الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم دخلت سنة أربع وستين وثلاثمائة
والخليفة أمير المؤمنين المعز لدين الله معد.
والخراج ووجوه الأموال إلى يعقوب بن كلس وعسلوج.
والقاضي أبو طاهر محمد بن أحمد.
والشرطة السفلى إلى جبر بن القاسم.
والشرطة العليا إلى جبر المسالمي.
وصاحب المظلة شفيع الخادم الصقلبي.
والطبيب موسى بن العازار.
وإمام الجمعة عبد السميع بن عمر العباسي.
وصاحب بيت المال محمد بن الحسين بن مهذب.
وإمام الخمس الحسن بن موسى الخياط.
والمحتسب عبد الله بن ذلال.
وفي المحرم قدم أفلح الناشب من برقة، فخرج إليه بالجيزة وجوه الدولة والقاضي والرعية وأنزل بمكان.
وورد الخبر بخلع نفسه وبيعة ابنه الطائع.
وأطلق أبو الهيجاء بن منجا القرمطي وابنه، وخلع عليه وحمل، وأطلق معه بضعة عشر من القرامطة.
ولست بقين من ربيع الآخر توفيت أم المعز.
وفي جمادى الأولى أطلق المعز الجائزة لوفد الحجاز من الأشراف وغيرهم، ومبلغها أربعمائة ألف درهم.
وقلد أبا الحسن محمد بن محمد بن عبيد الله بن الحسن الحسيني الكوفي قضاء الشامات، ودار الضرب، والحسبة، وحمل على بغلة وبرذون ومعه ثلاثة عشر تخت، وستة آلاف درهم، وكتب له سجل.
وضمن أبو عبد الله الحسن بن إبراهيم الرسي، وأبو طاهر سهل بن قمامة خرج الأشمونين وحربها، وخلع عليهما، وسارا بالبنود والطبول.
وضمن أبو الحسن على بن عمر العداس كورة بوصير وأعمالها، وخلع عليه وحمل، وسار بالبنود والطبول.
واعتل الأمير عبد الله بن المعز، ومات لسبع بقين منه بعد جدته بتسعة عشر يوماً فجلس المعز للعزاء، ودخل الناس بغير عمائم، وفيهم من شوه نفسه وأظهر الجزع الشديد، فكان المعز يسكنهم ويقول: اتقوا الله، وارجعو إلى الله.
وغلقت الأسواق، ثم جلس الناس بزيهم، ومنهم قيام، فأمر القاضي محمد بن النعمان بغسله، والمعز يتحدث، ويسأل عن آي من القرآن، وعن معانيها، لأن القراء كانوا يقرءون، ووصف ابنه عبد الله بالفضل والبر، فقال له أبو جعفر مسلم: أعوذ بالله من فقد الولد البار فقال له المعز: فما تقول في الولد العاق والأخ العاق؟ يعرض له بابنه جعفر وبأخيه عبد الله، وكونهما مع القرامطة.
فقال له أبو جعفر مسلم: إذا بليت بالولد العاق والأخ العاق كان في الله وفي بقاء مولانا منهما عوض.
فقال له المعز: لا صان الله من لا يصونك، ولا أكرم من لا يكرمك، ولا أعز من لا يعزك، ولا أجل من لا يجلك.
فقام أبو جعفر وقبل الأرض هو وجماعة من في المجلس، وشكروه على قوله.
ثم خرج تابوت عبد الله، وحوله أهل الكوفة بالصراخ والبكاء، فصلى عليه المعز، ودخل معه حتى واراه في القصر.
وفي جمادى الآخرة ورد الخبر بموت عبد الله أخي مسلم بظاهر البصرة كما تقدم، وبموت المطيع ببغداد، وأن موته كان في المحرم، وأن ابنه الطائع سمه، وأن فتنة وقعت ببغداد بين الترك والديلم، وبين الرعية والشيعة، وغلا السعر، ونهبت الأسواق والدور، وأن أبا تغلب بن حمدان رحل إلى بغداد متوسطاً بين الطائع وبختيار.
وفيه سار نصير الخادم الصقلبي عبد المعز إلى الشام في عسكر كثير، ودخل بيروت.
وفي أول رجب أصلح جسر القسطاط، ومنع الناس من ركوبه، وقد كان أقام ستين معطلاً.
وركب المعز إلى المقس، وسار على شط النيل، ومعه أبو طاهر القاضي يحدثه، حتى عبر الجسر إلى الجزيرة، فمضى إلى المختار.
