المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وقال ابن خلدون في كتاب العبروديوان المبتدأ والخبر - اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء - جـ ١

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌ذكر أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالبكرم الله وجهه

- ‌قال أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم

- ‌قال الشريف الجواني النقيبمحمد بن أسعد بن علي الحسيني

- ‌ذكر ما قيل في أنساب خلفاء الفاطميينقال مؤلفه رحمة الله تعالى عليه

- ‌ذكر ابتداء الدولة العلوية بافريقية

- ‌قال المؤلف رحمة الله عليه وأما المحضر فنسخته

- ‌وقال ابن خلدون في كتاب العبروديوان المبتدأ والخبر

- ‌ذكر ما كان من ابتداء الدولة الفاطميةإلى أن بنيت القاهرة

- ‌ذكر خروج عبيد الله المهدي إلى المغرب

- ‌ذكر ظهور عبيد الله المهدي من سجلماسة

- ‌ذكر قتل أبي عبد الله الشيعي

- ‌القائم بأمر الله أبو القاسم محمدوقيل عبد الرحمن بن المهدي عبيد الله

- ‌ذكر أبي يزيد مخلد بن كيداد الخارجيوحروبه

- ‌سنة أربع وثلاثين

- ‌المنصور بنصر الله أبو الطاهر إسماعيلابن محمد القائم بن عبيد الله المهدي

- ‌المعز لدين الله أبو تميم معدابن المنصور أبي الطاهر بن القائم أبي القاسم محمد ابن عبيد الله المهدي

- ‌ذكر بناء القاهرة

- ‌سنة تسع وخمسين وثلاثمائة

- ‌سنة ستين وثلاثمائة

- ‌ودخلت سنة إحدى وستين وثلاثمائة

- ‌سنة اثنتين وستين وثلاثمائة

- ‌ذكر قدوم المعز لدين الله إلى مصرأبي تميم معد إلى مصر وحلوله بالقصر من القاهرة المعزية

- ‌ثم دخلت سنة ثلاث وستين وثلاثمائة

- ‌ذكر طرف من أخبار القرامطة

- ‌سنة أربع وستين ومائتين

- ‌الصناديقي

- ‌سنة خمس وتسعين ومائتين

- ‌ثم دخلت سنة أربع وستين وثلاثمائة

- ‌سنة خمس وستين وثلاثمائة

- ‌العزيز بالله أبو المنصورابن المعز لدين الله أبي تميم معد ابن المنصور بنصر الله أبي الطاهر

- ‌ثم دخلت سنة تسع وستين وثلاثمائة

- ‌سنة اثنتين وسبعين

- ‌سنة ثلاث وسبعين

- ‌سنة سبعين وثلاثمائة

- ‌سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة

- ‌سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة

- ‌سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة

- ‌وفي رجب سنة ثمانين

- ‌سنة ثمانين وثلاثمائة

- ‌ودخلت سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة

- ‌ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة

- ‌ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة

- ‌سنة أربع وثمانين وثلاثمائة

- ‌سنة خمس وثمانين وثلاثمائة

- ‌سنة ست وثمانين وثلاثمائة

الفصل: ‌وقال ابن خلدون في كتاب العبروديوان المبتدأ والخبر

أن معد بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد ينسب إلى ديصان بن سعيد الذي تنسب إليه الديصانية.

وأن هذا الناجم بمصر هو منصور بن نزار المتلقب بالحاكم حكم الله عليه بالبوار والخزي والدمار ابن معد بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد لا أسعده الله.

وأن من تقدمه من سلفه من الأرجاس الأنجاس عليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين أدعياء خوارج، لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه: وأن ما ادعوه من الانتساب إليه زور وباطل.

وأن هذا الناجم في مصر هو وسلفه كفار، فساق، زنادقة، ملحدون، معطلون، وللإسلام جاحدون، أباحوا الفروج، وأحلوا الخمور، وسبوا الأنبياء، وادعوا الربوبية.

وفي آخره: وكتب في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة.

