المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أقوال الزهاد والصوفية أهل الاتباع وسلفهم: - اجتماع الجيوش الإسلامية - ط عطاءات العلم - الكتاب

[ابن القيم]

الفصل: ‌أقوال الزهاد والصوفية أهل الاتباع وسلفهم:

‌أقوال الزهاد والصوفية أهل الاتباع وسلفهم:

قول ثابت البناني شيخ الزهاد:

قال محمد [ب/ق 69 أ] بن عثمان في «رسالته»

(1)

: صح عنه أنه قال: كان داود يطيل الصلاة ثم يركع ثم يرفع رأسه إلى السماء، ثم يقول: إليك رفعت رأسي نظر العبيد إلى أربابها، يا ساكن السماء

(2)

.

رواه اللالكائي

(3)

بإسناد صحيح عنه.

ورواه

(4)

الإمام أحمد أيضًا في كتاب «الزهد»

(5)

.

وهذا الرفع إن كان في الصلاة فهو منسوخ بشرعنا

(6)

، وإن كان بعد الصلاة فهو جائز، كرفع اليدين في الدعاء إلى الله عز وجل.

قول مالك بن دينار:

قد أسلفنا عنه

(7)

أنه كان يقول: خذوا، فيقرأ، ثم يقول: اسمعوا إلى

(1)

العرش (2/ 198)(133)، وانظر: العلو. (1/ 552) رقم (125).

(2)

تقدم تخريجه في قول داود عليه السلام (ص/94).

(3)

في شرح أصول الاعتقاد، رقم (669).

(4)

سقط من (أ، ت، ع): «ورواه الإمام أحمد أيضًا في كتاب الزهد» .

(5)

رقم (543)، وهو من زوائد عبد الله بن الإمام أحمد على «الزهد» لأبيه.

(6)

في (مط): «في شرعنا» .

(7)

في أقوال التابعين (ص/188).

ص: 412

قول الصادق من فوق عرشه.

رواه أبو نعيم في الحلية

(1)

بإسناد صحيح عنه

(2)

.

وروى ابن أبي الدنيا

(3)

عنه قال: قرأت في بعض الكتب: إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم خيري ينزل إليك، وشرُّك يصعد إليّ، وأتحبب إليك بالنعم وتتبغض إليّ بالمعاصي، ولا يزال ملك كريم يعرج إليّ منك بعمل قبيح.

قول سليمان التيمي:

قال البخاري في كتاب «خلق أفعال العباد»

(4)

قال: ـ ضمرة بن ربيعة عن صدقة عن سليمان سمعته يقول: لو سئلت أين الله؟ لقلت: في السماء. ولو سئلت أين كان العرش قبل السماء؟ لقلت: على الماء. ولو سئلت: أين كان [عرشه]

(5)

قبل الماء؟ لقلت: لا أدري.

قول شريح بن عبيد:

روى عنه أبو الشيخ بإسناد صحيح أنه كان يقول: ارتفع إليك

(1)

في (ب، ظ): «في الحلية حلية الأولياء» .

(2)

سقط من (أ، ت، ع). وصحح الذهبي إسناده في «العرش» (2/ 199).

(3)

في كتاب: «الشكر» رقم (43)، وقد تقدم في (ص/188 - 189).

(4)

(ص/24، 25)، رقم (64) تعليقًا. وقد تقدم تخريجه (ص/183).

(5)

من خلق أفعال العباد.

ص: 413

ثغاء

(1)

التسبيح، وصعد إليك وقار التقدس، سبحانك ذا الجبروت، بيدك الملك والملكوت، والمفاتيح والمقادير

(2)

.

قول عبيد بن عمير:

روى عبد الله بن أحمد في «كتاب السنة»

(3)

له من حديث حجاج عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير أنه قال: ينزل الرب عز وجل شطر الليل إلى سماء

(4)

الدنيا، فيقول: من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى إذا كان الفجر صعد الرب عز وجل.

قول الفضيل بن عياض:

قال الأثرم في كتاب «السنة» : حدثنا [ظ/ق 63 ب] إبراهيم بن الحارث [ب/ق 69 ب] يعني العبادي حدثني الليث بن يحيى قال: سمعت إبراهيم بن الأشعث يقول: قال أبو بكر صاحب الفضيل: سمعت الفضيل بن عياض يقول: ليس لنا أن نتوهَّم في ذات

(5)

الله كيف وكيف؛ لأن الله وصف نفسه فأبلغ فقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ

(1)

في (ع): «ثناء» وهو تصحيف.

(2)

أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في «العظمة» (1/ 397) رقم (107).

(3)

(2/ 272) رقم (507)، وقد تقدم تخريجه في أقوال المفسرين (ص/399).

(4)

سقط من (ب).

(5)

من (ظ) فقط.

ص: 414

يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، فلا صفة أبلغ مما وصف الله به نفسه، وكذا النزول والضحك والمباهاة والاطلاع: كما شاء أن ينزل، وكما شاء أن يباهي، وكما شاء أن يطلع

(1)

، وكما شاء أن يضحك، فليس لنا أن نتوهم كيف وكيف، وإذا قال لك الجهمي: أنا كفرت برب يزول عن مكانه. فقل أنت: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء

(2)

.

وقد ذكر هذا الكلام الأخير عن الفضيل البخاري في كتاب «خلق الأفعال»

(3)

فقال: وقال الفضيل بن عياض: إذا قال لك الجهمي فذكره.

قول يحيى بن معاذ الرازي:

قال: الله تعالى على العرش بائن من الخلق، قد أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، ولا يشك في هذه المقالة إلا جهمي رديء ضليل، وهالك مرتاب، يمزج الله بخلقه، ويخلط منه الذات بالأقذار والأنتان

(4)

.

(1)

سقط من (ب، ظ، ع): «وكما شاء أن يطَّلع» .

(2)

أخرجه الأثرم في السنة كما في مجموع الفتاوى لابن تيمية (5/ 61، 62).

وأخرجه أيضًا بإسناد آخر أبو إسماعيل الهروي في كتاب «الفاروق» كما في الفتاوى (5/ 62).

(3)

(ص/42)، رقم (61)، ومن طريقه: الصابوني (ص/65).

(4)

أخرجه أبو إسماعيل الأنصاري الهروي، كما في مجموع الفتاوى (5/ 49)، والعلو للذهبي (2/ 1164) رقم (469).

ص: 415

قول عطاء السُّلَيمي:

ثبت أنه كان لا يرفع رأسه إلى السماء حياءً من الله عز وجل

(1)

، ومن هذا نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم المصلي عن رفع بصره إلى السماء

(2)

، تأدُّبًا مع الله عز وجل، وإطراقًا بين يديه وإجلالًا له، كما يقف العبيد بين يدي الملوك، ولا يرفعون رؤوسهم إليهم إجلالًا لهم، فإذا ضُمَّ هذا إلى رفع الأيدي في الرغبات والرهبات، وتوجه القلوب إلى العلو دون اليمنة واليسرة والخلف والأمام= أفاد العلم بأن هذا فطرة الله التي فطر الناس عليها.

قول أبي عبيدة الخوَّاص:

ذكر أبو نعيم

(3)

وابن الجوزي

(4)

عنه أنه مكث كذا وكذا سنة لم يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله.

(1)

أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (6/ 221) بنحوه.

وعطاء هو: العبدي، أدرك أنس بن مالك رضي الله عنه، وكان عابدًا زاهدًا بكَّاءً.

(2)

فقال: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم» فاشتد قوله، حتى قال:«لينْتهُنَّ عن ذلك، أو لتخطفنَّ أبصارهم» . أخرجه البخاري رقم (717).

(3)

لم أقف عليه في ترجمته من حلية الأولياء (8/ 281، 282)، فلعله في كتاب آخر له، وأبو عبيدة: هو عبَّاد بن عباد أبو عتبة اشتهر بأبي عبيدة، من العُبَّاد والزهاد.

(4)

في صفوة الصفوة (4/ 132).

ص: 416

قول بشر الحافي:

صحَّ عنه

(1)

أنه قال: «إني لأرفع يديَّ إلى الله ثم أردها، وأقول: إنما يفعل هذا من له جاه عنده»

(2)

.

قول ذي النون المصري:

روى أبو الشيخ في كتاب «العظمة»

(3)

بإسناده عنه قال: أشرقت لنوره [ب/ق 70 أ] السماوات، وأنار بوجهه الظلمات، وحجب جلاله عن العيون، وناجته على عرشه ألْسِنة الصدور.

فإن قيل: فقد نقل القُشَيري

(4)

عن ذي النون أنه سُئِل عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] فقال: أثبت ذاته ونفى مكانه، وهو موجود بذاته، والأشياء موجودة بحكمه

(5)

كما شاء

(6)

.

(1)

انظر صفة الصفوة (2/ 218).

(2)

فعلُه ذلك مردود، ومخالفة صريحة للشرع، لأنه يقتضي غلق باب الدعاء فلا طلب مغفرة ولا سؤال حاجَة، ولا تضرع ولا مناجاة

(3)

(1/ 398) تعليقًا بعد رقم (107).

(4)

هو أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن النيسابوري الشافعي محدِّث أصولي فقيه، كان صوفيًّا على مذهب الأشعري في الاعتقاد، توفي سنة 465 هـ.

انظر: المنتخب من السياق في تاريخ نيسابور (ص/365، 366)، رقم (1104).

(5)

في (ع، مط): «بحكمته» ، والمثبت من باقي النسخ، والرسالة.

(6)

انظر: الرسالة القشيرية (ص/17).

ص: 417

قيل: القشيري لم يذكر لهذه الحكاية إسنادًا، وما ذكرناه

(1)

مسند عنه، وفي كتب التصوف من الحكايات المكذوبة ما الله به عليم.

قال شيخ الإسلام

(2)

: وهذا النقل باطل، فإن هذا الكلام ليس [ظ/ق 64 أ] فيه مناسبة للآية؛ بل هو مناقض لها، فإن هذه الآية لم تتضمن إثبات ذاته ونفي مكانه بوجه من الوجوه، فكيف تفسَّر بذلك؟

قال: وأما قوله: هو موجود بذاته، والأشياء موجودة بحكمه

(3)

= فحق، ولكن ليس هو معنى الآية».

قول الحارث بن أسد

(4)

المحاسبي:

قال: وأما قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5]، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام/18]، {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك/16]، {إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء/42]، فهذه وغيرها مثل قوله:{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج/4]، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر/ 10]. هذا يوجب أنه فوق العرش وفوق الأشياء كلها، متنزه عن الدخول في خلقه، لا يخفى

(1)

في (ظ): «ذكرنا» .

(2)

ابن تيمية في كتاب «الاستقامة» (1/ 188).

(3)

في (ع، مط): «بحكمته» .

(4)

ليس في (ب): «بن أسد» .

ص: 418

عليه منهم خافية، لأنه أبان في هذه الآيات [أنَّ ذاته بنفسه]

(1)

فوق عباده؛ لأنه قال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [الملك/16] يعني: فوق العرش، والعرش على السماء، لأن من كان فوق شيء على السماء، فهو في السماء وقد قال:{فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة/2]، يعني: على الأرض، لا يريد الدخول في جوفها

(2)

، وكذلك قوله:{يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} [المائدة/26]، يعني: على الأرض، وكذلك قوله تعالى:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه/71] يعني: فوقها عليها

(3)

.

وقال في موضع آخر: «فبيَّن عروج الأمر وعروج الملائكة، ثم وصف وقت عروجها بالارتفاع صاعدة إليه، فقال:{فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ} [المعارج/4]، فذكر صعودها إليه ووصولها بقوله

(4)

إليه، كقول القائل: اصعد إلى فلان في ليلة [ب/ق 70 ب] أو يوم، وذلك أنه في العلو وأن صعودك إليه في يوم، فإذا صعدوا إلى العرش فقد صعدوا إلى الله عز وجل، وإن كانوا لم

(1)

اضطربت النسخ في هذه العبارة، وفي الفتاوى:«أنه أراد أنه بنفسه» والمثبت من «فهم القرآن» .

(2)

في (ظ): «الأرض» .

(3)

انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (5/ 68) نقله من كتاب المحاسبي «فهم القرآن» .

(4)

سقط من (ب، ع)، وفي «الفتاوى» و «فهم القرآن»:«وفصله من قوله إليه» .

ص: 419

يروه ولم يساووه

(1)

في الارتفاع في علوه، فإنهم صعدوا من الأرض وعرجوا بالأمر إلى العلو الذي الله تعالى فوقه. وقال تعالى:{بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء/158] ولم يقل عنده. وقال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} ثم استأنف فقال: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر/36، 37] يعني: فيما قال إن إلهه فوق السماوات، فبيَّن الله عز وجل أن فرعون ظنّ بموسى أنه كاذب فيما قال له، وعمد إلى طلبه حيث قال له؛ مع الظن بموسى أنه كاذب. ولو أن موسى قال: إنه في كل مكان بذاته لطلبه في نفسه

(2)

، فتعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، ولم يجهد نفسه ببناء الصرح

(3)

»

(4)

.

قول إمام الصوفية في وقته

(5)

الإمام العارف أبي عبد الله عمرو

(6)

ابن عثمان المكي:

قال في كتابه «آداب المريدين والتعرف لأحوال العباد

(7)

» في باب:

(1)

في (أ، ت): «يساوه» .

(2)

في «فهم القرآن» والفتاوى «في بيته أو بدنه أو حُشِّه» بدل «نفسه» .

(3)

قوله: «ولم يجْهِد نفسه ببناء الصَّرح» من (ب)، والفتاوى.

(4)

انظر: مجموع الفتاوى (5/ 69).

(5)

ليس في (ب) قوله: «في وقته» .

(6)

وقع في جميع النسخ: «محمد» وهو خطأ.

(7)

في جميع النسخ «العبادة» ، والتصويب من المصادر.

ص: 420

ما يجيء به الشياطين للتائبين من الوسوسة.

«وأما الوجه الثالث الذي يأتي به الناس إذا هم امتنعوا عليه واعتصموا بالله: فإنه يوسوس لهم [ظ/ق 64 ب] في أمر الخالق؛ ليفسد عليهم أصول التوحيد ــ وذكر كلامًا طويلًا إلى أن قال: ــ فهذا من أعظم ما يوسوس به في التوحيد بالتشكيك، أو في

(1)

صفات الرب بالتشبيه والتمثيل، أو بالجحد لها والتعطيل، وأن يدخل عليهم مقاييس عظمة الرب بقدر عقولهم فيهلكوا

(2)

، أو يضعضع أركانهم إن لم

(3)

يلجأوا في ذلك إلى العلم وتحقيق المعرفة بالله عز وجل من حيث أخبر عن نفسه ووصف به نفسه ووصفه به رسوله، فهو تعالى القائل: أنا الله، لا الشجرة، الجائي هو لا أمره، المستوي على عرشه بعظمة جلاله

(4)

دون كل مكان، الذي كلَّم موسى تكليمًا وأراه من آياته عظيمًا، فسمع موسى كلام الله الوارث لخلقه، السميع لأصواتهم، الناظر بعينه إلى أجسامهم، يداه مبسوطتان وهما غير نعمته وقدرته، خلق آدم بيده»، ثم ساق كلامًا

(1)

في (ب): «وفي» ، وفي (ع):«في» .

(2)

في نقض التأسيس: «فيهلكوا إن قبلوا» .

(3)

في (ب): «إلا أن» ، وفي (ع):«إذا لم» .

(4)

في (ع): «بعظمته جل جلاله» ، وفي (مط):«بعظمته وجلاله» وهو الموافق لما في نقض التأسيس، والمثبت هو الموافق لما في العلو للذهبي.

ص: 421

طويلًا في السنة

(1)

.

وهو رحمه الله من نظراء الجُنَيد [ب/ق 71 أ]، وأعيان مشايخ القوم، توفي سنة إحدى وتسعين ومائتين ببغداد

(2)

.

قول أبي جعفر الهمداني الصوفي:

ذكر محمد بن طاهر المقدسي محدّث الصوفية في كتابه عنه أنه حضر مجلس أبي المعالي الجويني وهو يقول: كان الله ولا عرش، وهو الآن على ما كان عليه

(3)

، وكلامًا من هذا المعنى

فقال: يا شيخ دعنا من ذكر العرش، وأخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا، فإنه ما قال عارف قط: يا الله إلا وجد في

(4)

قلبه ضرورة بطلب

(5)

العلو لا

(6)

يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف ندفع هذه الضرورة عن قلوبنا؟ قال: فصرخ أبو المعالي ولطم على رأسه، وقال: حيَّرني الهمداني، حيَّرني

(1)

ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في «نقض التأسيس» (5/ 59، 60)، وفي مجموع الفتاوى (5/ 62 ـ 65)، والذهبي في العلو (2/ 1225) رقم (489).