وفيه وردت رؤوس من المغرب عدتها ثلاثة آلاف، فطيف بها، وذلك أن خلف بن جبر صعد في بني هواس إلى قلعه منيعة، فاجتمع عليه كثير من البربر، فزحف إليه يوسف ابن زيرى، فكانت بينه وبينهم حروب عظيمة قتل فيها خلائق كثيرة حتى أخذ القلعة في عاشر شعبان، ففر خلف، وقتل بها آلافاً كثيرة، بعث منها سبعة آلاف رأس إلى القيروان، فطيف بها، ثم حمل منها إلى مصر ما ذكر.
وفيه وقع الجدري في كثير من الناس، وأقام شهوراً.
وكانت وقعة مع الروم بطرابلس.
وفي شعبان وصل أفتكين بعسكر من الأتراك إلى دمشق، وورد كتابه على المعز وهو يستأذن في المسير، فشاور المعز أبا جعفر مسلم، فقال:
هم قول غدر، فإن تأذن لهم غلبوا على دمشق.
فشرع المعز في تعبئة العساكر وإنفاذها لقتاله.
وكان من خبر أفتكين أن الديلم والأتراك اختلفوا ببغداد، فأراد عز الدولة أبو منصور بختيار بن معز الدولة أبي الحسين أحمد بن بويه الديلمي سلطان العراق أن يقبض على سبكتكين التركي، وكانت الأتراك تتعصب معه وهم في أربعة آلاف هو أميرهم، فغلبوا بختيار وخرج عن بغداد، وغلب سبكتكين التركي عليها، وكان في قوة من المال والسلاح والرجال، فلم تطل مدته بعد غلبته على بغداد وهلك، فاستخلف من بعده على الأتراك أفتكين الشرابي مولى معز الدولة بن بويه، وكان شجاعاً ثابتاً في الحرب، فسار بالأتراك من بغداد لحرب الديلم، فجرى بينهم قتال عظيم.
وقاتل أفتكين حتى تفرق من حوله إلا يسيراً، وانهزم صاحب رايته، فلحقه وضربه باللت وأخذها من يده، وحمل على الديلم فقتل منهم كثيراً باللتوت، ثم حمل عليهم الديلم فانهزموا وأفتكين في نحوا الأربعمائة من الأتراك، فأخذ على الفرات حتى نزل الرحبة، ثم أخذ في البر وقد أظهر من المهابة ما لم يتجاسر العرب على نهبه، فنزل جوشية من قرى الشام، فجمع له ظلم بن موهوب العقيلي وهو حينئذ على بعلبك من قدر عليه من العرب، وأنفذ إلى أبي محمود قبل أن يسير عن دمشق يطلب منه عسكراً، فأنفذ إليه جماعة، وخرج يريد أفتكين وهو في ألفين فسار يريد جوشية.
وبعث أبو المعالي ابن حمدان بشارة الخادم من حمص في ثلاثمائة رجل إلى جوشية مدداً لأفتكين على ظالم، فبعث بشارة إلى ظالم فصرفه عن محاربة أفتكين وعاد إلى بعلبك، وسار بشارة بأفتكين، فنزل بأفتكين بظاهر حمص، ووعده عن مولاه أبي المعالي بكل جميل، وحمل إليه أبو المعالي وأكرمه، فسار إلى أبي المعالي، فأجلسه على كرسي.
وسأله أفتكين أن يوليه كفر طاب ويكون تبعاً له، فما هو إلا أن ورد عليه رسول بن الماورد الشاطر من دمشق بأن يسير إلى دمشق، وأنه يخرج إليه بأهل البلد، ويقاتلوا عسكر المغاربة، ويملكوه عليهم، فوقع ذلك منه بموقع، فبعث إلى أبي حمدان يقول:
إني نظرت في الذي وليتني فإذا هو لا يقوم بمن معي من الغلمان، وإني أريد أن أرجع إلى بغداد.
فقال: افعل ما تراه.
فسار كأنه يريد أن يأخذ طريق البلد إلى بغداد، وأخذ نحو دمشق، وقد نزل ريان عليها، وجاءته أخبار طرابلس: بأن العدو قد خرج، ونحن نخاف علي البلد أن يؤخذ، فانزعج وخاف على طرابلس، وإذا بالخبر ورد عليه بأن أفتكين قد توجه نحوه بموافقة أهل البلد، فعرض عساكره، وبرز يريد عقبة دمر.
وأصبح أفتكين على ثنية العقاب، ولم يعلم بأن ريان الخادم قد ارتحل عن البلد بجميع أصحابه حتى لم يبق منهم أحد، فوصل إلى البلد وقد أجهده وأصحابه التعب لأيام بقيت من شعبان.
ونزل بظاهر البلد، فخرج الناس إليه، واستبشروا به، وسألوه أن يملكهم ويزيل المصريين ويكف عن الأحداث، فأجابهم، واستحلف على الطاعة والمساعدة، وحلف لهم على الحماية وكف الأذى عنهم منه ومن غيره.
