الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: في المبين
بفتح الياء من قولك: بينت الشيء، تبيينًا، أي أوضحته.
والبيان يطلق على فعل المبين، وهو التبيين.
وعلى ما حصل بن التبيين وهو الدليل، وعلى متعلق التبيين، ومحله، وهو المدلول.
وبالنظر إلى المعاني الثلاثة اختلف في تفسيره وهو مبين في
الشرح.
وهو أي المبين: إما الواضح بنفسه لعدم توقف إفادته على غير لغة.
أو الواضح بغيره لتوقف إفادة المراد على الغير.
فالأول مثل قوله تعالى: {والله بكل شيء عليم} فإن إفادته شمول علمه جميع الأشياء باللغة.
والثاني مثل قوله تعالى: {واسأل القرية} .
فإن المراد منه سؤال أهل القرية، وهو غير واضح بنفسه؛ إذ اللغة لا تكفي في إثباته، بل العقل يوضحه ويبينه.
فإن حقيقة هذه اللفظة من جهة اللغة إنما هو طلب السؤال من الجدران، والعقل صرفنا عن ذلك لاستحالته، وبين أن المراد به الأهل.
فيكون في كلام المصنف لف ونشر، كما شرحه به الجاربردي والعبري، والإسفرايني وغيرهم.
قال العراقي: وهو وهم وليس كذلك، بل هو مثال آخر للواضح بنفسه.
وكذا قال غيره، وهو ظاهر كلام المحصول.
قال: ويجب حمل كلام المصنف عليه؛ لأنه قسم ذلك الغير في المسألة الآتية إلى القول والفعل فقط.
فلو كان مثالًا له لكان انحصاره في القسمين باطلًا؛ لأن المببين فيه ليس واحدًا منهما بل العقل.
وعلى هذا فالواضح بغيره: هو ما يتوقف فهم المعنى منه على انضمام غيره إليه.
فلو أخر المصنف قوله: أو بغيره، لكان أولى.
وذلك الغير، وهو الدليل الذي حصل به الإيضاح، يسمى مبينًا بكسر الياء، وله أقسام تأتي.
وفيه أي في المبين -بكسر الياء -مسألتان، وفي بعض النسخ وفيه مسائل ولعله جعل «التنبيه» الثالثة.
أو أطلق الجمع على الاثنين مجازًا.
الأولى
أنه أي المبين -بكسر الياء -قد يكون قولًا من الله تعالى.
وقد يكون قولًا من الرسول صلى الله عليه وسلم -وقد يكون فعلًا منه صلى الله عليه وسلم.
فالأول كقوله تعالى: {صفراء فاقع لونها} فإنه بيان لقوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} .
ومثال الثاني: قول عليه الصلاة والسلام: «فيما سقت السماء العشر» رواه أبو داود والنسائي،
وهو بعض حديث في البخاري فإنه مبين للحق المذكور، في قوله تعالى:{وآتوا حقه يوم حصاده} .
ومثال الثالث: صلاته صلى الله عليه وسلم -فإنه بيان لقوله تعالى: {وأقيموا الصلاة} .
فلهذا قال: عليه الصلاة والسلام: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ، رواه البخاري.
وحجه صلى الله عليه وسلم -فإنه بيان لقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت} ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «خذوا عني مناسككم» رواه مسلم.
وغير ذلك من أفعاله، صلى الله عليه وسلم.
وقيل: الفعل لا يكون بيانًا.
فإنه أدل، يعني أن الفعل أوضح دلالة على المقصود، ولهذا روي عنه صلى الله عليه وسلم -أنه قال:«ليس الخبر كالمعاينة» .
أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه والطبراني في الأوسط.
فالمشاهدة أوضح، فإذا جاز بيانه بالقول، فبالفعل أولى.
فإن قلت: إنما حصل البيان بقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» و «خذوا عني مناسككم» لا بالفعل.
فالجواب أن البيان بالفعل، وذلك بيان كون الفعل بيانًا، لا أنه هو المبين.
