المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر أقوال الأئمة الأربعة رضي الله عنهم - اجتماع الجيوش الإسلامية - ط عطاءات العلم - الكتاب

[ابن القيم]

الفصل: ‌ذكر أقوال الأئمة الأربعة رضي الله عنهم

قول وهب بن جرير رحمه الله تعالى:

قال الأثرم: حدثنا أبو عبد الله الأوسي

(1)

قال: سمعت وهب بن جرير يقول: إنما يريد الجهمية [/ق 29 ب] أنه ليس في السماء شيء

(2)

.

قال: وقلت لسليمان بن حرب: أي شيء كان حماد بن زيد يقول في الجهمية؟ فقال: كان يقول: إنما يريدون أنه ليس في السماء شيء

(3)

.

‌ذكر أقوال الأئمة الأربعة رضي الله عنهم

(4)

:

قول الإمام أبي حنيفة قدس الله روحه

(5)

:

قال البيهقي: حدثنا أبو بكر بن الحارث الفقيه حدثنا أبو محمد بن

(1)

كذا في جميع النسخ، وكتب عليه ناسخ (ب):«كذا» ، ووقع في النسخة الظاهرية لكتاب إثبات صفة العلو لابن قدامة:«الأنيسي» ، وفي بعض النسخ المتأخرة:«القيسي» ولم أقف على ترجمة أبي عبد الله الأوسي.

(2)

أخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص/171)، رقم (84) من طريق أبي بكر الأثرم به مثله.

وأخرجه الذهبي في العلو (2/ 1039) رقم (396) من طريق محمد بن حماد عن وهب بن جرير بلفظ: «إياكم ورأي جهم، فإنهم يحاولون أنه ليس في السماء شيء، وما هو إلا من وحي إبليس، ما هو إلا الكفر» .

(3)

أخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص/172)، رقم (85) وسنده صحيح.

(4)

ليس في (ظ): «رضي الله عنهم» .

(5)

في (أ، ب، ت): «رضي الله عنه» .

ص: 195

حيَّان أخبرنا أحمد بن جعفر بن نصر حدثنا يحيى بن يعلى قال: سمعت نعيم بن حماد

(1)

يقول: سمعت نوح بن أبي مريم أبا عصمة يقول: كنا عند أبي حنيفة أول ما ظهر، إذ جاءته امرأة من ترْمِذ كانت تجالس جهمًا فدخلت الكوفة، فقيل لها: إن هاهنا رجلًا قد نظر في المعقول يقال له: أبو حنيفة فأتيه

(2)

، فأتتهُ فقالت: أنت [ظ/ق 30 ب] الذي تُعلِّم الناس المسائل، وقد تركت دينك؟ أين إلهك الذي تعبده؟ فسكت عنها، ثم مكث سبعة أيام لا يجيبها، ثم خرج إلينا وقد وضع كتابًا: إن الله سبحانه وتعالى في السماء دون الأرض. فقال له رجل: أرأيت قول الله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} قال: هو كما تكتب للرجل: إنِّي معك، وأنت عنه غائب.

قال البيهقي: فقد

(3)

أصاب أبو حنيفة رحمه الله تعالى فيما نفى عن الله تعالى وتقدَّس من الكون في الأرض، وفيما ذكر من تأويل الآية، وتبع مطلق السمع في قوله: إن الله عز وجل في السماء

(4)

.

(1)

قوله: «قال سمعت نُعيم بن حماد» : سقط من (ظ).

(2)

سقط من (ظ).

(3)

كذا في جميع النسخ، وعند البيهقي في الأسماء والصفات «لقد» .

(4)

أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 337، 338) رقم (905).

وفيه نوح بن أبي مريم: متروك الحديث.

ولهذا قال البيهقي: «ومراده من تلك ـ والله أعلم ـ إن صحَّت الحكاية عنه ما ذكرنا

».

ص: 196

قال شيخ الإسلام

(1)

: وفي كتاب «الفقه الأكبر» المشهور عند أصحاب أبي حنيفة الذي رووه بالإسناد عن أبي مُطيع البلخي الحكم ابن عبد الله قال: سألت أبا حنيفة عن الفقه الأكبر فقال: لا تكفِّرنَّ

(2)

أحدًا بذنب، ولا تنف أحدًا من الإيمان به، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتعْلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولا تتبرأ من أحدٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا توالي أحدًا دون أحدٍ، وأن تردَّ أمر عثمان وعلي رضي الله عنهما إلى الله تعالى.

قال أبو حنيفة رحمه الله: الفقه الأكبر

(3)

في الدين خيرٌ من الفقه في العلم، ولأن يتفقَّه الرجل كيف يعبد ربه عز وجل خير من أن يجمع العلم الكثير.

قال أبو مطيع قلت: فأخبرني عن أفضل الفقه؟ قال: تعلُّم

(4)

الرجل الإيمان، والشرائع [ب/ق 30 أ] والسنن، والحدود، واختلاف الأئمة

ــ وذكر مسائل في الإيمان ثم ذكر مسائل في القدر ثم قال: ــ فقلت له: فما تقول فيمن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، فيتبعه على ذلك أُناس

(1)

يعني: ابن تيمية.

(2)

في (أ، ت، ظ): «لا نكفِّر» .

(3)

سقط من (أ، ب).

(4)

في (ظ): «يعلم» ، وفي (ب، ت): «يتعلَّم» .

ص: 197

فيخرج من

(1)

الجماعة هل ترى ذلك؟ قال: لا. قلت: ولِمَ وقد أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو فريضة واجبة؟ قال: هو

(2)

كذلك لكن ما يفسدون أكثر مما يصلحون، من سفك الدماء واستحلال الحرام ــ وذكر الكلام في قتال الخوارج والبغاة إلى أن قال ــ: قال أبو حنيفة: ومن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض فقد كفر، لأن الله تعالى يقول:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5]، وعرشه فوق سبع سماوات

(3)

قلت: فإن قال: إنه على العرش ولكنه يقول

(4)

لا أدري العرش في السماء أم في الأرض؟ قال: هو كافر؛ لأنه أنكر أن يكون في السماء؛ لأنه تعالى في أعلى عليين وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل.

وفي لفظٍ: سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف

(5)

ربي [ظ/ق 31 أ] في السماء أو في الأرض قال: قد كفر لأن الله يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5]. وعرشه فوق سبع سماوات قال: فإنه يقول على العرش

(1)

في (أ، ت): «عن» .

(2)

قوله: «قال: هو» ، وقع في جميع النسخ «فقال» وكتب ناسخ (ظ) على كلمة «كذلك»:«كذا» !

(3)

في (ب): «سماواته» .

(4)

سقط من (أ، ب).

(5)

في (ب): «لا أدري» .

ص: 198

استوى ولكنه لا يدري العرش في الأرض أو في السماء، قال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر»

(1)

.

وروى هذا عنه

(2)

شيخ الإسلام أبو

(3)

إسماعيل الأنصاري

(4)

في كتابه «الفاروق» بإسناده.

قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد

(5)

رحمه الله تعالى: «ففي هذا الكلام المشهور عن أبي حنيفة رحمه الله عند أصحابه: أنه كفَّر الواقف الذي يقول: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض، فكيف يكون الجاحد النافي الذي يقول: ليس في السماء ولا في الأرض؟

واحتجَّ على كُفْره بقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] قال: وعرشه فوق سبع سماوات، وبيِّنٌ

(6)

بهذا أن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ

(1)

انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (5/ 46 ـ 48).

(2)

سقط من (ظ).

(3)

سقط من (أ، ب، ت، ظ)، وقارن هذه الجملة بالفتاوى (5/ 49).

(4)

هو عبد الله بن محمد بن علي الهروي الحنبلي، كان إمام أهل السنة بهراة، ويُسمّى خطيب العجم لتبحُّره في العلوم ونُبْله وفصاحته، وكان شديدًا على الأشعرية، توفي سنة 481 هـ.

انظر: طبقات الحنابلة (2/ 247، 248).

(5)

من (ت، ظ).

(6)

في (ب): «دلَّ على» .

ص: 199

عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} يُبيِّن أن الله فوق السماوات

(1)

فوق العرش، وأن الإستواء على العرش دلَّ على أن الله تعالى بنفسه

(2)

فوق العرش. ثم أردف ذلك بكفر من توقف في كون العرش في السماء أو في الأرض. قال: لأنه أنكر أن يكون في السماء [ب/ق 30 ب] وأن

(3)

الله في أعلى علِّيين، وأنه يُدعى من أعلى لا من أسفل، واحتجَّ بأن الله في أعلى عليين، وأنه يُدعى من أعلى لا من أسفل. وكل من هاتين الحُجَّتين: فطرية عقلية، فإن القلوب مفطورة على الإقرار بأن الله عز وجل في العلو، وعلى أنه يدعى من أعلى لا من أسفل»

(4)

.

وكذلك أصحابه من بعده كأبي يوسف وهشام بن عبيد الله الرازي، كما روى ابن أبي حاتم وشيخ الإسلام بإسنادهما: أن هشام بن عبيد الله ـ صاحب محمد بن الحسن قاضي الرَّي ـ حبس رجلًا في التجهُّم فتاب، فجيء به إلى هشام ليمتحنه، فقال: الحمد لله على التوبة، فامتحنه هشام فقال: أتشهد

(5)

أن الله على عرشه بائن من خلقه؟ فقال: أشهد أن الله

(1)

في (أ): «سبع السماوات» .

