السنة لا يريدون بذلك إلا سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وكانت هذه دون ما قبلها، إذ فيها الاحتمالات المذكورة مع احتمال آخر

ص: 368

وهو: أن يكون المراد به سنة- لغير رسول الله- صلى الله عليه (وسلم)؛ لأن السنة لغة: الطريقة كما مر.

السادسة: أن يقول: عن النبي- صلى الله عليه وسلم وهي محمولة على السماع، عند المصنف.

وصححه ابن الصلاح، والصفي الهندي وغيره لظهوره في السماع عنه أيضًا.

وإن كانت دون ما قبلها لكثرة استعمالها في التوسط.

وقيل: للتوسط، فلا يحمل على السماع لما تقدم. قلت: وإن كانت للتوسط فيقبل، والله أعلم.

السابعة: قول الصحابي: كنا نفعل في عهده- صلى الله عليه وسلم فيقبل ذلك على الصحيح؛ لأن الظاهر إطلاعه- صلى الله

ص: 369

عليه وسلم- على ذلك لتوفر دواعيهم على سؤاله عن أمور دينهم، ولأن ذلك الزمان زمان نزول الوحي، فلا يقع من الصحابة فعل شيء ويستمرون عليه إلا وهو غير ممنوع الفعل.

وقد استدل جابر وأبو سعيد- رضي الله عنهما على جواز العزل بأنه كانوا يفعلونه والقرآن ينزل، ولو كان مما ينهى عنه لنهى عنه القرآن.

ص: 370

وهذه دون ما قبلها للاحتمالات السابقة، وتختص بأنها ليست دالة على إضافة الحكم إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم وكلام المصنف يقتضي أن الاحتجاج بها يتوقف عن تقييده بعهد الرسول- صلى الله عليه وسلم وهو الذي جزم به ابن الصلاح.

وقال بعض المتأخرين: فإنه لا خلاف فيما إذا قال: "كنا نفعل" ولم يضفه لعهد النبي- صلى الله عليه وسلم في أنه موقوف.

ص: 371

وفيه نظر: فإن مقتضى كلام الإمام الرازي والآمدي الرفع في هذه أيضًا. وبه صرح أبو عبد الله الحاكم، وحكاه النووي عن كثير من الفقهاء، وقال: إنه قوي من حيث المعنى. وهنا فوائد نفيسة في الشرح.

الثانية: في كيفية رواية غير الصحابي عن الشيخ الراوي.

ص: 372

يجوز لغير الصحابي، أن يروي الحديث عن الشيخ إذا سمع ذلك الحديث من لفظ الشيخ، وسواء كان ذلك إملاء منه والسامع يكتبه حالة الإملاء، أو تحديثًا مجردًا عن الإملاء، (وسواء كان ذلك) من حفظ الشيخ أو كتابه، وسواء سمع وحده أو في جمع.

ثم إن قصد الشيخ إسماعه، فله أن يقول: حدثني وأخبرني، وحدثنا وأخبرنا إن كان في جمع.

وإن لم يقصد الشيخ إسماعه، فلا يقول: حدثني وأخبرني، بل يقول: حدث أو أخبر أو سمعته يقول أو يحدث عن كذا؛ لأن الشيخ لم يخبره ولم يحدثه، وهذه الدرجة أعني سماع الشيخ أعلى الطرق.

الثانية: قراءته على الشيخ، وهو ساكت يسمع.

وإليه أشار بقوله: أو قرأ، أي: غير الصحابي عليه أي: على الشيخ، ويقول القارئ للشيخ بعد القراءة أو قبلها: هل سمعت هذا الحديث؟ فيقول الشيخ: نعم.

أو الأمر كما قرئ علي، وحينئذ للراوي أن يقول هنا أيضًا: حدثني، أو أخبرني، أو سمعته، كما قال في المحصول.

ص: 373

وقد عرض ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم شعائر الإسلام التي سمعها من رسوله، وهو يصدقه على ذلك.

وكان الناس يذكرون للصحابة- رضي الله عنهم الأحكام فيقرون الحق وينكرون الباطل.

وشرط إمام الحرمين: في صحة التحمل أن يكون بحيث لو فرض

ص: 374

من القارئ لحن أو تصحيف لرده الشيخ ويسمى هذا "عرضًا"؛ لأن القارئ يعرض على الشيخ ما يقرؤه.

وتقديم المصنف السماع من لفظ الشيخ على القراءة عليه هو الصحيح.

الثالثة:

القراءة على الشيخ وهو ساكت، وإليه أشار بقوله:"أو سكت" وظن إجابته عند المحدثين.

