الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمس وستين وثلاثمائة
والأمر على حاله إلا أن القضاء بيد أبي طاهر محمد بن أحمد، واشترك معه القاضي علي بن النعمان، فكان كل منهما ينظر في داره.
وتثاقل يعقوب بن كلس عن حضور الديوان، وانفرد بالنظر في أمور المعز في قصره.
وفي المحرم عمرت كنيسة بقصر الشمع.
وورد سابق الحاج فأخبر بإقامة الدعوة بمكة ومسجد إبراهيم يوم عرفة ومدينة الرسول، وسائر أعمال مكة، وبتمام الحج.
وكان هذا أول موسم دعى فيه للمعز بمكة ومدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر المعز بذلك، وتصدق شكراً لله.
وورد كتاب أمير مكة جعفر بن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكتاب أخيه الحسن بن محمد الحسني وهو أخو صفية امرأة عبد الله بن عبيد الله أخي مسلم يسأل الإحسان إلى أخته صفية وكانت مستترة فأمر برد ضياعها وريعها وتسليم ذلك إليها، فأحضر يعقوب بن كلس القاضي أبا طاهر وشهوده، وأشهدهم في كتاب عن المعز أنه أمره برد ضياعها ورياعها إليها، فظهرت وأمنت.
وكتب جعفر بن محمد الحسني أمير مكة يسأله في بني جمح أن يرد حبسهم إليهم الذي بمصر، وفي ولد عمر وبني العاص أن يرد حبسهم بمصر إليهم، فأطلق المعز ذلك لبني جمح.
وورد رسول ملك الروم، فغلقت الحوانيت، وخرج الناس تنظر إليه.
قال ابن الأثير وكان سبب موت المعز أن ملك الروم بالقسطنطينية أرسل إليه رسولاً كان يتردد إليه بإفريقية، فخلا به المعز بعض الأيام، وقال له: أتذكر إذ أتيتني رسولاً وأنا بالمهدية، فقلت لك: لتدخلن علي وأنا بمصر مالكا لها؟ قال: نعم قال: وأنا أقول لك لتدخلن علي ببغداد وأنا خليفة.
فقال له الرسول: إن أمنتني ولم تغضب، قلت لك ما عندي.
فقال له المعز: قل وأنت آمن.
فقال: بعثني إليك الملك ذلك العام، فرأيت من عظمتك في عيني وكثرة أصحابك ما كدت أموت منه، ووصلت إلى قصرك فرأيت عليه نوراً غطى بصري، ثم دخلت عليك فرأيتك على سريرك فظننتك خالقاً، فلو قلت لي إنك تعرج إلى السماء لتحققت ذلك، ثم جئت إليك الآن فما رأيت من ذلك شيئاً، أشرفت على مدينتك فرأيتها في عيني سوداء مظلمة، ثم دخلت عليك فما وجدت من المهابة ما وجدته ذلك العام، فقلت إن ذلك كان أمراً مقبلاً، وإنه الآن بضد ما كان عليه.
فأطرق المعز، وخرج الرسول من عنده، وأخذت المعز الحمى لشدة ما وجد، واتصل مرضه حتى مات.
وقال ابن سعيد في كتاب المغرب: إن المعز أنفذ إلى ابن السوادكي فقال: من لك بالحجاز من التجار تكاتبه، اكتب إلى من تراه منهم بأن يكتب إلى عدن بحمل ما يقدر عليه من خشب الأبنوس الحسن التلميع التام الطول، الغليظ مما لا غاية وراءه.
فكتب إلى تاجر بمكة، وأكد عليه، فما كان إلا نحو شهرين حتى عاد جوابه أنه وجد منه ما ليس له في الدنيا نظير، وحمله في مركب، فسر بذلك، وبكر إلى المعز فأخبره الخبر، وأنه في القلزم، فأطرق وتغير لونه، فقال له: يا مولانا هذا يوم فرح وسرور بأن تطلب أمراً يكون بعد مدة فيسهله الله في أقرب وقت.
فقال: يا محمد ليس يدري إلى حيث خرجت.