(2)

في (ب، ت، ظ): «نفسه» ، وقد سقط من (ب) قوله:«فوق السماوات فوق العرش، وأن الاستواء دلَّ على أن الله تعالى» .

(3)

في الفتاوى: «لأن» .

(4)

انظر: مجموع الفتاوى (5/ 48، 49).

(5)

في (ظ): «تشهد» .

ص: 200

على عرشه، ولا أدري ما بائن من خلقه، فقال: ردُّوه إلى الحبس فإنه لم يتب»

(1)

.

وسيأتي قول الطحاوي عند أقوال أهل الحديث.

قول إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه:

ذكر أبو عمر بن عبد البر في التمهيد: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان

(2)

بن مالك، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا سُريج

(3)

ابن النعمان قال: حدثنا عبد الله بن نافع قال: قال مالك بن أنس: الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو منه مكان

(4)

. قال: وقيل لمالك: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] كيف استوى؟ فقال مالك رحمه الله تعالى: «استواؤه معقول، وكيفيته مجهولة، وسؤالك عن هذا بدعة،

(1)

انظر: مجموع الفتاوى (5/ 49)، وقارن ببيان تلبيس الجهمية (1/ 196)، ودرء التعارض (6/ 195).

(2)

في (ب): «بن عمران» .

(3)

في جميع النسخ «شريح» ، وهو خطأ.

(4)

سقط من (ب): «لا يخلو منه مكان» .

ص: 201

وأراك رجل سوء»

(1)

.

وكذلك أئمة أصحاب مالك من بعده.

قال يحيى بن إبراهيم الطُّلَيْطِلي

(2)

في كتاب «سير الفقهاء» ـ وهو كتاب جليل غزير العلم ـ: حدثني [ظ/ق 31 ب] عبد الملك بن حبيب عن عبد الله

(3)

بن المغيرة عن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم قال:

كانوا يكرهون قول الرجل: يا خيبة الدهر، وكانوا يقولون: الله

هو الدهر. وكانوا يكرهون قول الرجل: رغم أنفي لله

(4)

، وإنما

(1)

انظر: التمهيد (7/ 138).

والأثر أخرجه: عبد الله بن أحمد في السنة رقم (11)، وأبو داود في مسائل أحمد (ص/263)، من طريقه: ابن مندة في التوحيد رقم (893)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد رقم (673).

كلهم ذكروا الكلام الأول، ولم يذكروا الكلام الآخر في الاستواء.

(2)

هو أبو زكريا المعروف «بابن مُزَين» ، من أهل طليطلة وطلب العلم بالأندلس، رحل إلى المشرق فسمع الموطأ من القعنبي ومطرِّف وحبيب، وكان متقن الحفظ، قال محمد بن عمر بن لبابة: أما يحيى بن إبراهيم بن مزين فأفقه من رأيت صدرًا في علم مالك وأصحابه، له تفسير الموطأ، توفي سنة 259 هـ.

انظر: أخبار الفقهاء والمحدِّثين للخشني رقم (495)، وتاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي رقم (1558).

(3)

قوله: «عن عبد الله» سقط من (ظ).

(4)

قوله: «أنفي لله» سقط من (ب).

ص: 202

يرغم

(1)

أنف الكافر. وكانوا يكرهون قول الرجل: لا والذي خاتمه على فمي، وإنما يختم على فم الكافر. وكانوا يكرهون قول الرجل: والله حيث كان، أو إن الله بكل مكان».

قال أصبغ

(2)

: وهو مستوٍ على عرشه، وبكل [ب/ق 31 أ] مكان علمه وإحاطته

(3)

.

وأصبغ من أجَلِّ أصحاب مالك وأفقههم.

ذكر قول أبي عمرو الطلمنكي

(4)

:

(1)

في (ظ): «رغم» ، والمثبت من باقي النسخ.

(2)

هو ابن الفَرَج بن سعيد القرشي الأموي أبو عبد الله المصري، العالم الفقيه الورع، كان ثقة صاحب سنة، قال يحيى بن معين: كان من أعلم خلق الله كلهم برأي مالك: يعرفها مسألةً مسألةً، متى قالها مالك، ومَنْ خالفه فيها، توفي سنة 225 هـ.

انظر: تهذيب الكمال للمزي (3/ 304 ـ 307).

(3)

ذكره المؤلف في تهذيب سنن أبي داود (13/ 18).

(4)

هو أحمد بن محمد بن عبد الله المعافري الأندلسي، كان إمامًا في القرآن وعلومه، وله عناية بالحديث وعلومه ورجاله وكان حافظًا للسنن جامعًا لها، إمامًا فيها، عارفاً بأصول الديانات، وكان سيفًا مجردًا على أهل الأهواء والبدع، قامعًا لهم، شديدًا في ذات الله، له مؤلفات في تفسير القرآن وإعرابه، وفضائل الموطأ ورجاله، ورسالة في أصول الديانات وغير ذلك، توفي سنة 429 هـ.

انظر: الديباج المذهب لابن فرحون (ص/101، 102)، رقم (56).

ص: 203

قال في كتابه في الأصول

(1)

: «أجمع المسلمون من أهل السنة على أن الله استوى على عرشه بذاته» .

وقال في هذا الكتاب أيضًا: «أجمع أهل السنة على أن الله على العرش على الحقيقة

(2)

لا على المجاز ـ ثم ساق بسنده

(3)

عن مالك قوله: «الله في السماء، وعلمه في كل مكان» ثم قال في هذا الكتاب: «وأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد/4]، ونحو ذلك من القرآن: أن ذلك علمه، وأن الله فوق السماوات بذاته، مستوٍ على عرشه كيف شاء» هذا لفظه في كتابه

(4)

.

ذكر قول بخاري المغرب الإمام الحافظ أبي عمر بن عبد البر إمام السنة في زمانه رحمه الله تعالى:

قال في كتابه «التمهيد» في شرح الحديث الثامن لابن شهاب: عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله

(1)

هو «الوصول إلى معرفة الأصول» كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (6/ 250، 251)، ونقل عن كتابه ما ذكره المؤلف هنا.

(2)

في (ب): «حقيقته» .

(3)

في (أ، ت): «سنده» .

(4)

في (ب): «وهذه القصة» بدل «وهذا لفظه» وهي خطأ.

ص: 204

وسلم قال: «ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟» .

هذا حديث ثابت من جهة النقل، صحيح الإسناد، لا يختلف أهل الحديث في صحته

وفيه دليل على أن الله جل وعلا في السماء على العرش من فوق سبع سماوات، كما قالت الجماعة، وهو حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم: إن الله في كل مكان وليس على العرش، والدليل على صحة

(1)

ما قاله أهل الحق في ذلك، قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5].

وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ} [السجدة/4].

وقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت/11].

وقوله تعالى: {إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء/42].

وقوله تبارك اسمه

(2)

: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر/10].

وقوله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} [الأعراف/ 143].

(1)

سقط من (ب).

(2)

ليس في (أ، ب، ت، ع).

ص: 205

وقوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [الملك/ 16].

وقال: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى/1]، وهذا من العلو.

وكذلك قوله: {الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة/ 255]، و {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد/9]، و {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} [غافر/15]، و {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل/ 50]، والجهمي يقول إنه أسفل.

وقال جل ذكره: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ [ب/ق 31 ب]

ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة/5].

وقوله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}

(1)

[المعارج/4].

وقال لعيسى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ

} [آل عمران/ 55].

وقال: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء/158].

وقال: {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [فصلت/38].

وقال: {لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج/2 ـ 4]، والعروج هو الصعود.

وأما قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك/16]، فمعناه مَنْ على

(1)

هذه الآية من (أ، ت، ظ).

ص: 206

السماء يعني على العرش، وقد تكون في بمعنى: على، ألا ترى إلى قوله تعالى:{فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} [التوبة/2] أي على الأرض، وكذلك قوله تعالى:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه/71]، وهذا كله يعضده قوله تعالى:{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج/4]. وما كان مثله مما تلونا من الآيات في هذا الباب، وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة.

وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء وقولهم في تأويل استوى: استولى، فلا معنى له لأنه غير ظاهر في اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة، والله تعالى لا يغالبه أحد

(1)

، وهو الواحد الصمد.

ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته، حتى تتفق الأمة أنه أُريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أُنزل إلينا من ربنا تعالى إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله عز وجل على الأشهر والأظهر من وجوهه؛ ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم، ولو ساغ ادِّعاء المجاز لكل مدَّع ما ثبت شيء من العبادات وجلَّ الله أن يخاطِب إلا بما تفهمه العرب من معهود مخاطباتها؛ مما

(2)

يصح معناه عند السامعين، والاستواء معلوم في اللغة مفهوم، وهو: العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكُّن فيه.

(1)

في التمهيد: «لا يغالبه ولا يعلوه أحد» .

(2)

في (ب): «بما» .

ص: 207

قال أبو عبيدة

(1)

في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قال: «علا. قال: وتقول العرب: استويت فوق الدابة، واستويت فوق البيت»

(2)

.

وقال غيره: استوى: أي استقر، واحتج بقوله تعالى:{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص/14] أي: انتهى شبابه واستقر، فلم يكن في شبابه مزيد.

قال ابن عبد البر: والاستواءُ: الاستقرارُ في العلو، وبهذا خاطبنا الله تعالى في كتابه فقال:{لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} [الزخرف/13].

وقال تعالى: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود/44].

وقال تعالى: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون/28].

