المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌4 - الثقة في وعد الله لعباده الصالحين: - ثقة المسلم بالله تعالى في ضوء الكتاب والسنة

[محمد بن إبراهيم الرومي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولثقة المسلم بالله تعالى في استجابة الدعاء

- ‌1 - أهمية الدعاء وثقة المسلم في استجابة الله له:

- ‌2 - استجابة الله لدعاء من وثق في إجابته سبحانه:

- ‌المبحث الثانيثقة المسلم بالله تعالى في تفريج الكربات

- ‌1 - أهمية الثقة بالله تعالى في تفريج الكربات:

- ‌2 - الدعوة إلى الثقة بالله تعالى في تفريج الكربات:

- ‌3 - نماذج لمن وثق بالله وفرج الله كربته:

- ‌المبحث الثالثثقة المسلم بالله تعالى في التكفل بالرزق

- ‌1 - الدعوة إلى ثقة المسلم بالله في التكفل بالرزق:

- ‌2 - أثر ثقة المسلم بالله في التكفل بالرزق:

- ‌المبحث الرابعثقة المسلم بالله تعالى في الدعوة إلى الله

- ‌1 - أهمية تكوين الدعاة لنشر الدعوة:

- ‌2 - الثقة بالله تعالى من أهم صفات الداعية:

- ‌3 - الثقة بالله تعالى تعلم الداعية الصبر:

- ‌المبحث الخامسثقة المسلم بالله تعالى في النصر على الأعداء

- ‌1 - ثقة نبي الله موسى عليه السلام بالله تعالى في نصره على فرعون:

- ‌2 - ثقة النبي صلى الله عليه وسلم بربه في غزوة بدر:

- ‌3 - ثقة النبي في ربه في غزوة أحد:

- ‌4 - ثقة النبي بالله تعالى في غزوة الأحزاب:

- ‌المبحث السادسثقة المسلم بالله تعالى في إنفاذ وعده سبحانه

- ‌1 - الثقة في أن وعد الله سبحانه لا يتخلف:

- ‌2 - الثقة في وعد الله بنصر رسله:

- ‌3 - الثقة في وعد الله للمؤمنين بدخول الجنة:

- ‌4 - الثقة في وعد الله لعباده الصالحين:

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌4 - الثقة في وعد الله لعباده الصالحين:

حتى قتل» (1).

وعن ثابت قال قال أنس رضي الله عنه «عمي الذي سميت به لم يشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً قال فشق عليه قال أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غيبت عنه وإن أراني الله مشهدا فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراني الله ما أصنع قال فهاب أن يقول غيرها قال فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد قال فاستقبل سعد بن معاذ فقال له أنس يا أبا عمرو أين؟ فقال واهاً لريح الجنة أجدوه دون أحد قال فقاتلهم حتى قتل قال فوُجِد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية قال فقالت أخته عمتي الربيع بنت النضر فما عرفت أخي إلا ببنانه ونزلت هذه الآية: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (2). قال فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه» (3).

‌4 - الثقة في وعد الله لعباده الصالحين:

ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما وعد الله به أم موسى من رد ابنها إليها، ومنحه النبوة والرسالة، وفي ذلك قال الله تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (4).

وقد علق ابن القيم رحمه الله على فعل أم موسى وتنفيذها لأمر الله سبحانه فقال: «فإن فعلها هذا هو عين ثقتها بالله تعالى إذ لولا كمال ثقتها بربها لما ألقت بولدها وفلذة كبدها في تيار الماء تتلاعب به أمواجه وجريانه إلى حيث

(1) أخرجه مسلم، كتاب: الإمارة، باب: ثبوت الجنة للشهيد، رقم 1901.

(2)

سورة الأحزاب، الآية:23.

(3)

أخرجه مسلم، كتاب: الإمارة، باب: ثبوت الجنة للشهيد، رقم 1903.

(4)

سورة القصص، الآية:7.

ص: 138

ينتهي أو يقف» (1).

قال ابن كثير رحمه الله: «ذكروا أن فرعون لما أكثر من قتل ذكور بني إسرائيل، خافت القبط أن يُفني بني إسرائيل فَيَلُون هم ما كانوا يلونه من الأعمال الشاقة. فقالوا لفرعون: إنه يوشك - إن استمر هذا الحال - أن يموت شيوخهم، وغلمانهم لا يعيشون، ونساؤهم لا يمكن أن يقمن بما يقوم به رجالهم من الأعمال، فيخلص إلينا ذلك. فأمر بقتل الوالدان عامًا وتركهم عامًا، فولد هارون، عليه السلام، في السنة التي يتركون فيها الولدان، وولد موسى، عليه السلام، في السنة التي يقتلون فيها الولدان، وكان لفرعون أناس موكلون بذلك، وقوابل يَدُرْنَ على النساء، فمن رأينها قد حملت أحصوا اسمها، فإذا كان وقت ولادتها لا يَقبَلُها إلا نساء القبط، فإذا ولدت المرأة جارية تركنها وذهبن، وإن ولدت غلامًا دخل أولئك الذبَّاحون، بأيديهم الشفار المرهفة، فقتلوه ومضوا قبَّحهم الله. فلما حملت أم موسى به عليه السلام، لم يظهر عليها مخايل الحمل كغيرها، ولم تفطن لها الدايات، ولكن لما وضعته ذكرًا ضاقت به ذرعًا، وخافت عليه خوفًا شديدًا وأحبته حبًا زائدًا، وكان موسى، عليه السلام، لا يراه أحد إلا أحبه، فالسعيد من أحبه طبعاً وشرعاً فلما ضاقت ذرعاً به ألهمت في سرها، وألقي في خلدها، ونفث في روعها، كما قال الله تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} . وذلك أنه كانت دارها على حافة النيل، فاتخذت تابوتًا، ومهدت فيه مهدًا، وجعلت ترضع ولدها، فإذا دخل عليها أحد ممَّن تخاف جعلته في ذلك التابوت، وسيرته في البحر، وربطته بحبل عندها.

