المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - ثقة نبي الله موسى عليه السلام بالله تعالى في نصره على فرعون: - ثقة المسلم بالله تعالى في ضوء الكتاب والسنة

[محمد بن إبراهيم الرومي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولثقة المسلم بالله تعالى في استجابة الدعاء

- ‌1 - أهمية الدعاء وثقة المسلم في استجابة الله له:

- ‌2 - استجابة الله لدعاء من وثق في إجابته سبحانه:

- ‌المبحث الثانيثقة المسلم بالله تعالى في تفريج الكربات

- ‌1 - أهمية الثقة بالله تعالى في تفريج الكربات:

- ‌2 - الدعوة إلى الثقة بالله تعالى في تفريج الكربات:

- ‌3 - نماذج لمن وثق بالله وفرج الله كربته:

- ‌المبحث الثالثثقة المسلم بالله تعالى في التكفل بالرزق

- ‌1 - الدعوة إلى ثقة المسلم بالله في التكفل بالرزق:

- ‌2 - أثر ثقة المسلم بالله في التكفل بالرزق:

- ‌المبحث الرابعثقة المسلم بالله تعالى في الدعوة إلى الله

- ‌1 - أهمية تكوين الدعاة لنشر الدعوة:

- ‌2 - الثقة بالله تعالى من أهم صفات الداعية:

- ‌3 - الثقة بالله تعالى تعلم الداعية الصبر:

- ‌المبحث الخامسثقة المسلم بالله تعالى في النصر على الأعداء

- ‌1 - ثقة نبي الله موسى عليه السلام بالله تعالى في نصره على فرعون:

- ‌2 - ثقة النبي صلى الله عليه وسلم بربه في غزوة بدر:

- ‌3 - ثقة النبي في ربه في غزوة أحد:

- ‌4 - ثقة النبي بالله تعالى في غزوة الأحزاب:

- ‌المبحث السادسثقة المسلم بالله تعالى في إنفاذ وعده سبحانه

- ‌1 - الثقة في أن وعد الله سبحانه لا يتخلف:

- ‌2 - الثقة في وعد الله بنصر رسله:

- ‌3 - الثقة في وعد الله للمؤمنين بدخول الجنة:

- ‌4 - الثقة في وعد الله لعباده الصالحين:

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌1 - ثقة نبي الله موسى عليه السلام بالله تعالى في نصره على فرعون:

‌المبحث الخامس

ثقة المسلم بالله تعالى في النصر على الأعداء

ومن ثقة المسلم بالله تعالى أنه يثق أن بالله عز وجل في النصر على الأعداء، طالما أخذ بالأسباب، واستعان بالله تعالى، وكان جهاده وقتاله في سبيل الله، وفي سبيل الدعوة إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، وليس لأي غرض من أغراض الدنيا، ولعل من أبرز الشواهد والنماذج التي تؤكد هذه الثقة ما يلي:

‌1 - ثقة نبي الله موسى عليه السلام بالله تعالى في نصره على فرعون:

أشار القرآن الكريم في أكثر من موضع إلى قصة الصراع بين الحق والباطل، والخير والشر، وكيف أراد فرعون قتل موسى عليه السلام والتخلص منه، وكيف ظن فرعون أنه يستطيع بجنده وعتاده أن يهزم كلمة التوحيد، ولكن كانت كلمة الله هي العليا، ووثق موسى عليه السلام في نصر الله له على عدوه فرعون، ومما جاء في ذلك قوله تعالى:{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى * يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى * كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} (1).

قال الطبري رحمه الله: «يقول تعالى ذكره {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى} نبينا {مُوسَى} إذ تابعنا له الحجج على فرعون، فأبى أن يستجيب لأمر ربه، وطغى وتمادى في طغيانه {أَنْ أَسْرِ} ليلاً {بِعِبَادِي} يعني بعبادي من بني إسرائيل، {فَاضْرِبْ لَهُمْ

(1) سورة طه، الآيات: 77 - 81.

