الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} (1). وقال جل شأنه: {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} (2). وقال جل شأنه في بيان شح الإنسان وبخله: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} (3).
2 - أثر ثقة المسلم بالله في التكفل بالرزق:
إن ثقة المسلم بالله تعالى أنه المتكفل برزقه لها الكثير من الآثار الطيبة، ومن أبرز ذلك:
أ - تحري الحلال في كسب الرزق:
فطالما علم المسلم أن رزقه بيد الله عز وجل، ووثق أن الله ضامن له رزقه فإنه بلا شك سيجتهد في تحري الحلال في طلب الرزق؛ قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (4).
(1) سورة الحجر، الآية:21.
(2)
سورة المنافقون، الآية:7.
(3)
سورة الإسراء، الآية:100.
(4)
سورة المؤمنون، الآية:51.
(5)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تحقيق: د. عبد الرحمن بن معلا اللويحق، ص 553.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (1).
قال ابن كثير رحمه الله: «يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بالأكل من طيبات ما رزقهم تعالى، وأن يشكروه على ذلك، إن كانوا عبيده، والأكل من الحلال سبب لتقبل الدعاء والعبادة، كما أن الأكل من الحرام يمنع قبول الدعاء والعبادة» (2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (3).
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (4). ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمة حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذِي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟» (5).
فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم فدعا الناس، فقال: «هلموا إلي، فأقبلوا إليه فجلسوا فقال: هذا رسول رب العالمين جبريل عليه السلام نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، وإن أبطأ عليها، فاتقوا الله وأجملوا
(1) سورة البقرة، الآية:172.
(2)
تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، 1/ 480.
(3)
سورة المؤمنون، الآية:51.
(4)
سورة البقرة، الآية:172.
(5)
أخرجه مسلم، كتاب: الزكاة، باب: قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، رقم 1015.
في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تأخذوه بمعصية الله فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته» (1).
ب - الأخذ بالأسباب وحسن التوكل على الله:
وقد جاء في الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إنه سمع نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطاناً» (2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلًا فيسأله أعطاه أو منعه» (3).
عن المقدام رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده» (4).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلًا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال: «أما في بيتك شيء» . قال: بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب: ذكر الزجر عن استبطاء المرء رزقه مع ترك الإجمال في طلبه، رقم 3229، وقال محققه: إسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه الحاكم 2/ 4، والبيهقي 5/ 264 - 265 من طريقين عن ابن وهب، بهذا الإسناد. وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» 3/ 156 - 157 من طريق وهب بن جرير، عن شعبة، عن محمد بن المنكدر، به. وأخرجه ابن ماجه «2144» في التجارات: باب الاقتصاد في المعيشة، والبيهقي 5/ 265 من طريقين عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر رفعه بلفظ «أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسًا لن تمةت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حرم» .
(2)
أخرجه أحمد في مسنده رقم 205، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن هبيرة فمن رجال مسلم (1/ 30).
(3)
أخرجه البخاري، كتاب: الزكاة، باب: الاستعفاف عن المسألة، رقم 1401.
(4)
أخرجه البخاري، كتاب: البيوع، باب: كسب الرجل وعمله بيده، رقم 1966.
فيه من الماء. قال «ائتني بهما» . فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: «من يشتري هذين» . قال رجل أنا آخذهما بدرهم. قال «من يزيد على درهم» . مرتين أو ثلاثًا قال رجل أنا آخذهما بدرهمين. فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصارى وقال «اشتر بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدومًا فأتنى به» . فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودًا بيده ثم قال له «اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يومًا» . فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبًا وببعضها طعامًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع» (1).
وبين رحمه الله أقسام الناس في طلب الأسباب فقال: فإذا دعوته بالعافية فاستنقذ ما أعطاك من العتائد والأرزاق فإن وصلت بها وإلا فاطلب طلب من
(1) أخرجه أبو داود، كتاب: الزكاة، باب: ما تجوز فيه المسألة، رقم 1643، وقال اللباني: ضعيف «ضعيف سنن أبي داود 260» .
(2)
زاد المعاد في هدي خير العباد، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية 4/ 14، ط/ 27، مؤسسة الرسالة، بيروت: 1415 هـ - 1994 م.
أفلس من مطلوبه، والناس في هذا المقام أربعة أقسام:
الأول: فأعجزهم من لم يبذل السبب ولم يكثر الطلب فذاك أمهن الخلق.
والثاني: وهو أحزم الناس من أدلى بالأسباب التي نصبها الله تعالى مفضية إلى المطلوب وسأل سؤال من لم يدل بسبب أصلًا بل سؤال مفلس بائس ليس له حيلة ولا وسيلة.
والثالث: من استعمل الأسباب وصرف همته إليها وقصر نظره عليها فهذا وإن كان له حظ مما رتبه الله تعالى عليها لكنه منقوص منقطع نصب الآفات والمعارضات لا يحصل له إلا بعد جهد فإذا حصل فهو وشيك الزوال سريع الانتقال غير معقب له توحيدًا ولا معرفة ولا كان سببًا لفتح الباب بينه وبين معبوده.
والرابع: وهو رجل نبذ الأسباب وراء ظهره وأقبل على الطالب والدعاء والابتهال فهذا يحمد في موضع، ويذم في موضع، ويشينه الأمر في موضع؛ فيحمد عند كون تلك الأسباب غير مأمور بها إذا فيها مضرة عليه في دينه فإذا تركها وأقبل على السؤال والابتهال والتضرع لله كان محموداً ويذم حيث كانت الأسباب مأمورًا بها فتركها وأقبل على الدعاء كمن حصره العدو وأمر بجهاده فترك جهاده وأقبل على الدعاء والتضرع أن يصرفه الله عنه وكمن جهده العطش وهو قادر على تناول الماء فتركه وأقبل يسأل الله تعالى أن يرويه وكمن أمكنه التداوي الشرعي فتركه وأقبل يسأل العافية ونظائر هذا كثير.
ويشتبه الأمر في الأسباب التي لا يتبين له عواقبها وفيها بعض الاشتباه ولها لوازم قد يعجز عنها وقد يتولد عنها ما يعود بنقصان دينه فهذا موضع اشتباه وخطر والحاكم في ذلك كله الأمر فإن خفي فالاستخارة وأمر الله وراء
ذلك (1).
قال عامر بن عبد قيس رحمه الله: أربع آيات في كتاب الله إذا ذكرتهن لا أبالي على ما أصبحت أو أمسيت:
الأولى: قوله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (2).
الثانية: قوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (3).
الثالثة: قوله تعالى: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (4).
الرابعة: قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (5).
وبهذا يظهر أن الثقة بالله في التكفل بالرزق لها الآثار الإيجابية في حياة المسلم.
(1) بدائع الفوائد، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله ابن القيم الجوزية، تحقيق: هشام عبد العزيز عطا، عادل عبد الحميد العدوي، أشرف أحمد 3/ 698، ط/ 1، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة: 1416 هـ - 1996 م.
(2)
سورة فاطر، الآية:2.
(3)
سورة يونس، الآية:107.
(4)
سورة الطلاق، الآية:7.
(5)
سمرة الطلاق، الآيتان: 2، 3.