وقال الشاعر: [ب/ق 32 أ]

فأوردتهم ماءً بفيفاء قفرةٍ

وقد حَلَّق

(3)

النجم اليماني فاستوى

(4)

(1)

هو معمر بن المثنَّى التيمي صاحب كتاب «مجاز القرآن» ، توفي سنة 210 هـ.

(2)

انظر: مجاز القرآن (2/ 15) بنحوه.

(3)

في (ب، ت): «خُلِق» .

(4)

انظر العين لخليل بن أحمد (ص/506)، ولم ينسبه لأحدٍ، وفيه:«وصبحتهم» بدل «فأوردتهم» .

ص: 208

وهذا لا يجوز أن يتأول فيه أحد استولى لأن النجم لا يستولي.

وقد ذكر النضر بن شميل ـ وكان ثقة مأمونًا جليلًا في علم الديانة واللغة ـ قال: حدثني الخليل ـ وحسبك بالخليل ـ قال: أتيت أبا ربيعة الأعرابي

(1)

ـ وكان من أعلم ما رأيت ـ فإذا هو على سطح، فسلَّمنا فرد علينا السلام، وقال لنا

(2)

: استووا. فبقينا متحيِّرين ولم ندر ما قال. فقال لنا أعرابي إلى جنبه: إنه أمركم أن ترتفعوا فقال الخليل: هو من قول الله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت/ 11] فصعدنا إليه».

قال

(3)

: وأما من نزع

(4)

منهم بحديث يرويه: عبد الله بن داود الواسطي عن إبراهيم بن عبد الصمد [ظ/ق 32 ب] عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قال

(5)

: استولى على جميع بريته فلا يخلو منه مكان.

فالجواب: أن هذا حديث

(6)

منكر على ابن عباس رضي الله عنهما، ونقَلَته مجهولون وضعفاء، فأما عبد الله بن داود الواسطي وعبدالوهاب

(1)

لم أقف على ترجمته.

(2)

سقط من: (ب، ظ).

(3)

سقط من (ب).

(4)

في (ب): «نوع» وهو خطأ.

(5)

في (أ، ت): «على» .

(6)

في (أ، ب، ت، ع): «الحديث» ، والمثبت أولى.

ص: 209

ابن مجاهد: فضعيفان، وإبراهيم بن عبد الصمد: مجهول لا يُعرف، وهم لا يقبلون أخبار الآحاد العدول، فكيف يسوغ لهم الاحتجاج بمثل هذا من الحديث لو عقلوا وأنصفوا، أمَا سمعوا الله سبحانه وتعالى حيث

(1)

يقول: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر/36،37] فدلَّ على أن موسى عليه الصلاة والسلام كان يقول: إلهي في السماء، وفرعون يظنه كاذبًا.

وقال الشاعر:

فسبحان من لا يقدر الخلق قدره

ومن هو فوق العرش فرد موحد

مليك على عرش السماء مهيمن

لعزته تعنو الوجوه وتسجد

وهذا الشعر لأمية بن أبي الصلت

(2)

، وفيه يقول في وصف الملائكة:

وساجدهم لا يرفع الدهر رأسه

يعظم ربًّا فوقه ويمجد

قال: فإن احتجوا بقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف/84]، وبقوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي [ب/ق 32 ب]

السَّمَاوَاتِ

(1)

ليس في (ب).

(2)

انظر ديوانه (ص/29).

ص: 210

وَفِي الْأَرْضِ} [الأنعام/3]، وبقوله تعالى:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة/7] وزعموا أن الله سبحانه في كل مكان بنفسه وذاته، تبارك اسمه

(1)

وتعالى جده.

قيل لهم: لا خلاف بيننا وبينكم وبين سائر الأمة أنه ليس في الأرض دون السماء بذاته، فوجب حمْل هذه الآيات على المعنى الصحيح المجمع

(2)

عليه، وذلك أنه في السماء إله معبود من أهل السماء، وفي الأرض إله معبود من أهل الأرض، وكذا قال أهل العلم بالتفسير، وظاهر هذا التنزيل يشهد أنه على العرش، فالاختلاف في ذلك ساقط، وأسعد الناس به من ساعده الظاهر، وأما قوله في الآية الأخرى:{وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} فالإجماع والاتفاق قد بيَّن أن المراد بأنه معبود من أهل الأرض. فتدبر هذا فإنه قاطع.

ومن الحجة أيضًا في أنه عز وجل على العرش فوق السماوات السبع: أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم

(3)

إذا كربهم أمرٌ ونزلت

(4)

بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء، ونصبوا أيديهم رافعين

(1)

سقط من (ب)، ووقع في (ظ):«الله» بدل «اسمه» وكتب عليها الناسخ: «كذا» .

(2)

في (أ، ب، ت، ع، مط): «المجتمع» .

(3)

في (ب): «من العجم والعرب» .

(4)

في (أ، ب): «أو نزلت» .

ص: 211

لها مشيرين بها إلى السماء، يستغيثون الله ربهم تبارك وتعالى. وهذا أشهر وأعرف عند الخاصَّة والعامة من

(1)

أن يحتاج فيه إلى أكثر من

(2)

حكايته؛ لأنه اضطرار [ظ/ق 33 أ] لم يوقفهم

(3)

عليه أحد، ولا أنكره عليهم مسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للأمَة التي أراد مولاها عتقها؛ إن كانت مؤمنة، فاختبرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن قال لها:«أين الله؟» فأشارت إلى السماء، ثم قال لها:«من أنا؟» قالت: أنت رسول الله. قال: «أعتقها فإنها مؤمنة»

(4)

، فاكتفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها برفعها رأسها إلى السماء، واستغنى بذلك عما سواه.

قال: وأما احتجاجهم بقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة/7] فلا حُجَّة لهم في ظاهر هذه الآية، لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حُمِل عنهم التأويل في القرآن، قالوا في تأويل هذه الآية: هو على العرش، وعلمه في كل مكان، [ب/ق 33 أ] وما خالفهم في ذلك أحد يُحْتج بقوله.

وذكر سُنَيد عن مقاتل بن حيان عن الضحاك بن مزاحم في قوله

(1)

في (ب): «في» .

(2)

سقط من (ب): «أكثر من» .

(3)

في (ب): «يوقعهم» ، وهو تصحيف.

(4)

تقدم تخريجه (ص/105).

ص: 212

تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ

} الآية، قال: هو على عرشه

(1)

، وعلمه معهم أينما كانوا.

قال: وبلغني عن سفيان الثوري مثله.

قال سُنَيد: وحدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن زِرِّ بن حُبَيْشٍ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «الله جل وعلا فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم»

(2)

.

ثم ساق من طريق يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زِرٍّ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماء إلى الأخرى مسيرة خمسمائة عام، وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عام، والعرش على

(3)

الماء، والله تبارك وتعالى على العرش ويعلم أعمالكم»

(4)

اهـ

(5)

.

وذكَرَ هذا الكلام أو قريبًا منه في كتاب «الاستذكار»

(6)

.

(1)

في (ب): «العرش» .

(2)

تقدم (ص/169 - 170)، وسيأتي تصحيح المؤلف إسناده (ص/390).

(3)

في (ظ): «فوق» .

(4)

تقدم الكلام عليه (ص/169 - 170).

(5)

انظر: التمهيد (7/ 128 ـ 139) بتصرُّف واختصار من المؤلف.

(6)

(2/ 527 ـ 529).

ص: 213

ذكر قول الإمام مالك الصغير أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني:

قال في خطبة رسالته المشهورة: باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات، من ذلك: الإيمان بالقلب، والنطق باللسان: أن الله إله واحد لا إله غيره ولا شبيه

(1)

له، ولا نظير له، ولا ولد له ولا والد ولا صاحبة له، ولا شريك له، ليس لأوليته ابتداء، ولا لآخريته انقضاء، ولا يبلغ كُنه صفته الواصفون، ولا يحيط بأمره المتفكرون. يعتبر المتفكرون بآياته، ولا يتفكرون في ماهية ذاته:{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} العليم

(2)

الخبير المدبر القدير السميع البصير العلي الكبير، وأنه فوق عرشه المجيد بذاته، وهو في كل

(3)

مكان بعلمه

(4)

. وكذلك ذكر مثل هذا في «نوادره» وغيرها من كتبه.

وذكر في كتابه المفرد

(5)

في [ظ/ق 33 ب] السنة تقرير العلو

(6)

(1)

في (ظ): «شبه» .

(2)

سقط من (ظ)، ووقع في (أ، ت): «العالم» .

(3)

سقط من (ب).

(4)

انظر: الرسالة لابن أبي زيد القيرواني (ص/ 8).

(5)

في (أ، ت، ع): «الفرد» .

(6)

سقط من (ب) قوله: «وذكر في كتابه المفرد في السنة تقرير العلو» .

ص: 214

واستواء الرب تعالى على العرش بذاته أتمَّ تقرير

(1)

فقال:

«فصل

فيما أجمعت عليه الأمة من [ب/ق 33 ب] من أمور الديانة

(2)

من السنن التي خلافها بدعة وضلالة: أنَّ الله سبحانه وتعالى اسمه له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، لم يزل بجميع صفاته

(3)

، وهو سبحانه موصوف بأن له علمًا وقدرة وإرادة ومشيئة، لم يزل بجميع صفاته وأسمائه له الأسماء الحسنى، والصفات العُلى، أحاط علمًا بجميع ما بدأ قبل كونه، فطر الأشياء بإرادته وقوله، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس/82]، وأن كلامه صفة من صفاته، ليس بمخلوق فيبيد، ولا صفة لمخلوق فينفد، وأن الله عز وجل كلَّم موسى عليه الصلاة والسلام بذاته، وأسمعه كلامه، لا كلامًا قام في غيره، وأنه يسمع ويرى، ويقبض ويبسط، وأن يديه مبسوطتان، {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر/67] وأن يديه غير نعمته في ذلك، وفي قوله تعالى:{مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص/75].