(2)

انظر: طبقات الصوفية للسلمي (ص/200 ـ 205)، وحلية الأولياء (10/ 291 ـ 296).

(3)

في (أ، ب، ت، ظ): «على ما عليه كان» ، والمثبت من (ع، مط) والمصادر.

(4)

في (ب، ظ): «من» . والمثبت أولى.

(5)

في (ب، ظ): «تطلب» .

(6)

في (ب، ع): «ولا» .

ص: 422

الهمداني

»

(1)

.

قول الإمام العارف معمر بن أحمد الأصبهاني شيخ الصوفية في أواخر المائة الرابعة:

قال في رسالة له: أحببت أن أُوصي أصحابي بوصية من السنة، وموعظة من الحكمة، وأجمع ما كان عليه أهل الحديث والأثر، وأهل المعرفة والتصوف من المتقدمين والمتأخرين، قال فيها: وأن الله استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل، والاستواء معقول، والكيف مجهول، وأنه عز وجل بائن من خلقه، والخلق بائنون منه، بلا حلول ولا ممازجة ولا اختلاط ولا ملاصقة؛ لأنه الفرد البائن من الخلق، الواحد الغني عن الخلق، وأن الله سميع بصير عليم خبير، يتكلم ويرضى ويسخط ويضحك ويعجب، ويتجلى لعبادة يوم القيامة ضاحكًا، وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا كيف شاء، فيقول: هل من داع فأستجيب له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ حتى يطلع الفجر. ونزول الرب [ظ/ق 65 أ]

(1)

ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (2/ 642، 643)، وفي نقض التأسيس (4/ 518، 519)، وفي مجموع الفتاوى (4/ 44)، وفي الاستقامة (1/ 167).

وذكرها الذهبي في العلو (2/ 1347)(538)، وفي سير أعلام النبلاء (18/ 477) بسنده.

قال الألباني: إسناد هذه القصة صحيح، مسلسل بالحفاظ. مختصر العلو.

ص: 423

إلى السماء بلا كيف

(1)

ولا تشبيه ولا تأويل، فمن أنكر النزول أو تأول فهو مبتدع ضال

(2)

.

قول الشيخ الإمام العارف قدوة العارفين الشيخ عبد القادر الجيلي قدس الله روحه:

قال في كتابه «تحفة المتقين وسبيل العارفين» في باب: اختلاف المذاهب [ب/ق 71 ب] في صفات الله عز وجل، وفي ذكر اختلاف الناس في الوقف عند قوله:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران/7] إلى أن قال: والله تعالى بذاته فوق العرش، وعلمه محيط بكل مكان، والوقف عند أهل الحق على قوله:{إِلَّا اللَّهُ} ، وقد رُويَ ذلك عن فاطمة

(3)

بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا الوقف حسن لمن اعتقد أن الله بذاته على العرش، ويعلم ما في السماوات والأرض ــ إلى أن قال: ــ ووقف جماعة من منكري استواء الرب عز وجل على قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ} [طه/5] وابتدأوا بقوله: {اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} يريدون بذلك نفي

(1)

في (أ، ب، ت، ع): «تكييف» ، والمثبت أولى كما في المصادر.

(2)

ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (6/ 256، 257)، وفي نقض التأسيس (1/ 212، 213)، (5/ 65، 66)، وفي مجموع الفتاوى (5/ 191).

(3)

لم أقف عليه.

ص: 424

الاستواء الذي وصف

(1)

به نفسه، وهذا خطأ منهم؛ لأن الله تعالى استوى على العرش بذاته.

وقال في كتابه «الغنية» : أما معرفة الصانع

(2)

بالآيات والدلالات على وجه الاختصار فهو: أن يُعرف بتيقن أن الله واحد أحد ــ إلى أن قال: ــ وهو بجهة العلو، مستو على العرش، محتوٍ على الملك، محيط علمه بالأشياء:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر/10]، {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة/5]»

(3)

.

«ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان، بل يقال: إنه في السماء على العرش استوى، [كما]

(4)

قال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] ــ وساق آيات وأحاديث ثم قال: ــ وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل، وأنه استواء الذات على العرش، ثم قال: وكونه على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل بلا كيف». وهذا نص كلامه في «الغنية»

(5)

.

(1)

في (ب): «وصف الله» .

(2)

في (ب): «الطبائع» وهو خطأ.

(3)

انظر: الغنية لطالبي طريق الحق عز وجل (1/ 48).

(4)

من الغنية.

(5)

(1/ 50).

ص: 425

قول أبي

(1)

عبد الله بن خفيف الشيرازي إمام الصوفية في وقته:

قال في كتابه الذي سمَّاه «اعتقاد التوحيد بإثبات الأسماء والصفات» . قال في آخر خطبته: فاتفقت أقوال المهاجرين والأنصار في توحيد الله ومعرفة أسمائه وصفاته وقضائه وقدره قولًا واحدًا وشرطًا

(2)

ظاهرًا، وهم الذين نقلوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك حين قال:«عليكم بسنتي»

(3)

،

فكانت كلمة الصحابة على الاتفاق من غير اختلاف، وهم الذين أُمِرنا بالأخذ عنهم، إذ لم يختلفوا بحمد الله في أحكام التوحيد وأصول الدين من الأسماء [ظ/ق 65 ب] والصفات [ب/ق 72 أ] كما اختلفوا في الفروع، ولو كان منهم في ذلك اختلاف لنُقل إلينا كما نُقل إلينا سائر الاختلاف. ثم ذكر حديث «يُلقى في النار وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع الجبار فيها رجله

(4)

»

(5)

، وحديث:«الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدُر قدره إلا الله» ، ثم

(1)

سقط من جميع النسخ.

(2)

كذا في جميع النسخ، وفي الفتاوى «وشرعًا» .

(3)

أخرجه أحمد (28/ 367، 375) رقم (17142، 17145)، وأبو داود (4607)، وابن ماجه (43)، والترمذي عقب حديث (2676)، وابن حبان (5) وغيرهم.

والحديث صححه: الترمذي وابن حبان والحاكم وابن عبد البر والضياء المقدسي وأبو نعيم وغيرهم.

(4)

كذا في جميع النسخ، وجاء في نسخة على حاشية (ع):«قدمه» .

(5)

والحديث تقدم تخريجه (ص/243).

ص: 426

ذكر حديث الصورة، إلى أن قال: ونعتقد أن الله قبض قبضتين فقال: «هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار»

(1)

ــ إلى أن قال: ــ ومما نعتقد: أن الله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الآخر، فيبسط يديه ويقول: هل من سائل؟» الحديث

(2)

، وليلة النصف

(3)

وعشية عرفة وذكر الحديث في ذلك، ونعتقد أن الله يتولى حساب الخلق بنفسه

(4)

، ونعتقد أن الله خص محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم بالرؤية واتخذه خليلًا

(5)

.

قول شيخ الإسلام أبي إسماعيل عبد الله الأنصاري صاحب كتاب «منازل السائرين» و «الفاروق» و «ذم الكلام» وغيره.

صرَّح في كتابه

(6)

: بلفظ الذات في العلو، وأنه استوى بذاته على عرشه، قال:«ولم تزل أئمة السلف تصرح بذلك» .

ومن أراد معرفة صلابته في السنة والإثبات فليطالع كتابيه «الفاروق» و «ذم الكلام» .

(1)

أخرجه الفريابي في القدر (22)، ولا يثبت. راجع (ص/256).

(2)

تقدم تخريجه (ص/227).

(3)

قال ناسخ (ظ): «يعني: من شعبان» .

(4)

قوله: «ونعتقد أن الله يتولى حساب الخلق بنفسه» من (مط).

(5)

ذكره شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (5/ 71 ـ 77).

(6)

«الصفات» «باب استواء الله على عرشه فوق السماء السابعة، بائنًا من خلقه من الكتاب والسنة» كما في نقض التأسيس (5/ 69).

ص: 427

قول شيخ الصوفية والمحدثين أبي نعيم صاحب كتاب «حلية الأولياء»

(1)

:

قال في «عقيدته» : «وأن الله سميع بصير، عليم خبير، يتكلم ويرضى، ويسخط ويضحك

(2)

ويعجب، ويتجلَّى لعباده يوم القيامة ضاحكًا، وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا كيف يشاء، فيقول: هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ حتى يطلع الفجر، ونزول الرب تعالى إلى سماء الدنيا بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل، فمن أنكر النزول أو تأول فهو مبتدع ضال، وسائر الصفوة العارفين على هذا.

ثم قال: وأن الله استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل، فالاستواء معقول، والكيف مجهول، وأنه سبحانه بائن من خلقه، وخلقه بائنون منه، بلا حلول ولا ممازجة، ولا اختلاط ولا ملاصقة؛ لأنه الفرد البائن من الخلق، الواحد الغني عن الخلق»

(3)

.

(1)

في (ب): «الحلية» ، وهو خطأ.

(2)

من (أ، ت، ع، مط).

(3)

كذا في جميع النسخ!. نسب هذا الكلام من قوله: «وأن الله سميع بصير

» إلى هنا، لأبي نعيم الأصبهاني، والمعروف أن هذا الكلام جاء ضمن وصيَّة معمر بن أحمد بن زياد الأصبهاني لأصحابه ـ كما تقدم قريبًا (ص/423) ونقله شيخ الإسلام في كتبه. وأيضًا لما نقل شيخ الإسلام ابن تيمية والذهبي اعتقاد أبي

=

=

نعيم من رسالته لم يذكرا هذا الكلام، وإنما اكتفيا بالنقل عنه بالكلام الآتي فقط: «طريقنا طريق

». فلعل المؤلف لمَّا رأى كلمة «الأصبهاني» في اسم «معمر» انتقل ذهنه إلى أبي نعيم الأصبهاني فأثبته. والله أعلم.

ص: 428

وقال أيضًا: طريقنا

(1)

طريق السلف المتبعين للكتاب والسنة وإجماع الأُمة ــ وساق ذكر اعتقادهم ثم قال: ــ وإن مما اعتقدوه أن الله في سمائه دون أرضه، وساق بقيته

(2)

.

قول الإمام يحيى بن عمار [ب/ق 72 ب] السجزي، شيخ أبي

(3)

إسماعيل الأنصاري إمام الصوفية في وقته:

قال في رسالته في السنة بعد كلام: بل نقول: هو بذاته على العرش، وعلمه محيط بكل شيء، وسمعه وبصره وقدرته مدركة لكل شيء [ظ/ق 66 أ] وهو معنى قول الله تعالى:{وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد/4]، ورسالته موجودة مشهورة.

(1)

سقط من (ع)، وفي (ب):«طريقنا» وهو تصحيف.

(2)

ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في نقض التأسيس (1/ 212)، ودرء تعارض العقل والنقل (6/ 252)، ومجموع الفتاوى (5/ 60، 190، 191)، وذكره الذهبي في العلو (2/ 1305) رقم (521).

(3)

سقط من (ت، ع).

ص: 429

قول

(1)

عتبة الغلام

(2)

:

قال محمد بن فهد المديني: كان عتبة يصلي هذا الليل الطويل، فإذا فرغ رفع رأسه إلى السماء، وقال: سيدي إن تعذبني فإني أحبك، وإن تعف عني فإني أحبك

(3)

.

أقوال الشارحين لأسماء الله الحسنى:

قول القرطبي في شرحه

(4)

:

قال: وقد كان الصدر الأول لا ينفون الجهة، بل نطقوا هم والكافَّة بإثباتها لله تعالى، كما نطق كتابه وأخبر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على العرش حقيقة، وخص العرش بذلك دون غيره؛ لأنه أعظم مخلوقاته، وإنما جهلوا كيفية الاستواء، فإنه لا تُعلم حقيقته كما قال مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عن الكيف بدعة. وكذلك قالت أم سلمة.

(1)

سقط قول عتبة الغلام كاملًا من (أ، ع).

(2)

هو عُتبة بن أبان بن صمعة كان من عُبَّاد أهل البصرة وزهَّادهم، جالَسَ الحسن البصري وأخذ عنه هديه في العبادة. انظر: الحلية (6/ 235).

(3)

أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء (6/ 235).

(4)

واسمه «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى» (2/ 121 ــ 132).

ص: 430

ثم ذكر كلام أبي بكر الحضرمي

(1)

في رسالته التي سمَّاها: «بالإيماء إلى مسألة الاستواء» ، وحكايته عن القاضي عبد الوهاب أنه استواء الذات على العرش.

وذكر أن ذلك قول القاضي أبي بكر بن الطيب الأشعري كبير الطائفة، وأن القاضي عبد الوهاب نقله عنه نصًّا، وأنه قول الأشعري وابن فورك في بعض كتبه، وقول الخطابي

وغيره من الفقهاء والمحدثين.

قال القرطبي: وهو قول أبي عمر بن عبد البر والطلمنكي وغيرهما من الأندلسيين.

ثم قال ـ بعد أن حكى أربعة عشر قولًا ــ: وأظهر الأقوال ما تظاهرت عليه الآي والأخبار، وقاله

(2)

الفضلاء الأخيار: أن الله على عرشه كما أخبر في كتابه وعلى لسان نبيه بلا كيف، بائن من جميع خلقه. هذا مذهب السلف الصالح فيما نقل عنهم الثقات

(3)

.

(1)

في (ب): «الخضري» ، وفي (أ، ت، ع): «الخضر» وكلاهما تصحيف.

(2)

في (ب، ظ): «وقالت» ، وجاء في (مط، ع): «وقال جميع» .

(3)

انظر: الجامع لأحكام القرآن (7/ 219، 220).

ونقله عن القرطبي من الكتابين شيخ الإسلام ابن تيمية في نقض التأسيس (1/ 70 ـ 174)، وفي درء تعارض العقل والنقل (6/ 258).

ص: 431

أقوال أئمة أهل

(1)

الكلام من أهل الإثبات المخالفين للجهمية والمعتزلة

(2)

والمعطلة:

قول الإمام أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كُلَّاب:

إمام الطائفة الكُلَّابية، كان من أعظم أهل الإثبات للصفات والفوقية وعلو الله على عرشه، مُنكِرًا لقول الجهمية، وهو أول من عُرف عنه إنكار قيام الأفعال [ب/ق 73 أ] الاختيارية بذات الرب تعالى، وأن القرآن معنى قائم بالذات، وهو أربعة معانٍ.

ونصر طريقته أبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري؛ وخالفه في بعض الأشياء ولكنه على طريقته في إثبات الصفات والفوقية وعلو الله على عرشه، كما سيأتي حكاية كلامه بألفاظه.

قال ابن كلاب في بعض كتبه: وأخرِجْ من الأثر والنظر [قول]

(3)

من قال: إن الله سبحانه لا داخل العالم ولا خارجه.

حكاه عنه شيخ الإسلام في عامة كتبه الكلامية

(4)

[ظ/ق 66 ب].

(1)

من (أ، ظ، ت).

(2)

في (أ، ت، ظ): «للمعتزلة والجهمية» .

(3)

من درء تعارض العقل والنقل.

(4)

انظر: درء تعارض العقل والنقل (6/ 119).

ص: 432

وحكى عنه

(1)

أبو الحسن الأشعري أنه كان يقول: إن الله مستوٍ على عرشه ـ كما قال ـ وأنه فوق كل شيء. هذا لفظ حكاية الأشعري

(2)

عنه.

وحكى عنه أبو بكر بن فورك فيما جمعه من مقالاته في كتابه

(3)

«المجرد» : وأخرج من النظر والخبر قول من قال: لا هو

(4)

في العالم ولا خارجًا منه

(5)

فنفاه نفيًا مستويًا؛ لأنه لو قيل له: صِفْهُ بالعدم، ما قدر أن يقول أكثر من هذا. وردَّ أخبار الله نصًّا

(6)

، وقال في ذلك ما لا يجوز في نص ولا معقول، وزعم أن هذا هو التوحيد الخالص، والنفي الخالص عندهم هو الإثبات الخالص، وهم عند أنفسهم قيَّاسون.

قال: فإن قالوا: هذا إفصاح منكم بخلو الأماكن منه، وانفراد

(7)

العرش به.