ص: 115

طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} يقول: فاتخذ لهم في البحر طريقا يابسًا، واليَبَس واليَبْس: يجمع أيباس، تقول: وقفوا في أيباس من الأرض، واليَبْس المخفف: يجمع يبوس.

وأما قوله {لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى} فإنه يعني: لا تخاف من فرعون وجنوده أن يدركوك من ورائك، ولا تخشى غرقًا من بين يديك ووحلًا.

وقوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ. وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} .

يقول تعالى ذكره: فسرى موسى ببني إسرائيل إذ أوحينا إليه أن أسر بهم، فأتبعهم فرعون بجنوده حين قطعوا البحر، فغشي فرعون وجنده في اليم ما غشيهم، فغرقوا جميعًا {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} يقول جلّ ثناؤه: وجاوز فرعون بقومه عن سواء السبيل، وأخذ بهم على غير استقامة، وذلك أنه سلك بهم طريق أهل النار، بأمرهم بالكفر بالله، وتكذيب رسله {وَمَا هَدَى} يقول: وما سلك بهم الطريق المستقيم، وذلك أنه نهاهم عن اتباع رسول الله موسى عليه السلام، والتصديق به، فأطاعوه، فلم يهدهم بأمره إياهم بذلك، ولم يهتدوا بإتباعهم إياه» (1).

وقال الشوكاني رحمه الله: «هذا شروع في إنجاء بني إسرائيل وإهلاك عدوهم، {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} أي اجعل لهم طريقًا، ومعنى {يَبَسًا}: يابسًا، وصف به الفاعل مبالغة، وذلك أن الله تعالى أيبس لهم تلك الطريق حتى لم يكن فيها ماء ولا طين {لَا تَخَافُ دَرَكًا} في محل نصب على الحال، أي آمنا من أن يدرككم العدو، أو صفة أخرى لطريق، والدرك اللحاق بهم من فرعون وجنوده. وقوله {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} أي

(1) جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، 18/ 343.

ص: 116

علاهم وأصابهم ما علاهم وأصابهم، والتكرير للتعظيم والتهويل، وقال ابن الأنباري: غشيهم البعض الذي غشيهم؛ لأنه لم يغشهم كل ماء البحر، بل الذي غشيهم بعضه. فهذه العبارة للدلالة على أن الذي غرقهم بعض الماء، والأوَّل أولى لما يدل عليه من التهويل والتعظيم {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} أي أضلهم عن الرشد، وما هداهم إلى طريق النجاة، لأنه قدَّر أن موسى ومن معه لا يفوتونه لكونهم بين يديه يمشون في طريق يابسة، وبين أيديهم البحر، وفي قوله:{وَمَا هَدَى} تأكيد لإضلاله؛ لأن المضل قد يرشد من يضله في بعض الأمور» (1).

لقد أمر الله موسى عليه السلام حين أبى فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل أن يسري بهم في الليل، وينقذهم من قبضة فرعون، دون أن يشعر بهم أحد، وأمره أن يتخذ أو يجعل لهم طريقًا يابسًا في وسط البحر، وذلك أن الله تعالى أيبس لهم تلك الطريق حتى لم يكن فيها ماء ولا طين. وأشعره بالأمان والنجاة، فقال له: أنت آمن لا تخاف أن يدركك وقومك فرعون وقومه، ولا تخشى أن يغرق البحر قومك، أو لا تخاف إدراك فرعون ولا تخشى الغرق بالماء.

والتعبير عن بني إسرائيل بكلمة بعبادي دليل على العناية بهم، وأنهم كانوا حينئذ قومًا صالحين، وإيماء بقبح صنع فرعون بهم من الاستعباد والظلم.

وتبعهم فرعون ومعه جنوده، فغشيهم من البحر ما غشيهم مما هو معروف ومشهور، فغرقوا جميعًا. وتكرار غَشِيَهُم للتعظيم والتهويل.

وأما تورط فرعون الداهية الذكي في متابعة موسى عليه السلام فكان بسبب أنه

(1) فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، 5/ 16.

ص: 117

أمر مقدمة عسكره بالدخول، فدخلوا وما غرقوا، فغلب على ظنه السلامة، فلما دخل الكل أغرقهم الله تعالى.