وأنه يجيء يوم القيامة ـ بعد أن لم يكن جائيًا ـ والملك صفًّا

(1)

من هنا يبدأ السقط من النسخ (أ، ت، ع) إلى (ص/224).

(2)

في (ظ): «الديانات» .

(3)

في (ب): «صفاته قائم» ولعلها مقحمة.

ص: 215

صفًّا

(1)

؛ لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها، فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، وأنه يرضى عن الطائعين، ويحب التوابين، ويسخط على من كفر به ويغضب، فلا يقوم شيء لغضبه.

وأنه فوق سماواته على عرشه دون أرضه، وأنه في كل مكان بعلمه، وأن لله سبحانه كرسيًّا، كما قال عز وجل:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} ، وكما

(2)

جاءت به الأحاديث: أن الله سبحانه يضع كرسيه يوم القيامة لفصل القضاء.

وقال مجاهد: «كانوا يقولون ما السماوات والأرض في الكرسي إلا كحلقةٍ ملقاةٍ في فلاةٍ من الأرض»

(3)

.

(1)

يشير إلى قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر/22].

(2)

في (ب، ظ): «وبما» .

(3)

أخرجه سعيد بن منصور في السنن، التفسير رقم (425)، والدارمي في النقض على بشر المريسي رقم (101)، من طريق الأعمش عن مجاهد فذكر نحوه.

والأعمش يدلس عن مجاهد، ولعل هذا مما دلسه على مجاهد والواسطة بينهما ليث بن أبي سليم فرواه سفيان الثوري وجرير وقيس ومعتمر بن سليمان كلهم عن ليث عن مجاهد بنحوه.

أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (456)، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في العرش (45، 59)، وأبو الشيخ في العظمة (218، 249)، لكن قال قيس ومعتمر «العرش» بدل «الكرسي» .

ولعل هذا الاضطراب من ليث فإنه ضعيف، والأثر مداره عليه.

ص: 216

وأن الله سبحانه يراه أولياؤه في المعاد بأبصارهم، لا يُضامون في رؤيته، كما قال عز وجل في كتابه وعلى لسان نبيِّه صلى الله عليه وسلم:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة/22]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس/26]: «هو النظر إلى وجهه الكريم»

(1)

.

وأنه يكلِّم عباده يوم القيامة ليس بينهم وبينه واسطة ولا ترجمان، وأن الجنة [ب/ق 34 أ] والنار داران قد خُلِقتا، أُعدت الجنة للمتقين المؤمنين، والنار للكافرين الجاحدين، لا تفنيان [ولا تبيدان]

(2)

.

والإيمان بالقدر خيره وشره، وكل ذلك قد قدَّره ربنا سبحانه وتعالى وأحصاهُ عِلْمه، وأن مقادير الأمور بيده، ومصدرها عن قضائه، تفضَّل على من أطاعه فوفَّقه، وحبَّب الإيمان إليه وزينه في قلبه، فيسَّره له، وشرح له صدره ونور به

(3)

قلبه فهداه، و {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ

(1)

أخرجه مسلم في صحيحه رقم (181) من حديث صهيب، وقد وقع فيه اختلاف في رفعه ووقفه، وجاء عن جماعة من الصحابة مرفوعًا ولا يثبت.

انظر: حادي الأرواح للمؤلف (2/ 693)، (2/ 610 ـ 612).

(2)

من الجامع للقيرواني و (مط) والتمهيد.

(3)

ليس في (ظ).

ص: 217

مُضِلٍّ} [الزمر/37] وخذل من عصاه وكفر به فأسلمه ويسَّره

(1)

لذلك فحجبه وأضله، {وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف/17]، وكلٌّ ينتهي إلى سابق علمه لا محيص لأحد عنه.

وأن الإيمان قول باللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح، يزيد ذلك بالطاعة وينقص ذلك بالمعصية؛ نقصًا عن حقائق الكمال؛ لا محبطًا للإيمان، ولا قول إلا بعمل ولا قول ولا عمل إلا بنيَّة، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بموافقة السنة.

وأنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب وإن كان كبيرًا، ولا يحبط الإيمان غير الشرك بالله تعالى، كما قال سبحانه:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر/65]، و {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء/ 48].

وأن على العباد حَفَظة يكتبون أعمالهم، كما قال تعالى:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار/10، 11]، وقال تعالى:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق/18].

وأن ملك الموت يقبض الأرواح كلها بإذن الله تعالى متى شاء، كما قال تعالى:{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة/11]، وأن

(1)

في (ب): «وفسَّره» وهو خطأ، لذا كتب عليها الناسخ «كذا» .

ص: 218

الخلق ميِّتون بآجالهم، فأرواح أهل السعادة باقية منعَّمة إلى يوم القيامة، وأرواح أهل الشقاء في سجِّين معذَّبة إلى يوم الدين، وأن الشهداء أحياء عند ربهم يُرزقون، وأن عذاب القبر حق، وأن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويضغطون ويسألون، ويثبت الله منطق من أحبَّ تثبيته.

وأنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أُخرى فإذا هم قيام [ب/ق 34 ب] ينظرون، كما بدأهم يعودون، حفاةً عراة

(1)

غرلًا، وأن الأجساد التي أطاعت أو عصت هي التي تبعث يوم القيامة لتجازى، والجلود التي كانت في الدنيا

(2)

، والألسنة والأيدي والأرجل التي تشهد عليهم يوم القيامة على مَن تشهد عليه منهم.

وتنصب الموازين لوزن أعمال العباد، فأفلح من ثقلت موازينه، وخاب وخسر من خفت موازينه، ويؤتون صحائفهم فمن أوتي كتابه بيمينه حوسب حسابًا يسيرًا، ومن أُوتيه بشماله فأولئك يصْلون سعيرًا، وأن الصراط جسر مورود

(3)

يجوزه العباد بقدر أعمالهم، فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم، وقوم أوبقتهم أعمالهم فيها يتساقطون.

(1)

في (ظ): «عراةً حفاةً» .

(2)

هكذا في (ب، ظ)، وفي الجامع:«الدنيا هي التي تشهد» .

(3)

كذا في النسخ و «الجامع» ، وفي نسخة على حاشية (ظ):«ممدود» .

ص: 219

وأنه يخرج من النار من في قلبه شيء من الإيمان.

وأن الشفاعة لأهل الكبائر من المؤمنين، ويخرج من النار بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من أمته بعد أن صاروا حُمَمًا، فيُطْرحون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبَّة في حَميل السيل.

والإيمان بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ترِده أُمَّته، لا يظمأ من شرب منه، ويذاد عنه مَن غيَّر وبدَّل

(1)

[ظ/ق 34 ب].

والإيمان بما جاء من خبر الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات على ما صحت به الروايات، وأنه صلى الله عليه وسلم رأى من آيات ربه الكبرى.

وبما ثبت من خروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام حَكَمًا عدلًا، وقتله الدجال

(2)

، وبالآيات التي بين يدي الساعة: من طلوع الشمس من مغربها

(3)

، وخروج الدابة، وغير ذلك مما صحَّت به الروايات.

ونصدق بما جاءنا عن الله تعالى في كتابه، وما

(4)

ثبت عن رسول

(1)

في (ب): «من بدَّل وغيَّر» .

(2)

في (ب): «للدجال» .

(3)

في (ب): «المغرب» .

(4)

من (ظ).

ص: 220

الله صلى الله عليه وسلم وأخباره، نوجب العمل بمحكمه ونقر بمشكله

(1)

ومتشابهه، ونكل ما غاب عنا من حقيقة تفسيره إلى الله تعالى، والله يعلم تأويل المتشابه من كتابه، {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران/7]، وقال بعض الناس: الراسخون في العلم يعلمون مشكله. ولكن الأول قول

(2)

أهل المدينة وعليه يدل الكتاب.

وأن أفضل القرون [ب/ق 35 أ] قرن الصحابة رضي الله عنهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

،

وأن أفضل الأُمة بعد نبيها: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم

(4)

علي. وقيل: ثم عثمان وعلي، ونكف عن التفضيل بينهما، رُوي ذلك عن مالك، وقال: ما أدركت أحدًا أقتدي به يفضِّل أحدهما على صاحبه

(5)

. فرأى الكف عنهما، ورُويَ عنه القول

(6)

الأول وعن سفيان وغيره وهو قول أهل الحديث، ثم بقية

(1)

في الجامع: «ونقرُّ بنص مشكله» .

(2)

في (ب، ظ): «أقوال» ، والمثبت من الجامع.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (2508)، ومسلم (2535) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.

وأخرجه أيضًا البخاري (2509)، ومسلم (2533) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(4)

قوله: «عثمان ثم» ليس في (ظ، مط)، وضرب عليها في (ب).

(5)

أخرجه سحنون في المدونة (4/ 509) عن ابن القاسم قال: سمعت مالكًا فذكره.

(6)

سقط من (ظ).