قيل: إن كنتم تعنون خلو الأماكن من تدبيره، وأنه غير عالم بها

(1)

سقط من (ب، ظ).

(2)

في كتاب «مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين

» (ص/299).

(3)

في (أ، ب، ت، ع): «كتاب» .

(4)

سقط من (ب).

(5)

سقط من (ع).

(6)

في (أ، ت، ع): «أيضًا» .

(7)

في (أ، ت، ع): «وإفراد» .

ص: 433

فلا

(1)

، وإن كنتم تريدون خلوها

(2)

من استوائه عليها كما استوى على العرش، فنحن لا نحتشم أن نقول: استوى الله على العرش، ونحتشم أن نقول: استوى على الأرض، واستوى على الجدار، وفي صدر البيت.

قال ابن كلاب: يقال لهم [أيضًا]

(3)

: أهو فوق ما خلق؟ فإن قالوا: نعم، قيل لهم: ما تعنون بقولكم

(4)

فوق ما خلق؟ فإن قالوا: بالقدرة والعزة، قيل لهم

(5)

: ليس هذا سؤالنا

(6)

، وإن قالوا: المسألة خطأ، قيل لهم: أفليس هو فوق؟ فإن قالوا: نعم، ليس هو فوق، قيل لهم: وليس هو تحت، فإن قالوا: لا فوق ولا تحت، أعدموه؛ لأن ما كان لا تحت ولا فوق عدم. وإن قالوا: هو تحت وهو فوق. قيل لهم: فيلزم أن يكون تحت فوق، وفوق تحت

(7)

.

ثم بسط [ب/ق 73 ب] الكلام في استحالة نفي المباينة والمماسة عنه بالعقل، وأن ذلك يلحقه بالعدم المحض.

(1)

في (أ، ت، ع): «وأما عالم فلا» .

(2)

في جميع النسخ «خلو» وهو خطأ.

(3)

من درء التعارض.

(4)

في درء التعارض، «بقولكم إنه» .

(5)

سقط من (ب).

(6)

في درء التعارض: «ليس عن هذا سألناكم» .

(7)

انظر: درء تعارض العقل والنقل (6/ 119، 120).

ص: 434

ثم قال: ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ــ وهو صفوة الله من خلقه وخيرته من بريته أعلمهم جميعًا به ــ يجيز السؤال

(1)

بالأين، واستصوب قول القائل: إنه في السماء، وشهد له بالإيمان عند ذلك، وجهم بن صفوان وأصحابه لا يجيزون الأين ـ زعموا ـ ويحيلون القول به. قال: ولو كان خطأ لكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحق بالإنكار له، وكان ينبغي أن يقول لها

(2)

: لا تقولي ذلك فتوهمي

(3)

أنه محدود، وأنه في مكانٍ دون مكان، ولكن قولي: إنه في كل مكان

(4)

؛ لأنه هو الصواب دون ما قلت. كلا فلقد أجازه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع علمه بما فيه، وأنه من الإيمان؛ بل الأمر الذي يجب به الإيمان لقائله، ومن أجله شهد لها بالإيمان حين قالته. وكيف يكون الحق في خلاف ذلك، والكتاب ناطق بذلك وشاهد له؟ ولو لم يشهد لصحة مذهب الجماعة في هذا خاصة إلا ما ذكرناه

(5)

[ظ/ق 67 أ] من هذه الأمور لكان فيه ما يكفي؛ كيف وقد

(6)

غُرِس في بُنْية الفطرة ومعارف الآدميين من ذلك ما لا شيء أبين منه ولا أوكد؟ لأنك لا تسأل

(1)

قوله: «جميعًا به يُجيز السؤال» من درء التعارض.

(2)

يعني حديث الجارية: أين الله. وقد تقدم تخريجه (ص/105).

(3)

في درء التعارض: «فتوهمين» .

(4)

سقط من (ت) قوله: «ولكن قولي: إنه في كل مكان» .

(5)

في (ب، ظ): «ذكرنا» .

(6)

سقط من (ب).

ص: 435

أحدًا من الناس عنه عربيًّا ولا عجميًّا ولا مؤمنًا ولا كافرًا فتقول أين ربك؟ إلا قال: في السماء إن

(1)

أفصح، أو أومأ بيده أو أشار بطرفه إن كان لا يفصح، ولا يُشير

(2)

إلى غير ذلك من أرض ولا سهل ولا جبل، ولا رأينا أحدًا إذا عَنَّ له دعاء إلا رافعًا يديه إلى السماء، ولا وجدنا أحدًا غير الجهمية يُسأل عن ربه؟ فيقول: في كل مكان، كما يقولون، وهم يدَّعون أنهم أفضل الناس كلهم، فتاهت العقول وسقطت الأخبار، واهتدى جهم وخمسون رجلًا معه، نعوذ بالله من مضلات الفِتَن

(3)

. هذا آخر كلامه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

«ولما رجع الأشعري عن مذهب المعتزلة سلك طريق ابن كلاب، ومال في أهل السنة والحديث، وانتسب إلى الإمام أحمد كما قد ذكر ذلك في كتبه كلها: «كالإبانة» و «الموجز» و «المقالات» وغيرها، وكان القدماء من أصحاب أحمد كأبي بكر بن عبد العزيز وأبي الحسن [ب/ق 74 أ] التميمي وأمثالهما، يذكرونه في كتبهم على طريق الموافق للسنة في الجملة، ويذكرون ردَّه على المعتزلة وإبداء تناقضهم.

(1)

من درء التعارض.

(2)

في (ب، ظ): «لا يُشير» بدون الواو ..

(3)

انظر: درء تعارض العقل والنقل (6/ 193، 194).

ص: 436

ثم ذكر ما بين الأشعري وقدماء أصحابه وبين الحنابلة من التآلف؛ لاسيَّما بين القاضي أبي بكر ابن الباقلاني وبين أبي الفضل ابن التميمي، حتى كان ابن الباقلاني يكتب في أجوبته في المسائل: كتبه محمد بن الطيب الحنبلي، ويكتب أيضًا الأشعري.

قال: وعلى العقيدة التي صنفها أبو الفضل التميمي اعتمد البيهقي في الكتاب الذي صنفه في «مناقب أحمد» لما ذكر عقيدة أحمد

(1)

قال: وأما ابن حامد وابن بطة وغيرهما فإنهم مخالفون لأصل قول ابن كلاب قال: والأشعري وأئمة أصحابه كأبي الحسن

(2)

الطبري، وأبي عبد الله محمد

(3)

بن مجاهد، والقاضي أبي بكر

(4)

، متفقون على إثبات الصفات الخبرية التي ذُكرت في القرآن كالاستواء والوجه واليدين، وإبطال تأويلها، وليس للأشعري في ذلك

(5)

قولان أصلًا، ولم يذكر أحد عن الأشعري في ذلك قولين؛ ولكن لأتباعه قولان في ذلك، ولأبي المعالي الجويني في تأويلها قولان: أولها في «الإرشاد» ، ورجع عن التأويل في «الرسالة النظامية» وحرّمه، ونقل إجماع السلف على

(1)

في درء التعارض: «لمَّا أراد أن يذكر عقيدته» .

(2)

في (ب، ظ): «الحسين» ، وهو خطأ.

(3)

ليس في (ب، ظ).

(4)

يعني: الباقلاني.

(5)

ليس في (ت): «في ذلك» ، ووقع في (ع):«قولًا» بدل «قولان» .

ص: 437

تحريمه، وأنه ليس بواجب ولا جائز

(1)

.

قول الإمام

(2)

أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري [ظ/ق 67 ب] إمام الطائفة الأشعرية:

نذكر كلامه فيما وقفنا عليه من كتبه «كالموجز» و «الإبانة» و «المقالات» وما نقله عنه أعظم الناس انتصارًا له الحافظ أبو القاسم بن عساكر في الكتاب الذي سماه «تبيين كذب المفتري فيما نُسب إلى أبي الحسن الأشعري» .

ذكر قوله في كتاب «الإبانة في أصول الديانة» :

قال أبو القاسم بن عساكر: إذا كان أبو الحسن مستصوب المذهب عند أهل العلم والمعرفة والانتقاد، يوافقه

(3)

في أكثر ما يذهب إليه أكابر العباد، لا يقدح في معتقده غير أهل الجهل والعناد= فلا بد أن نحكي عنه معتقده على وجهه بالأمانة، ونجتنب أن نزيد فيه أو ننقص منه تركًا للخيانة؛ ليُعلم حقيقة حاله [ب/ق 74 ب] في صحة عقيدته في أصول الديانة، فاسمع ما ذكره في أول كتابه الذي سماه «بالإبانة»: فإنه قال:

(1)

انظر: درء تعارض العقل والنقل (2/ 16 ـ 18).

(2)

من (ب، ظ).

(3)

في (ت): «موافقه» .

ص: 438

الحمد لله الأحد الواحد، العزيز الماجد، المتفرد

(1)

بالتوحيد، المتمجد بالتمجيد، الذي لا تبلغه صفات العبيد، وليس له مِثْل ولا نديد، وهو المبدئ المعيد

جَلّ عن اتِّخاذ الصاحبة والأبناء، وتقدَّس عن ملامسة النساء، فليس له عزة تُنال، ولا حدٌّ يُضرب فيه الأمثال، لم يزل بصفاته أولًا

(2)

قديرًا، ولا يزال عالمًا خبيرًا، سبق الأشياء علمه، ونفذت فيها إرادته؛ فلم تعزب عنه خفيات الأمور، ولم يغيره سوالف صروف الدهور، ولم يلحقه في خلق شيء مما خلق كلال ولا تعب، ولا مسه لغوب ولا نصب، خلق الأشياء بقدرته، ودبرها بمشيئته، وقهرها بجبروته، وذللها بعزته، فذل لعظمته المتكبرون، واستكان لعظم ربوبيته المتعظمون، وانقطع دون الرسوخ في علمه الممترون، وذلَّت له الرقاب، وحارت في ملكوته فِطَنُ

(3)

ذوي الألباب، وقامت بكلمته السماوات السبع، واستقرت الأرض المهاد، وثبتت الجبال الرواسي، وجرت الرياح اللواقح، وسار في جو السماء السحاب، وقامت على حدودها البحار، وهو إله قاهر يخضع له المتعزِّزون، ويخشع له المترفعون، ويدين

(4)

طوعًا وكرهًا له العالمون، نحمده كما حمد نفسه،

(1)

في (ب): «المنفرد» .

(2)

ليست في الإبانة.

(3)

في (أ، ت): «فِطر» ، وفي (ع):«نظر» .

(4)

في (ب): «وتطيع» .

ص: 439

وكما هو أهله ومستحقه،

ونستعينه استعانة من فوض إليه أمره، وأقر أنه لا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه، ونستغفره استغفار مقرٍّ بذنبه، معترف بخطيئته، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا بوحدانيته، وإخلاصًا لربوبيته، وأنه العالم بما تبطنه الضمائر، وتنطوي عليه السرائر، وما تخفيه النفوس، وما تجنُّ

(1)

البحار [ظ/ق 68 أ]، وما تواري الأسوار

(2)

، وما تغيض الأرحام وما تزداد، وكل شيء عنده بمقدار

(3)

.

وساق خطبة طويلة بيَّن فيها مخالفة المعتزلة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وإجماع الصحابة، إلى أن قال فيها: ودافعوا أن يكون لله وجه [ب/ق 72 أ] مع قوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن/27]، وأنكروا أن يكون لله يدان مع قوله:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص/ 75]، وأنكروا أن يكون لله عينان

(4)

مع قوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر/ 14] وقوله: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه/39]، ونفوا ما رُوي عنه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: «إن الله ينزل إلى سماء

(1)

في (أ، ت، ع): «تجري» ، وفي (ب):«تجر» .

(2)

وفي الإبانة «الأسراب» ، وفي (أن، ت، ب): «الأسرار» وهو خطأ.

(3)

انظر: الإبانة (ص/5 ـ 6)، وتبيين كذب المفتري (ص/152، 153).

(4)

في (ب): «أن يكون له عين» ، وفي (ظ):«أن يكون له عينان» ، وفي (ع):«أن يكون له عينًا» .

ص: 440

الدنيا

»

(1)

.... إلخ. وأنا ذاكر ذلك إن شاء الله تعالى بابًا بابًا، وبه المعونة والتأييد ومنه التوفيق والتسديد.

فإن قال قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرِّفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون.

قيل له: قولنا الذي به نقول، وديانتنا التي بها ندين: التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان عليه أحمد بن حنبل نضّر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون، ولمن خالفه لمجانبون

(2)

؛ لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق عند ظهور الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم وكبير مفهم، وعلى جميع أئمة المسلمين.

وجملة قولنا: أنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله، وما جاء من عند الله، وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا نرد من ذلك شيئًا.

(1)

تقدم تخريجه (ص/227).

(2)

في (أ، ب، ت، ع): «ولمن خالفه مخالفون» وزاد (ع)«قوله» بعد «خالفه» .

ص: 441

وأن الله سبحانه وتعالى إله واحد، فرد أحد صمد لا إله غيره، لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، وأن محمدًا عبده ورسوله.

وأن الجنة حق والنار حق، والساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور.

وأن الله تعالى مستوٍ على عرشه كما قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5].

وأن له وجهًا كما قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن/27].

وأن له يدين كما قال تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة/64] وكما قال تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص/75].

وأن له عينين بلا كيف، كما قال تعالى:{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر/ 14].

وأن من زعم أن اسم الله غيره كان ضالًّا.

وأن لله علمًا كما قال تعالى: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء/166]، وكما قال تعالى:{وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فاطر/11].

ص: 442

ونثبت لله قوة

(1)

كما قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ [ب/ق 75 ب] الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت/15].

ونثبت لله السمع والبصر، ولا ننفي ذلك كما نفته المعتزلة والجهمية والخوارج.

ونقول: إن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنه لم يخلق شيئًا إلا وقد قال له: كن فيكون، كما قال تعالى:{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}

(2)

[ظ/ق 68 أ][النحل/40].

وأنه لا يكون في الأرض شيء من خيرٍ وشرٍ إلا ما شاء الله، وأن الأشياء تكون بمشيئة الله، وأن أحدًا لا يستطيع أن يفعل شيئًا قبل أن يفعله الله، ولا يستغني عن الله، ولا نقدر على الخروج من علم الله، وأنه لا خالق إلا الله، وأن أعمال العباد مخلوقة لله مقدورة له

(3)

، كما قال تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات/96]، وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئًا وهم يخلقون، كما قال تعالى:{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}

(1)

من (ع، مط)، ووقع في (أ، ب، ت، ظ): «قدرة» وعلَّق ناسخ (ظ) في الحاشية بقوله: لعله «قوة» .

(2)

سقطت هذه الآية من (ع، مط).

(3)

سقط من (ب).

ص: 443

[فاطر/3]، وكما قال تعالى:{لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [النحل/20]، وكما قال تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ

} الآية [النحل/17]، وقال تعالى:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الطور/35، 36]، وهذا في كتاب الله كثير.

وأن الله وفَّق المؤمنين لطاعته، ولطف بهم ونظر إليهم

(1)

وأصلحهم وهداهم. وأضل الكافرين ولم يهدهم ولم يلطف بهم بالإيمان، كما زعم أهل الزيغ والطغيان، ولو لطف بهم وأصلح لكانوا

(2)

صالحين، ولو هداهم لكانوا مهتدين، كما قال تعالى:{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف/178]، وأن الله يقدر أن يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين، ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم، وأنه خذلهم وطبع على قلوبهم.

وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره، وأنا نؤمن بقضاء الله وقدره، خيره وشره وحلوه ومره، ونعلم أن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وأنا لا نملك لأنفسنا

(3)

نفعًا ولا ضرًّا إلا ما شاء الله، وأنا نلجئ أمورنا إلى الله، ونثبت الحاجة والفقر في كل وقت إليه.

(1)

في جميع النسخ: «لهم» ، والمثبت من «الإبانة» .

(2)

في جميع النسخ: «كانوا» وكذلك ما بعده، والمثبت من «الإبانة» .

(3)

في الإبانة: «وأن العباد لا يملكون أنفسهم» .

ص: 444

ونقول: إن القرآن كلام الله غير مخلوق، وإن من قال بخلق القرآن كان

(1)

كافرًا.