وقطع خطبة المعز وخطب للطائع، وقمع أهل العبث، فهابته الكافة، وصلح به كثير من أمر البلد، وأقام أياماً، وشاع خبر العدو أنه قد أقبل في جيش عظيم، فاستعدوا لقتاله، ونزل العدو على حمص، فلم يعرض لأحد بأرض حمص، لهدنة كانت بينه وبين أبي المعالي ابن حمدان.
وسار أفتكين إلى بعلبك في طلب ظالم، ففر منه، فنزل أفتكين بعلبك، وكانت العرب قد استولت على ما خرج عن سور دمشق، فأوقع بهم أفتكين، وقتل كثيراً منهم، وظهر منه حسن تدبيره وقوة نفس وشجاعة، فأذعن الناس له، وأقطع البلاد، فكثر جمعه، وتوفرت أمواله، وثبت قدمه، وملك بعلبك من ظالم بن موهوب، فقصده الروم وعليهم الدمستق، فقاتلهم أشد قتال، ثم كثروا عليه فانهزم.
ودخل الروم بعلبك، فأخذوا منها ومما حولها سلباً كثيراً، وأحرقوا؛ وذلك في شهر رمضان، وانتشرت خيلهم وسراياهم في أعمال بعلبك والبقاع تحرق وتسبى، وامتدوا إلى الزبداني، فأخذ الناس عليم المضايق، ومنعوهم من الدخول إلى الوادي.
وخرج من دمشق قوم فخاطبوا كبير الروم في الهدنة، فطلب منهم مالا لينصرف عن البلد، فخرج إليه أفتكين ليخاطبه عن البلد، وأهدى إليه من كل ما كان معه من بغداد، فأكرمه وقربه، فخاطبه أفتكين في أمر البلد، وأعلمه بأنه خراب ليس فيه غير حمال السلاح ولا مال فيه، فقال له: ما جئنا لنأخذ مالاً، وإنما جئنا لنأخذ الديار بأسيافنا، وقد جئتنا بهدية، وقد أجبناك إلى ما طلبت، وغرضنا فيما نأخذه من المال أن يقال بلد ملكناه فأخذنا هديته.
فقال أفتكين: هذا بلد ليس لي فيه إلا أيام يسيرة، ولم آمر فيه ولم أنه، وقد خرج معي إليك رجل له يد في البلد، يمنعني من كل ما أفعله.
وقد كان خرج معه علاء بن الماورد، فقال: ومن يدفعك عما تريد؟ قال: هذا وأصحابه.
فأمر بالقبض على بن الماورد، فقبض وقيد، وجرت الموافقة مع أفتكين على أنه يجبي المال ويكون على سبيل الهدنة، ويكف عن دمشق وأعمالها، فعاهده ملك الروم على ذلك، وعاد أفتكين إلى دمشق، افثار أصحاب ابن الماورد بالسلاح يريدون أفتكين، فمنعهم الناس.
وكان أبو محمود إبراهيم بن جعفر حينئذ بطبرية، فبلغه خروج أفتكين إلى الروم، فسير جيش بن الصمصامة في نحو الألفين ليأخذ دمشق، فسرى من طبرية، وكان شبل بن معروف العقيلي على شينيه وليس لجيش به علم، فركب إليه شبل في جمع من العرب فواقعوه فانهزم، وأتى الخبر إلى أفتكين وقد خرج من عند ملك الروم، فخرج الأتراك وأدركوهم فقتلوا منهم
كثيراً، وأخذ جيش أسيراً، فبعث به أفتكين إلى الروم وهو مقيم على عين الجر ينتظر المال.
وجبى له أفتكين من دمشق ثلاثين ألف دينار بالعنف، ورحل فنزل على بيروت وبها نصير الخادم من قبل المعز، فلم يزول الرومي يراسل أهل بيروت: إني لا أريد خراب بلدكم، وإنما أريد أن تسلموا إلي هذا الخادم ومن معه، وأجعل عندكم من قبلي من يدفع عن بلدكم.
حتى خرج إليه نصير ومن معه، فأخذهم، وولى على بيروت من قبله شخصا في مائتي رجل.
وسار فنزل على طرابلس وفيها ريان الخادم الذي كان على دمشق في خلق من المغاربة، فقاتلوه أشد قتال.
ونزل بالرومى مرض فرحل إلى بلده، وهلك في الطريق.
وتمكن أفتكين من دمشق، فأنفذ شبل بن معروف العقيلي إلى طبرية، ففر عنها أبو محمود بمن معه إلى الرملة.