ثم سار خارجاً إلى ظاهر القاهرة وهو يقرأ سورة الفتح إلى آخرها، ويرددها كلما فرغ منها، ورجع فاعتل بعد جمعة، وترددت به العلة، فمات في الشهر الخامس، وما طلبه منى، ولا أذكرته به، وكان قد تأول أن أجله نعى إليه حين رأى الأشياء منقادةً له.
قال ابن زولاق: ولأربع خلون من صفر ورد حاج البر، وقد كان البر أقام سنين لم يسلك.
وفيه حضر على بن النعمان القاضي جامع القاهرة، وأملى مختصر أبيه في الفقه عن أهل البيت، ويعرف هذا المختصر بالاقتصار، وكان جمعاً عظيماً.
وفي ربيع الآخر وردت رسالة القرامطة بأنهم في الطاعة.
وفيه أذن المعز لجماعة المصريين فدخلوا عليه وخاطبهم وهو على سرير الملك، فصاح به رجل منهم:
يا أمير المؤمنين، قال الله عز وجل:" وَلَقَدْ أَهْلَكْنا القرونَ مِنْ قبلكم لَمَّا ظَلَموا وجاءْتْهُم رُسُلُهمْ بالبَيِّناتِ وما كانوا ليُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ المُجْرِمين. ثم جعَلْناكُمْ خَلائِفَ في الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِم لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ". يا أمير المؤمنين لننظر كيف تعملون.
وقال: صدق الله، كذا قال عز وجل، ونسأل الله التوفيق.
واعتل المعز لثمان خلون من ربيع الأول، فأقام ثمانياً وثلاثين يوماً، ووصف له البطيخ البرلسي يؤخذ ماؤه، فطلب بمصر فلم يوجد سوى واحدة اشتريت بخمسة دنانير، ثم وجد منها ثماني عشرة بطيخة اشتريت بثمانية عشر ديناراً، وكان الناس يغدون إلى القصر ويروحون، والذي يمرضه طبيبه موسى بن العازار وعبده جوهر.
فلما كان لأربع عشرة بقيت من ربيع الآخر اشتدت العلة. وعرف باجتماع الناس وكثرة الرقاع في الظلامات والحوائج، وسئل فيمن ينظر في ذلك، فأمر أن ينظر فيه ولي عهده نزار فاستخلفه، وخرج السلام إلى الناس فانصرفوا.
وخرج القائد جوهر وموسى بن العازار الطبيب بالعزيز فأجلسوه، وخرج إليه إخوته وعمومته وسائر أهله فبايعوه، ثم أدخل إليه أكثر الأولياء فبايعوه وسلموا عليه بالإمرة وولاية العهد، فابتهج الناس بذلك.
ودخل عليه من الغد القاضي أبو طاهر وجماعة الشهود والفقهاء فسلموا عليه بولاية العهد، وقبلوا له الأرض، فرد عليهم أحسن رد، وأخبرهم بأن المعز بخير، قال: مولانا صلوات الله عليه في كل عافية وسلامة في أحواله، وفي رأيه لكم وانصرفوا.
وكان يوم جمعة، فدعا له عبد العزيز بن عمر العباسي على منبر الجامع العتيق بعد أن دعا للمعز، فقال: اللهم صل على عبدك ووليك، ثمرة النبوة، ومعدن الفضل والإمامة، عبد الله معد أبي تميم الإمام المعز لدين الله، كما صليت على آبائه الطاهرين، وأسلافه المنتخبين من قبله.
اللهم أعنه على ما وليته، وأنجز له ما وعدته، وملكه مشارق الأرض ومغاربها.
واشدد اللهم أزره، وأعز نصره بالأمير نزار أبي المنصور ولي عهد المسلمين، ابن أمير المؤمنين، الذي جعلته القائم بدعوته، والقائم بحجته.
اللهم أصلح به العباد، ومهد لديه البلاد، وأنجز له به ما وعدته، إنك لا تخلف الميعاد.
وتوفي المعز لدين الله عشية هذا اليوم ليلة السبت السادس عشر من شهر ربيع الآخر، وقيل يوم الجمعة حادي عشر، وقيل ثالث عشر، ولم يظهر ذلك ولا نطق به أحد مدة ثمانية أشهر.
