المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - الدعوة إلى الثقة بالله تعالى في تفريج الكربات: - ثقة المسلم بالله تعالى في ضوء الكتاب والسنة

[محمد بن إبراهيم الرومي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولثقة المسلم بالله تعالى في استجابة الدعاء

- ‌1 - أهمية الدعاء وثقة المسلم في استجابة الله له:

- ‌2 - استجابة الله لدعاء من وثق في إجابته سبحانه:

- ‌المبحث الثانيثقة المسلم بالله تعالى في تفريج الكربات

- ‌1 - أهمية الثقة بالله تعالى في تفريج الكربات:

- ‌2 - الدعوة إلى الثقة بالله تعالى في تفريج الكربات:

- ‌3 - نماذج لمن وثق بالله وفرج الله كربته:

- ‌المبحث الثالثثقة المسلم بالله تعالى في التكفل بالرزق

- ‌1 - الدعوة إلى ثقة المسلم بالله في التكفل بالرزق:

- ‌2 - أثر ثقة المسلم بالله في التكفل بالرزق:

- ‌المبحث الرابعثقة المسلم بالله تعالى في الدعوة إلى الله

- ‌1 - أهمية تكوين الدعاة لنشر الدعوة:

- ‌2 - الثقة بالله تعالى من أهم صفات الداعية:

- ‌3 - الثقة بالله تعالى تعلم الداعية الصبر:

- ‌المبحث الخامسثقة المسلم بالله تعالى في النصر على الأعداء

- ‌1 - ثقة نبي الله موسى عليه السلام بالله تعالى في نصره على فرعون:

- ‌2 - ثقة النبي صلى الله عليه وسلم بربه في غزوة بدر:

- ‌3 - ثقة النبي في ربه في غزوة أحد:

- ‌4 - ثقة النبي بالله تعالى في غزوة الأحزاب:

- ‌المبحث السادسثقة المسلم بالله تعالى في إنفاذ وعده سبحانه

- ‌1 - الثقة في أن وعد الله سبحانه لا يتخلف:

- ‌2 - الثقة في وعد الله بنصر رسله:

- ‌3 - الثقة في وعد الله للمؤمنين بدخول الجنة:

- ‌4 - الثقة في وعد الله لعباده الصالحين:

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌2 - الدعوة إلى الثقة بالله تعالى في تفريج الكربات:

الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} (1). وأما أولياؤه فينجيهم به من كربات الدنيا والآخرة وشدائدها ولذلك فزع إليه يونس فنجاه الله من تلك الظلمات وفزع إليه اتباع الرسل فنجوا به مما عذب به المشركون في الدنيا وما أعد لهم في الآخرة ولما فزع إليه فرعون عند معاينة الهلاك وإدراك الغرق له لم ينفعه لأن الإيمان عند المعاينة لا يقبل هذه سنة الله في عباده فما دفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد ولذلك كان دعاء الكرب بالتوحيد ودعوة ذي النون التي ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربه بالتوحيد فلا يلقى في الكرب العظام إلا الشرك ولا ينجى منها إلا التوحيد فهو مفزع الخليقة وملجؤها وحصنها وغياثها» (2).

وقال رحمه الله: «فإن قلت فبأي شيء أستعين على التجرد من الطمع ومن الفزع قلت بالتوحيد والتوكل والثقة بالله وعلمك بأنه لا يأتي بالحسنات إلا هو ولا يذهب بالسيئات إلا هو وأن الأمر كله لله ليس لأحد مع الله شيء» (3).

‌2 - الدعوة إلى الثقة بالله تعالى في تفريج الكربات:

جاءت العديد من النصوص الشرعية التي تدعو المسلم وتؤكد عليه ضرورة الثقة بالله تعالى في تفريج الكربات ومن هذه النصوص قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} (4).

قال الطبري رحمه الله: «يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم، الداعين إلى عبادة أوثانهم: من الذين ينجيكم، {مِنْ ظُلُمَاتِ

(1) سورة العنكبوت، الآية:65.

(2)

الفوائد، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي بن قيم الجوزية ص 55، ط/ 2، دار الكتب العلمية، بيروت: 1393 هـ - 1972 م.