قال ابن عطية رحمه الله: «هذا استئناف إخبار عن موسى من أمر موسى وبينه وبين مقال السحرة المتقدم مدة من الزمان حدثت فيها لموسى وفرعون حوادث، وذلك أن فرعون لما انقضى أمر السحرة وغلب موسى وقوي أمره وعده فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل فأقام موسى على وعده حتى غدره فرعون ونكث وأعلمه أنه لا يرسلهم معه، فبعث الله حينئذ الآيات المذكورة في غير هذه الآيات الجراد والقمل إلى آخرها كلما جاءت آية وعد فرعون أن يرسل بني إسرائيل عند انكشاف القول فإذا انكشف نكث حتى تأتي أخرى، فلما كانت الآيات أوحى الله تعالى إلى موسى أن يخرج بني إسرائيل من مصر في الليل هارباً، و «السرى» سير الليل، و {أَنْ} في قوله {أَنْ أَسْرِ} يجوز أن تكون مفسرة لا موضع لها من الإعراب، ويجوز أن تكون الناصبة للأفعال وتكون في موضع نصب ب {أَوْحَيْنَا} وقوله تعالى {بِعِبَادِي} إضافة تشريف لبني إسرائيل، وكل الخلق عباد الله.

فأوحي إلى موسى أن يقصد {الْبَحْرِ} فخرج بنو إسرائيل فرأوا أن العذاب من ورائهم والبحر من أمامهم وموسى يثق بصنع الله تعالى فلما رآهم فرعون قد هبطوا نحو البحر طمع فيهم، وكان مقصدهم إلى موضع منقطع فيه الفحوص والطرق الواسعة، فضرب موسى عليه السلام البحر فانفلق اثنتي عشرة فرقة، طرقًا واسعة بينها حيطان ماء واقف فدخل موسى عليه السلام بعد أن بعث الله تعالى ريح الصبا، فجففت تلك الطرق حتى يبست، ودخلو بنو إسرائيل ووصل فرعون إلى المدخل وبنو إسرائيل كلهم في البحر فرأى الماء على تلك الحال فجزع قومه واستعظموا الأمر، فقال لهم إنما انفلق لي من هيبتي، وهاهنا كمل إضلاله لهم وحمله الله تعالى على الدخول، وتتابع الناس حتى تكاملوا في البحر فانطبق عليهم، فسمع بنو إسرائيل انطباق البحر وهم

ص: 118

قد خرجوا بأجمعهم من البحر فعجبوا وأخبرهم موسى أن فرعون وقومه قد هلكوا فيه، فطلبوا مصداق ذلك، فلفظ البحر الناس وألقى الله تعالى فرعون على فجوة من الأرض بدرعه المعروفة له» (1).

ومن الآيات أيضًا التي تؤكد على ثقة نبي الله موسى في ربه، وإنجائه من فرعون وجنده ما جاء في قوله تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ *فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ} (2).

والمراد أنه لما رأى كل من الفريقين صاحبه، قال بنو إسرائيل وقد أيقنوا بالهلاك: إن فرعون وجنوده لحقوا بنا وسيقتلوننا، أو إنا لمتابعون وسنموت على أيديهم.

فطمأنهم موسى عليه السلام وهدأ نفوسهم قائلًا: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} قال موسى: كلا لا يدركوننا، إن معني ربي بالحفظ والنصرة سيهدين قال موسى: كلا لا يدركوننا، إن معي ربي بالحفظ والنصرة سيهديني إلى طريق النجاة والخلاص منهم، وسينصرني عليهم وأوحى الله إلى موسى: أن بضرب البحر بعصاه، فضربه بها، ففيها سلطان الله الذي أعطاه،

(1) المحرر الوجيز، أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي، تحقيق: الرحالة الفاروق، عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، السيد عبد العال السيد إبراهيم، محمد الشافعي الصادق العناني 4/ 414، ط/ 2، مطبوعات وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، قطر، 1428 هـ - 2007 م.

(2)

سورة الشعراء، الآيات: 52 - 66.

ص: 119