وندين بأن الله يُرى بالأبصار يوم القيامة كما يُرى القمر ليلة البدر، ويراه المؤمنون كما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، [ب/ق 76 أ] ونقول: إن الكافرين إذا رآه المؤمنون عنه محجوبون، كما قال تعالى:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين/15]، وإن موسى عليه السلام سأل الله عز وجل الرؤية في الدنيا، وإن الله تجلَّى للجبل فجعله دكًّا

(2)

، فأعلم بذلك موسى أنه لا يراه في الدنيا.

ونرى أن لا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنبٍ يرتكبه كالزنا والسرقة وشرب الخمر، كما دانت بذلك الخوارج، وزعموا أنهم بذلك كافرون، ونقول: إن من عمل كبيرة من الكبائر وما أشبهها مستحلًّا لها كان كافرًا؛ إذا كان غير معتقد لتحريمها.

ونقول: إن الإسلام أوسع من الإيمان، وليس كل إسلام إيمانًا.

وندين بأن الله تعالى يقلب القلوب، وأن القلوب بين إصبعين من أصابعه، وأنه يضع السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، كما

(1)

سقط من (ع).

(2)

في (مط) زيادة: «وخرَّ موسى صعقًا» .

ص: 445

جاءت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

(1)

، وندين بأن لا ننزل أحدًا من الموحدين المتمسكين بالإيمان جنة ولا نارًا [ظ/ق 69 أ]؛ إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة، ونرجو الجنة للمذنبين، ونخاف عليهم أن يكونوا من أهل النار معذبين، ونقول: إن الله يخرج من النار قومًا بعدما امتحشوا بشفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ..

ونؤمن بعذاب القبر، ونقول: إن الحوض والميزان حق، والصراط حق، والبعث بعد الموت حق، وإن الله يوقف العباد بالموقف، ويحاسب المؤمنين.

وإن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، ونسلم بالروايات الصحيحة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي رواها الثقات عدل عن عدل حتى تنتهي الرواية إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وندين بحب السلف الذين اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ونثني عليهم بما أثنى الله عليهم، ونتولاهم أجمعين

(2)

، ونقول: إن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر، وإن الله أعز به الدين وأظهره على المرتدين وقَدّمه المسلمون للإمامة كما

(1)

انظر: البخاري (6243)، ومسلم (2786)، وراجع (ص/244).

(2)

من الإبانة.

ص: 446

قدمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للصلاة، ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم عثمان بن عفان نضَّر الله وجهه، قَتَلَهُ قاتلوه ظلمًا وعدوانًا، ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فهؤلاء الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [ب/ق 76 ب] خلافتهم خلافة النبوة، ونشهد للعشرة بالجنة، الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بها، ونتولى سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونكف عما شجر بينهم، وندين الله أن الأئمة الأربعة راشدون

(1)

مهديون فضلاء، لا يوازيهم في الفضل غيرهم.

ونصدق بجميع

(2)

الروايات التي رواها

(3)

أهل النقل من النزول إلى سماء الدنيا، وأن الرب تعالى يقول: هل من سائل؟ هل من مستغفر؟، وسائر ما نقلوه وأثبتوه، خلافًا لما قاله أهل الزيغ والتضليل

(4)

.

ونعول فيما اختلفنا فيه على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإجماع المسلمين وما كان في معناه، ولا نبتدع في دين الله بدعة لم يأذن الله بها، ولا نقول على الله ما لا نعلم.

(1)

سقط من (ت): «وندين الله أن الأئمة الأربعة راشدون» .

(2)

في (أ، ت، ع): «جميع» .

(3)

في الإبانة «يثبتها» .

(4)

في (مط): «والتعطيل» .

ص: 447

ونقول: إن الله يجيء يوم القيامة، كما قال تعالى:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر/22]، وإن الله يقرب من عباده كيف شاء، كما قال تعالى:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق/16]، وكما قال تعالى:{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم/8، 9].

ومن ديننا أن نُصلِّي الجمعة والأعياد

(1)

خلف كل برٍّ وفاجر، وكذلك سائر

(2)

الصلوات والجماعات، كما روي عن عبد الله بن عمر: أنه كان يصلي خلف الحجاج

(3)

.

وأن المسح على الخفين [سُنة]

(4)

في الحضر والسفر خلافًا لمن أنكر ذلك.

ونرى

(5)

الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح، والإقرار بإمامتهم،

(1)

سقط من (ت).

(2)

تحرَّفت هذه الكلمة في جميع النسخ إلى «شروط» .

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (1580)، في قصة الحج وفيه قول سالم بن عبد الله ابن عمر للحجاج ـ بحضرة أبيه ـ إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم، فاقصر الخطبة، وعجّل الوقوف ـ وفي رواية (1579): فهجِّر بالصلاة يوم عرفة ـ فقال ابن عمر: صدق.

(4)

زيادة من الإبانة، وجاء في (ع):«وأن نمسح على الخفين في الحضر والسفر» .

(5)

سقط من (ب، ظ).

ص: 448

وتضليل من رأى الخروج عليهم؛ إذا

(1)

ظهر منهم ترك الاستقامة، وندين بترك الخروج عليهم بالسيف

(2)

، وترك القتال في الفتنة.

ونقر بخروج الدجال، كما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ونؤمن بعذاب القبر، ومنكر ونكير، ومساءلتهما

(3)

للمدفونين [ظ/ق 69 ب] في قبورهم.

ونصدِّق بحديث المعراج.

ونصحح كثيرًا من الرؤيا في المنام، و [نقر]

(4)

أن لذلك تفسيرًا.

ونرى الصدقة عن موتى المسلمين المؤمنين، والدعاء لهم، ونؤمن بأن الله ينفعهم بذلك.

ونصدق بأن في الدنيا سَحَرة

(5)

، وأن السحر كائن

(6)

موجود في الدنيا.

(1)

سقط من (ب) قوله: «إذا ظهر منهم ترك الاستقامة، وندين بترك الخروج عليهم بالسيف» .

(2)

من (ظ).

(3)

في (أ، ت): «ومساءلتهم» .

(4)

زيادة من الإبانة.

(5)

في الإبانة «سَحَرَةً وسِحْرًا» .

(6)

سقط من (ع).

ص: 449

وندين بالصلاة على من مات من أهل القبلة مؤمنهم

(1)

وفاجرهم وموارثتهم

(2)

.

ونقرُّ أن الجنة والنار مخلوقتان.

وأن من مات أو قتل

(3)

فبأجله مات أو قتل.

وأن الأرزاق من قِبَلِ الله عز وجل يرزقها عباده حلالًا [ب/ق 77 أ] وحرامًا.

وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشكِّكه ويتخبطه

(4)

؛ خلافًا لقول المعتزلة

(5)

والجهمية، كما قال الله عز وجل:{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة/275]، وكما قال تعالى:{مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس/4 ـ 6].

ونقول: إن الصالحين يجوز أن يخصّهم الله بآيات يظهرها عليهم.

وقولنا في أطفال المشركين: إن الله يؤجِّج لهم نارًا في الآخرة، ثم

(1)

في الإبانة «برِّهم» .

(2)

كذا في (أ، ب، ت، ظ) وفي (ع): «وموارثتهم» ، وفي (مط):«ونوارثهم» .

(3)

سقط من (ب، ظ): «أو قُتل» .

(4)

في (أ، ت، ظ، ع، مط): «ويخبِّطه» ، وفي (ب):«ويخطئه» ، والمثبت من الإبانة.

(5)

في (ب): «خلافًا للمعتزلة» .

ص: 450

يقول لهم: اقتحموها كما جاءت الرواية بذلك.

وندين بأن الله تعالى يعلم ما العباد عاملون، وإلى ما هم صائرون، وما كان وما يكون، وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون.

وبطاعة الأئمة ونصيحة المسلمين.

ونرى مفارقة كل داعية إلى بدعة، ومجانبة أهل الأهواء، وسنحتج لما ذكرناه من قولنا، وما بقي منه مما لم نذكره بابًا بابًا، وشيئًا شيئًا

(1)

»

(2)

.

قلت

(3)

: ثم ذكر الأبواب إلى أن قال: باب الاستواء

(4)

، إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟ قيل له: إن الله مستوٍ على عرشه، كما قال تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5]، وقال تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}

(5)

[فاطر/10]، وقال تعالى:{بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء/58]، وقال تعالى حكاية عن فرعون

{يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ

(1)

سقط من (مط): «شيئًا شيئًا» .

(2)

انظر: الإبانة (ص/17 ـ 29)، وتبيين كذب المفتري (ص/157 ـ 163).

(3)

هو ابن القيم.

(4)

في الإبانة (ص/85): «باب: ذكر الاستواء على العرش» .

(5)

قوله تعالى: {

وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} من (ع، مط).

ص: 451

مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر/36، 37]، كذَّب موسى في قوله: إن الله فوق السماوات.

وقال الله عز وجل: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [الملك/16]، فالسماوات فوقها العرش، فلما كان العرش فوق [السماوات قال:{ءَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:17]، لأنه مستوٍ على العرش الذي فوق]

(1)

السماوات، وكان كل ما علا فهو سماء؛ [فالعرش أعلى السماوات]

(2)

، وليس إذا قال:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} يعني: جميع السماوات

وإنما أراد: العرش، الذي هو أعلى السماوات؛ ألا ترى أنه ذكر السماوات فقال:{وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [نوح/16]، ولم يرد أنه يملؤهن جميعًا، ورأينا المسلمين جميعًا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء؛ لأن الله تعالى مستوٍ على العرش الذي هو

(3)

فوق السماوات، فلولا أن الله تعالى على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش.

ثم قال: ومن دعاء أهل الإسلام إذا هم رغبوا إلى الله تعالى يقولون: يا ساكن العرش [ب/ق 77 ب]. ومن حلْفِهم: لا والذي احتجب بسبع.

(1)

ما بين المعكوفتين من الإبانة، ولعلها سقطت من المؤلف أو النساخ لانتقال النظر.

(2)

ما بين المعكوفتين من الإبانة.

(3)

ليس في (ب، ظ).

ص: 452

[ظ/ق 70 أ] وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية: إن معنى استوى: استولى وملك وقهر، وإن الله في كل مكان، وجحدوا أن يكون الله على عرشه كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة.

فلو كان كما قالوا؛ كان لا فرق بين العرش والأرض السابعة؛ لأن الله قادر على كل شيء، والأرض شيء

(1)

، فالله قادر عليها وعلى الحشوش، فلو كان مستويًا على العرش بمعنى الاستيلاء؛ لجاز أن يقال: إنه

(2)

مستوٍ على الأشياء كلها، ولم يجز عند أحد من المسلمين أن يقال: إنه مستوٍ على الحشوش والأخلية، فبطل أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء»

(3)

.

ثم بسط الأدلة على هذه المسألة من الكتاب والسنة والعقل، ولولا خشية الإطالة لسقناها بألفاظها.

وقال الأشعري في كتاب «الأمالي» باب القول في الأماكن: زعمت النجَّارية

(4)

أن الله بكل مكان، على معنى الصنع والتدبير.

(1)

من الإبانة.

(2)

في (مط): «إن الله» ، وكذلك ما بعده.

(3)

انظر: الإبانة (ص/85 ـ 90).

(4)

من فِرَق المرجئة، تزعم أن الإيمان يزيد ولا ينقص، ولا يزول اسم الإيمان عن المؤمن إلا بالكفر. انظر: مقالات الإسلاميين (1/ 216)، ط. محمد محيي الدين عبد الحميد.

ص: 453

واختلف أصحاب الصفات في ذلك:

فقال أبو محمد عبد الله بن كُلَّاب: إن الله لم يزل لا في مكان، وهو اليوم لا في مكان.

وقال آخرون منهم: إنه مستوٍ على عرشه بمعنى: أنه عالٍ عليه، كما قال تعالى:{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام/18]، وقال تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5]، فامتدح نفسه بأنه على العرش استوى بمعنى: أنه علا عليه، وعلمنا أنه لم يزل عاليًا رفيعًا، قبل خلق الأشياء، وقبل خلق العرش، الذي هو عالٍ عليه سبحانه وبحمده.

ذكر كلامه في كتابه الكبير في «إثبات الصفات» ، وقد ذكر ترجمة هذا الكتاب في كتابه الذي سماه «العُمَد

(1)

في الرؤية» فقال: وألفنا كتابًا كبيرًا في الصفات، تكلمنا على أصناف المعتزلة والجهمية المخالفين لنا في نفيهم علم الله تعالى وقدرته وسائر صفاته، وعلى أبي الهذيل

(2)

ومعمّر

(3)

، والنظّام

(4)

، وفي فنون كثيرة من فنون الصفات في إثبات الوجه

(1)

في (ب، ع، مط): «العُمدة» ، والمثبت من (أ، ت، ظ)، والعلو للذهبي (2/ 1254).

(2)

هو العلَّاف، من شيوخ المعتزلة، ورئيس فرقة الهذيلية. توفي سنة 226 هـ.

(3)

هو رئيس فرقة المعمَّريَّة من المعتزلة، توفي سنة 220 هـ.

(4)

هو رئيس فرقة النظَّامية من المعتزلة، كفَّره بعض أهل السنة، وبعض شيوخ المعتزلة كالعلَّاف والجبَّائي، توفي سنة 231 هـ.

ص: 454

واليدين، وفي إثبات استواء [ب/ق 78 أ] الرب سبحانه على العرش، ثم ساق مضمونه»

(1)

.

ذكر كلامه في كتاب «جمل المقالات» : قال: الحمد لله ذي العزة والإفضال، والجود والنوال، أحمده على ما خص وعم من نعمه، وأستعينه على أداء فرائضه، وأسأله الصلاة على خاتم رسله، أما بعد: فإنه لا بد لمن أراد معرفة الديانات والتمييز بينها من معرفة المذاهب والمقالات، ورأيت الناس في حكاية ما يحكون من ذكر المقالات، ويصنِّفون

(2)

في النحل والديانات، من بين مقصِّر فيما يحكيه، وغالط فيما يذكره من قول مخالفيه، ومن بين متعمد للكذب في الحكاية إذا أراد التشنيع على من يخالفه، ومن بين تارك للتقصي في روايته لما يرويه من اختلاف المختلفين، ومن بين من يضيف إلى قول مخالفيه ما يظن [ظ/ق 70 ب] أن الحجة تلزمهم به. وليس هذا سبيل الربانيين

(3)

، ولا سبيل الفُطَنَاء المميزين، فحداني ما رأيت من ذلك

(4)

على شرح ما

(1)

انظر: تبيين كذب المفتري لابن عساكر (ص/129)، والعلو للذهبي (2/ 1254).

(2)

سقط من (ب)، ووقع في (أ، ت، ظ، ع): «ويصِفُون» ، وهي في النسخة الحيدرية للمقالات، وفي (مط):«ويصنعون» ، والمثبت من المقالات (ص/1). ط. هلموت ريتر.

(3)

في (أ، ت، ع): «الديانات» .

(4)

سقط من قوله: «ولا سبيل الفطناء» إلى هنا من (ع).

ص: 455

ألتمس شرحه من أمر المقالات واختصار ذلك، وترك الإطالة والإكثار، وأنا مبتدئ بشرح

(1)

ذلك بعون الله وقوته. وساق حكاية مذاهب الناس إلى أن قال: هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة:

جملة ما عليه أهل الحديث والسنة: الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله، وما جاء من عند الله، وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا يردون من ذلك شيئًا، وأن

(2)

الله إله واحد، أحد فرد صمد، لا إله غيره، لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، وأن محمدًا عبده ورسوله.

وأن الجنة حق والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور.

وأن الله على عرشه، كما قال تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5].

وأن له يدين بلا كيف، كما قال تعالى:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص/75]، وكما قال تعالى:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة/64].

وأن له عينين بلا كيف، كما قال تعالى:{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر/ 14].

(1)

في (أ، ت، ع، مط) والمقالات: «شرح» .

(2)

من المقالات.

ص: 456

وأن له وجهًا كما قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن/27].

إلى أن قال: وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، والكلام في الوقف واللفظ: من قال [ب/ق 78 ب] باللفظ أو بالوقف فهو مبتدع عندهم، لا يقال: اللفظ بالقرآن مخلوق، ولا يقال: غير مخلوق.

ويقولون: إن الله يُرى بالأبصار يوم القيامة، كما يُرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون، ولا يراه الكافرون؛ لأنهم عن الله محجوبون

، وأن موسى سأل الله الرؤية في الدنيا، وأن الله تجلَّى للجبل فجعله دكًّا، فأعلمه بذلك أن الله لا يرى في الدنيا

(1)

، ثم ساق بقيَّة قولهم

(2)

.