قال القاضي في التقريب: فلو قال: القصد بما كلفتم بهذه الآية ما أفعله، ثم فعل فعلًا، فلا خلاف أنه يكون بيانًا.
وفي المحصول: يعلم كون الفعل بيانًا للمجمل (بأن يعلم ذلك بالضرورة من قصده، أو يقول: هذا الفعل بيانًا للمجمل).
أو بالدليل العقلي، وهو أن يذكر المجمل وقت الحاجة إلى العمل به، ثم يفعل فعلًا يصلح أن يكون بيانًا له.
ولا يفعل شيئًا آخر، فيعلم أن ذلك الفعل بيان له، وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وما يقال: إن الترك من الرسول صلى الله عليه وسلم -قد
يكون بيانًا، كتركه التشهد الأول، فإنه بيان لعدم وجوبه.
وهذا القسم لم يذكره المصنف.
فجوابه أن الترك داخل في قسم الفعل -كما تقدم -.
تنبيه:
كما انقسم المجمل: إلى المفرد والمركب، فكذا مقابله المبين.
قد يكون في مفرد، وقد يكون في مركب، وقد يكون في فعل.
وقد يكون فيما سبق له إجمال، وهو ظاهر، وقد يكون ولم يسبق إجمال.
فإن اجتمعا، أي القول والفعل، وتوافقا في الدلالة على حكم واحد، فالسابق هو المبين قولًا كان أو فعلًا لحصول البيان به، والثاني تأكيد له.
ولا فرق في ذلك بين العلم بالسابق، وجهله على الأصح.
وإن اختلفا كما روي عنه عليه الصلاة والسلام: «من قرن الحج إلى العمرة فليطف لهما (طوافًا واحدًا» .
مع ما روي أنه صلى الله عليه وسلم -قرن فطاف لهما) طوافين.
فالقول هو المأخوذ به على الأصح تقدم أو تأخر، أو لم يعلم؛ لأنه يدل بنفسه، والفعل لا يدل إلا بواسطة أحد الأمور الثلاثة
المتقدمة.
فإن قلت: كيف الجمع بين قوله: فإنه أدل، يعني الفعل.
وقوله: فالقول أنه يدل بنفسه.
أجيب: بأن الفعل أقوى من جهة المعاينة والمشاهدة.
والقول أدل لعدم احتياجه إلى الفعل.
وعبارة العراقي: الفعل أدل على الكيفية والقول أدل على الحكم.
تنبيه:
إذا كان المجمل معلومًا، فحكى القاضي أبو بكر عن الجمهور أنه يجوز أن يكون المبين له مظنونًا، واختاره هو والإمام الرازي.
وقيل: إن البيان يجب أن يكون أقوى دلالة من المبين.
وقال المحقق شرحًا لكلام ابن الحاجب: قد اختلف في وجوب زيادة قوة البيان على قوة المبين.
والأكثر على وجوب كونه أقوى.
وقال الكرخي: يلزم المساواة، أقل ما يكون.
وقال أبو الحسين: يجوز الأدنى.
ثم قال: هذا كله في الظاهر.
وأما في المجمل فيكفي في بيانه أدنى دلالة ولو مرجوحًا، إذ لا تعارض وهذا ما قاله الآمدي: إن المبين إن كان مجملًا كفى في تعيين أحد احتماليه أدنى ما يفيد التوضيح.
وإن كان عامًا أو مطلقًا لا بد أن يكون المخصص أو المقيد أقوى.
الثانية
لا يجوز تأخيره، أي: البيان -عن وقت الحاجة وهو وقت تنجيز التكليف فالمراد بالحاجة: الإتيان بما كلف به لا إلا التكليف؛ لأنه تكليف بما لا يطاق.
لأن الإتيان بالشيء مع عدم العلم به محال.