ص: 221

العشرة، ثم أهل بدر من المهاجرين، ثم من الأنصار، ومن جميع الصحابة على قدر الهجرة والسابقة والفضيلة. وكل من صحبه ولو ساعة أو رآه ولو

(1)

مرة، فهو بذلك أفضل من التابعين، والكف عن ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بخير ما يُذكرون به، وأنهم أحق أن تُنشر محاسنهم، ويُلتمس لهم أفضل المخارج، ونظن بهم أحسن المذاهب.

قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تؤذوني في أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه»

(2)

.

وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا»

(3)

، قال أهل العلم:«لا يُذكرون إلا بأحسن ذكر» .

والسمع والطاعة لأئمة المسلمين، وكل من ولي أمر المسلمين عن رضًى أو عن غلبةٍ واشتدت وطأته من برٍّ أو فاجرٍ فلا يخرج عليه

(4)

جار

(1)

من (ظ).

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (3470)، ومسلم في صحيحه (2540) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بلفظ: «لا تسبوا أصحابي

» بدل «تؤذوني» .

(3)

جاء هذا الحديث عن جماعة من الصحابة: منهم ابن مسعود وثوبان وعبد الله بن عمر وأبو ذر وأبو هريرة وعبيد بن عبد الغفار ومرسل طاوس.

وكلها منكرة واهية الأسانيد، إلا مرسل طاوس عند عبد الرزاق في أماليه (51) فإنه مرسل صحيح.

(4)

في (ب، ظ): «له» وهو خطأ.

ص: 222

أو عدل، ونغزو معه العدو، ونحج معه البيت، ودفع الصدقات إليهم مجزية إذا طلبوها، ونصلي خلفهم الجمعة والعيدين، قاله غير واحد من العلماء، وقال مالك:«لا نصلي خلف المبتدع منهم إلا أن نخافه فنصلي» . واختُلف في الإعادة، ولا بأس بقتال من دافعك من الخوارج واللصوص من المسلمين وأهل الذمة عن [ظ/ق 35 أ] نفسك ومالك.

والتسليم للسنن لا تعارض برأي ولا تدافع بقياس، وما تأوله منها السلف الصالح تأولناه، وما عملوا به عملناه، وما تركوه تركناه، ويسعنا أن نمسك عما أمسكوا عنه، ونتبعهم فيما بينوا، ونقتدي بهم فيما استنبطوه ورأوه في الحوادث، ولا نخرج من جماعتهم فيما اختلفوا [ب/ق 35 ب] فيه أو في تأويله.

وكل ما قدمنا ذِكْره فهو قول أهل السنة، وأئمة الناس

(1)

في الفقه والحديث على ما بينَّاه، وكله قول مالك، فمنه منصوص من قوله، ومنه معلوم من مذهبه.

قال مالك: قال عمر بن عبد العزيز: «سَنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سُننًا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعته، وقوة على دين الله تعالى، ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها ولا النظر فيما خالفها، من اهتدى

(1)

في نسخة على حاشية (ظ): «الدِّين» .

ص: 223

بها مهتدٍ

(1)

، ومن استنصر بها نُصر، ومن تركها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرًا»

(2)

.

قال مالك: أعجبني عزم عمر رضي الله عنه في ذلك

(3)

.

فرضي الله عنه، ما كان أصلبه في السُّنَّة، وأقومه بها

(4)

.

وقال في مختصر المدونة: «وأنه تعالى فوق عرشه بذاته فوق

(1)

كذا في (ب، ظ)، وفي الجامع:«هُدِي» وهو الأولى.

(2)

أخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقِّه (1/ 435، 436)(455)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (134).

من طريق: رشدين بن سعد عن عُقيل عن الزهري عن عمر بن عبد العزيز فذكره.

ورشدين فيه ضعف.

ورواه مالك عن عمر بن عبد العزيز فذكر نحوه.

أخرجه عبد الله في السنة (766)، وابن أبي حاتم في تفسيره (4/ 1067)(5969)، وأبو نُعيم في الحلية (6/ 324) وغيرهم.

وفي سنده انقطاع، مالك لم يدرك عمر بن عبد العزيز.

(3)

انظر: الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ لابن أبي زيد القيرواني (ص/107 ـ 117).

وإلى هنا انتهى السقط من (أ، ع، ت).

(4)

وجاء في (ع، ت): «أتمَّ تقرير، فمن أراده فليقرأ كتابه، فرضي الله عنه ما كان أصلبه في السنة وأقومه بها» . وتأخرت في (ب) جملة «فرضي الله عنه

» إلى بعد كلامه في مختصر المدونة.

ص: 224

سبع

(1)

سماواته دون أرضه».

قول الإمام أبي بكر محمد بن موهب المالكي

(2)

شارح رسالة ابن أبي زيد من المشهورين بالفقه

(3)

والسنة رحمه الله تعالى:

قال في شرحه للرسالة: «ومعنى فوق وعلا واحد عند جميع العرب وفي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تصديق ذلك، وهو

(4)

قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الفرقان/59].

وقال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5].

وقال تعالى في وصف خوف الملائكة: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل/50].

وقال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ} [فاطر/10]، ونحو ذلك كثير.

(1)

من (ظ) فقط.

(2)

تأخَّر في (ظ) قول أبي بكر محمد بن موهب المالكي كاملًا إلى (ص/238) قبل قول ابن أبي زمنين.

(3)

في (ب): «في الفقه» .

(4)

من (ت) فقط.

ص: 225

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للأعجمية: «أين الله» فأشارت إلى السماء

(1)

.

ووصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه عُرج به من الأرض إلى السماء ثم من السماء إلى سماء

(2)

إلى سدرة المنتهى، ثم إلى ما فوقها حتى لقد قال:«لقد سمعت صريف الأقلام»

(3)

.

ولما فرضت الصلوات جعل كلما هبط من مكانه تلقَّاه موسى عليه السلام في بعض السماوات وأمره بسؤال التخفيف عن أمته، فيرجع صاعدًا مرتفعًا إلى الله سبحانه وتعالى يسأله حتى انتهت إلى خمس صلوات

(4)

وسنذكر تمام كلامه

(5)

إن شاء الله تعالى عن قرب.

قول الإمام أبي القاسم خلف بن عبد الله

(6)

المقري الأندلسي

(1)

تقدم تخريجه (ص/ 105).

(2)

سقط من «ب» : «ثم من السماء إلى سماء» .

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (342)، ومسلم (163) من حديث ابن عباس وأبي حبَّة الأنصاري.

(4)

أخرجه البخاري (342)، ومسلم (163).

(5)

في (ظ): «تمامه» بدل «تمام كلامه» .

(6)

في (أ، ت، مط): «عبد الله بن خلف» ، وفي (ع):«عبد الله بن أبي خلف» ، ولم أقف على ترجمته، ومن خلال ورود اسمه في كتاب «التكملة لكتاب الصلة» لابن الأبَّار، فهو خلف بن عبدالله بن سعيد بن عباس بن مدبر الأزدي المقرئ

=

=

سمع الحديث من علي بن عمر الزهري في سنة 458 هـ، وسمع منه محمد بن أحمد بن خلف التجيبي المعروف بابن حاج. فهو من طبقة تلاميذ الباجي وابن عبدالبر.

انظر: «تكملة كتاب الصلة» لابن الأبَّار (1/ 67) و (3/ 102 و 176).

ص: 226

المالكي

(1)

رحمه الله:

قال في الجزء الأول من كتاب «الاهتداء لأهل الحق والاقتداء» من [ب/ق 36 أ] تصنيفه

(2)

في شرح «الملخَّص» للشيخ أبي الحسن القابسي رحمه الله تعالى: عن

(3)

مالك عن ابن شهاب عن أبي عبد الله الأغر وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟»

(4)

.

في هذا الحديث دليل على أنه تعالى في السماء على العرش من

(5)

فوق سبع سماوات من غير مماسَّة ولا تكييف، كما قال أهل العلم.

(1)

من (ظ) فقط.

(2)

ليس في (ظ)«من تصنيفه» .

(3)

ليس في (ب، ت).

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (1094)، ومسلم في صحيحه (758) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

من (ظ)، وليست في باقي النسخ.

ص: 227

ودليل قولهم أيضًا من القرآن: قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] وقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ} [السجدة/4] وقوله تعالى: {إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء/42] وقوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة/5] وقوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج/4] وقوله تعالى لعيسى عليه الصلاة والسلام: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران/ 55]، وقوله تعالى:{لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)} [المعارج/2 ـ 3] والعروج هو الصعود.

وقال مالك بن أنس: الله عز وجل في السماء، وعلمه في كل مكان لا يخلو من علمه

(1)

مكان

(2)

.

يريد ــ والله أعلم ــ بقوله [ظ/ق 35 ب] في السماء: على السماء، كما قال تعالى:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه/71] وكما قال تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك/16] أي من على السماء يعني على العرش وكما قال تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} [التوبة/2] أي على الأرض.

(1)

في (ظ): «منه» بدل «من علمه» .

(2)

تقدم تخريج قول مالك (ص/199، 202).

ص: 228

وقيل لمالك: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] كيف استوى؟ قال مالك رحمه الله تعالى لقائله: استواؤه معقول، وكيفيته مجهولة، وسؤالك عن هذا بدعة، وأراك رجل سوء

(1)

.

قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] أي: علا، قال: وتقول العرب: استويت

(2)

فوق الدابة وفوق البيت.