وقال في هذا الكتاب: وقال أهل السنة أصحاب الحديث: ليس بجسم، ولا يشبه الأشياء، وأنه على العرش، كما قال تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] ولا نتقدم

(3)

بين يدي الله في القول، بل نقول: استوى بلا كيف.

وأنه نور كما قال تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور/35].

(1)

من قوله: «وأن الله تجلَّى

» إلى هنا سقط من (ت).

(2)

انظر: مقالات الإسلاميين (1/ 345 ـ 347)، ط. محيي الدين عبد الحميد.

(3)

في (أ، ت، ع): «يُتَقدَّم» .

ص: 457

وأن له وجهًا كما قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن/27].

وأن له يدين كما قال تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص/ 75].

وأن له عينين كما قال تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر/ 14].

وأنه يجيء يوم القيامة هو وملائكته، كما قال تعالى:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر/22].

وأنه ينزل إلى سماء الدنيا كما جاء في الحديث، ولم يقولوا شيئًا إلا ما وجدوه في الكتاب أو جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وقالت المعتزلة: إن الله استوى [ظ/ق 71 أ] على عرشه بمعنى

(1)

: استولى. هذا نص كلامه

(2)

.

وقال في هذا الكتاب أيضًا: وقالت المعتزلة في قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] يعني: استولى، قال: وتأولت اليد بمعنى: النعمة، وقوله:{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر/ 14]، أي: بعلمنا

، قال: وأما

(1)

في (ظ): «يعني» .

(2)

في المقالات (ص/211)، ط. هلموت.

ص: 458

الوجه، فإن المعتزلة قالت فيه قولين. قال بعضهم وهو أبو الهذيل: وجه الله هو الله، وقال غيره: معنى قوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن/27]، أي: ويبقى ربك

(1)

، من غير أن يكون يثبت

(2)

وجهًا، يقال إنه هو الله، ولا يقال ذلك فيه»

(3)

.

والأشعري إنما حكى تأويل الاستواء بالاستيلاء عن

(4)

المعتزلة والجهمية، وصرح بخلافه وأنه خلاف قول أهل السنة، وكذلك قال محيي السنة الحسين بن مسعود البغوي في «تفسيره»

(5)

تابعًا لأبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى.

قول القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني الأشعري:

قال في كتاب «التمهيد في أصول الدين» ـ وهو من أشهر كتبه ـ: «فإن قال قائل: فهل تقولون: إن الله في كل مكان؟ قيل: معاذ الله، بل هو مستوٍ على عرشه [ب/ق 79 أ] كما أخبر في كتابه، فقال عز وجل:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5]، وقال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ

(1)

سقط من (ب، ظ): «أي: ويبقى ربك» .

(2)

في (ب): «ثبت» ، والمثبت أولى.

(3)

انظر: المقالات (ص/218)، ط. هلموت.

(4)

في (ب): «على» ، وهو خطأ.

(5)

معالم التنزيل (3/ 235).

ص: 459

يَرْفَعُهُ} [فاطر/10]، وقال:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [الملك/16]، ولو كان في كل مكان لكان في جوف الإنسان وفي فمه

(1)

، وفي الحشوش وفي المواضع التي يرغب عن ذكرها، تعالى الله

(2)

عن ذلك، ولو كان في كل مكان لوجب أن يزيد بزيادة الأمكنة إذا خلق منها ما لم يكن خلقه، وينقص بنقصانها

(3)

إذا بطل منها

(4)

ما كان، ولصح

(5)

أن يُرغب إليه نحو الأرض، وإلى وراء ظهورنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا؛ وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه و تخطئة قائله

(6)

»

(7)

.

ثم قال في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف/84] المراد: أنه إله عند أهل السماء، وإله عند أهل الأرض، كما تقول العرب: فلان نبيل مطاع في المِصْرَين. أي: عند أهلهما

(8)

، وليس

(1)

في (ط): «مُخِّه» .

(2)

ليس في (ت، أ).

(3)

في (ب): «بنقصها» .

(4)

سقط من (ب).

(5)

في (ب): «واضحًا» ، وهو خطأ.

(6)

في (ظ، ب): «و تخطئته» بدل «و تخطئة قائله» .

(7)

انظر: التمهيد للباقلاني (ص/260)، ونقله شيخ الإسلام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (6/ 206، 207)، ومجموع الفتاوى (5/ 99)، والذهبي في العلو (2/ 1298، 1299) رقم (518).

(8)

في (ظ): «في المِصْر عند أهلها» .

ص: 460

يعنون ذات المذكور بالحجاز والعراق موجودة

(1)

. وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل/128]، يعني بالحفظ والنصر والتأييد، ولم يرد أن ذاته معهم تعالى، وقوله تعالى:{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه/46]، محمول على هذا التأويل، وقوله تعالى:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة/7]، يعني أنه عالم بهم، وبما خفي من سرهم ونجواهم، وهذا إنما يستعمل كما ورد به القرآن، فلذلك لا يجوز أن يقال قياسًا على هذا: إن الله بالبردين مدينة السلام ودمشق، وإنه مع الثور والحمار، وإنه مع الفساق والمجَّان، ومع المصعدين [ظ/ق 71 ب] إلى حلوان؛ قياسًا على قوله:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} [النحل/128] فوجب أن يكون

(2)

التأويل على ما وصفناه، ولا يجوز أن يكون معنى استوائه على العرش هو: استيلاؤه، كما قال الشاعر:

قد استوى بشر على العراق

لأن الاستيلاء هو: القدرة والقهر، والله تعالى لم يزل قادرًا قاهرًا عزيزًا مقتدرًا، وقوله:{ثُمَّ اسْتَوَى} ، يقتضي استفتاح هذا الوصف بعد

(1)

سقط من (ب).

(2)

سقط من (أ، ع): «أن يكون» ، ووقع في (ت):«التفصيل» وهو خطأ.

ص: 461

أن لم يكن؛ فبطل ما قالوه.

ثم قال: باب: فإن قال قائل: ففصِّلوا لي صفات ذاته من صفات أفعاله لأعرف ذلك؟ قيل له: صفات ذاته هي التي لم يزل ولا يزال موصوفًا [ب/ق 79 ب] بها، وهي: الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام والبقاء والوجه واليدان والعينان والغضب والرضى. وصفات فعله هي: الخلق والرزق والعدل والإحسان والتفضل والإنعام والثواب والعقاب والحشر والنشر، وكل صفةٍ كان موجودًا قبل فعله لها. ثم ساق الكلام في الصفات

(1)

.

وقال

(2)

في جواباته للمسائل التي سأله عنها أهل بغداد في رسالته التي بيَّن فيها اتفاق الحنابلة والأشاعرة: قد عرفت انزعاجكم واستيحاشكم واهتمامكم بما أفشاه قوم من عامة المنتحلين للسنة، وأتباع السلف الصالح من الأئمة، المظهرين للتخصيص بمذهب أبي عبد الله أحمد بن حنبل، من ادعائهم مخالفة شيخنا أبي الحسن علي الأشعري لأهل السنة وأصحاب الحديث في القرآن، وما يضيفونه إليه من أنه كان يقف في إكفار من يقول من المعتزلة والخوارج والنجارية

(1)

لا يوجد هذا النقل في التمهيد المطبوع، وقد نقله شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوي (5/ 99) من كتاب «الإبانة» إلى قوله:«والغضب والرضى» ، ثم قال:«وقال في كتاب «التمهيد» أكثر من هذا؛ لكن ليست النسخة حاضرة عندي».

(2)

من هنا بدأ السقط من (أ، ت، ع، مط).

ص: 462

والجهمية والمرجئة بخلق القرآن، ولا يقطع بأنهم كفار.

إلى أن قال: واعلموا أن مذهبنا ومذهب أبي الحسن الذي سطَّره في سائر كتبه الكبار والمختصرات هو مذهب الجماعة وسلف الأمة وما مضى عليه الصالحون من الأئمة: من أن كلام الله صفة من صفات ذاته، غير محدث ولا مخلوق، وأنه لم يزل متكلِّمًا، وذكر الحجة في ذلك.

إلى أن قال: وكذلك قولنا في جميع المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفات الله تعالى إذا ثبتت بذلك الرواية من إثبات الوجه له، واليدين، والعينين اللتين نطق بهما الكتاب

(1)

. قال الله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن/27]. وقال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص/ 88]، وقال لإبليس:{مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص/75]، وقال [ظ/ق 72 أ]:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة/ 64]، وقال تعالى:{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه/39]، وقال تعالى:{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر/ 14]، فأثبت لنفسه في نص كتابه: الوجه والعينين واليدين.

وروي في الحديث من رواية ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال، وأنه أعور، وقال:«إن ربكم ليس بأعور»

(2)

فأثبت [ب/ق 80 أ] له العينين.

(1)

وقع في (ب، ظ): «من إثبات الوجه له واليدين اللتين نطق بهما الكتاب، وبالوجه والعينين القرآن الكريم» ، وفيها اضطراب، ولعلَّ الصواب ما أثبتُّه.

(2)

تقدم تخريجه (ص/359).

ص: 463

وهذا حديث غير مختلف في صحته عند العلماء بالحديث، وهو في «صحيح البخاري» .

وقال: فيما رويَ عنه من الأخبار المشهورة: «وكلتا يديه يمين»

(1)

، يعني صلى الله عليه وسلم أنه سبحانه

(2)

لا يتعذَّر عليه بإحداهما ما يأتي بالأخرى، كالذي يتعذر على الأيسر ما يأتي بيمينه.

ونقول: إنه يأتي يوم القيامة في ظلل من الغمام والملائكة، كما نطق بذلك القرآن

(3)

، وأنه عز وجل ينزل إلى سماء الدنيا فيقول:«هل من سائل فيعطى أو مستغفر فيغفر له»

(4)

الحديث.

وأنه جل ثناؤه مستوٍ على عرشه، كما قال تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] وقال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الفرقان/59]. وقد بينَّا أن ديننا ودين الأئمة وأهل السنة: أن هذه الصفات تُمَرُّ كما جاءت من غير تكييف ولا تحديد ولا تجسيم ولا تصوير، بل كما جاء بها الحديث، وكما رُوي عن ابن شهاب الزهري وغيره من أئمة

(1)

أخرجه مسلم في صحيحه (1827).

(2)

سقط من (ظ).

(3)

يشير إلى قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} [البقرة/210].

(4)

تقدم تخريجه (ص/227).

ص: 464

الحديث في وجوب إمرارها على ما جاء به الحديث من غير تكييف.

وروى الثقات عن مالك: «أن سائلًا سأله عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5]؟ فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة»

(1)

.

فمن تجاوز هذا المروي من الأخبار عن التابعين ومن بعدهم من السلف الصالح وأئمة الحديث والفقه، وكيَّف شيئًا من هذه الصفات المروية، ومثَّلها بشيء من جوارحنا وآلتِنَا= فقد تعدَّى وأثِم، وضل وابتدع في الدين ما ليس منه.

وقد روي عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي وهو من أئمة الحديث، أن الأمير عبد الله بن طاهر سأله فقال: يا أبا يعقوب ما هذا الحديث الذي تروونه ينزل ربنا إلى سماء الدنيا

(2)

، كيف ينزل؟ فقال إسحاق: أيها الأمير، لا يقال لأمر الرب كيف؟

(3)

».

ذكر قوله في كتاب «الإبانة» له: ذكر صفة الوجه واليدين والعينين،

(1)

تقدم تخريجه (ص/201 - 202)، وانظر: التمهيد (7/ 138).

(2)

تقدم تخريجه (ص/227).

(3)

أخرجه أبو عثمان الصابوني في رسالته في الاعتقاد (ص/47)، رقم (41)، ومن طريقه: قوام السُّنة في الحجة في بيان المحجة (2/ 124)، والذهبي في معجم شيوخه (2/ 203).

ص: 465

وأثبتها كما ذكر في «التمهيد» . ثم قال: فإن قال قائل: فهل تقولون إنه في كل مكان؟ قيل له: معاذ الله، بل هو

(1)

مستو على عرشه، كما أخبر في كتابه، ثم ذكر الأدلة على ذلك نقلًا وعقلًا قريبًا مما ذكر في «التمهيد» .

وقال في هذا الكتاب أيضًا: وصفات [ب/ق 80 ب] ذاته التي لم يزل ولا يزال موصوفًا بها، وهي الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والبقاء والوجه واليدان والعينان والغضب والرضى

(2)

.. [ظ/ق 72 ب].

ذكر قوله في رسالة الحُرة

(3)

: قال ـ في كلام ذكره في الصفات ـ: وأن له وجهًا ويدين وأنه ينزل إلى سماء الدنيا، ثم قال: وأنه مستوٍ على عرشه فاستولى على خلقه، ففرق بين الاستواء الخاص وبين الاستيلاء العام.

قول الحسين بن أحمد الأشعري المتكلم، من متكلمي أهل الحديث، صاحب «الجامع الكبير والصغير في أصول الدين»:

قال في «جامعه الصغير» :

فإن قيل: ما الدليل على أن الله تعالى على العرش بذاته؟ قلنا: قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الفرقان/59]، فإن قالوا: فإن

(1)

سقط من (ب).

(2)

انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (5/ 99).

(3)

وقع في (ع): «الحسرة» وهو خطأن وفي (مط): «الحيرة» .

ص: 466

العرب تقول: استوى فلان على بلد كذا إذا استولى عليه وقهر؟ قلنا: لأصحابنا عن هذا أجوبة:

أحدها: أنه لو كان استوى بمعنى: استولى؛ لم يكن لتخصيصه العرش بالاستواء معنى؛ لأنه مستولٍ على كل شيء غيره، فكان يجوز أن يقال: الرحمن على الجبل استوى، وهذا باطل.

الثاني: أن العرب لا تدخل «ثُمَّ» إلا

(1)

لأمرٍ مستقبل سيكون، والله تعالى لم يزل قادرًا قاهرًا مستوليًا على الأشياء، فلم يكن بزعمهم لقوله {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} معنًى.

الثالث: أن الاستواء بمعنى الاستيلاء لا يكون عند العرب إلا بعد أن يكون ثَمَّ مُغالبٌ يغالبه، فإذا غلبه وقهره قيل: قد استولى عليه، فلمَّا لم يكن مع الله مغالب لم يكن معنى استوائه على عرشه: استيلاءه عليه

(2)

، وصح أن استواءه عليه

(3)

هو: علوه وارتفاعه عليه بلا حدٍّ ولا كيف ولا تشبيه.

ثم ذكر عن الخليل بن أحمد، وابن الأعرابي أن الاستواء في اللغة هو: العلو والرفعة؛ لأنهم يقولون: استوت الشمس: إذا تعالت، واستوى

(1)

سقط من (ت).

(2)

في (مط): «استيلاء وغلبة» .

(3)

سقط من (ب).

ص: 467

الرجل على ظهر دابته: إذا علا عليها. وقوله تعالى: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود/44] أي: ارتفعت عليه. وقوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص/14] أي: ارتفع عن حال النقصان إلى حال الكمال. استوى أمر فلان، أي: ارتفع وعلا عن الحال التي كان عليها من الضعف

(1)

وسوء [ب/ق 81 أ] الحال. وساق الكلام.

ذكر قول فخر الدين الرازي في آخر كتبه:

وهو كتاب

(2)

«أقسام اللَّذَّات» الذي صنَّفه في آخر عمره، وهو كتاب مفيد، ذكر فيه: أقسام اللذات وبين أنها ثلاثة:

الحِسِّية: كالأكل والشرب والنكاح واللباس.

واللذة الخيالية الوهمية: كلذة الرياسة، والأمر والنهي، والترفع

(3)

ونحوها.

واللذة العقلية: كلذة العلوم والمعارف.

وتكلَّم عن كل واحد من هذه الأقسام، إلى أن قال:

وأما اللذة العقلية: فلا سبيل إلى الوصول [ظ/ق 73 أ] إليها، والتعلق

(1)

في (أ): «الضعفة» .

(2)

سقط من (ظ).

(3)

في (ظ، ب): «الرفع» ، وهو خطأ.