‌وقال ابن خلدون في كتاب العبر

وديوان المبتدأ والخبر

ومن الأخبار الواهية ما يذهب إليه الكثير من المؤرخين في العبيديين خلفاء الشيعة بالقيروان والقاهرة، من نفيهم عن أهل البيت صلوات الله عليهم والطعن في نسبهم إلى إسماعيل الإمام بن جعفر الصادق، يعتمدون في ذلك على أحاديث لفقت للمستضعفين من خلفاء بني العباس، تزلفاً إليهم بالقدح فيمن ناصبهم، وتفننا في الشمات بعدوهم، حسب ما تذكر بعض هذه الأحاديث في أخبارهم؛ ويغفلون عن التفطن لشواهد الواقعات، وأدلة الأحوال التي اقتضت

ص: 44

خلاف ذلك من تكذيب دعواهم، والرد عليهم، فإنهم متفقون في حديثهم عن مبدأ دولة الشيعة أن أبا عبد الله المحتسب لما دعا بكتامة للرضى من آل محمد، واشتهر خبره، وعلم تحويمه على عبيد الله المهدي، وابنه أبي القاسم خشياً على أنفسهما، فهرا من المشرق محل الخلافة، واجتازا بمصر.

وأنهما خرجا من الاسكندرية في زي التجار، ونمى خبرهما إلى عيسى النوشري عامل مصر فسرح في طلبهما الخيالة، حتى إذا أدركا خفي حالهما على تابعهما بما لبسوا من الشارة والزي، فأقبلوا إلى المغرب.

وأن المعتضد أوعز إلى الأغالبة أمراء إفريقية بالقيروان، وبني مدرار أمراء سجلماسة بأخذ الآفاق عليهما، وإذكاء العيون في طلبهما، فعثر اليسع صاحب سجلماسة ابن آل مدرار على خفي مكانهما ببلده، واعتقلهما مرضاة للخليفة.

هذا قبل أن تظهر الشيعة على الأغالبة بالقيروان.

ثم كان بعد ذلك ما كان من ظهور دعوتهم بإفريقية والمغرب، ثم باليمن، ثم بالاسكندرية، ثم بمصر والشام والحجاز؛ وقاسموا بني العباس في ممالك الإسلام شق الأبلمة، وكادوا يلجون عليهم مواطنهم، ويديلون من أمرهم.

ص: 45

ولقد أظهر دعوتهم ببغداد وعراقها الأمير البساسيري من موالي الديلم المتغلبين على خلفاء بني العباس في مغاضبة جرت بينه وبين أمراء العجم، وخطب لهم على منابرها حولا كاملا.

وما زال بنو العباس يغصون بمكانهم ودولتهم، وملوك بني أميه وراء البحر ينادون بالويل والحرب منهم.

وكيف يقع هذا كله لدعي في النسب، يكذب في انتحال الأمر؟! واعتبر حال القرمطي إذ كان دعيا في انتسابه، كيف تلاشت دعوته، وتفرق اتباعه، وظهر سريعا على خبثهم ومكرهم، فساءت عاقبتهم، وذاقوا وبال أمرهم، ولو كان أمر العبيدين كذلك لعرف ولو بعد مهلة.

فمهما تكن عند امرىءٍ من خليفةٍ

وإن خالها تخفى على الناس تعلم

فقد اتصلت دولتهم نحوا من مائتين وسبعين سنة، وملكوا مقام إبراهيم ومصلاه، وموطن الرسول ومدفنه، وموقف الحجيج، ومهبط الملائكة، ثم انقرض أمرهم وشيعتهم في ذلك كله على أتم ما كانوا عليه من الطاعة لهم، والحب فيهم، واعتقادهم بنسب الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق.

ولقد خرجوا مرارا بعد ذهاب الدولة ودروس أثرها داعين إلى بدعتهم، هاتفين بأسماء صبيان من أعقابهم، يزعمون استحقاقهم للخلافة، ويذهبون إلى تعيينهم بالوصية ممن سلف قبلهم من الأئمة، ولو ارتابوا في نسبهم لما ركبوا أعناق الأخطار في الانتصار لهم، فصاحب البدعة لا يلبس في أمره، ولا يشبه في بدعته، ولا يكذب نفسه فيما ينتحله.

ص: 46

والعجب في القاضي أبي بكر الباقلاني شيخ النظار من المتكلمين يجنح إلى هذه المقالة المرجوحة، ويرى هذا الرأي الضعيف، فإن كان ذلك لما كانوا عليه من الإلحاد في الدين، والتعمق في الرافضية، فليس ذلك بدافع في صدد بدعتهم، وليس إثبات منتسبهم بالذي يغنى عنهم من الله شيئاً في كفرهم، وقد قال تعالى لنوح عليه السلام في شأن ابنه:" إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ، إِنَّه عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ، فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ به عِلْمٌ " وقال صلى الله عليه وسلم لفاطمة يعظها: يا فاطمة: اعملي: فلن أغنى عنك من الله شيئاً.

ومتى عرف أمرؤ قضية، أو استيقن أمراً، وجب عليه أن يصدع به " واللهُ يَقُولُ الحقَّ وَهُوَ يَهْدِى السبيلَ ".

والقوم كانوا في مجال لظنون الدول بهم، وتحت رقبة من الطغاة لتوفر شيعتهم، وانتشارهم في القاصية بدعوتهم، وتكرر خروجهم مرةً بعد أخرى، فلاذت رجالاتهم بالاختفاء، ولم يكادوا يعرفون. كما قيل:

فلو تسأل الأيام ما أسمى ما درت

وأين مكاني؟ ما اعرفن مكاني

حتى لقد سمى محمد بن إسماعيل الإمام جد عبيد الله المهدي بالمكتوم، سمته بذلك شيعتهم لما اتفقوا عليه من اخفائه حذرا من المتغلبين عليهم، فتوصل شيعة آل العباس بذلك عند ظهورهم إلى الطعن في نسبهم، وازدلفوا بهذا الرأي القائل إلى المستضعفين من خلفائهم، وأعجب به أولياؤهم وأمراء دولتهم، المتولون لحروبهم مع الأعداء، يدفعون به عن أنفسهم وسلطانهم معرة العجز عن المقاومة والمدافعة لمن غلبهم على الشام ومصر والحجاز من البربر الكتاميين شيعة العبيديين وأهل دعوتهم، حتى لقد أسجل القضاة ببغداد بنفيهم من هذا النسب، وشهد بذلك من أعلام الناس جماعة، منهم:

ص: 47

الشريف الرضي.

وأخوه المرتضى.

وابن البطحاوي.

ومن العلماء: أبو حامد الاسفراييني.

والقدوري.

والصيمري.

ص: 48

وابن الاكفاني.

والأبيوردي.

وأبو عبد الله بن النعمان فقيه الشيعة.

وغيرهم من أعلام الأئمة ببغداد، في يوم مشهود وذلك سنة اثنتين وأربعمائة في أيام القادر؛ وكانت شهادتهم في ذلك على السماع لما اشتهر وعرف بين الناس ببغداد، وغالبها شيعة بني العباس، الطاعنون في هذا النسب، فنقله الأخباريون كما سمعوه، وروه حسبما وعوه، والحق من ورائه.

وفي كتاب المعتضد في شأن عبيد الله إلى ابن الأغلب بالقيروان، وابن مدرار بسجلماسة أصدق شاهد، وأوضح دليل على صحة نسبهم، فالمعتضد أقعد بنسب أهل البيت من كل أحد، والدولة والسلطان سوق للعالم تجلب إليه بضائع العلوم والصنائع، وتلتمس فيه ضوال الحكم، وتحدى إليه ركائب الروايات والأخبار، وما نفق فيها نفق عند الكافة، فإن تنزهت الدولة عن التعسف والميل والإفن والشقشقة، وسلكت النهج الأمم، ولم تجر عن قصد السبيل، نفق بأسواقها الإبريز الخالص، واللجين المصفى، وإن ذهبت مع الأغراض والحقود، وماجت

ص: 49

بسماسرة البغي والباطل، نفق البهرج والزائف، والناقد البصير قسطاس نظره، وميزان بحثه وملتمسه.

قال أي ابن خلدون: وكان الإسماعيلية من الشيعة يذهبون إلى أن الإمام من ولد جعفر الصادق هو إسماعيل ابنه من بعده، وأن الإمام بعده ابنه محمد المكتوم، وبعده ابنه جعفر المصدق، وبعده ابنه محمد الحبيب، وكانوا أهل غلو في دعاويهم في هؤلاء الأئمة.

وكان محمد بن جعفر هذا يؤمل ظهور أمره والظفر بدولته.

وكان باليمن من هذا المذهب كثير بعدن في قوم يعرفون ببني موسى؛ وكذلك كان بإفريقية من لدن جعفر الصادق بمرجانة، وفي كتامة، وفي نفزة وسماتة، تلقوا ذلك من الحلواني وابن بكار داعيتي جعفر الصادق، وقدم على جعفر بن محمد والد عبيد الله

ص: 50

من أهل اليمن رجل من أولئك الشيعة، يعرف بعلي بن الفضل، فأخبره بأخبار اليمن، فبعث معه أبا القسم رستم بن الحسين بن فرج بن حوشب الكوفي من رجالات الشيعة، وقال له: ليس لليمن إلا أنت، فخرجا من القادسية سنة ثمان وستين ومائتين، ودخلا اليمن، على حين انخلع محمد بن يعفر من الملك، وأظهر التوبة، فدعوا للرضى من آل محمد، وظهرت الدعوة سنة سبعين، وتسمى أبو القاسم بالمنصور، وابتنى حصنا بجبل لاعة، وزحف بالجيوش، وفتح مدائن اليمن، وملك صنعاء، وأخرج بني يعفر، وفرق الدعاة في اليمن والبحرين، واليمامة، والسند، والهند، ومصر والمغرب.

وكان أبو عبد الله المحتسب داعي المغرب، وأصله من الكوفة، واسمه الحسين بن أحمد ابن محمد بن زكريا، من رام هرمز وكان محتسبا بسوق الغزل من البصرة، وقيل إنما المحتسب أخوه أبو العباس محمد.

ويعرف أبو عبد الله بالمعلم، كان يعلم الناس مذهب الإمامية الباطنية، واتصل بالإمام محمد بن جعفر، ورأى أهليته، فأرسله إلى ابن حوشب صاحب اليمن، وأمره بامتثال أمره، والاقتداء بسيرته، ثم يذهب بعدها إلى المغرب، ويقصد بلد كتامة، فلما بلغ إلى ابن حوشب لزمه، وشهد مجالسه، وأفاد علمه، ثم خرج مع حاج اليمن إلى مكة حتى أتى الموسم، ولقي به رجالات كتامة واختلط بهم، ووجد لديهم بذار من ذلك المذهب كما قدمنا، فاشتملوا عليه، وسألوه الرحلة فارتحل معهم إلى بلدهم، ونزل بها، وجاهر

ص: 51

بمذهبه، وأعلن إمامة أهل البيت، ودعا للرضى من آل محمد على عادة الشيعة، وأطاعته قبائل كتامة بعد فتن وحروب، ثم اجتمعوا على تلك الدعوة.

ثم هلك الإمام محمد بن جعفر بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق بعد أن عهد لابنه عبيد الله المهدي، وشاع خبر دعاته باليمن وإفريقية، وطلبه المكتفي، وكان يسكن عسكر مكرم، فانتقل إلى الشام، ثم طلب ففر بنفسه وبابنه أبي القاسم وكان غلاما حدثا، وبلغ مصر، وأراد قصد اليمن، فبلغه أن علي بن المفضل أحدث فيها الأحداث من بعد ابن حوشب، وأساء السيرة، فكره دخول اليمن، واتصل به شأن أبي عبد الله، وما فتح الله عليه بالمغرب، فاعتزم على اللحاق به؛ وسرح عيسى النوشري عامل مصر في طلبه، وكانوا خرجوا من الإسكندرية في زي التجار، فلما أدركت الرفقة خفي حالهم، بما اشتبه من الزي، فافلتوا إلى المغرب.

انتهى كلام ابن خلدون رحمه الله قال المؤلف رحمة الله عليه: وأنت إذا سلمت من العصبية والهوى، وتأملت ما قد مر ذكره من أقوال الطاعنين في أنساب القوم علمت ما فيها من التعسف والحمل مع ظهور التلفيق في الأخبار، وتبين لك منه ما تأبى الطباع السليمة قبوله، ويشهد الحس السليم بكذبه، فإنه قد ثبت أن الله تعالى لا يمد الكذاب المفتعل بما يكون سبباً لانحراف الناس إليه، وطاعتهم له على كذبه.

قال تعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ " وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ باليَمينِ ثَمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِينَ ".

وقال تعالى في الدلالة على صدقه: " أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الغَالِبُونَ ".

وقد علم أن الكذب على الله تعالى، والافتراء عليه في دعوى استحقاق الخلافة النبوية على الأمة، والإمامة لهم شرعا بكونه من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته، من

ص: 52

أعظم الجنايات، وأكبر الكبائر، فلا يليق بحكمة الله تعالى أن يظهر من تعاطى ذلك واجترأ عليه، ثم يمده في ظهوره بمعونته، ويؤيده بنصره حتى يملك أكثر مدائن الإسلام، ويورثها بنيه من بعده، وهو تعالى يراه يستظهر بهذه النعم الجليلة على كذبه، ويفتن بمخرقته العباد، ويحدث بباطله الفتن العظيمة والحروب المبيدة في البلاد، ثم يخليه تعالى وما تولى من ذلك بباطله من غير أن يشعره شعار الكذابين، ويحل به ما من عادته تعالى أن يحل بالمفسدين، فيدمره وقومه أجمعين.

كما لا يليق بحكمته تعالى أن يخذل من دعا إلى دينه، وحمل الكافة على عبادته، ولا يؤيده على إعلاء كلمته، بل يسلمه في أيدي أعداء دينه المجاهرين بكفرهم وطغيانهم، حتى يزيدهم ذلك كفراً إلى كفرهم، وضلالاً إلى ضلالهم، فإن فعله هذا بالصادق في دعائه إليه تعالى كتأييده الكاذب فيها سواء، بل الحكمة الإلهية والعادة الربانية، وسنة الله التي قد خلت في عباده، اقتضت أنه تعالى إذا رأى الكذاب يستظهر بالمحافظة على التنمس بالباطل، ويتوصل إلى إقامة دولته بالكذب، ويحيلها بالزور في ادعائه نسبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غير صحيح، وصرفه الناس عن طاعة بني العباس الثابتة أنسابهم، المرضية سيرتهم، العادلة بزعمهم أحكامهم ومذاهبهم أن يحول بينه وبين همه بذلك، ويسلبه الأسباب التي يتمكن بها من الاحتراز، ويعرضه لما يوقعه في المهلك، ويسلك به سبيل أهل البغي والفساد.

فلما لم يفعل ذلك بعبيد الله المهدي، بل كتب تعالى له النصر على من ناوأه، والتأييد بمعونته على من خالفه وعاداه، حتى مكن له في الأرض، وجعله وبينه من بعده أئمةً، وأورثهم أكثر البسيطة، وملكهم من حد منتهى العمارة في مغرب الشمس إلى آخر ملك مصر، والشام، والحجاز، وعمان، والبحرين، واليمن، وملكهم بغداد وديار بكر مدة، ونشر دعوتهم إلى خراسان، ونصرهم على عدوهم أي نصر، تبين أن دعواهم الانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحة، وهذا دليل يجب التسليم له.

وقد روى موسى بن عقبة أن هرقل لما سأل أبا سفيان بن حرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما قاله له: أتراه كاذبا أو صادقا؟ قال أبو سفيان: بل هو

ص: 53

كاذب، قال هرقل: لا تقولوا ذلك، فإن الكذب لا يظهر به أحد، " واللهُ يَقُولُ الحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ".

وقد نقل عن أئمة أهل البيت عليهم السلام الإشارة إلى أمر عبيد الله المهدي، فمن ذلك: أن موسى الكاظم بن جعفر الصادق سئل عن ظهور القائم متى يكون؟ فقال: إن ظهور القائم مثله كمثل عمود من نور سقط من السماء إلى الأرض، رأسه بالمغرب، وأسفله بالمشرق.

وكذلك كان بداية أمر المهدي عبيد الله، فإنه ابتدأ من المغرب، وانتهى أمره على يد بنيه إلى المشرق، فإنه ظهر بسجلماسة في ذي الحجة سنة تسعين ومائتين، وهي أقصى مسكون المغرب، ودعي للمستنصر ببغداد في سنة إحدى وخمسين وأربعمائة.

وكان علي بن محمد بن علي بن موسى الكاظم يقول: في سنة أربع وخمسين ومائتين ستكشف عنكم الشدة، ويزول عنكم كثير مما تجدون إذا مضت عنكم سنة اثنتين وأربعين؛ يشير بذلك إلى أن البداية من تاريخ وقته، فيكون المراد سنة ست وتسعين ومائتين، وفي ذي الحجة منها كان ظهور الإمام المهدي بالله رحمة الله عليه.

ص: 54