ومن هنا تعلم أن المصنف يختار عدم جواز تكليف الغافل، ولا ينافيه مفهوم قوله فيما سبق: «لا يجوز تكليف الغافل من أحال تكليف المحال، لأن مفهومه صادق بأن من جوز تكليف المحال؛ بعضهم يجوز تكليف الغافل، وبعضهم يمنعه، وتقدم.
ويجوز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة.
ومنعت المعتزلة ذلك.
قال في المحصول: إلا في النسخ، فإنهم وافقوا على جواز تأخيره.
وحكى الغزالي وغيره: الاتفاق عليه.
وفي كلام الإمام والآمدي ما يفهم جريان خلاف فيه قاله العراقي.
وجوز أبو الحسن البصري من المعتزلة، ومنا أي أهل السنة أو
الشافعية القفال، والدقاق وأبو إسحاق المروزي تأخير البيان التفصيلي بالبيان الإجمالي أي: مع البيان الإجمالي وقت الخطاب، ليكون مانعًا من الوقوع في الخطأ.
مثل أن يقول: المراد بهذا العام هو المخصص وبهذا المطلق هو المقيد، وبالنكرة فرد معين، وبهذا اللفظ معنى مجازي أو شرعي، وهذا الحكم سينسخ.
وقوله: «فيما عدا المشترك» متعلق باشتراط البيان فيكون عامله محذوفًا أي معنى كائنًا فيما عدا المشترك.
يعني اشتراك البيان الإجمالي حال كونه واقعًا فيما عدا المشترك.
أما المشترك وما لا ظاهر له يعمل به من المجمل، فإنه يجوز تأخير بيانه، لأن تأخيره لا: يوقع في محذور.
وقد صرح القفال في الإشارة بأنه يجوز تأخير البيان مطلقًا.
فنقل المصنف عنه التفصيل يحتمل أين يكون قولًا آخر له.
قال العراقي: وأما الدقاق فنقل عنه الأستاذ أبو إسحقاق موافقة المعتزلة، على المنع مطلقًا.
وأما أبو إسحاق، فإن أراد به المروزي -كما في المحصول فقد نقل عنه القاضي والشيخ أبو إسحاق والغزالي والآمدي موافقة المعتزلة.
وإن أراد الأستاذ فقد صرح في كتابه بموافقة الأصحاب.
قلت: جوابه كما تقدم في صاحبهما والله أعلم.
لنا: مطلقًا في التخصيص وغيره ما له ظاهر، وما ليس له ظاهر.
قوله تعالى: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه} .
ذكر البيان بثم وهي للتراخي، فالبيان متأخر عن وقت الخطاب، والبيان عام؛ لأنه مضاف، واسم الجنس المضاف يفيد العموم (كما مر) وفيه نظر مبين في الشرح.
قيل: المراد البيان التفصيلي، فلا يلزم مطلوبكم فإنه مطلق.
قلنا: تقييد بلا دليل.
ولنا خصوصًا، أي: مختصًا بالنكرة، أن المراد من قوله تعالى:{أن تذبحوا بقرة} بقرة معينة، لا أي بقرة كانت، كما هو الظاهر بدليل سؤالهم عن صافتها أولًا بقولهم:{ما هي} ؟ وثانيًا {ما لونها} .
عينها تعالى بسؤالهم فقال تعالى: {إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان} {إنها بقرة صفراء فاقع لونها} .
والضمير في السؤال ضمير المأمور بها، فكذا في الجواب.
فعلم أن المأمور بها معينة، والبيان تأخر عن وقت الخطاب حتى سألوه سؤالًا بعد سؤال فدل على الجواز.
قيل: ما ذكرتم يوجب التأخير عن وقت الحاجة فإنهم كانوا محتاجين إلى الذبح، فيكونون محتاجين إلى البيان في ذلك الوقت فيتأخر البيان عن وقت الحاجة.
فما تقتضيه الآية لا يقولون به وما يقولون به لا تقتضيه الآية.
قلنا: الأمر لا يوجب الفور.
وقد يقال: هذا الأمر يوجب الفور؛ لأنه إنما كان لفصل الخصومة بين المتنازعين في القتل، وهو المشهور في التفاسير، وفصل
الخصومة لا بد وأن يكون في الحال.