وكل ما قدمت دليل واضح في إبطال قول من قال بالمجاز في الاستواء، وأن استوى بمعنى استولى، لأن الاستيلاء في اللغة: المغالبة، وإنه لا يغالبه أحد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أُريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أُنزل إلينا من ربنا سبحانه وتعالى إلا على [ب/ق 36 ب] ذلك، وإنما يُوجَّه كلام الله تعالى إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع ذلك ما يوجب له التسليم، ولو ساغ ادِّعاء المجاز لكل مدَّعٍ ما ثبت شيء

(3)

من العبادات

(4)

، وجلّ الله تعالى أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب من معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين. والاستواء معلوم في اللغة وهو: العلو

(1)

تقدم تخريج قول مالك (ص/199).

(2)

في (أ، ت، ع): «استوى» .

(3)

ليس في (ظ).

(4)

كتب عليها ناسخ (ظ): «كذا» .

ص: 229

والارتفاع والتمكُّن في الشيء.

ومن الحجة أيضًا في أنه الله سبحانه وتعالى على العرش فوق السماوات السبع: أن الموحِّدين أجمعين إذا كربهم أمر رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون الله ربهم.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم للأمَة التي أراد مولاها أن يعتقها: «أين الله؟» فأشارت إلى السماء. ثم قال لها: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله. قال: «أعتقها فإنها مؤمنة»

(1)

. فاكتفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها برفع رأسها إلى السماء. ودل على ما قدمناه أنه على العرش، والعرش فوق السماوات السبع.

ودليل قولنا أيضًا: قول أُمية بن أبي الصلت في وصف الملائكة:

وساجدهم

(2)

لا يرفع الدهر رأسه

يعظم ربًّا فوقه ويمجد

فسبحان من لا يقدر الخلق قدره

ومن هو فوق العرش فرد موحد

(1)

تقدم تخريجه (ص/105).

(2)

في (أ): «وساجد» .

ص: 230

مليك على عرش السماء مهيمن

لعزته تعنو الوجوه وتسجد

(1)

وقوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا} [غافر/ 36] فدل على أن موسى عليه الصلاة والسلام كان يقول: إن إلهي

(2)

في السماء. وفرعون يظنه كاذبًا.

فإن احتج أحد

(3)

علينا فيما قدمناه، وقال: لو كان كذلك لأشبه المخلوقات؛ لأن

(4)

ما أحاطت به الأمكنة واحتوته، فهو مخلوق= فشيء لا يلزم ولا معنى له، لأنه تعالى ليس كمثله شيء من خلقه، ولا يُقاس بشيء من بريته، ولا

(5)

يُدرَك [ظ/ق 36 أ] بقياس، ولا يقاس بالناس، كان قبل الأمكنة، ويكون

(6)

بعدها، لا إله إلا هو، خالق كل شيء لا شريك له، وقد اتفق المسلمون وكل ذي لبٍّ أنه لا يعقل كائن إلا في مكان ما، وما ليس في مكانٍ فهو عدم، وقد صح في العقول وثبت بالدلائل أنه كان في الأزل لا في مكان، وليس بمعدوم، فكيف

(1)

انظر: ديوان أمية بن أبي الصلت (ص/29).

(2)

في (أ، ت): «إن الإله» .

(3)

سقط من (ب).

(4)

في (ب): «لأنه» وهو خطأ.

(5)

في (ب): «لا» بدون الواو.

(6)

في (أ، ب، ت، ع، ظ): «ثم يكون» .

ص: 231

يقاس [ب/ق 37 أ] على شيء من خلقه؟ أو يجري بينه وبينهم تمثيل أو تشبيه؟ تعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.

فإن قال قائل: إذا وصفنا ربنا تعالى بأنه كان في الأزل لا في مكان، ثم خلق الأماكن فصار في مكان، وفي ذلك إقرار منَّا فيه بالتغيير والانتقال؛ إذ زال عن صفته في الأزل، وصار في مكان دون مكان.

قيل له: وكذلك زعمت أنت

(1)

أنه كان لا في مكان، ثم صار في كل مكان، فنقل صفته من الكون لا في مكان إلى صفة هي الكون في كل مكان، فقد تغيَّر عندك معبود وانتقل من لا مكان إلى كل مكان.

فإن قال: إنه كان في الأزل في كل مكان ـ كما هو الآن ـ فقد أوجب الأماكن والأشياء

(2)

معه في أزليته، وهذا فاسد.

فإن قال: فهل

(3)

يجوز عندك أن ينتقل من لا مكان في الأزل إلى مكان.

قيل

(4)

له: أما الانتقال وتغير الحال فلا سبيل إلى إطلاق ذلك

(1)

سقط من (ب): «زعمت أنت» .

(2)

في (أ، ت): «الأشياء والأماكن» .

(3)

في (أ، ت): «هل» .

(4)

في (ت): «فقل» .

ص: 232

عليه، لأن

(1)

كونه في الأزل لا يوجب مكانًا، وكذلك نقلته لا توجب مكانًا، وليس في ذلك كالخلق، لأن كون ما كوَّنه يوجب مكانًا

(2)

من الخلق ونقلته توجب مكانًا ويصير منتقلًا من مكانٍ إلى مكان، والله تعالى ليس كذلك، ولكنا نقول: استوى من لا مكان إلى مكان، ولا نقول: انتقل، وإن كان المعنى في ذلك واحدًا، كما نقول: له عرش، ولا نقول: له سرير، ونقول: هو الحكيم، ولا نقول: هو العاقل، ونقول: خليل إبراهيم، ولا نقول: صديق إبراهيم، وإن كان المعنى في ذلك واحدًا، لأنا لا نسميه ولا نصفه ولا نطلق عليه إلا ما سمَّى

(3)

به نفسه على ما تقدم، ولا ندفع ما وصف به نفسه؛ لأنه دفْعٌ للقرآن، وقد قال الله تعالى:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر/22]، وليس مجيئه حركة ولا زوالًا ولا انتقالًا

(4)

، لأن ذلك إنما يكون إذا كان الجائي جسمًا أو جوهرًا، فلما ثبت أنه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض لم يجب أن يكون مجيئه حركة ولا نقْلة، ولو اعتبرت ذلك بقولهم: جاءت فلانًا قيامته، وجاءه الموت، وجاءه المرض، وشبْه ذلك [ب/ق 37 ب] مما هو

(1)

في (أ، ت): «لأنه» .

(2)

سقط من (ب).

(3)

في (ظ): «وصف» .

(4)

من التمهيد، وفي جميع النسخ:«ابتدالًا» ولعله تحريف.

ص: 233

وجود نازل به ولا مجيء

(1)

، [ظ/ق 36 ب] لبان لك وبالله العصمة والتوفيق.

فإن قال: إنه لا يكون مستويًا

(2)

على مكان إلا مقرونًا بالكيف.

قيل له: قد يكون الاستواء واجبًا والتكييف مرتفع، وليس رفع التكييف يوجب

(3)

رفع الاستواء، ولو لزم هذا لزم التكييف في الأزل، لأنه

(4)

لا يكون كائنًا في مكان

(5)

إلا مقرونًا بالتكييف.

فإن قال: إنه

(6)

كان ولا مكان وهو غير مقرون بالتكييف.

قيل له: وكذلك هو مستوٍ على العرش، وهو غير مقرون بالتكييف، وقد

(7)

عقَلْنا وأدركنا بحواسنا أن لنا أرواحًا في أبداننا ولا نعلم كيفية ذلك، وليس جهلنا بكيفية الأرواح يوجب أن ليس لنا أرواح، وكذلك ليس جهلنا بكيفيته على عرشه يوجب أن ليس على عرشه.

وقد روي عن أبي رَزين العُقَيلي قال: قلت: يا رسول الله: أين كان

(1)

في (أ، ت): «لا يجيء» ، وفي (ب، ع، ظ): «لا مجيء» .

(2)

في (أ، ت): «مستوٍ» .

(3)

من قوله: «الاستواء واجبًا» إلى هنا، سقط من (ت).

(4)

من التمهيد، وقد سقط من جميع النسخ.

(5)

في (ب): «الأماكن» . وفي (ظ): «لا مكان» ، وكتب عليها الناسخ «كذا» .

(6)

في (أ، ب، ع، ظ): «فإنه» .

(7)

من قوله: «قيل له: وكذلك هو مستو

» إلى هنا؛ سقط من (ظ).

ص: 234

ربنا تبارك وتعالى قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال: «كان في عماء، ما فوقه هواء وما تحته هواء»

(1)

.

قال أبو القاسم: العماء ممدود وهو السحاب، والعمى مقصور: الظلمة.

وقد روي الحديث بالمدِّ والقصْر، فمن رواه بالمدِّ فمعناه عنده: كان في عماء

(2)

: سحاب ما تحته هواء؛ ولا

(3)

فوقه هواء. والهاء راجعة على العماء.

ومن رواه بالقصر فمعناه عنده: كان في عمًى عن خلقه، لأنه من عمِيَ عن شيءٍ؛ فقد أظلم عنه

(4)

.

قال سُنَيد بسنده عن مجاهد قال: «إن

(5)

بين العرش وبين الملائكة

(1)

أخرجه أحمد (26/ 108، 117 ــ 118) رقم (16188، 16200)، والترمذي (3109)، وابن ماجه (182)، والطبراني (19/ 207) رقم (468)، وأبو الشيخ في العظمة رقم (83، 84) وغيرهم.

من طريق يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس عن أبي رزين العُقيلي فذكره.

والحديث مداره على: وكيع بن حدس وقد جهَّله غير واحد.

والحديث صححه ابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي والذهبي. انظر: العلو (1/ 274) رقم (13).

(2)

سقط من (ظ).

(3)

سقط من (أ، ت).

(4)

في (ظ): «عليه» .

(5)

سقط من (ظ).

ص: 235

لسبعين

(1)

حجابًا، حجابٌ من نور وحجابٌ من ظلمة»

(2)

.

وروى أيضًا سُنَيد بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «ما بين السماء إلى الأرض

(3)

مسيرة خمسمائة عام [وما بين كل سماء إلى الأخرى مسيرة خمسمائة عام]

(4)

وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام [وما بين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عام]

(5)

، والعرش على الماء والله سبحانه وتعالى على العرش ويعلم أعمالكم»

(6)

.

(1)

في (ت): «سبعين» .

(2)

أخرجه ابن خزيمة في التوحيد (1/ 51) رقم (34)، وأبو الشيخ في العظمة (2/ 691) رقم (281)، وابن أبي زمنين في أصول السنة (ص/108)، رقم (43)، والبيهقي في الأسماء والصفات رقم (856).

من طريق: هشيم عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية عن مجاهد.

ورواية أبي بشر عن مجاهد صحيفة لم يسمع منه، وقد خولف في المتن.

ورواه العوام بن حوشب وابن أبي نجيح عن مجاهد قال: بين الملائكة وبين العرش سبعون ألف حجاب من نور» لفظ العوام ولفظ ابن أبي نجيح: بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب».

أخرجهما أبو الشيخ في العظمة (276، 280)، والبيهقي (855) وهذا أصح.

تنبيه: وقع عند ابن أبي زمنين «يونس بن عبيد» بدل «أبي بشر» ، وهو وهم.

(3)

في (ت): «والأرض» بدل «إلى الأرض» .

(4)

ما بين المعقوفتين من التمهيد.

(5)

ما بين المعقوفتين من التمهيد.

(6)

تقدم تخريجه (ص/169 - 170).

ص: 236

وقال ابن مسعود رضي الله عنه أيضًا: «إنه فوق العرش

(1)

، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم»

(2)

.

قال أبو القاسم: يريد فوق العرش؛ لأن العرش آخر المخلوقات، ليس فوقه مخلوق، والله تعالى على

(3)

المخلوقات دون تكييف ولا مماسة، ولا أعلم في هذا الباب حديثًا مرفوعًا؛ إلا حديث عبد الله بن عميرة عن الأحنف عن العباس [ب/ق 38 أ] بن عبد المطلب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى سحابة فقال:«ما تسمون هذه؟» قالوا: السحاب. قال: «والمزن» . قالوا: والمزن. قال: «والعنان» . قالوا: والعنان

(4)

. قال: «كم ترون بينكم وبين السماء؟» قالوا: لا ندري، قال: «بينكم وبينه إما واحد أو اثنان أو ثلاث وسبعون

(5)

سنة، والسماء فوقها كذلك بينهما مثل ذلك، حتى عدَّ سبع سموات، ثم فوق السماء [ظ/ق 37 أ] السابعة بحر [بين]

(6)

أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء ثم فوق ذلك ثمانية أوعال، بين أظلافهم

(1)

سقط من (ظ) من قوله: «ويعلم أعمالكم» إلى هنا.

(2)

تقدم تخريجه (ص/169 - 170).

(3)

في (ب، ظ): «أعلى» .

(4)

في جميع النسخ: «نعم» .

(5)

في جميع النسخ: «وسبعين» وعلَّق عليها ناسخ (أ) بقوله: «كذا وُجدت» .

(6)

زيادة يقتضيها السياق، وقد سقطت من (ب، ظ) وكتب ناسخ (ظ) على كلمة «أعلاه» : «كذا» ، ووقع في (أ، ت): «ما» بدل «بين» .

ص: 237

وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، على ظهورهم العرش، بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم الله تعالى إلى فوق ذلك».

هذا حديث صحيح

(1)

خرَّجه أبو داود

(2)

.

قول الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي زمنين، المالكي المشهور رحمه الله تعالى:

قال في كتابه الذي صنفه في «أصول السنة»

(3)

: باب الإيمان بالعرش: ومن قول أهل السنة: أن الله عز وجل خلق العرش، واختصَّه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق، ثم استوى عليه كيف شاء، كما أخبر عن نفسه في قوله عز وجل:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] وفي قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [الحديد/4].

وذكر حديث أبي رزين العقيلي قال

(4)

: قلت: يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال: كان في عماء، ما فوقه هواء

(1)

من (ظ، ب).

(2)

تقدم (ص/106)، ويظهر أنه نقله عن ابن عبدالبر، راجع (ص/204).

(3)

(ص/88 - 114).

(4)

سقط من (أ، مط).

ص: 238

وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء»

(1)

.

ثم ذكر الآثار في ذلك إلى أن قال: باب الإيمان بالحُجُب قال: ومن قول أهل السنة: أن الله تعالى بائن من خلقه، محتجب عنهم بالحُجُب، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف/5] إلى أن قال: باب الإيمان بالتَّنزُّل قال: ومن قول أهل السنة: أن الله ينزل إلى سماء الدنيا، وذكر حديث النزول

(2)

، ثم قال: وهذا الحديث يُبيِّن أن الله تعالى على عرشه في السماء دون الأرض، وهو أيضًا بَيِّنٌ في كتاب الله [ظ/ق 37 ب] تعالى وتقدَّس، وفي غير ما حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال الله عز وجل:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة/5] وساق الآيات في العلو.

وذكر من طريق مالك: «قول النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: أين الله؟

(3)

ثم قال: والحديث في مثل هذا كثير» اهـ.

قول القاضي عبد الوهاب إمام المالكية بالعراق:

من كبار أهل السنة رحمه الله تعالى صرَّح بأن الله سبحانه استوى

(1)

تقدم قريبًا (ص/235).

(2)

تقدم تخريجه (ص/227).

(3)

تقدم تخريجه (ص/109).

ص: 239

على عرشه بذاته، نقله شيخ الإسلام عنه في غير موضع من كتبه

(1)

، ونقله عنه القرطبي في شرح الأسماء الحسنى

(2)

.

ذكر قول الإمام محمد بن إدريس الشافعي، قدَّس الله روحه

(3)

:

قال الإمام ابن الإمام

(4)

عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي: حدثنا أبو شعيب وأبو ثور عن أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى قال: القول في السنة التي أنا عليها، ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم، مثل سفيان ومالك وغيرهما: الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأن الله تعالى على عرشه في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء، وأن الله تعالى ينزل إلى سماء

(5)

الدنيا كيف شاء

(6)

.

قال عبد الرحمن: وحدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت أبا عبد الله

(7)

محمد بن إدريس الشافعي يقول وقد سُئِل عن صفات الله وما

(1)

انظر: مجموع الفتاوى (3/ 262).

(2)

واسمه: «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى» (2/ 123).

(3)

في (أ، ت): «رضي الله عنه» .

(4)

ليس في (ظ): «ابن الإمام» .

(5)

في (أ، ت، ع): «السماء» .

(6)

أخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص/180، 181)، رقم (92).

(7)

سقط من (ت).

ص: 240

يؤمن به فقال: لله تعالى أسماء وصفات، جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه أمته، لا يسع أحدًا من خلق الله قامت عليه الحجة ردها

(1)

؛ لأن القرآن نزل بها، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القول بها فيما روى عنه العدل

(2)

. فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر، فأما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل؛ لأن علْم ذلك لا يُدرك بالعقل ولا بالروية والفكر

(3)

. ولا نكفر

(4)

بالجهل بها أحدًا إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها. ونُثبت هذه الصفات وننفي عنها التشبيه، كما نفى التشبيه عن نفسه، فقال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى/11].

وصح عن الشافعي أنه قال: خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه حق

(5)

، قضاها الله في سمائه وجمع عليها قلوب عباده

(6)

، ومعلوم أن المقضي في الأرض، والقضاء فعله سبحانه وتعالى المتضمن لمشيئته وقدرته.

(1)

في (ب): «ردُّهما» .

(2)

في إحدى النسخ الخطية لكتاب ابن قدامة: «العدول» ، وكلاهما جائز صحيح.

(3)

في (ب): «والقلب» .

(4)

في (ب، ظ): «يكفر» .

(5)

سقط من (ب).

(6)

كذا في جميع النسخ، وفي إثبات صفة العلو (ص/181)، رقم (93):«أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم» بدل «عباده» .

ص: 241

وقال في خطبة «رسالته»

(1)

: «الحمد لله الذي هو [ب/ق 39 أ] كما وصف به نفسه، وفوق ما يصفه به خلقه» .

فجعل صفاته سبحانه إنما تتلقى بالسمع.

وقال يونس بن عبد الأعلى: قال لي محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه: «الأصل قرآن وسُنة، فإن لم يكن فقياس عليهما، وإذا اتصل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصح الإسناد منه فهو سنة

(2)

، والإجماع [ظ/ق 38 أ] أكبر من الخبر الفرد

(3)

، والحديث على ظاهره، وإذا احتمل المعاني فما أشبه منها ظاهره فهو أولاها

(4)

به».

قال الخطيب في «الكفاية»

(5)

: أخبرنا أبو نعيم الحافظ حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر بن حيان حدثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب حدثنا أبو حاتم الرازي حدثني يونس بن عبد الأعلى فذكره، به.