وقيل إن السيدة لما اشتدت علة المعز أحضرت القائد جوهر وهو ملتف في برد من
…
وحضر يعقوب بن يوسف بن كلس وعسلوج القائد وأفلح الناشب، وطارق الصقلبي، فقالوا للمعز: نريد أن تبصرنا رشدنا وتعلمنا لمن الأمر.
فلم يجبهم، فقال له جوهر: قد كنت سمعت منك قولاً في هذا استغنيت به عن إعادة السؤال، غير أنهم أكرهوني على الدخول.
وقال لهم: قابلتموني بما لا يجب وبكى.
فخرجوا، فلما كان اليوم الثالث مات، فصار العزيز إذا رفعت إليه الأمور يدخل كأنه يشاوره ويخرج بالأمر.
قال ابن زولاق: وكان يعني المعز في غاية الفضل والاستحقاق للإمامة، وحسن السياسة.
وكان مولده سنة تسع عشرة وثلاثمائة، أدرك من أيام المهدي جد أبيه أربع سنين، وتوفي القائم وللمعز ست عشرة سنة.
واجتمع للمعز بمصر ما لا يجتمع لآبائه، وذلك أنه حصل له بالمغرب أربعة وعشرون بيتاً من المال: منها أربعة عشر خلفها المهدي، ولم يخلف القائم عليها شيئاً، وخلف المنصور بيتاً واحداً وكسوة، وأضاف إليها المعز تسعة، فصارت أربعة وعشرين بيتاً، أنفق أكثرها على مصر إلى أن فتحت ودخلها، وحصل له من مال مصر أربعة بيوت سوى ما أنفقه وسوى ما قدم به معه.
واجتمع له أن خلفاءه بمصر استخرجوا له ما لم يستخرج لأحد بمصر، فاستخرج له في يوم واحد مائة ألف دينار وعشرون ألف دينار.
وهزمت القرامطة في أيامه أربع مرار: مرتين في البر على باب مصر، ومرتين في البحر، وما تم عليهم هذا قط منذ ظهر أمرهم.
وأقيمت له الدعوة يوم عرفة في مسجد إبراهيم عليه السلام وبمكة والمدينة وسائر أعمال الحرمين، ولم ترد له راية.
وسار ابن السميسق ملك الروم إلى ريان عبد المعز وهو بطرابلس فانهزم وأخذت غنائمه وأسر رجاله.
وكتب اسمه على الطرز بتنيس ودمياط والقيس والبهنسي قبل أن يملك مصر.
وتتابعت له الفتوح.
ودعى لفاطمة ولعلي عليهما السلام في أيامه على المنابر في سائر أعماله وفي كثير من أعمال العراق.
ونصبت الستائر على الكعبة وعليها اسمه.
ونصبت له المحاريب الذهب والفضة داخل الكعبة وعليها اسمه.
وكاتب أهل العراق وأهل اليمن وأهل خراسان وأهل الحرمين والترك بالخلافة.
وكان على التجهز للمسير للحج ثم إلى قسطنطينية للجهاد.
وكان مقامه بمصر سنتين وسبعة أشهر وعشرة أيام.
قال ابن الأثير: وأمه أم ولد.
وولد بالمهدية من إفريقية حادي عشر شهر رمضان سنة تسع عشرة وثلاثمائة.
ومات وعمره خمس وأربعون سنة وستة أشهر تقريبا.
وكانت ولايته الأمر ثلاثاً وعشرين سنة وعشرة أيام.
وهو أول الخلفاء العلويين، ملك مصر وخرج إليها.
وكان مغرى بالنجوم. ويعمل بأقوال المنجمين، قال له منجم إن عليه قطعاً في وقت كذا، وأشار عليه بعمل سرداب يختفي فيه إلى أن يجوز ذلك الوقت، ففعل ما أمره، وأحضر قواده وقال لهم: إن بيني وبين الله عهداً أنا ماض إليه، وقد استخلفت عليكم ابني نزار، فاسمعوا له وأطيعوا.
ونزل السرداب، فكان أحد المغاربة إذا رأى سحاباً، نزل وأومي إليه بالسلام ظنا منه أن المعز فيه، فغاب سنة ثم ظهر، وبقي مدة ومرض وتوفى، فستر ابنه نزار العزيز موته إلى عيد النحر من السنة، فصلى بالناس وخطبهم، ودعا لنفسه، وعزى بأبيه.