هذا وقد روى البزار في مسنده مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم -أنه قال: «إن بني إسرائيل لو أخذوا أدنى بقرة لأجزأتهم أو لأجزأت عنهم» .
ثم قال: لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد لإسناد ذكره.
وعباد أحد رواته، ضعفه أبو حاتم والنسائي.
قال ابن القطان: قد أثبت عنه يحيى بن سعيد القدر، مع حسن رأيه
فيه وتوثيقه له.
وله طريق آخر ذكره الحافظ الدارقطني في علله الكبير.
وروى الحافظ أبو محمد بن أبي حاتم في تفسيره بسنده إلى ابن عباس - رضي الله عنهما -أنه قال: «لو ذبحوا بقرة لأجزأتهم ولكن شددوا وتعنتوا بموسى فشدد الله عليهم» .
رواه عنه أبو بكر الصيرفي في الأصول بأحسن من هذا
الطريق فإن فيها السدي وهو ضعيف.
(وقد أخرجه: ابن أبي شيبة بسند صحيح موقوفًا على ابن عباس قيل):
لا نسلم أنها معينة؛ لأنها لو كانت معينة لما عنفهم الله -تعالى -وذمهم على سؤالهم، لكنه ذمهم بقوله تعالى:{فذبحوها وما كادوا يفعلون} .
قلنا: الذم إنما كان للتواني، وهو تقصيرهم بعد البيان، ولم يكن الذم على سؤالهم.
وأيضًا فإيجاب المعينة بعد إيجاب خلافه، نسخ قبل الفعل، وهو ممتنع عند الخصم.
ولنا خصوصًا على جواز إطلاق العام وإرادة الخاص من غير بيان مقترن به لا تفصيلي ولا إجمالي.
وأنه تعالى أنزل: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} .
فنقض ابن الزبعري -بكسر الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون العين مقصورًا -بالملائكة والمسيح.
وذلك أنه قال: «لأخصمن محمدًا أليس عبدت الملائكة وعبد المسيح، فيلزم أن يكون هؤلاء حصب جهنم» فنزل تخصيصه بقوله تعالى: {إن الذين سبقت لهم من الحسنى أولئك عنها مبعدون} فتأخر البيان عن وقت الخطاب وهو المطلوب.
فإن «ما» في قوله تعالى: {إنكم وما تعبدون} يتناول ذوي العلم وغيرهم، وأراد غير ذوي العلم من غير بيان.
والقصة بمعناها رواها الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما.
رواها الحاكم في مستدركه بنحوها إلا أنه ذكر أن القائل لذلك
المشركون لا ابن الزبعرى بخصوصه، وقال: صحيح الإسناد.
ورواها ابن أبي حاتم في تفسيره.
وفي رواية: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن كل من أحب أن يعبد من دون الله، فهو مع من عبده إنما يعبدون الشياطين .. » إلى آخره.
فنزلت: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} .
قيل -اعتراضًا على هذا الدليل: «ما» لا تتناولهم؛ لأنها عامة لأفراد ما لا يعقل لغة، فلا تتناول الملائكة والمسيح.
وحينئذ لا يكون نزول: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} للبيان بل زيادة في البيان لجهل المعترض.
وإن سلم أن «ما» تتناولهم، لكنهم أي: المسيح والملائكة خصوا بالعقل، فإنه قاضٍ بأن أحدًا لا يعذب بذنب أحد، وهؤلاء الملائكة والمسيح ما أمروهم بعبادتهم، وما كانوا راضين بها، والعقل كان حاضرًا معهم في وقت نزول:{إنكم وما تعبدون} فلا يكون من قبيل تأخير البيان، بل نزلت الآية تأكيدًا للعقل.
وأجيب: بأن «ما» تستعمل في ذوي العلم أيضًا تمسكًا بقوله تعالى: {والسماء وما بناها} والمراد هو الله تعالى.