وقدمت جيوش المعز، وفيها كثر مخافتهم العرب، واقتتلوا بجوار بيت المقدس مع العرب، فظهر العرب عليهم وهزموهم، وقتلوا كثيراً منهم وسيروا عدة منهم إلى دمشق، فطيف بهم في الأسواق على الجمال، وملأوا بهم الحبوس، فأقاموا في ضر، ثم ضربوا أعناقهم؛ وكان مع ذلك أفتكين طوال مقامه بدمشق يكاتب القرامطة ويكاتبونه.
وركب المعز يوم عيد الفطر، فصلى وخطب على رسمه المعتاد، وورد عليه الخبر بوقعة ريان بالرومى وهزيمة الروم وقد أسر ريان منهم وقتل وغنم فسر المعز بذلك وتصدق، ودخل الناس عليه فهنأوه، وقال الشعراء في ذلك، وفي خلع المطيع شعراً كثيراً.
وبعث إلى الحجاز بالأموال والنفقة وكسوة الكعبة.
ووردت رؤوس من المغرب فطيف بها.
وقدم إليه من المغرب ماء للشرب من العين التي أجراها.
وأنفذ رسولا إلى القرامطة برسالة إلى الأحساء.
وفيه ثارت فتنة بين المصريين والمغاربة، فقبض على جماعة وضربوا.
وفي ذي القعدة نودي لخمس خلون منه في الجامع العتيق: الحج في البر.
وكان قد انقطع منذ سنين.
وفيه مات عبد الله بن أبي ثوبان، وكان قد نصبه المعز للنظر في مظالم المغاربة، فتبسط في الأحكام بين المصريين، وقال في كتبه: قاضي مصر والاسكندرية، وشهدت عنده شهود مصر من المعدلين.
وفيه خاطب المعز علي بن النعمان بالقضاء، وأذن له في النظر في الأحكام، فجلس في داره ومسجده ونظر في الأحكام.
وطيف برؤوس من الأعراب والروم وردت من الشام ومن الصعيد.
وقدم للنصف منه جواب القرامطة من الأحساء، فخلع على الرسول وعلى جماعة معه، وحملوا.
وفيه طلع نجم الذنب عند الفجر وله شعاع كبير، فأقام أياماً، واضطرب الناس، ولما رآه المعز استعاذ منه.
وطلبت العبيد الصقالبة من جميع الناس، وأخذوا بالثمن.
وانفرد عسلوج بن الحسن بالديوان والنظر في أبواب المال كلها.
وفي مستهل ذي الحجة طيف برؤوس على رماح يقال عدتها إثنا عشر ألف رأس، وردت من المغرب، فيها رأس خلف بن جبر، وقد ثار بالمغرب واجتمع عليه البربر، فظفر به يوسف ابن زيرى، وقتل لخمس خلون من رمضان هو وجماعة من أهله.
واعتقل جماعة من الإخشيدية والكافورية وطولبوا ببيع عقارهم ورد ما باعوا منه.
ووردت هدية أبي محمود من الشام، وهي مائة فارس، وأحمال مال.
وبرز ركب المعز يوم عيد النحر على رسمه، فصلى وخطب، وأطعم الناس بالقصر.
وكسر الخليج، ولم يركب إليه المعز.
وفي يوم النوروز زاد اللعب بالماء ووقود النيران، وطاف أهل الأسواق وعملوا فيلة، وخرجوا إلى القاهرة بلعبهم، فأقاموا على ذلك ثلاثة أيام، وأظهروا السماجات في اللعب بالأسواق، فأمر بالنداء أن يكف عن اللعب، وأخذ قوم فطيف بهم وحبسوا.
وأمر أن يكون في الشرطة السفلى فقيهان يجلسان، ثم صرفا.
وورد الخبر بوقعة كانت لأبي محمود مع ابن الجراح الطائي بناحية طبرية.
وأمر المعز بتغيير المكاييل والموازين، وجعلت الأرطال من رصاص.
وأمر المعز القاضي أبا طاهر وشهوده أن يرفعوا إليه أخبار البلد ولا يكتموه شيئاً، ونصبوا لذلك رجلاً فامتنع.
وبلغ النيل بزيادة الجديد سبع عشر ذراعاً وتسعة عشر إصبعاً، فأمر لابن أبي الرداد بالجائزة والخلع والحملان على عادته.
ومات في هذه السنة: أبو جعفر أحمد بن القاضي النعمان بن محمد بمصر يوم الثلاثاء خامس ربيع الأول.
وحسن بن سعيد الأفرنجي بالقاهرة، فصلى عليه المعز ودفن بها.
وإسماعيل بن لبون الدنهاجي، وصلى عليه المعز.
وعلي بن الحرسي صاحب الخراج.
ومات حسن بن رستق الدنهاجي.
ومات أيضاً أبو الفرج محمد بن إبراهيم بن سكرة في ربيع الآخر