الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ظهور عبيد الله المهدي من سجلماسة
وذلك أن أبا عبد الله الشيعي لما دخل شهر رمضان سنة ست وتسعين ومائتين سار من رقادة وقد استخلف أخاه أبا العباس على إفريقية في جيوش عظيمة، فاهتز المغرب لخروجه، وخافته زناتة، وزالت القبائل عن طريقه، وأتته رسلهم فدخلوا في طاعته، فلما قرب من سجلماسة بعث اليسع بن مدرار صاحبها إلى عبيد الله وهو في جيشه يسأله عن نسبه وحاله، وهل أبو عبد الله قصد إليه؟ فحلف به أنه ما رأى أبا عبد الله، وإنما أنا رجل تاجر، فأفرده معتقلا بدار وحده، وأفرد ابنه أيضا، فجعل عليهما الحرس، وقرر ولده، فما حال عن كلام أبيه، وقرر رجالا كانوا معه وضربهم، فلم يقروا بشيء.
وبلغ ذلك أبا عبد الله، فشق عليه، وأرسل إلى اليسع يتلطف به وأنه لم يقصده للحرب، وإنما له حاجة مهمة عنده، فرمى الكتب وقتل الرسل، فعاوده بالملاطفة خوفا على عبيد الله، ولم يذكره، فقتل الرسول ثانيا، فأسرع أبو عبد الله في السير، ونزل عليه، فخرج إليه اليسع وقاتله يومه كله، فلما جنه الليل فرق أصحابه من أهله وبني عمه، وبات أبو عبد الله في غم عظيم خوفا على عبيد الله.
فلما أصبح خرج إليه أهل البلد، وأعلموه بهرب اليسع، فدخل هو وأصحابه البلد، وأتوا مكان عبيد الله وأخرجوه وأخرجوا ابنه في يوم الأحد لسبع خلون من ذي الحجة سنة ست وتسعين ومائتين، وقد انتشر في الناس سرور عظيم كادت تذهب منه عقولهم؛ فأركبهما أبو عبد الله، ومشى هو ورؤساء القبائل بين أيديهما، وأبو عبد الله يقول للناس: هذا مولاكم، وهو يبكي من شدة الفرح، حتى وصل إلى فسطاط ضربه له فنزل فيه، وبعث الخيل في طلب اليسع، فأدرك وأخذ، فضرب بالسياط وقتل.
وأقام عبيد الله المهدي بسجلماسة أربعين يوما، ثم سار إلى إفريقية، وأحضر الأموال من إيكجان فجعلها أحالا، وصار بها إلى رقادة في العشر الأخير من ربيع الآخر سنة سبع وتسعين ومائتين.
وزال مالك بني الأغلب من إفريقية، وملك بني مدرار من سجلماسة، وملك بني رستم من تاهرت.
وملك المهدي جميع ذلك، فلما قرب من رقادة تلقاه أهلها وأهل القيروان وأبو عبد الله ورؤساء كتامة مشاة بين يديه، وابنه خلفه، فسلموا عليه، فرد عليهم رداً جميلا، وأمرهم بالانصراف، ونزل بقصر من قصور رقادة.
وأمر يوم الجمعة أن يذكر اسمه في الخطبة، ويلقب بالمهدي أمير المؤمنين في جميع البلاد، فما كان بعد صلاة الجمعة جلس رجل يعرف بالشريف ومعه الدعاة، وأحضروا الناس، ودعوهم إلى مذهبهم، وقتل من لم يوافق.
وعرض المهدي جواري زيادة الله فاختار منهن لنفسه ولولده، وفرق ما بقي على وجوه كتامة، وقسم عليهم أعمال إفريقية، ودون الدواوين، وجبا الأموال، واستقرت قدمه، ودانت له أهل البلاد، واستعمل العمال عليها: