الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أبي يزيد مخلد بن كيداد الخارجي
وحروبه
وذلك أنه لما كان سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة خرج أبو يزيد بن كيداد النكاري الخارجي بإفريقية، واشتدت شوكته، وكثرت أتباعه، وهزم الجيوش.
وكان ابتداء أمره أنه من زناة من مدينة توزر، وكان أبوه يختلف إلى بلاد السودان للتجارة، فولد بها أبو يزيد من جارية صفراء هوارية، فأتى به إلى توزر، فنشأ بها، وتعلم القرآن، وخالط جماعة من النكارية، فمالت نفسه إلى مذهبهم، ثم سافر إلى تاهرت، فأقام بها يعلم الصبيان إلى أن خرج أبو عبد الله الشيعي إلى سجلماسة في طلب عبيد الله المهدي، فانتقل إلى تقيوس، واشترى ضيعة، وأقام يعلم الناس فيها.
وكان مذهبه تكفير أهل الملة، واستباحة الأموال والدماء، والخروج على السلطان، فابتدأ يحتسب على الناس في أفعالهم، وصار له جماعة يعظمونه، وذلك في أيام المهدي سنة ست عشرة وثلاثمائة.
وتزايدت شوكته، وكثرت أتباعه في أيام القائم، وحاصر باغاية، وهزم الجيوش الكثيرة، ثم حاصر قسطيلية سنة ثلاث وثلاثين، وفتح تبسة ومجانة، وهدم سورها، ودخل مدينة مرمجنة، فلقيه رجل من أهلها، وأهدى له حمارا أشهب مليح الصورة،
فركبه من ذلك اليوم، وصار يعرف براكب الحمار، وكان قصيرا أعرج يلبس جبة صوف قصيرة، وكان قبيح الصورة.
ثم إنه هزم كتامة، وافتتح سبتية، وصلب عاملها، وفتح مدينة الأربس، وأحرقها ونهبها، والتجأ الناس إلى الجامع فقتلهم فيه، وبلغ ذلك أهل المهدية فاستعظموه، وقالوا للقائم: الأربس باب إفريقية، ولما أخذت زالت دولة بني الأغلب، فقال: لا بد أن يبلغ أبو يزيد المصلى، وهي أقصى غايته.
وأخرج القائم الجيوش لضبط البلاد، وجمع العساكر، وبعث جيشا مع فتاه ميسور، وجيشا مع فتاه بشرى، فسار أبو يزيد وواقع بشرى على باجة، فانهزم أبو يزيد، وصار في أربعمائة، فمال إلى خيام بشرى وانتهبها، فانهزم بشرى إلى تونس وقتل كثير من عسكره، وملك أبو يزيد باجة، وحرقها، ونهبها، وقتل الأطفال، وأخذ النساء، وكتب إلى القبائل يدعوهم إلى نفسه فأتوه، وعمل الأخبية والبنود وآلات الحرب.
وجمع بشرى جيشا وأنفذه إلى أبي يزيد، فسير إليهم أبو يزيد جيشا، والتقوا، وانهزم أصحاب أبي يزيد.
وكانت فتنة بتونس، وهرب عاملها، وكاتبوا أبا يزيد فأمنهم، وولى عليهم رجلا منهم، فخافه الناس، وانتقلوا إلى القيروان، وأتاه كثير منهم، ثم لقيه بشرى، فانهزم عسكر أبي يزيد، وقتل منهم أربعة آلاف، وأسر خمسمائة، وبعث بهم إلى المهدية في السلاسل، فقتلهم العامة.
فغضب لذلك أبو يزيد، وجمع الجموع.
وسار إلى قتال الكتاميين فتلاقى مع طلائعهم، فانهزمت الطلائع، وتبعهم البربر إلى رقادة، فنزل أبو يزيد بالقرب من القيروان في مائة ألف مقاتل، وقاتل أهل رقادة، فقتل من أهل القيروان خلقا كثيرا، ودخل القيروان عسكره في أواخر صفر، فانتهبوا البلد وقتلوا، وأخذ عامل القيروان فحمل إلى أبي يزيد فقتله.
وخرج شيوخ القيروان إلى أبي يزيد وهو برقادة فطلبوا الأمان فماطلهم، وأصحابه يقتلون وينهبون، فعادوا إلى الشكوى وقالوا: خربت المدينة.
فقال: وما تكون؟ خربت مكة والبيت المقدس؟!
ثم قدم ميسور في عساكر عظيمة، فالتقى بأبي يزيد، واشتد القتال بينهما، وقتل ميسور، وحمل رأسه إلى أبي يزيد، فانهزم عامة عسكره.
وسير أبو يزيد الكتب إلى عامة البلاد يخبر بهذا الظفر فخاف القائم ومن معه بالمدينة، وانتقل الناس من أرباضها، فاحتموا بالسور، فمنعهم القائم، ووعدهم الظفر، فعادوا إلى زويلة واستعدوا، وأقام أبو يزيد شهرين وثمانية أيام في خيم ميسور، وهو يبعث السرايا إلى كل ناحية، فيغنمون ويعودون؛ وفتح سوسة بالسيف، وقتل الرجال، وسبى النساء، وأحرق البلد، وشق أصحابه فروج النساء، وبقروا البطون، حتى لم يبق موضع في إفريقية معمور، ولا سقف مرفوع، ومضى جميع من بقى إلى القيروان حفاة عراة، فمات أكثرهم جوعا وعطشا.
وفي أواخر ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة حفر القائم الخنادق حول أرباض المهدية، وكتب إلى زيرى بن مناد سيد صنهاجة، وإلى سادات كتامة والقبائل بحثهم على الاجتماع بالمهدية، فتأهبوا للمسير إليه.
ورحل أبو يزيد نحو المهدية، فنزل على خمسة عشر ميلا منها، وبث سراياه فانتهبوا ما وجدوا، وقتلوا من أصابوا.
فلما كان يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الأولى من السنة خرجت كتامة وأصحاب القائم إلى أبي يزيد، فالتقوا على ستة أميال من المهدية، واقتتلوا مع أصحاب أبي يزيد، وأدركهم أبو يزيد وقد انهزم أصحابه وقتل كثير منهم، فلما رآه الكتاميون انهزموا من غير قتال، وأبو يزيد في أثرهم إلى باب الفتح.
واقتحم قوم من البربر باب الفتح، وأشرف أبو يزيد على المهدية، ثم رجع إلى منزله، وعاد إلى المهدية، ووقف على الخندق المحدث، وقاتل عليه حتى وصل إلى باب المهدية عند المصلى الذي للعيد وبينه وبين المهدية رمية سهم، وتفرق أصحابه في زويلة ينهبون ويقتلون، وهم لا يعلمون ما صنع أبو يزيد في ذلك الجانب، فحمل الكتاميون على البربر، وهزموهم وقتلوا منهم.
ووصل زيرى بن مناد فعظم القتال، وتحير أبو يزيد، وقد مالوا عليه ليقتلوه، فتخلص إلى منزله بعد المغرب، ورحل إلى ترنوطة، وحفر على عسكره خندقا، واجتمع
إليه خلق عظيم من إفريقية والبربر ونفوسة، والزاب، وأقاصي المغرب، فحصر المهدية حصاراً شديداً، ومنع الناس من الدخول إليها والخروج منها.
ثم زحف إليها لسبع بقين من جمادى الآخرة، فجرى قتال عظيم قتل فيه جماعة من وجوه عسكر القائم، واقتحم أبو يزيد بنفسه حتى وصل قرب الباب، فعرفه بعض العبيد فقبض على لجامه وصاح: هذا أبو يزيد فاقتلوه.
فأتاه بعض أصحابه وقطع يد العبد وخلص أبو يزيد؛ وكتب إلى عامل القيروان بإرسال مقاتلة أهلها إليه، ففعل ذلك، وزحف بهم آخر رجب، فجرى قتال شديد، وانهزم أبو يزيد هزيمة منكرة، وقتل جماعة من أصحابه وأكثر أهل القيروان.
ثم زحف الزحفة الرابعة في العشر الآخر من شوال، فجرى قتال عظيم، وانصرف إلى منزله، وكثر خروج الناس إليه من الجوع والغلاء، ففتح عند ذلك القائم الأهراء التي عملها أبوه المهدي، وفرق ما فيها على رجاله، وعظم البلاء على الرعية، حتى أكلوا الدواب الميتة، وخرج من المهدية أكثر السوقة والتجار، ولم يبق بها سوى الجند، فكان البربر يأخذون من خرج، ويشقون بطونهم طلباً للذهب.
ثم وصلت كتامة فنزلت بقسطنطينة، فخاف أبو يزيد، وكان البربر يأتون إلى أبي يزيد من كل ناحية فينهبون ويرجعون إلى منازلهم، حتى أفنوا ما كان في إفريقية، فلما لم يبق مع أبي يزيد سوى أهل أوراس وبني كملان أخرج عسكره، فكان بينهم قتال شديد لست خلون من ذي القعدة، ثم صبحوهم من الغد فلم يخرج إليهم أحد.
ثم زحفت عساكر القائم إليه، فخرج من خندقه، واشتد بينهم القتال، ثم عادوا إلى