الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فانفلق اثني عشر طريقاً، وصارت كل قطعة من الماء المجوز عن الانسياب الواقف عن التحرك كالجبل الشامخ الكبير، وكانت الطرق الجافة بالهواء والشمس بعدد أسباط بني إسرائيل، لكل سبط منهم طريق، وأنجينا موسى وبني إسرائيل ومن اتبعهم على دينهم، فلم يهلك منهم أحد، وأغرق فرعون وجنوده، ولم يبق منهم أحد.
2 - ثقة النبي صلى الله عليه وسلم بربه في غزوة بدر:
وذلك حيث كان عدد المشركين أكثر من عدد المؤمنين، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان واثقًا في نصر الله له.
«أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان منذ رجوعه بعد تعديل الصفوف يناشد ربه ما وعده من النصر، ويقول: «اللَّهم أنجز لي ما وعدتني، اللَّهم إني أنشدك عهدك ووعدك» ، حتى إذا حَمِىَ الوَطيس، واستدارت رحى الحرب بشدة واحتدم القتال، وبلغت المعركة قمتها، قال:«اللَّهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدًا» . وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرده عليه الصديق، وقال: حسبك يا رسول الله، ألححت على ربك.
(1) التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، \. وهبة بن مصطفى الزحيلي، 19/ 161.
وأوحى الله إلى ملائكته: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} (1). وأوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (2). أي إنهم ردف لكم، أو يردف بعضهم بعضًا أرسالًا، لا يأتون دفعة واحدة.
وأغفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة واحدة، ثم رفع رأسه فقال:«أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثناياه النَّقْعُ» وفي رواية ابن إسحاق: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، وعلى ثناياه النَّقْعُ» .
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب العريش وهو يثب في الدرع ويقول:
{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} (3). ثم أخذ حفنةً من الحصباء، فاستقبل بها قريشًا وقال:«شاهت الوجوه» ورمى بها في وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه من تلك القبضة، وفي ذلك أنزل الله:
إن حقيقة النصر في بدر كانت من الله تعالى قال سبحانه فقد بين سبحانه وتعالى أن النصر لا يكون إلا من عند الله تعالى في قوله: {وَمَا جَعَلَهُ
(1) سورة الأنفال، الآية:13.
(2)
سورة الأنفال، الآية:9.
(3)
سورة القمر، الآية:45.
(4)
سورة الأنفال، الآية:17.
(5)
الرحيق المختوم، صفي الرحمن المباركفوري، ص 186.
اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (1). وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (2).
«وفي هاتين الآيتين تأكيد على أن النصر لا يكون إلا من عند الله عز وجل، والمعنى: ليس النصر إلا من عند الله دون غيره، و «العزيز» أي: ذو العزة التي لا ترام، و (الحكيم) أي: الحكيم فيما شرعه من قتال الكفار مع القدرة على دمارهم وإهلاكهم بحوله وقوته سبحانه وتعالى.
ويستفاد من هاتين الآيتين: تعليم المؤمنين الاعتماد على الله وحده، وتفويض أمورهم إليه مع التأكيد على أن النصر إنما هو من عند الله وحده، وليس من الملائكة أو غيرهم، فالأسباب يجب أن يأخذ بها المسلمون، لكن يجب أن لا يغتروا بها، وأن يكون اعتمادهم على خالق الأسباب حتى يمدهم الله بنصره وتوفيقه، ثم بين سبحانه مظاهر فضله على المؤمنين، وأن النصر الذي كان في بدر، وقتلهم المشركين، ورمي النبي صلى الله عليه وسلم المشركين بالتراب يوم بدر إنما كان في الحقيقة بتوفيق الله أولًا وبفضله ومعونته. وبهذه الآية الكريمة يربي القرآن المسلمين ويعلمهم الاعتماد عليه، قال تعالى:{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (3). ولما بيَّن سبحانه وتعالى أن النصر كان من عنده، وضح بعض الحكم من ذلك النصر، قال تعالى: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ * لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ
(1) سورة آل عمران، الآية:126.
(2)
سورة الأنفال، الآية:10.
(3)
سورة الأنفال، الآية:17.