ولما استشعر ضعف الجواب (لأنه مخالف لما ذكر، من أن «ما» تعم
غير ذوي العلم، واستعماله في ذوي العلم مجاز) بناه للمفعول.
وما وقع في بعض كتب الأصول من أنه صلى الله عليه وسلم -قال لابن الزبعرى: «ما أجهلك بلغة قومك ما لما لا يعقل» .
فقال الشيخ الحافظ أبو سعيد العلائي: غير صحيح.
وهنا زيادة حسنة في الأصل.
وأشار المصنف إلى جواب الثاني: وهو قولهم: وإن سلم إلى آخره، بقوله: وإن عدم رضاهم إنما يعرف بالنقل.
يعني أن العقل إنما يحكم بعدم تعذيبهم بجريمة الغير، إذا علم
عدم رضاهم بعبادتهم، وعدم رضاهم إنما يعرف بالنقل، وهو قوله تعالى:{إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} الآية. فيتأخر البيان، وهو المطلوب.
لا يقال: هذا الجواب بناء على أن عصمة الأنبياء ثابتة بالسمع، والمعتزلة يقولون بالعقل فلا يستقيم الرد عليهم بذلك.
لأنا نقول: إثباته بالسمع بالدليل يصحح الرد عليهم.
قيل: من جهة أبي الحسين البصري: المشترط البيان الإجمالي فيما له ظاهر تأخير البيان فيما له ظاهر لم يرده الشارع يؤدى إلى مسارعة المكلف إلى الظاهر، وذلك إغواء للمكلف وإضلال له، ولا يقع ذلك من الشارع.
وفي نسخة إغراء -بالراء المهملة -أي حاملًا له عليه وهو إيقاع في الجهل.
قلنا: كذلك ما يوجب الظنون الكاذبة من الخطاب مثل قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} و {يد الله فوق أيديهم} فإنها لا يراد ظاهرها، فيلزم أن يكون إغواء على قولكم، وأنه ليس بإغواء إجماعًا، فكذا الأول.
وقد تقدم في منع الخطاب بالمهمل زيادة تحقيق تأتي هنا.
قيل: من جهة من منع تأخير البيان عن الخطاب الذي ليس له ظاهر كالمشترك، والذي له ظاهر.
ولكن امتنع الأخذ به لاقترانه بالدليل الإجمالي.
بأن الخطاب بذلك لا يحصل المقصود، فامتنع كالخطاب بلغة لا تفهم كمخاطبة العربي بالعجمي؛ لأن الخطاب يستلزم التفهيم؛ لأن حقيقته توجيه الكلام إلى المخاطب لأجل التفهيم.
قلنا: الخطاب بما لا يفهمه السامع، لا يفيد غرضًا إجماليًا. ولا تفصيليًا بخلاف الأول، وهو الخطاب بالمجمل، فإنه يفيد غرضًا إجماليًا.
فإذا قال: ائتني بعين، أفاد الأمر بواحد من مسميات العيون، فيتهيأ للعمل بعد البيان، وتظهر طاعته بالبشر وعصيانه بالكراهة.
وكذا إذا قال: اقتلوا المشركين، أو قال: هذا العام مخصوص (وإلى هذا أشار المصنف بقوله: «يفيد غرضًا إجماليًا»).
تنبيه:
يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم -إذا أتاه وحي أو نزل عليه قرآن
-
تأخير التبليغ عن أمته إلى وقت الحاجة.
لأنا نقطع بأنه لا استحالة فيه، ولأنه يجوز أن يكون في تأخيره مصلحة يعلمها الله تعالى. وقوله تعالى:{يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك} لا يوجب الفور، لأنه أمر، والأمر لا يوجب الفور كما مر.
وقيل: لا يجوز تأخير التبليغ، لهذه الآية، وقد عرفت الجواب.
فائدة:
يجوز إسماع العام الداخل تحت العموم، مع عدم إسماع المخصص له
إلى وقت الحاجة.