فإذا قرأ على الشيخ وهو ساكت، ويقول القارئ للشيخ هل سمعت؟ فيشير برأسه، أو كأصبعه، فتكون الإشارة هنا بمنزلة التصريح في وجوب العمل به دون صيغة الرواية، فلا يجوز له أن يقول: حدثني أو أخبرني، أو سمعته.

ص: 375

لأنه ما سمع شيئًا ولم يخبره، بل يقول: حدثني قراءة عليه، فإن لم يشر بشيء فههنا إن غلب على الظن في عرف المحدثين أنه ما سكت إلا لأن الأمر كما قرئ عليه وذلك لقرينة، وإلا لأنكره.

فللسامع مع العمل به جواز روايته عند عامة المحدثين والفقهاء، وصححه ابن الحاجب، إلا أنه يقال في الرواية: أخبرني قراءة عليه.

وصحح الغزالي: والآمدي تبعًا للمتكلمين المنع.

الرابعة:

ص: 376

الكتابة، وإليه أشار بقوله: أو كتب الشيخ: حدثنا فلان، ويذكر الحديث، فللمكتوب إليه أن يعمل بكتابه إن علم أو ظن أنه خط شيخه.

لكن نقول عند الرواية: أخبرني، إذ الإخبار قد يكون بالكتابة، وهذه الطريقة لا بد معها أن يقول الشيخ ارْوِ عني، وهذه دون ما قبلها.

إذ القرينة الحالية، أقوى من الكتابة.

وجعل الإمام هذه في الطريقة الثالثة.

الخامسة:

طريق المناولة: وهي أن يشير الشيخ إلى كتاب صححه الشيخ فيقول: سمعت (ما في) هذا الكتاب من فلان، أو هذا مسموعي

ص: 377

منه قرأته عليه.

وإليه أشار بقوله: "أو قال: سمعت ما في هذا الكتاب" فيجوز للسامع أن يرويه عنه، سواء ناوله الكتاب أم لا، وسواء قال له: ارْوِ عني أو لا، فالشيخ يصير بذلك محدثًا بما فيه، وللسامع أن يروي عنه ما في هذا الكتاب، سواء قال له ارْوِ عني، أو لم يقل، ويجوز أن يقول: حدثني مناولة، أو: ناولني.

وكذا إذا أطلق في الأصح.

فأما إذا قال له: حدث عني ما في هذا الكتاب، ولم يقل له: قد سمعته.

فإن الشيخ لا يصير بذلك محدثًا، وليس للسامع أن يحدث عنه، هكذا في المحصول.

قال العبري: وفيه نظر، فإنه إجازة مخصوصة، اللهم إلا أن يقول حدث ما في هذا الكتاب ولا يقول: عني.

فحينئذ يصح هذا الكلام، إذ الصادر من الشيخ جواز التحديث لا غير.

ص: 378

وإذا سمع الشيخ نسخة من كتاب مشهور فليس له أن يشير إلى نسخة أخرى من ذلك الكتاب إلا إذا علم تطابقهما.

تنبيه:

ما جزم به المصنف في هذه المسألة هو الذي في الحصول.

وهو قول جماعة من المحدثين: كابن جريج وعبيد الله بن عمر، وقطع به ابن الصباغ.

ص: 379

وعزاه القاضي عياض للأكثرين.

لكن قال الغزالي: ليس له رواية عنه بمجرد ذلك، وعليه كثير من المحدثين، وهو مقتضى كلام الآمدي، واختاره ابن الصلاح.

السادسة:

الإجازة من الشيخ، وإليه أشار بقوله:"أو يجيز له" أي: الشيخ.

والإجازة أقسام:

أحدها: أن يكون المجاز له معينًا، والمجاز به معينًا، كأجزت لك أو لفلان- ويرفع في نسبه بما يميزه عن غيره- أن يروي الكتاب الفلاني.

ويليه: أن يجيز لخاص في عام، كأجزت لك أن تروي عني جميع مسموعاتي.

ص: 380

ويليه: الإجازة لعام في خاص، كأجزت لجميع المسلمين رواية صحيح البخاري عني.

ويليه الإجازة للمعدوم تبعًا للموجود نحو: أجزت لفلان ومن يوجد بعد ذلك من نسله.

وقد فعل ذلك أبو بكر بن أبي داود.

والجمهور على جواز الرواية بالإجازة والعمل بمقتضاها.

ص: 381

والمنع رواه الربيع عن الشافعي، وحكاه القاضي عبد الوهاب عن مالك وحكي عن أبي حنيفة رضي الله عنهم. وقال ابن حزم: إنها بدعة غير جائزة، وإيضاحه في الشرح مع زيادات حسنة.

انتهى بحمد الله تعالى الجزء الرابع، ويتلوه إن شاء الله تعالى الجزء الخامس، وأوله:

الثالثة

ص: 382