فلما كان ذات يوم دخل عليها من تخافه، فذهبت فوضعته في ذلك التابوت، وأرسلته في البحر وذهلت عن أن تربطه، فذهب مع

(1) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، تحقيق: محمد حامد الفقي، 2/ 143.

ص: 139

الماء واحتمله، حتى مر به على دار فرعون، فالتقطه الجواري فاحتملنه، فذهبن به إلى امرأة فرعون، ولا يدرين ما فيه، وخشين أن يفتتن عليها في فتحة دونها. فلما كشفت عنه إذا هو غلام من أحسن الخلق وأجمله وأحلاه وأبهاه، فأوقع الله محبته في قلبها حين نظرت إليه، وذلك لسعادتها وما أراد الله من كرامتها وشقاوة بعلها» (1).

قال الشيخ السعدي رحمه الله: «فهذه الأمور كلها، قد تعلقت بها إرادة الله، وجرت بها مشيئته، وإذا أراد أمراً سهل أسبابه، ونهج طرقه، وهذا الأمر كذلك، فإنه قدر وأجرى من الأسباب - التي لم يشعر بها لا أولياؤه ولا أعداؤه - ما هو سبب موصل إلى هذا المقصود.

فأول ذلك، لما أوجد الله رسوله موسى عليه السلام الذي جعل استنقاذ هذا الشعب الإسرائيلي على يديه وبسببه، وكان في وقت تلك المخافة العظيمة، التي يذبحون بها الأبناء، أوحى إلى أمه أن ترضعه، ويمكث عندها.

{فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} بأن أحسست أحداً تخافين عليه منه أن يوصله إليهم، {فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} أي نيل مصر، في وسط تابوت مغلق، {وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} فبشرها بأنه سيرده عليها، وأنه سيكبر ويسلم من كيدهم، ويجعله الله رسولاً وهذا من أعظم البشائر الجليلة، وتقديم هذه البشارة لأم موسى، ليطمئن قلبها، ويسكن روعها، فإنها خافت عليه، وفعلت ما أمرت به، ألقته في اليم، فساقه الله تعالى» (2).

ومن النماذج أيضًا التي تدل على الثقة بما وعد الله به عباده الصالحين ما كان من هاجر عليها السلام فعن سعيد بن جبير رحمه الله قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «أوَّل ما اتَّخذ النساء المنطق من قبل أمّ إسماعيل اتَّخذت منطقًا لتعفي أثرها على سارة ثمَّ جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه فوضعهما

(1) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، 6/ 221.

(2)

تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تحقيق: د. عبد الرحمن بن معلا اللويحق، ص 612.

ص: 140

«حتى وضعهما» عند البيت عند دوحة فوق زمزم «الزَّمزم» في أعلى المسجد وليس بمكَّة يومئذٍ أحد وليس بها ماءٌ فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابًا فيه تمرٌ وسقاءً فيه ماء ثمَّ قفى إبراهيم منطلقًا فتبعته أمُّ إسماعيل فقالت يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا «في هذا» الوادي الذي ليس فيه إنسٌ «أنيسٌ» ولا شيء فقالت له ذلك مرارًا وجعل لا يلتفت إليها فقالت له آلله الذي أمرك بهذا قال: نعم قالت إذن لا يضيّعنا ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات «الدعوات» ورفع يديه فقال ربِّ {إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} حتى بلغ {يَشْكُرُونَ} وجعلت أمُّ إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السِّقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوَّى أو قال يتلبَّط «يتلمَّظ» فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرق درعها ثمَّ سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثمَّ أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا ففعلت ذلك سبع مرَّات قال ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم «فذلك سعي النَّاس «فلذلك سعي النَّاس» بينهما فلمَّا أشرفت على المروة سمعت صوتًا فقالت صهٍ تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضًا فقالت قد أسمعت إن كان عندك غواثٌ

«غواثٌ» فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تحوِّضه وتقول بيدها هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف قال ابن عبَّاس قال النبي صلى الله عليه وسلم يرحم الله أمُّ إسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينًا معينًا قال فشربت وأرضعت ولدها

» (1).

(1) أخرجه البخاري، كتاب: الأنبياء، باب:{يُزَفُّونَ} الصافات 94، النسلان في المشي، رقم 3184.

ص: 141

ففي هذه القصة العظيمة يظهر لنا كيف أن الله تبارك وتعالى حفظ هاجر عليها السلام وولدها إسماعيل، وأكرمها بكرامات عدة، منها:

أولًا: أن الله لم يضيعها، بل حفظها وولدها، وأكرمها بنبع ماء زمزم، فقد كانت السبب في خروجه، فقد أرسل الله ملكاً ليضرب برجله في الأرض، فخرج ماء زمزم، قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم:«لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عيناً معيناً» .

ثانيًا: أن الله تبارك وتعالى جعل تعبها وسعيها في طلب الماء، وبحثها عنه؛ ركناً من أركان الحج التي لا يتم إلا بها، قال صلى الله عليه وسلم:«فذلك سعي الناس بينهما» ، كل هذه الكرامات - وغيرها - بسبب إيمانها بربها، ووثوقها به، وقوة اعتمادها عليه، وصدق توكلها عليه.

ومن خلال ما سبق يظهر لنا الثقة بالله تعالى في إنفاذ وعده.

ص: 142