ص: 468

بها، فلهذا السبب

(1)

نقول: يا ليتنا بقينا على العدم الأول، وليتنا

(2)

ما شاهدنا هذا العالم، وليت النفس

(3)

لم تتعلق بهذا البدن، وفي هذا المعنى قلت:

نهاية إقدام العقول عقال

وأكثر سعي العالمين ضلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا

وحاصل دنيانا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا

سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

وكم قد رأينا من رجالٍ ودولةٍ

فبادوا جميعًا مسرعين وزالوا

وكم من جبالٍ قد علت شرفاتها

رجال فزالوا والجبال جبال

واعلم أنه بعد التوغل

(4)

في هذه المضايق، والتعمق في الاستكشاف عن أسرار هذه الحقائق، رأيت الأصوب الأصلح في هذا

(1)

سقط من (ظ).

(2)

في (ظ): «يا ليتنا» .

(3)

سقط من (أ، ت): «العالم وليت النفس» .

(4)

في (ب): «التغول» ، وهو خطأ.

ص: 469

الباب: طريقة القرآن العظيم، والفرقان الكريم، وهو ترك التعمق، والاستدلال بأقسام أجسام السماوات والأرضين على وجود رب العالمين، ثم المبالغة في التعظيم من غير خوض في التفاصيل، فاقرأ في التنزيه قوله تعالى:{وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد/38]، وقوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى/11]، وقوله تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص/1].

واقرأ في الإثبات قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5]، وقوله تعالى:{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}

(1)

[النحل/50]، وقوله تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر/10]، وقوله تعالى:{قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء/78].

وفي تنزيهه عما لا ينبغي قوله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا [ب/ق 81 ب] أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء/79] الآية، وعلى هذا القانون فقس. وختم الكتاب بالدعاء

(2)

.

(1)

هذه الآية سقطت من (ت).

(2)

انظر نحوه مختصرًا في: درء تعارض العقل والنقل (1/ 159، 160)، ومجموع الفتاوى (4/ 72، 73)، ونقض التأسيس (1/ 419، 420)، والنبوات (ص/176)، ومنهاج السنة (5/ 271).

ص: 470

قول متكلم السنة إمام الصوفية في وقته أبي العباس أحمد بن محمد

(1)

المظفر بن المختار الرازي صاحب كتاب

(2)

«قرع

(3)

الصَّفاة في تقريع نفاة الصفات» وهو على صغر حجمه كتاب جليل غزير العلم:

قال فيه بعد حكاية مذاهب الناس: «وقالت الحنابلة وأصحاب الظواهر والسلف من أهل الحديث: إن الله على العرش.

ثم قال: أما حجة المثبتين فمن حيث الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والمعقول، ثم ذكر بعض حجج القرآن والسنة، ثم حكى كلام الصحابة.

إلى أن قال: ثم إن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل رأى ربه ليلة المعراج أم لا؟ واختلافهم في الرؤية تلك الليلة اتفاق منهم على أن الله على العرش؛ لأن المخالفين لا يفرقون بين الأرض والسماء بالنسبة إلى ذاته، وهم فرَّقوا [ظ/ق 73 ب]، حيث اختلفوا في أحدهما دون الآخر.

قلت: مراده أنهم

(4)

إنما اختلفوا في رؤيته لربه ليلة أُسْريَ به إلى عنده، فجاوز السبع الطباق، ولولا أنه على العرش لكان لا فرق في الرؤية نفيًا ولا إثباتًا في تلك الليلة وغيرها.

(1)

ليس في (ظ): «بن محمد» ، وفي (مط):«المظفري» بدل «المظفر» .

(2)

سقط من (ب، ظ).

(3)

في (ب، ظ): «فرع» ، وهو خطأ.

(4)

سقط من (ب).

ص: 471

ثم قال: وأما المعقول فمن وجوه خمسة:

أحدها: إطباق الناس كافَّة، وإجماع الخلق عامَّة من الماضين والغابرين والمؤمنين والكافرين على رفع الأيدي إلى السماء عند السؤال والدعاء، بخلاف السجود فإنه تواضع متعارف، وبخلاف التوجه إلى الكعبة فإنه تعبُّد غير معقول، أما رفع الأيدي بالسؤال نحو المسؤول فأمر معقول متعارف، قال: ومن نظر في قصص الأنبياء، وأخبار الأوائل القدماء، وأنباء الأمم الماضية والقرون الخالية اتضحت له هذه المعاني، واستحكمت له هذه المباني».

ثم قرر العلو، وساق شبه النفاة ونقضها نقض من لم يقلع عروشها كل القلع

(1)

رحمة الله تعالى عليه».

قول شعراء الإسلام من الصحابة رضي الله تعالى عنهم:

قول حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

(2)

:

قال محمد بن عثمان الحافظ

(3)

: صح عن حبيب بن أبي ثابت عن

(1)

في (ع): «من لم يقع غروسها كالقطع» ، وفي (مط):«ونقضها نقض من يقلع غروسها كل القطع» .

(2)

في (أ، ب، ت): «شاعر الإسلام» بدل «شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

(3)

هو الذهبي، في العرش (2/ 72 - 73). وانظر: العلو (1/ 424، 427) رقم (69، 70)، وسير أعلام النبلاء (2/ 518، 519) وقال فيه: «هذا مرسل» اهـ.

وقد تقدم تخريجه (ص/157 - 158).

ص: 472

حسان أنه [ب/ق 82 أ] أنشد النبي صلى الله عليه وآله وسلم شعرًا

(1)

:

شهدت بإذن الله أن محمدًا

رسول الذي فوق السماوات من علُ

وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما

له عمل من ربه

(2)

متقبَّلُ

وأن أخا الأحقاف إذ قام فيهم

يقول بذات الله فيهم ويعدلُ

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وأنا» .

وقال حسان أيضا في قصيدته

(3)

الدَّالية في مدحه:

ألم تر أن الله أرسل عبده

ببرهانه والله أعلى وأمجدُ

وضمَّ الإله اسم النبي إلى اسمه

إذا قال في الخمس المؤذن: أشهدُ

وشقَّ له من اسمه لِيُجلّه

فذو العرش محمود وهذا محمدُ

أغرُّ عليه للنبوة خاتم

من الله ميمون يلوح ويشهدُ

(4)

(1)

من (ظ) فقط.

(2)

في (أ، ت، ع): «في دينه» ، وهي إحدى الروايتين التي وقعت للذهبي في العلو (1/ 424)(69).

(3)

في (ظ): «قصيدة» .

(4)

انظر: ديوان حسان بن ثابت (ص/54)، عدا البيت الأول فليس في ديوانه، وقد نُسِب البيت الثالث لأبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: الجليس الصالح لأبي الفرج النهرواني (2/ 204).

ص: 473

قول عبد الله بن رواحة الأنصاري

(1)

:

قال أبو عمر بن عبد البر

(2)

: صح عن عبد الله بن رواحة أن امرأته رأته مع جارية، فذهبت لتأخذ سكينًا، فقال: ما فعلت، فقالت: بلى قد رأيتك قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد

(3)

نهى الجُنب عن قراءة القرآن، [ظ/ق 74 أ] قالت: فاقرأ. فقال شعرًا

(4)

:

شهدت بأن وعد الله حق

وأن النار مثوى الكافرينا

وأن العرش فوق الماء طافٍ

وفوق العرش رب العالمينا

وتحمله ملائكة شداد

ملائكة الإله مسومينا

فقالت: صدق الله وكذب بصري. فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره فضحك حتى بدت نواجذه.

قال محمد بن عثمان الحافظ

(5)

: رويت هذه القصة من وجوهٍ صِحَاحٍ

(6)

عن ابن رواحة.

(1)

من (ب، ظ).

(2)

في الاستيعاب (ص/397، 398)، وقد تقدم تخريجه (ص/168).

(3)

سقط من (ب).

(4)

ليس في (أ، ت، ع).

(5)

هو الذهبي، انظر العرش (2/ 136 - 137) وفيه:«صحاح مرسلة» ، وفي العلو (1/ 438) تعقَّب ابن عبد البر بقوله:«قلت: روي من وجوه مرسلة» .

(6)

سقط من (ب).

ص: 474

قول العباس بن مرداس السُّلَمي:

قال عوانة بن الحكم: لما استخلف عمر بن عبد العزيز وفد إليه الشعراء، فأقاموا ببابه أيامًا لا يؤذن لهم، فبينما هم كذلك مرَّ بهم عدي ابن أرطاة فدخل على عمر فقال: الشعراء ببابك يا أمير المؤمنين، فقال: ويحك مالي وللشعراء؟ [ب/ق 82 ب] قال: فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد امْتُدِحَ فأعطى، فامتدحه العباس مرداس السلمي فأعطاه حُلَّة. قال: أوَتروي من شعره شيئًا؟ قال: نعم، فأنشده عدي بن أرطاة قوله في النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

رأيتك يا خير البرية كلها

نشرت كتابًا جاء بالحق معلما

شرعت لنا دين الهدى بعد جورنا

عن الحق لما أصبح الحق مظلما

وفيها:

تعالى علوًّا فوق سبع إلهنا

وكان مكان الله أعلى وأعظما

(1)

(1)

أخرجه أبو الفرج النهراوني في الجليس الصالح (1/ 251)، ومن طريقه: ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص/106)، رقم (24).

من طريق الهيثم بن عدي عن عوانة بن الحكم قال: فذكره مطوَّلًا.

وهو حديث باطل، فيه الهيثم بن عدي: قال فيه أبو داود: كذَّاب، وقال فيه النسائي: متروك الحديث.

ص: 475

قول لبيد

(1)

بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة

(2)

العامري الشاعر:

أحد شعراء الجاهلية

(3)

والإسلام، أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن شعره:

لله نافلة الأجلِّ الأفضل

وله العلى وأثيث

(4)

كل مُؤثَّلُ

لا يستطيع الناس محو كتابه

أنَّى وليس قضاؤه بمبدّلُ

سَوّى فأغلق دون عِزَّة

(5)

عرشه

سبعًا طباقًا دون

(6)

فرع المعقل

والأرض تحتهم مهادًا راسيًا

ثبتت جوانبها بصم الجندل

(7)

(1)

في (أ، ت)، ونسخة على حاشية (ب):«أسد» .

(2)

قوله: «بن جعفر بن كلاب بن ربيعة» من (ب، ظ).

(3)

سقط من (ع).

(4)

في (أ، ت، ع): «وأثيب» ، وهو خطأ.

(5)

في (ب، ظ): «غرفة» ، ولعله تصحيف، وفي (أ، ت، ع): «عروة» ، وهو تحريف، وفي الديوان:«غُرَّة» ، والصواب ما أثبتُّه، قال ابن بري: والذي في شعره: «عزَّة عرشه» . انظر اللسان.

(6)

في ديوان لبيد «فوق فرع المنقل» .

(7)

انظر ديوان لبيد (ص/271).

ص: 476

ذكر ما أنشد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من شعر أمية بن أبي الصلت الذي شهد لشعره بالإيمان ولقلبه بالكفر

(1)

:

فمن شعره:

مجِّدوا الله فهو للمجد أهل

ربنا في السماء أمسى كبيرًا [ظ/ق 74 ب]

بالبناء الأعلى الذي سبق الخلْـ

ـق وسوّى فوق السماء سريرا

(1)

يشير إلى حديث ابن عباس: الذي أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (4/ 7)، وابن عساكر في تاريخه (9/ 272). من طريق: أبي بكر الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس فذكره وفيه أبيات: والشمس تطلع

». والهذلي متروك الحديث.

ـ ورواه يعقوب بن عتبة عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صدَّق أمية في شيء من شعره فذكر أبياتًا.

أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (4/ 159) رقم (2314). وفيه ابن إسحاق ولم يصرح بالتحديث إلا في رواية مرجوحة.

ـ ورواه عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة عن ابن عباس.

أخرجه ابن خزيمة في التوحيد (113) ولم يسق لفظه، وهذا أصح، ورواه الكلبي مرسلاً ولا يثبت. قال ابن صاعد:«فأما الذي يُروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في أمية: «آمن شعره، وكفر قلبهُ» ، فلا أعرفه. اهـ.

واللفظ الثابت: «كاد أمية بن أبي الصلت أن يُسلم» .

أخرجه البخاري (5795)، ومسلم (2256) من حديث أبي هريرة.

ص: 477

شَرْجعًا لا يناله بصر العَيْـ

ـن ترى دونه الملائك صورا

(1)

شرجعًا

(2)

: أي طويلًا، وصُورًا: جمع أصور، وهو المائل العنق.

ومن شعره

(3)

قوله في داليَّتِه المشهورة، ذكره ابن عبد البر وغيره، قوله

(4)

:

لك الحمد والنعماء والملك ربنا

فلا شيء أعلى منك جدًّا وأمجدُ

مليك على عرش السماء مهيمن

لعزَّته تعنو الوجوه وتسجدُ

عليه حجاب النورِ والنورُ حولَه

وأنهار نور حوله تتوقَّدُ [ب/ق 83 أ]

فلا بشر يسمو إليه بطرفه

ودون حجاب النور خلْق مؤيَّدُ

(5)

(1)

انظر: الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية لابن قتيبة (ص/35)، وإثبات صفة العلو لابن قدامة (ص/147)، رقم (54).

(2)

في (ب): «معنى شرجعًا» .

(3)

سقط من (ب): «من شعره» .

(4)

من (ظ)، وفي (أ):«شعر» .

(5)

ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى والأصمعي وغيرهما أن أُمية بن أبي الصلت قال هذه القصيدة في أول المبعث، يذكر فيها دين الإسلام ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فذكر القصيدة الدالية بطولها، وكذلك القصيدة اللامية بطولها.

انظرها في: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك لابن الجوزي (3/ 150 ـ 155)، وانظر: التمهيد لابن عبد البر (7/ 133).

ص: 478

وفيها في وصف الملائكة

(1)

:

وساجدهم لا يرفع الدهر رأسه

يعظِّم ربًّا فوقه ويمجِّد

(2)

ذكر القصيدة التي أنشدها إسماعيل بن فلان الترمذي

(3)

للإمام أحمد في محبسه:

قال إبراهيم بن إسحاق البعلي

(4)

: أخذت هذه القصيدة من أبي بكر المرُّوذي، وذكر أن إسماعيل بن فلان الترمذي قالها وأنشدها أحمدَ بن حنبل رحمه الله تعالى وهو في سجن المحنة:

تبارك من لا يعلم الغيبَ غيرُه

ومن لم يزل يثنى عليه ويذكرُ

(1)

سقط من (ع): «وفيها في وصف الملائكة» .

(2)

انظر: المنتظم لابن الجوزي (3/ 151).

(3)

لم أقف على ترجمته.

(4)

في (ع): «العبيلي» .

ص: 479

علا في السماوات العُلى فوق عرشه

إلى خلقه في البر والبحر ينظرُ

سميع بصير لا نشكُّ مدبر

ومن دونه عبد ذليل مدبَّرُ

يدا ربنا مبسوطتان كلاهما

تسحَّان والأيدي من الخلق تَقْتِرُ

(1)

وساق القصيدة، وهي من أحسن القصائد، لم ينكرها أحد من أهل الحديث، بل أثنوا على ناظمها ومدحوه.

قول حسان السنة في وقته، المتفق على قبوله، الذي سار شعره مسيرة الشمس في الآفاق، واتفق على قبوله الخاص والعام أي اتفاق، ولم يزل ينشد في الجوامع العظام، ولا ينكره أحد من أهل الإسلام يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور الصرصري

(2)

الأنصاري الإمام في اللغة والفقه والسنة والزهد والتصوف:

قال في قصيدته العينية التي أولها:

تواضع لرب العرش علَّك ترفع

فقد فاز عبدٌ للمهيمن يخْضعُ

(1)

انظر: مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي (ص/425 ـ 428).

(2)

قتله التتار لما دمَّروا بغداد سنة 656 هـ.

ص: 480

وداوِ بذكر الله قلبَك إنه

لأعلى دواء للقلوب وأنفعُ

وخُذ من تُقَى الرحمن أمنًا وعدَّةً

ليومٍ به غير التَّقِيّ مروَّعُ

إلى أن قال [ظ/ق 75 أ]:

سميع بصير ما له في صفاته

شبيه يَرَى من فوق سبعٍ ويسمعُ

قضى خلقه ثم استوى فوق عرشه

ومن علمه لم يخْل في الأرض موضعُ [ب/ق 83 ب]

وقال في «لاميَّته» التي أولها:

ألذ وأحلى من شمول وشَمْأل

ثناء على الرحمن في كل محفلِ

(1)

ويوم ينادي العالمين فيسمع

القَصِيّ كدانٍ في المقال

(2)

المطوَّل

(1)

هذا البيت من (ب) فقط.