وذكر القاضي عبد الجبار بن عبد الجبار البصري في كتاب تثبيت نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم المعز لدين الله، وقال: واحتجب عن الناس مدة، ثم ظهر وجلس في حرير فائق أخضر مذهب، وعلى وجهه الجواهر واليواقيت، وأوهم أنه كان غائباً، وأن الله رفعه إليه، وكان يتحدث بما يأتيه أهل الأخبار في حال غيبته، وتوهم أن الله أطلعه على تلك الغيوب.
وتعرض بالجمل دون التفصل.
قال مصنفه رحمة الله عليه: ليس الأمر كما قال ابن الأثير، فقد حكى الفقيه الفاضل المؤرخ أبو الحسن بن إبراهيم بن زولاق المصري في كتاب سيرة المعز وقد وقفت عليها بخطه رحمه الله أخبار المعز منذ دخل مصر إلى أن مات يوماً يوماً، وأن المعز إنما عهد لابنه يوم الخميس لأربع عشرة بقيت من شهر ربيع الآخر قبل موته بيومين؛ وذكر أن سبب العهد إليه اجتماع الناس بباب القصر وكثرة الرقاع، وأنه سئل فيمن ينظر في ذلك، فأمر ابنه نزار العزيز أن ينظر فيه فاستخلفه؛ وقد ذكرت ملخص هذه السيرة فيما مر من أخبار المعز؛ وأن ابن زولاق أعرف بأحوال مصر من ابن الأثير خصوصاً المعز، فإنه كان حاضراً ذلك ومشاهداً له، وممن يدخل إليه ويسلم مع الفقهاء عليه، ويروى في هذه السيرة أشياء بالمشاهدة، وأشياء مدته بها ثقات الدولة وأكابرها، كما هو مذكور فيها؛ إلا أن ابن الأثير تبع مؤرخي العراق والشام فيما نقلوه، وغير خاف على من تبحر في علم الأخبار كثرة تحاملهم على الخلفاء الفاطميين وشنيع قولهم فيهم، ومع ذلك فمعرفتهم بأحوال مصر قاصرة عن الرتبة العلية، فكثيراً ما رأيتهم يحكون في تواريخهم من أخبار مصر ما لا يرتضيه جهابذة العلماء، ويرده الحذاق العالمون بأخبار مصر؛ وأهل كل قطر أعرف بأخباره، ومؤرخو مصر أدرى بماجرياته، وفوق كل ذى علم عليم.
قال ابن الأثير: وكان المعز عالماً فاضلاً جوادا جارياً على منهاج أبيه، حسن السيرة وإنصاف الرعية، وستر ما يدعون إليه إلا عن الخاصة، ثم أظهره، وأمر الدعاة بإظهاره، إلا أنه لم يخرج فيه إلى حد يذم به.
وقال ابن سعيد في كتاب المغرب: إن جوهر القائد لما كان على عسقلان، وهجم عليه العدو، وأحرقوا خيمته وما قدروا عليه، وقاتل الناس إلى أن كشفوا العدو وعادوا إلى مكانهم، ترجل جوهر وقبل الأرض وقال:
حذرني مولانا المعز بالمغرب، وقال لي: احذر النار في عسكرك ببرقة فلما جزت بها تحفظت من النار، فلما صرت في مصر: قلت الحق ما يقول مولانا، وما هو إلا أن أعود إلى المغرب، فيكون ذلك فيها، فلما نزلت هذا المنزل عرفت أنه يقال له برقة، وكنت والله خائفاً من قول مولانا حتى رأيته عياناً.
قال: ولما بلغ المعز أن يوسف بن زيرى خليفته على المغرب قبض على صاحب خراجه بالمغرب غضب واستدعى إسماعيل بن اسباط، ودفع إليه كتاباً مختوماً، وقال له: أنت عندي موثوق به، غير مستراب بك، قل له يا يوسف، تغير ما أمرتك به، وتنسب ما فعلته لي؟ والله لئن هممت بالعود إليك لآتينك، ولئن أتيتك لا تركت من آل مناد أحداً، بل من بلكانه، لا بل من صنهاجة؛ أخرج ابن الأديم فاردده إلى النظر في الخراج على رسمه، وامتثل جميع ما أمرتك به، ولا تخالف شيئاً منه.