(3)

المرجع السابق، ص 116.

(4)

سورة الأنعام، الآيتان: 63، 64.

ص: 48

الْبَرِّ}، إذا ضللتم فيه فتحيَّرتم، فأظلم عليكم الهدى والمحجة، ومن ظلمات البحر إذا ركبتموه، فأخطأتم فيه المحجة، فأظلم عليكم فيه السبيل، فلا تهتدون له، غير الله الذي إليه مفزعكم حينئذ بالدعاء {تَضَرُّعًا} ، منكم إليه واستكانة جهرًا وخفية، يقول: وإخفاء للدعاء أحيانًا، وإعلانًا وإظهارًا تقولون: لئن أنجيتنا من هذه يا رب أي من هذه الظلمات التي نحن فيها، {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} ، يقول: لنكونن ممن يوحدك بالشكر، ويخلص لك العبادة، دون من كنا نشركه معك في عبادتك.

وقوله: {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} أي: قل لهؤلاء العادلين بربهم سواه من الآلهة، إذا أنت استفهمتم عمن به يستعينون عند نزول الكرب بهم في البر والبحر: الله القادر على فرجكم عند حلول الكرب بكم، ينجيكم من عظيم النازل بكم في البر والبحر من همّ الضلال وخوف الهلاك، ومن كرب كل سوى ذلك وهمّ لا آلهتكم التي تشركون بها في عبادته، ولا أوثانكم التي تعبدونها من دونه، التي لا تقدر لكم على نفع ولا ضر، ثم أنتم بعد تفضيله عليكم بكشف النازل بكم من الكرب، ودفع الحالِّ بكم من جسيم الهم، تعدلون به آلهتكم وأصنامكم، فتشركونها في عبادتكم إياه. وذلك منكم جهل» (1).

وقال ابن كثير رحمه الله: «قال تعالى ممتنا على عباده في إنجائه المضطرين {مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} أي: الحائرين الواقعين في المهامه البرية، وفي اللجج البحرية إذا هاجت الريح العاصفة، فحينئذ يفردون الدعاء له وحده لا شريك له، كما قال تعالى:{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} (2). وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ

(1) جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر 11/ 414.

(2)

سورة الإسراء، الآية:67.

ص: 49

وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (1). وقال تعالى: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (2). وقال في هذه الآية الكريمة: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} أي: جهرًا وسرًا {لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ} أي: من هذه الضائقة {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} أي: بعدها، {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ} أي: بعد ذلك {تُشْرِكُونَ} أي: تدعون معه في حال الرفاهية آلهة أخرى» (3).

وقال د. الزحيلي في تفسير هذه الآية: «لا يثبت الإنسان غالباً على العهد، ولا يفي بالوعد، ولا يستقر على حال الاستقامة، فتراه بطبعه غداراً خائناً، يلجأ إلى الله وقت الشدة والخوف، وينسى الله بعد النجاة، ويعود إلى ضلالة وجهله. والواجب الذي يمليه العقل والوفاء بالجميل والإخلاص أن يستمر الإنسان على أصل العقيدة الصحيحة والإيمان الحق والعبادة لمن أنعم عليه بجلائل النعم ودقائقها، لا سيما في أحوال الأزمات والمحن.

وهذه حال من الأحوال التي ذكرتها الآية: وهي إذا أخطأتم الطريق وخفتم الهلاك ودعوتم الله، وأقسمتم: لئن أنجانا الله من هذه الشدائد، لنكونن من الطائعين المستقيمين.

وهذا توبيخ من الله لأولئك المشركين في دعائهم إياه عند الشدائد، ثم يدعوه معه غيره في حالة الرخاء، كما قال:{ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} .

(1) سورة يونس، الآية:22.

(2)

سورة النمل، الآية:63.

(3)

تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، 3/ 268.

ص: 50

إنه مثل ضربه الله، بقصد التقريع والتوبيخ لمن تعهد بالإيمان ونبذ الشرك لأن الحجة إذا قامت بعد المعرفة، وحب الإخلاص، والمشركون قد جعلوا بدلاً منه وهو الإشراك، فحسن أن يقرعوا ويوبخوا على هذا المنهج، وإن كانوا مشركين قبل النجاة وفي الآية إيماء إلى أن من أشرك في عبادة الله تعالى غيره، فهو لم يعبده لأن شرط العبادة الإخلاص، والتوحيد أساس العبادة.