وجاء الشطر الثاني في ديوان الصرصري ما يلي: وأليق من ذكرى حبيب ومنزل.

(2)

في ديوان الصرصري: «المقام» .

ص: 481

أنا الملكُ الديان والنقلُ ثابتٌ

فهل هاهنا ينساغ تأويل جُهَّل

وينظره أهل البصائر في غدٍ

بأبصارهم لا ريب فيه لمجتلٍ

كما ينظرون الشمس ما حال دونها

سحاب ألا بُعْدًا لأهل التعزُّل

توحَّد فوق العرش والخلق دونه

وأحْكَمَ ما سوَّاه إحكام مُكملِ

(1)

وقال في قصيدته «تحفة المريدين»

(2)

التي أولها:

أسِير وقلبي في رُباك أسيرُ

فهل لي من جَوْر الفراق مجيرُ

(3)

يقول فيها

(4)

:

وأستجلب السلوى وفي القلب حسرة

فيرتد عنك الطرف

(5)

وهو حسيرُ

(1)

انظر: ديوان الصرصري.

(2)

في (أ، ت): «المهدي» ، وفي الديوان:«تحفة المُهْدي في اعتقاد المهدي» .

(3)

في (ب، ظ): «مخير» ، وهو تصحيف.

(4)

من (ظ) فقط: «يقول فيها» .

(5)

في ديوان الصرصري: «الصبر» .

ص: 482

وما ذاك إلا أنَّ فيك لناظري

بدا غصن غض النبات نضيرُ

إذا ما تجلَّى سافرًا فجماله

إلى القلب من جيش الغرام سفيرُ

وفيها

(1)

:

إذا ما اجتمعنا والتَقى الشمل فالتُّقى

رقيب علينا والعفاف غيورُ

يؤكِّدُ عقد الوُدِّ بيني وبينه

اعتقاد عليه للهداية نورُ

كلانا محبٌّ للإمام ابن حنبل

لأسيافنا في شانئيه هَبِيرُ

إلى أن قال

(2)

:

نُقِرُّ بأن الله جلَّ ثناؤه

(3)

سميع لأقوال العباد بصير

(1)

من (ب، ظ).

(2)

قوله: «إلى أن قال» من (ب) فقط.

(3)

في (مط): «جلاله» .

ص: 483

وفيها

(1)

:

ويطوي السماوات العُلى بيمينه

وذلك في وصف القوي يسيرُ

وخاطب موسى بالكلام

(2)

مكلِّمًا

فخرَّ صريعًا إذ تقطَّعَ طورُ

وخطَّ له التوراة فيها مواعظ

فلاحت على الألواح منه سُطُورُ

(3)

وأن قلوب الخلق بين أصابع

الإله فمنها ثابت ونفورُ

ونُثْبت في الأخرى لرؤية ربنا

حديثًا رواه في الصحيح جَريرُ

وأيُّ

(4)

نعيم في الجنان لأهلها

وأنى لهم لو لم يروه سرورُ

(1)

في (أ، ب، ت): «إلى أن قال» ، وقد سقط من (ع).

(2)

في ديوانه «باللغات» .

(3)

في (ظ)، ونسخة على حاشية (ب)«زبور» ، ووقع في (ب، أ، ت، ع): «دسور» ، والمثبت من الديوان (77 ق/ب).

(4)

في (ظ): «وأنَّى» ، والمثبت من الديوان وباقي النسخ.

ص: 484

إلى أن قال

(1)

[ب/ق 84 أ]:

ونؤمن أن العرش من فوق سبعةٍ

تطوف به أملاكه وتدورُ

قضى خلقه ثم استوى فوق عرشه

تقدَّس كرسي له وسريرُ

(2)

[ظ/ق 75 ب]

هو الله ربي في السماء مُحجَّبٌ

وليس كمخلوقٍ

(3)

حوته قطورُ

إليه تعالى طيب القول صاعدٌ

وينزل منه بالقضاء أُمورُ

لقد صحَّ إسلامُ الجويرية التي

بإصبعها نحو السماء تشيرُ

(4)

وقال رحمه الله في قصيدته «المنامية» التي يقول فيها:

رأيت رسول الله في النوم مرَّةً

فقبَّلت

(5)

فاه العذب تقبيل مشتاق

(1)

في (ظ): «وفيها» بدل «إلى أن قال» .

(2)

في ديوان الصرصري: «ليس كمخلوقٍ حواهُ سريرُ» .

(3)

في الديوان: «بمحدودٍ» .

(4)

انظر: ديوان الصرصري من (72 ق/أ) إلى (77 ق/ب).

(5)

في (ظ): «فقلتُ» وهو خطأ.

ص: 485

ولو أنني أُوتيت رشدي نائمًا

لقبَّلت ممشاه الكريم بآماقي

فبشَّرني منه بأزكى شهادة

بها جَبْرُ كسري يوم فَقْري وإملاقي

بموتٍ سعيدٍ في كتابٍ وسنةٍ

فلانت لبشراه شَرَاسة أخلاقي

وها أنا ذا والحمد لله وحده

مقرٌ لبشراه بأثبت مِصْداق

بأنِّي على حسن اعتقاد ابن حنبل

مقيمٌ وإن قام العِدى لي على ساق

أقرُّ بأن الله من فوق عرشه

يقدِّر آجالًا ويقضي بأرزاق

سميع بصير ليس شيء كمثله

قديم الصفات الواحد الأحد الباقي

أُمِرُّ أحاديث الصفات كما أتت

أتابع فيها كل أزهر سبَّاق

ولست إلى التشبيه يومًا بجانحٍ

ولا قائلٍ تأويل أشدق نهَّاقِ

(1)

(1)

انظر: ديوان الصرصري من (ق 129/ب) إلى (ق 130/أ).

ص: 486

وقال رحمه الله في قصيدته «اللَاّميَّة»

(1)

التي نظم

(2)

فيها اعتقاد الشافعي رضي الله عنه:

أيشعر حزب الجهم ذاك المضلِّل

بأني حرب للعدى غير أنكل

تشنُّ عليهم غَيْرتي وحمِيَّتي

لدين الهدى غارات أشوس مقبل

لَوَقْعُ قَرِيْضِي في صميم قلوبهم

أشدُّ عليهم من سنان ومنصل

أفوق منه حين أنظر نحوهم

مقاتل تصمي منهم كل مقتَل

هُمُ انحرفوا عن منهج الحق سالكي

مهالك من تحريفهم والتأوُّل

لقد برئ الحبر ابن إدريس منهم

براءة موسى من يهود مُخوَّل

(1)

سقط من (ب).

(2)

من (أ، ت، ظ، ع).

ص: 487

وفيها

(1)

:

وتعقد عند الشافعي يمين من

غدا حالفًا بالمصحف المتقبل

وهذا دليلٌ منه إذ كان لا يرى

انعقادًا لمحلوفٍ

(2)

بِحلْفِه

(3)

مُؤْتَلِ

(4)

ومذهبه في الاستواء كمالك

وكالسلف الأبرار أهل التفضل

وقل مستوٍ بالذات من فوق عرشه

ولا تقلِ استولى فمن قال يبطل [ب/ق 84 ب]

فذاك لذي ضِدٍّ يقال قسوة

لذي خطل راوٍ

(5)

بعيث

(6)

وأخطلِ [ظ/ق 76 أ]

(1)

من (ظ) فقط.

(2)

في (ب، ت، ظ): «بمخلوق» .

(3)

في (ب): «كخلقه» .

(4)

في (ت، ظ): «مَوْئلِ» ، وهو تصحيف.

(5)

في (أ، ب، ت): «رأي» .

(6)

في (أ، ت): «يعيث» .

ص: 488

وقد بان منه خلقه وهو بائن

من الخلق يحصي للخفيِّ وللجلي

وأقرب من حبل الوريد مفسَّر

وما كان في معناه بالعلم فاعقل

علا في السماء اللهُ فوق عباده

دليلك في القرآن غير مقلل

وإثبات إيمان الجويرية اتَّخِذ

دليلًا عليه مسندٌ غير مرسل

وقال رحمه الله في قصيدته «اللامية» يهجو ابن خَنْفَر الجهمي الخبيث، أولها

(1)

:

أطعِ الهدى لا ما يقول العذل

فالحب ذو أمرٍ يجور ويعدلُ

واتبع لسلمى ما استطعت مسالمًا

فالحسن ينصرها وصبرك يخذلُ

بيضاء دون مرامها لمحبها

بِيْض الصوارم والرماح الذبلُ

(1)

سقط من (ب).

ص: 489

تخفى فيعرفها الوشاة بعرفها

وتضيء والظلماء ستر مسبلُ

تضحي الدماء بجورها هدرًا وهل

يخشى قصاص القتل طرف أكحلُ

كيف البقاء لعاشق أودى

(1)

به

سهم اللِّحاظ وقد أُصيب المقتلُ

وفيها

(2)

:

نبذ الكتاب وراء ظهره، وابتدى

شيخ الضلالة للصفات يعطِّلُ

الحقُّ أثبتها تعالى جدُّه

والتيس ينكرها فمن ذا يقبلُ

(3)

وعقيدة الملعون أن المصحف

المكنون منبوذ تطأَه الأرجل

ما قالت الكفار مثل مقالِه

وكذا اليهود أو النصارى الضُّلَّلُ

(1)

في (أ، ب، ت، ع): «أردى» .

(2)

من (ظ) فقط.

(3)

سقط هذا البيت من (مط).

ص: 490

آل الجحود به إلى واد لظى

للغاية السفلى فبئس الموئلُ

ويقول فيها

(1)

:

وزعمت أن الحنبلي مجسِّمٌ

حاشا لمثل الحنبلي يمثِّلُ

بل يورد الأخبار إذ كانت تصحِّـ

حُها الرواة عن الثقات وتنقلُ

إن المهيمن ليس تمضي ليلة

إلا وفي الأسحار فيها ينزلُ

قد قالها خير الورى في سادة

لم ينكروا هذا ولم يتأولوا

وتقبَّلوها مع غزارة علمهم

أفأنت أم تلك العصابة أعقلُ

(2)

(1)

قوله: «ويقول فيها» من (ظ) فقط.

(2)

انظر: ديوان الصرصري (ص/815).

ص: 491

[ب/ق 85 أ] وقال رحمه الله في «داليته» التي أولها

(1)

:

واهًا لفرط حرارة لا تبرد

ولواعج بين الحشا تتردَّدُ

(2)

وفيها

(3)

:

في كل يوم سُنَّة مدروسة

بين الأنام وبدعة تتجدَّدُ

صدق النبي ولم يزل متسربلا

(4)

بالصدق إذ يَعِدُ الجميل ويوعدُ

إذ قال يفترق الضلَّال ثلاثة

زيدًا

(5)

على السبعين قولًا يُسْنَدُ [ظ/ق 76 ب]

وقضى بأسباب النجاة لفرقةٍ

تسعى بسُنَّتهِ إليه وتحفِدُ

(1)

سقط من (ظ).

(2)

كذا في جميع النسخ، وفي نسخة على حاشية (ب):«تتوقَّد» .

(3)

من (أ، ب، ظ).

(4)

في (أ، ت): «مترسلًا» ، وفي (ع):«مسترسلًا» .

(5)

في (ب، ع): «زِيْدَ» .

ص: 492

فإن ابتغيت إلى النجاة وسيلةً

فاقْبَل مقالةَ ناصحٍ يتقلَّدُ

إيَّاك والبدع المضلَّة إنها

تهدي إلى نار الجحيم وتوردُ

وعليك بالسُّنن المنيرة

(1)

فاقفُها

فهي المحجَّة والطريق الأقصدُ

فالأكثرون

(2)

بمبدعات عقولهم

نبذوا الهدى فتنصَّروا وتهوَّدوا

منهم أُناس في الضلال تجمَّعوا

وبسَبِّ أصحاب النبي تفرَّدوا

قد فارقوا جمع

(3)

الهدى وجماعة

الإسلام واجتنَبوا التُّقى

(4)

وتمرَّدوا

بالله يا أنصار دين محمدٍ

نوْحُوا على الدين الحنيف وعدِّدُوا

(1)

سقط من (ت).

(2)

في (أ، ت): «فالآخرون» ، وفي (ع):«والآخرون» .

(3)

في (أ، ت): «جميع» ، وهو خطأ.

(4)

في (أ، ت، ع): «الهُدى» .

ص: 493

لعِبتْ بدينكم الروافض جهرةً

وتألَّبوا

(1)

في دحضه وتحشَّدوا

نصبوا حبائلهم بكل مكيدةٍ

وتغلغلوا في المعْضِلات وشدَّدوا

ورموا خيار الخلق بالكذب الذي

هم أهله لا مَن رموه وأسندوا

(2)

نقضوا مراتب هُنَّ أشرف منصبًا

في الفخر من أُفق السماء وأمجدُ

ألِرُتْبة الصديق جفَّ لسانهم

يبغون وهي من التناول أبعدُ؟

أو ما هو السباق في غرر العُلى

ولقد زكا من قبل منه المحتدُ

ولقد أشاد بذكره رب العُلى

فثناؤه في المكرمات مشيَّدُ

نطق الكتاب بمجده الأعلى ففي

آي الحديد مناقب لا تنقدُ

(1)

في (أ، ب، ت، ظ): «وتألفوا» .

(2)

في (مط): «وأفسدوا» وهو خطأ.

ص: 494

«لا يستوي منكم»

(1)

وفيها مقنع

«والليل»

(2)

يثبت فضله ويؤكِّدُ

«وبراءة»

(3)

تثني بصحبته وهل

يوهي رفيع علاه إلا ملحدُ

أو ما هو «الأتقى»

(4)

الذي استولى على

الإخلاص طارف ماله والمتلَّدُ

أوَما هو السَّامي بأبعد غاية

في جمع شمل الدين وهو مبدَّدُ

(5)

لما مضى لسبيله خير الورى

وحوى شمائله صفيح ملحدُ

منع الأعاريب الزكاة لفقده

وارتدَّ منهم حائر متردِّدُ

(1)

يشير إلى قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد/10].

(2)

يريد قوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى

} [الليل:18 - 12].

(3)

يريد قوله تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة/40].

(4)

يشير إلى سورة الليل كما سبق (ص/490).

(5)

هذا البيت من (أ، ت) فقط.

ص: 495

وتوقَّدت نار الضلال وخالطت

إبليس أطماع كوامن رصَّدُ

فسما

(1)

أبو بكر بصدق عزيمة

وثبات إيمان ورأيٌّ يُحمدُ [ب/ق 85 ب]

فتمزَّقت عُصُب الضلال وأشرقت

شمس الهدى وتقوم المتأوَّدُ

أم رتبة الفاروق في إظهاره

للدين تلك فضيلة لا تُجحدُ

وهو الموفَّق للصواب كأنما

ملك يصوِّب قوله ويسدِّدُ

بوفاقه آي الكتاب تنزَّلت

وبفضله نطق المشفَّعُ أحمدُ

لو كان من بعدي نبيٌّ

(2)

كنته

خبر صحيح

(3)

في الرواية مسندُ

(1)

في (ب، ظ): «فنما» ، وفي (مط):«قام» .

(2)

في (ع، مط): «نبيًّا» .

(3)

في (مط): «خبرًا صحيحًا» .

ص: 496

وبِعَدله الأمثال تضرب في الورى

وفتوحه في كل قطرٍ توجدُ

وتمام فضلهما جوار المصطفى

في تربة فيها الملائك تحشدُ

وتعمَّقوا في سبِّ عثمان الذي

ألفاهُ كفوًا لابنتيه محمَّدُ

ولبيعة الرضوان مدَّ شماله

عوض اليمين وهي منها

(1)

أوكدُ

وحَبَاهُ في بدرٍ بسهم مجاهد

إذ فاته بالعذر ذاك المشهدُ

مَن هذه مِنْ بعض غُرِّ صفاته

ما ضرَّهُ ما قال فيه الحُسَّدُ

ثم ادَّعوا حُبَّ الإمام المرتضى

هيهات مطلبه

(2)

عليهم يبعدُ

أنى وقد جحدوا الذين بفضلهم

أثنى أبو الحسن الإمام السيدُ

(1)

في (مط): «منه» .

(2)

في (أ، ت، ع) ونسخة على حاشية (مط): «مطلبهم» .