قال: فسرت بأحسن حال حتى دخلت القيروان فلم أجده، فسرت إليه، فلما رآني نزل وقبل الأرض لما ترجلت له، وقيل بين عيني، وقال: هذه العين الذي رأت مولانا.
وأوصلت إليه السجل، فقرأه سرا مع كاتبه وترجمانه، وأديت إليه الرسالة بيني وبينه، فعهدي به يرتعد وينتفخ ويسود، ويقول: نفعل والله، وكتب برد زيادة الله بن الأديم إلى نظره، وأقمنا مدة.
قال ابن سباط: فأنا راكب معه ذات يوم إذ ورد إليه نجاب بكتاب لطيف، فقرأه عليه راكبا الترجمان، فرأيته ضرب الفرس وحركه فأقامه وأقعده، وهز رمحه في وجوه رجاله يمينا وشمالا، وجعل يقول: أبلكين، أمليح اسم أمه؟ أزيرى، أمليح اسم أبيه؟ أمناد، أمليح اسم جده؟.
قال: فقلت في نفسي: خبر ورد إليه سره، وأدرت فكري فوقف في أن مولانا المعز مات.
فنظر إلى وجهي متغيرا، فأخذني ونزل إلى دار إمارته، فأدار إلى وجهه، وقال: مالك تغير وجهك؟.
فقلت له: مات مولانا المعز، فأحسن الله عزاك عنه.
فقال: من أخبرك؟.
قلت: أنت أخبرتني.
قال: وكيف!.
قلت: رأيتك قد عملت بعد قراءة الكتاب عليك ما لا أعرفه منك.
فقال: قد صدقت، قد مات مولانا المعز.
قلت له: فيقدر أن أحدا لا يقوى من بعده في مجلسه.
فقال: لا بد من ذلك.
فقلت له: ينبغي أن تنتظر كتاب ولده الذي أتى من بعده، فسيأتيك ما تحب.
قال: صدقت، واكتم ما جرى، ولكن يا ابن اسباط بعدت مصر من المغرب، وقد صار المغرب والله في أيدينا إلى دهر طويل.
وأقمت، فورد كتاب العزيز إليه يعزيه ويوليه، فسر وخلع علي، وسيرني.
قال ابن سعيد عن كتاب سيرة الأئمة لابن العلاء عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسين بن مهذب.
وأورد ليوسف بن زيرى خطبةً كتب بها إلى العزيز بن المعز جوابا عن كتابه يقول فيها: وأعوذ بالله أن أقول ما شنعه أهل الزور والجحود، بل أنا عبد من عبيده، أيدني بنور هدايته، وألبسني قميص حكمته، وتوجني بعز سلطانه، وحملني أثقال علم ربوبيته، واختصني بنفس كلايته، وذكر أنه ولى عهده بعد ابنه الشاعر تميما ثم عزله، وولى ابنه عبد الله إفريقية، ثم ولى ابنه بمصر العزيز الذي صحت له الخلافة بعده.
قال ابن سعيد: وهذا أعجب ما سمعته في تولية العهد، لا أعلم لهذه الكائنة نظيرا.
وقال ابن الطوير: لما دخل المعز قرأ أحد القراء عند دخوله وكان منجما: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا.
فقال المعز: العاقبة.
فقال حميدة.
قال المعز: الحمد لله.
ومن أحسن ما مدح به المعز قول الحسن بن هانىء فيه:
إذا أنت لم تعلم حقيقة فضله
…
فسائل عليه الوحي المنزّل تعلم
فأُقسم لو لم يأخذ الناس فضله
…
عن الله، لم يعلم ولم يتوهّم
وأيّ قوافي الشعر فيك أجولها
…
وهل ترك القرآن من يترنّم
وكان نقش خاتمه: بنصر العزيز العلم ينتصر الإمام أبو تميم.
وكان يشبه في بني العباس بالمأمون في سفره من القيروان.