والآية صريحة بأنه إذا شهدت الفطرة السليمة والخلقة الأصلية في وقت المحنة بأنه لا ملجأ إلا إلى الله، ولا تعويل إلا على فضل الله، وجب أن يبقى هذا الإخلاص عند كل الأحوال والأوقات إذ لا يقبل عقلًا أن يأتي الإنسان بأمور أربعة عند حصول الشدائد: وهي الدعاء، والتضرع، والإخلاص بالقلب، والتزام الاشتغال بالشكر، ثم يرتد على عقيبه، ويعمل بنقيض هذه الأمور بعد النجاة وإحراز السلامة من الله تعالى وحده الذي يهيئ الأسباب للإنجاء من المخاوف، أو يغمر عباده بواسع الرحمة والفضل، وبدقائق اللطف والإلهام» (1).

وقال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (2).

فالمضطر في لحظات الكربة والضيق لا يجد له ملجأ إلا الله يدعوه ليكشف عنه الضر والسوء ذلك حين تضيق الحلقة، وتشتد الخنقة، وتتخاذل القوى، وتتهاوى الأسناد وينظر الإنسان حواليه فيجد نفسه مجرداً من وسائل النصرة وأسباب الخلاص. لا قوته، ولا قوة في الأرض تنجده. وكل ما كان يعده لساعة الشدة قد زاغ عنه أو تخلى وكل من كان يرجوه للكربة قد تنكر له أو تولى .. في هذه اللحظة تستيقظ الفطرة فتلجأ إلى القوة الوحيدة

(1) التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، د. وهبة بن مصطفى الزحيلي 7/ 227، ط/ 2، دار الفكر المعاصر، دمشق: 1418 هـ.

(2)

سورة النمل، الآيتان: 62، 63.

ص: 51

التي تملك الغوث والنجدة، ويتجه الإنسان إلى الله ولو كان قد نسيه من قبل في ساعات الرخاء.

فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه. هو وحده دون سواه. يجيبه ويكشف عنه السوء، ويرده إلى الأمن والسلامة، وينجيه من الضيقة الآخذة بالخناق.

والناس يغفلون عن هذه الحقيقة في ساعات الرخاء، وفترات الغفلة. يغفلون عنها فيلتمسون القوة والنصرة والحماية في قوة من قوى الأرض الهزيلة. فأما حين تلجئهم الشدة، ويضطرهم الكدب، فتزول عن فطرتهم غشاوة الغفلة، ويرجعون إلى ربهم منيبين مهما كانوا من قبل غافلين أو مكابرين.

قال محمد الطاهر ابن عاشور رحمه الله: «ارتقى الاستدلال من التذكير بالتصرف الرباني في ذوات المخلوقات إلى التذكير بتصرفه في أحوال الناس التي لا يخلو عنها أحد في بعض شؤون الحياة وذلك حال الاضطرار إلى تحصل الخير، وحال انتياب السوء، وحال التصرف في الأرض ومنافعها، فهذه ثلاثة الأنواع لأحوال البشر. وهي:

حال الاحتياج، وحالة البؤس، وحالة الانتفاع.

الحالة الأولى: وهي حالة الاحتياج مضمنة في قوله {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} فالمضطر هو ذو الضرورة أي الحالة المحوجة إلى الأشياء العسرة الحصول، وهذه مرتبة الحاجيات فالمرء محتاج إلى أمور كثيرة بها قوام أوده ليست متصلة بذاته مثل الأقوات والنكاح والملابس اللازمة فالمرء يتطلبها بوجوده من المعاوضات، وقد يتعسر بعضها وهي تتعس بقدر وفرة منافعها وعزة حصولها فيسأل الله أن يعطيها.

والمعنى: أن المضطر إذا دعا لتحصيل ما اضطر إليه فإنه لا يجيبه إلا الله بقطع النظر عن كونه يجيب بعضاً ويؤخر بعضاً.