ص: 497

ما في علاه

(1)

مقالة لمخالفٍ

فمسائل الإجماع فيه تعقدُ

ولنحن أولى بالإمام وحبِّه

عقد ندين به الإله مؤكَّدُ

وولاؤه لا يستقيم ببغضهم

واضرب لهم مثلًا يغيظ ويكمدُ

(2)

[ظ/ق 77 أ]

مثل الذي جحد ابن مريم وادَّعى

حُبَّ الكليم وتلك دعوى تفسدُ

وبقذف عائشة الطهور تجشَّموا

أمرًا تظل له الفرائص ترعدُ

تنزيهها في سبع عشرة آيةً

(3)

والرافضي بِضدِّ ذلك يشهدُ

(1)

في (ظ): «غلاة» .

(2)

في ديوان الصرصري: «يكبد» .

(3)

يشير إلى الآيات من سورة النور.

ص: 498

ومنها

(1)

:

لو أن أمر المسلمين إليهمُ

لم يبق في هذي

(2)

البسيطة مسجدُ

ولو استطاعوا لا سَعَتْ بمرامهم

قَدَمٌ ولا امتدَّت بكفِّهم يَدُ

لم يبق للإسلام ما بين الورى

علم يسود

(3)

ولا لواء يعقدُ

عَلِقوا بحبل الكفر واعتصموا به

والعالقون بحبله لن يسعدوا

وأشدُّهم كفرًا جهول يدَّعي

علم الأُصول وفاسق متزهدُ

فَهُما وإن وهنا أشدُّ مضرة

في الدين من فأر السَّفين وأفسدُ

(1)

سقط من (مط)، ووقع في (أ، ب، ت، ع): «إلى أن قال:» .

(2)

في (ظ): «هادي» ، وفي (ت):«هدي» ، وفي ديوان الصرصري:«ظهر» .

(3)

في (أ): «يسير» ، وفي (ب، ت): «يسيد» ، وفي (ع):«ولا سبب» ، وفي (مط):«يسدّ» ، والمثبت من (ظ).

ص: 499

وإذا سألت فقيههم عن مذهب

قال

(1)

اعتزال في الشريعة يلحدُ

كالخائض الرمضاء أقلقه اللَّظى

منها ففرَّ إلى جحيم توقدُ

إن المقال بالاعتزال لخُطة

عمياء حلَّ بها الغواة المُرَّدُ

هجموا على سُبُل الهدى بعقولهم

ليلًا فعاثوا في الديار وأفسدوا [ب/ق 86 أ]

صُمٌ إذا ذُكِرَ الحديث لديهمُ

نفروا كأن لم يسمعوه وعرَّدوا

(2)

واضرب لهم مثل الحمير إذا رأت

أسَدَ العرين فهنَّ منه شُرَّدُ

(3)

جحدوا الشفاعة والصراط وأنكروا

الميزان والحوض الذي هو يوردُ

(4)

(1)

في (ب) ونسخة على حاشية (مط): «فإلى» .

(2)

في (مط): «وغرَّدوا» .

(3)

في (ت): «فرد» .

(4)

هذا البيت وثلاثة يليه من (أ، ت، ع) فقط.

ص: 500

والمحنة العظمى مقالهم الذي

من عِظَم فرِيَّته يذوب الجلمدُ

إن المهيمن لا يراه موحدٌ

والنص يثبت ما نفوا واستبعدُوا

حُرِموا بذلك رؤيةً وشفاعةً

والحوض ليس لهم عليه موردُ

ومنها

(1)

:

والجاحد الجهمي أسوأ منهم

حالًا وأخبث في القياس وأفسدُ

أمسى لربِّ العرش قال منزها

من أن يكون عليه ربٌّ يعبدُ

(2)

ونفى القُرَان برأيه والمصحفُ

الأعلى المطهر عنده يُتَوسَّدُ

(1)

في (ب): «إلى أن قال:» .

(2)

في ديوان الصرصري هذا البيت هكذا:

أمسى بزعم للسماء منزَّها

من أن يكون بها إله يُعبد

ص: 501

وإذا ذكرت له «على العرش استوى»

قال

(1)

هو استولى يحيد ويخلدُ

فإلى من الأيدي تُمَدُّ تضرُّعًا

وبأي شيء في الدُّجى يتهجَّدُ

ومن الذي هو للقضاء منزل

وإليه أعمال البريَّة تصعدُ

وبما تنزَّل جبرئيل مصدِّقًا

ولأي معجزة

(2)

الخصوم

(3)

تبلدُ

ومن الذي استولى عليه بقهره

إن كان

(4)

فوق العرش ضِدٌّ أيِّد

جلَّت صفات الحق عن تأويلهم

وتقدَّست عما يقول الملحدُ

(1)

في (ظ): «قالوا» ، وفي (أ، ت): «فالي» .

(2)

سقط من (أ، ت).

(3)

في (ع): «معجز للخصوم» .

(4)

في (ظ، ب): «إذ كان» ، وفي (أ، ت، ع) ونسخة على (ب): «أفكان» .

ص: 502

لَّما نفوا تنزيهه بقياسهم

ضلُّوا وفاتهم الطريق الأرشدُ

ويقول لا سمع ولا بصر ولا

وجه لربك ذي الجلال ولا يَدُ

من كان هذا وصفه لإلهه

فأراه للأصنام سِرًّا يسجدُ

الحقُّ أثبتها بنصِّ كتابه

ورسوله وغدا المنافق يجحدُ

فمن الذي أولى بأخذ كلامه

جَهْمٌ أم الرحمن قولوا وارشدوا

(1)

والصَّحب لم يتأوَّلوا لسماعها

فهم إلى التأويل أم هو أرشدُ

هو مشرك ويظن جهلًا أنه

في نفي أوصاف الإله موحِّدُ

يدعو من اتَّبع الحديث مشبِّهًا

هيهات ليس مشبِّهًا من يسندُ

(1)

في (ت): «قوله أرشدُ» .

ص: 503

لكنه يروي الحديث كما أتى

من غير تأويل ولا يتأوَّد

(1)

وإذا العقائد بالضلال تخالفت

فعقيدة المهدي أحمدَ أحمدُ

هي حجة الله المنيرة فاعتصم

بحبالها لا يُلْهِينَّك مفسدُ

(2)

إن ابن حنبلٍ اهتدى لما اقتدى

ومخالفوه لزيفهم

(3)

لم يهتدوا

ما زال أحمد يقتفي

(4)

أثر الهدى

ويروم أسباب النجاة ويجهدُ

حتى ارتقى في الدين أشرف ذروة

ما فوقها لأخي ارتقاء مصعدُ

نصر الهدى إذ لم يقل ما لم يقل

في فتنة

(5)

نيرانها تتوقَّدُ

(1)

كذا في جميع النسخ، وفي الديوان «ولا يتردَّد» .

(2)

في (أ، ب، ت): «مفنَّد» .

(3)

في (مط): «لزيغهم» ، وهو أولى.

(4)

في (مط): «يقتفي برشده» ، بدل «أحمد يقتفي» .

(5)

سقط من (ب).

ص: 504

ما صدَّه ضرب السِّياط ولا ثنى

(1)

عزماته ماضي

(2)

الغرار مهنَّدُ

نهواهُ حُبًّا ليس فيه تعصُّب

لكن محبة مخلص يتودَّدُ

وودادنا للشافعي

(3)

ومالك

وأبي حنيفة ليس فيه تردُّدُ

(4)

[ب/ق 86 ب]

وهذا باب واسع جدًّا لا يتسع لذكره مجلد كبير، ويكفي أن شعراء

(5)

الجاهلية مقرَّة به على فطرتهم الأولى، كما قال عنترة في قصيدته:

يا عبلُ أين من المنيَّة مهربي

إنْ كان ربي في السماء قضاها

(6)

ذكر أقوال الفلاسفة المتقدِّمين والحكماء الأولين:

فإنهم كانوا مثبتين لمسألة العلو والفوقية، مخالفين لأرسطو وشيعته. وقد نقل ذلك أعلم الناس بكلامهم، وأشهرهم اعتناءً

(1)

في (ب، ظ): «نَبَا» ، وفي (ع، مط): «انثنى» .

(2)

في (أ، ب، ت): «ما ضرَّ» ، وفي (مط):«وميض العِدا مهنّد» ، وفي نسخة على حاشية (مط):«ماضِ الغرام مهنَّد» ، وكله تحريف.

(3)

في (ب): «الشافعي» .

(4)

انظر: ديوان الصرصري من (32 ق) إلى (35 ق) جامعة الإمام.

(5)

في (ت): «شعر» .

(6)

انظر: ديوان عنترة: (ص/238).

ص: 505

بمقالاتهم ابن رشد الحفيد

(1)

.

قال في كتابه «مناهج

(2)

الأدلة»: القول في الجهة: وأما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة في أول الأمر يثبتونها لله سبحانه وتعالى حتى نفتها المعتزلة، ثم تبعهم على نفيها متأخرو الأشعرية

(3)

كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله.

وظواهر الشرع كلها تقتضي إثباتها لله تعالى، مثل قوله سبحانه:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5]، وقوله تعالى:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة/255]، وقوله تعالى:{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة/17]، وقوله تعالى:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} الآية [السجدة/5]، وقوله تعالى:{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج/4]، وقوله تعالى:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك/16]، إلى غير ذلك من الآيات التي إن سُلِّط التأويل عليها عاد الشرع كله مُؤوَّلًا

(4)

، وإن قيل فيها: إنها من المتشابهات عاد الشرع كله متشابهًا؛ لأن الشرائع

(1)

سقط «ابن رشد الحفيد» من (ت، ع)، وفي (مط):«ابن رشد بن الحفيد» وهو خطأ.

(2)

في (أ، ع): «منهاج» ، وكتب عليها ناسخ (أ) في الحاشية «مناهج» .

(3)

في (ت): «الجاهلية» ، وهو خطأ.

(4)

في (مط): «متأوَّلاً» ، وفي (ع):«قولاً» وهو خطأ.

ص: 506

كلها مبنية على أن الله في السماء، وأن منها

(1)

تتنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين، وأن من السماء نزلت الكتب، وإليها كان الإسراء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى قرب من سدرة المنتهى.

قال: وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله وملائكته في السماء؛ كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك.

والشُّبهة التي قادت نفاة الجهة إلى نفيها هي

(2)

: أنهم اعتقدوا أن إثبات الجهة توجب إثبات المكان، وإثبات المكان يوجب إثبات الجسمية.

قال: ونحن نقول: إن هذا كله غير

(3)

لازم، فالجهة غير المكان، وذلك أن الجهة هي:

إما سطوح

(4)

الجسم نفسه المحيط به، وهي ستة، وبهذا نقول: إن للحيوان فوقًا وسفلًا ويمينًا وشمالًا وأمامًا وخلفًا.

وإما سطوح جسم آخر محيط

(5)

بالجسم من الجهات السِّت.

فأما الجهات التي هي سطوح الجسم نفسه: فليست بمكان للجسم

(1)

كذا في جميع النسخ، وفي «مناهج الأدلة»:«منه» .

(2)

في النُّسخ الخطِّيَّة: «هو» ، والمثبت من (مط).

(3)

سقط من (ب).

(4)

في (ب): «سطح» ، وفي (ظ):«سطون» ، وقال الناسخ في الحاشية:«لعله: تكون» .

قلت: الصواب «سطوح» .

(5)

في (أ، ت، ع، مط): «يحيط» .

ص: 507

أصلًا، وأما سطوح الجسم المحيط

(1)

به فهي له مكان، مثل سطوح الهواء المحيط بالإنسان، وسطوح الفلك المحيطة بسطوح الهواء، هي أيضًا مكان الهواء، وهذه [ب/ق 87 أ] الأفلاك بعضها محيط ببعض ومكان له، وأما سطح الفلك الخارج فقد تبرهن

(2)

أنه ليس خارجه جسم، لأنه لو كان ذلك كذلك لوجب أن يكون خارج فلك

(3)

الجسم أيضًا جسم آخر، ولمرَّ

(4)

الأمر إلى غير نهاية.

فإذًا سطح آخر أجسام العالم ليس مكانًا أصلًا؛ إذ ليس يمكن أن يوجد فيه جسم، فإذا قام البرهان على وجود موجود في هذه الجهة فواجب أن يكون غير جسم، فالذي يمتنع وجوده هناك هو عكس ما ظنه القوم، وهو موجود هو جسم، لا موجود ليس بجسم، وليس لهم أن يقولوا: إن خارج العالم خلاء، وذلك أن الخلاء قد تبين في العلوم النظرية امتناعه؛ لأن ما يدل عليه [ظ/ق 78 أ] اسم الخلاء ليس هو شيئًا أكثر من أبعاد ليس فيها جسم، أعني: طولًا وعرضًا وعُمقًا؛ لأنه إن رفعت الأبعاد عنه عاد عدمًا، وإن أنزل الخلاء موجودًا لزم أن يكون أعراضًا موجودة في غير جسم، وذلك أن الأبعاد هي: أعراض من باب الكميَّة ولا بدَّ، ولكنه قد

(1)

في (أ، ت، ع): «المحيطة» ومثله في الموضعين الآتِيَيْن.

(2)

في (ت): «يبرهن» ، وفي (ع، مط): «برهن» .

(3)

في (أ، ت، ع): «ذلك» .

(4)

في (أ، ت، ع، مط): «ويمر» .

ص: 508

قيل في الآراء السالفة القديمة والشرائع الغابرة: إن ذلك الموضع

(1)

هو مسكن الروحانيين، ويريدون: الله والملائكة. وذلك أن ذلك الموضع ليس بمكان، ولا يحويه

(2)

زمان، وكذلك إن كان كل ما يحويه الزمان والمكان فاسدًا فقد يلزم أن يكون ما هنالك غير فاسد ولا كائن، وقد تبين هذا المعنى فيما

(3)

أقوله، وذلك أنه لمَّا لم يكن هاهنا شيء يدرك إلا هذا الموجود

(4)

المحسوس أو العدم

(5)

وكان من المعروف بنفسه أن الموجود

(6)

بنفسه

(7)

إنما ينسب إلى الوجود، أعني أنه تعالى موجود في الوجود

(8)

، إذ لا يمكن أن يقال له

(9)

موجود في العدم، فإن كان هاهنا موجود هو

(10)

أشرف الموجودات فواجب أن يُنْسَب من الموجود

(11)

(1)

من «مناهج الأدلة» .

(2)

في (مط): «ولا يجوز أن يحويه» .

(3)

في المناهج: «مما» .

(4)

في (ب، ظ): «الوجود» ، والمثبت أصوب.

(5)

في (مط): «المعدوم» ، والصواب المثبت.

(6)

في (ظ، ب): «الوجود» .

(7)

من (ع، مط).

(8)

سقط من (ت): «أعني أنه تعالى موجود في الوجود» .

(9)

(أ، ت، ع، ظ): «إنه» ، وسقط من (مط).

(10)

في (ب): «فهو» ، والمثبت أصوب ..

(11)

في (ب): «فواجب إلى أن ينسب من الموجود» ، وفي (أ):«من الوجود» ، وفي (ت، ظ): «إلى الوجود» ، وفي (ع):«فواجب أن ينتسب إلى الموجود» .

ص: 509

المحسوس إلى الجزء الأشرف

(1)

= وهو السماوات

(2)

، ولشرف

(3)

هذا الجزء قال الله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [غافر/57]، قال: فهذا كله يظهر على التمام للعلماء الراسخين في العلم.

قال: فقد ظهر لك من هذا أن إثبات الجهة واجب بالشرع والعقل، وأنه الذي جاء به

(4)

الشرع وانبنى

(5)

عليه، فإن إبطال هذه القواعد إبطال للشرائع

(6)

. ثم ساق تقرير ذلك إلى آخره.

فهذا كلام

(7)

فيلسوف الإسلام، [ب/ق 87 ب] الذي هو أخبر بمقالات الفلاسفة والحكماء، وأكثر اطلاعًا عليها من ابن سينا ونقلًا لمذاهب الحكماء، وكان لا يرضى بنقل ابن سينا ويخالفه نقلًا وبحثًا

(8)

.

(1)

سقط من (مط) من قوله: «أعني أنه تعالى» إلى هنا.

(2)

من المناهج: «وهو السماوات» .

(3)

في (ع، مط): «وأشرف» .

(4)

في (ظ): «بها» .

(5)

في (أ، ت): «وانثنى عليه» ، وفي (ع، مط): «وأثنى عليه» .

(6)

انظر: مناهج الأدلة (ص/176 ـ 178).

(7)

في (ت): «كتاب» ، وهو خطأ.

(8)

انظر: نقض التأسيس (1/ 156 ـ 162، 235).

ص: 510