والحالة الثانية: وهي حالة البؤس هي المشار إليها بقوله {وَيَكْشِفُ السُّوءَ} والكشف: أصله رفع الغشاء، فشبه السوء الذي يعتري المضرور بغشاء يحول دون المرء ودون الاهتداء إلى الخلاص تشبيه معقول بمحسوس.

ص: 52

والمعنى: إن الله يكشف السوء عن المسوء إذا دعاه أيضًا فحذف من الجملة المعطوفة لدلالة ما ذكر مع الجملة المعطوف عليها، أي يكشف السوء عن المستاء إذا دعاه. وظاهر التقييد بالظرف يقتضي ضمان الإجابة. والواقع أن الإجابة منوطة بإرادة الله تعالى بحسب ما يقتضيه حال الداعي وما يقتضيه معارضه من أصول أخرى، والله أعلم بذلك.

والحالة الثالثة: وهي حالة الانتفاع هي المشار إليها بقوله {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} أي يجعلكم تعمرون الأرض وتجتنون منافعها، فضمن الخلفاء معنى المالكين فأضيف إلى الأرض على تقدير: مالكين لها، والملك يستلزم الانتفاع بما ينتفع به منها. وأفاد خلفاء بطريق الالتزام معنى الوراثة لمن سبق، فكل حي هو خلف عن سلفه. والأمة خلف عن أمة كانت قبلها جيلاً بعد جيل.

ولما اقتضته الخلافة من تجدد الأبناء عقب الآباء والأجيال بعد الأجيال، وما اقتضته الاستجابة وكشف السوء من كثرة الداعين والمستائين عبر في أفعال الجعل التي تعلقت بها بصيغة المضارع الدال على التجدد بخلاف أفعال الجعل الأربعة التي في الآية قبلها» (1).

ومما يدل من السنة على الثقة بالله في تفريج الكرب ما جاء عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب، أو في الكرب: الله ربي لا أشرك به شيئًا» (2).

وهذا الحديث فيه ثناء على الله عز وجل وتعظيم له عند الكرب، فكون المسلم يدعو بهذا الدعاء فهو يريد التخلص من الشيء الذي يهمه، مثل ما جاء في أن من دعاء بلفظ الجلالة فقد دعا باسم الله الأعظم، فيكون ذلك من

(1) التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد بن عاشور التونسي 19/ 288، ط/ 1، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت: 1420 هـ - 2000 م.

(2)

أخرجه أبو داود، كتاب: الوتر، باب: في الاستغفار، رقم 1525، وقال الألباني: حديث صحيح، انظر: صحيح سنن أبي داود، الألباني ص 234، رقم 1525.

ص: 53

أسباب القبول.

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلَاّ الله العظيم الحليم لا إله إلا الله ربُّ العرش العظيم الفتاوى لا إله إلَاّ الله ربُّ السموات وربُّ الأرض ربُّ العرش الكريم» (1).

وعن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه؛ أن عمر رضي الله عنهما رآه كئيباً فقال: مالك يا أبا محمد كئيباً؟ لعله ساءتك إمرة ابن عمك؟ يعني أبا بكر، قال: لا، وأثنى على أبي بكر، ولكني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا فرج الله عنه كربته وأشرق لونه، فما منعني أن أسأله عنها إلا القدرة عليها حتى مات، فقال له عمر: إني لأعلمها، فقال له طلحة: وما هي؟ فقال له عمر: هل تعلم كلمة هي أعظم من كلمة أمر بها عمه: لا إله إلَاّ الله؟ فقال طلحة: هي والله هي» (2).

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي يقول: «امسح البأس رب الناس بيدك الشفاء لا يكشف الكرب إلَاّ أنت» (3).

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال: اللهم، إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو علمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني،

(1) أخرجه البخاري، كتاب: الدعوات، باب: الدعاء عند الكرب، رقم 5986.

(2)

أخرجه أحمد في مسنده رقم (1386)، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير يحيى بن طلحة فمن رجال أصحاب السنن، (1/ 161).

(3)

أخرجه البخاري، كتاب: الطب، باب: رقية النبي صلى الله عليه وسلم، رقم 5412، وأخرجه مسلم، كتاب: السلام، باب: استحباب رقية المريض، رقم 2191.

ص: 54