ومن

(6)

كلام الإمام الشافعي أيضًا ـ وقد سُئل عن صفات الله عز وجل، وما ينبغي أن يؤمن به العبد ـ فقال: لله تعالى أسماء وصفات جاء

(1)

انظر الرسالة له (ص/8).

(2)

في (أ، ت): «منه» وهو خطأ.

(3)

في (ب، ت): «المفرد» .

(4)

في (ب): «أولى» ، انظر آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم (ص/231، 232).

(5)

(ص/437).

(6)

من هنا إلى نهاية قول الشافعي من النسخة الظاهرية (ظ) فقط.

ص: 242

بها كتابه، وأخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم أُمته، لا يَسَع أحدًا من خلق الله تبارك وتعالى قامت عليه الحجة ردُّها وإنكارها؛ فإن القرآن نزل بها، وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم الخبر بها، فيما روى العدل عن العدل عنه. فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر، فأما قبل ثبوت الحجة عليه

(1)

من جهة الخبر فهو معذور بالجهل، فإن علم الله تعالى لا يُدرك بالعقل ولا بالروية والفكرة ونحو ذلك، فإن الله تبارك وتعالى أخبر أنه سميع وأن له يدين، بقوله:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة/64].

وأن له يمينًا بقوله سبحانه: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر/ 67].

وأن له وجهًا بقوله سبحانه: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن/27].

وأن له قدمًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «حتى يضع الرب فيها قدمه»

(2)

، يعني: في جهنَّم.

وأنه سبحانه يضحك من عبده المؤمن بقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي قُتِل في

(1)

في (ظ): «عليه فلا» ، والتصويب من طبقات الحنابلة (1/ 284).

(2)

أخرجه البخاري (4567، 6284)، ومسلم (2848) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، والبخاري أيضًا (4568) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 243

سبيل الله عز وجل أنه لقي الله وهو يضحك إليه»

(1)

.

وأنه سبحانه يهبط كل ليلة إلى سماء الدنيا بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

.

وأنه سبحانه ليس بأعور، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ إذْ ذكر الدَّجال ـ فقال:«إنه أعور؛ وإن ربكم ليس بأعور»

(3)

.

وأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم، كما يرون القمر ليلة البدر بخبر الصادق صلى الله عليه وسلم

(4)

.

وأن له أصابع، بقول النبي صلى الله عليه وسلم:«ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل»

(5)

.

(1)

جاء بمعناه: عند البخاري (2671)، ومسلم (1890) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«يضحك الله إلى رجلين، يقتل أحدهما الآخر: يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد» .

(2)

تقدم تخريجه (ص/227).

(3)

أخرجه البخاري (3159)، ومسلم رقم (169).

(4)

أخرجه البخاري (773)، ومسلم (182) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مطولاً.

(5)

أخرجه أحمد (29/ 178)(17630)، وابن خزيمة في التوحيد (1/ 188 ـ 190) رقم (108)، وابن ماجه (199)، والطبراني في الدعاء (1262)، وفي مسند الشاميين (582)، وابن حبان (943) الإحسان، وابن منده في التوحيد (3/ 110، 111) رقم (511، 512)، والبيهقي في الأسماء والصفات (299).

من حديث النواس بن سمعان.

وهو حديث صحيح ثابت: صححه ابن خزيمة وابن حبان وابن مندة والحاكم والبوصيري وغيرهم.

=

=

وأخرجه مسلم في صحيحه (2654) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ: «إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن، كقلبٍ واحدٍ، يصرِّفه كيف يشاء

».

ص: 244

فإن هذه المعاني الذي وصف بها نفسه، ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لا تُدرك حقيقة ذلك بالفكرة والروية، ولا يكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها، فإن كان الوارد بذلك خبرًا يقوم في الفهم مقام الشهادة والسماع وجبت الدينية

(1)

به على سامعه بحقيقته والشهادة عليه، كما عاين وسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولكن نثبت هذه الصفات وننفي التشبيه كما نفى ذلك سبحانه عن نفسه تعالى ذِكْره فقال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى/11]

(2)

[ظ/ق 38 ب].

قول صاحبه إمام الشافعية في وقته أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المُزَني: في رسالته في «السنة» التي رواها أبو طاهر السِّلَفي عنه بإسناده، ونحن نسوقها بلفظها كلها: «بسم الله الرحمن الرحيم. عصمنا الله وإياكم بالتقوى ووفقنا الله

(3)

وإياكم لموافقة الهدى، أما بعد: فإنك

(1)

في طبقات الحنابلة: «الدينُونة» .

(2)

جاء هنا في (ظ) ما يلي: «وجدت هذا في حاشيته» . وجاء في الحاشية «نجز ما في الأصل» .

(3)

من (ظ) فقط.

ص: 245

سألتني أن أوضح لك من السنة أمرًا تصبر

(1)

نفسك على التمسك به

(2)

، وتدرأ به عنك شبه الأقاويل، وزيغ محدثات الضالين، فقد شرحت لك

(3)

منهاجًا موضحًا

(4)

، لم آل نفسي

(5)

وإياك فيه نصحًا، بدأت فيه بحمد الله ذي الرشد والتسديد، الحمد لله أحق ما بُدئ وأولى من شُكِر، وعليه أُثني الواحد الصمد، ليس له صاحبة ولا ولد، جلَّ عن المِثْل فلا شبه

(6)

له ولا عديل، السميع البصير العليم الخبير المنيع الرفيع، عالٍ على عرشه، وهو دانٍ بعلمه من خلقه، أحاط علمه بالأمور، ونفذ في خلقه سابق المقدور، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فالخلق عاملون بسابق علمه، ونافذون لما خلقهم له من خير وشر، لا يملكون لأنفسهم من الطاعة نفعًا، ولا يجدون إلى صرف المعصية عنها دفعًا. خلق الخلق بمشيئته من غير حاجة كانت به، فخلق الملائكة جميعًا لطاعته، وجبلهم على عبادته، فمنهم: ملائكة بقدرته للعرش حاملون، وطائفة منهم حول عرشه [ب/ق 39 ب] يسبحون، وآخرون بحمده يقدسون، واصطفى منهم رسلاً إلى رسله، وبعض مدبرون لأمره. ثم

(1)

في (ب): «تبصر» .

(2)

سقط من (ب).

(3)

سقط من (ب).

(4)

في (ب): «واضحًا» .

(5)

في (ب): «بنفسي» ، والمثبت أولى.

(6)

في (مط): «شبيه» .

ص: 246

خلق آدم بيده وأسكنه جنته، وقبل ذلك للأرض خلقه، ونهاه عن شجرة قد نفذ قضاؤه عليه بأكلها، ثم ابتلاه بما نهاه عنه منها، ثم سلَّط عليه عدوه فأغواه عليها، وجعل أكله [إلى الهبوط]

(1)

إلى الأرض سببًا، فما وجد إلى ترك أكلها سبيلًا، ولا عنه لها مذهبًا.

ثم خلق للجنة من ذريته أهلاً، فهم بأعمالها

(2)

بمشيئته عاملون، وبقدره وإرادته منفذون

(3)

. وخلق من ذريته للنار أهلًا، فخلق لهم أعيُنًا لا يبصرون بها، وآذانًا لا يسمعون بها، وقلوبًا لا يفقهون بها، فهم بذلك عن الهدى محجبون، وبأعمال أهل النار بسابق قدره يعملون.

والإيمان قول وعمل، وهما شيئان ونظامان وقرينان، لا يفرق بينهما، لا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بإيمان، والمؤمنون في الإيمان متفاضلون

(4)

، وبصالح الأعمال هم مَزيدون

(5)

، ولا يخرجون بالذنوب من الإيمان، ولا يكفرون بركوب كبيرة ولا عصيان، ولا يوجب لمحسنهم غير ما أوجب له النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يشهد

(1)

من (مط): «إلى الهبوط» .

(2)

في (ب): «بأعمالهم» .

(3)

كذا في (ظ)، ووقع في (أ، ت، ع): «بقدرته بإرادته ينفذون» ، وجاء في (ب):«وبقدره بإرادته ينفذون» .

(4)

في (ب، ظ): «يتفاضلون» .

(5)

في (أ، ب، ت، ع): «متزيِّدون» .

ص: 247

على مسيئهم بالنار.

والقرآن كلام الله عز وجل، ومن الله، وليس بمخلوق فيبيد، وقدرة الله ونعْتُه وصفاته كلها غير مخلوقات، دائمات أزلية ليست بمحدثاتٍ [ظ/ق 39 أ] فتبيد، ولا كان ربنا ناقصًا فيزيد. جلَّت صفاته عن شبه المخلوقين، وقصرت عنه فِطَن الواصفين. قريب بالإجابة

(1)

عند السؤال، بعيد بالتعزُّز

(2)

لا يُنال، عالٍ على عرشه، بائن عن

(3)

خلقه، موجود ليس بمعدوم ولا مفقود.

والخلق ميتون بآجالهم عند نفاد أرزاقهم، وانقطاع آثارهم، ثم هم بعد الضغطة في القبور مسؤولون، وبعد البِلَى منشورون، ويوم القيامة إلى ربهم محشورون

(4)

، وعند العرض عليه محاسبون بحضرة الموازين، ونشر صحف الدواوين

(5)

، أحصاه الله ونَسُوه، في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة؛ لو كان غير الله عز وجل الحاكم بين خلقه، فالله يلي الحكم بينهم بِعدْله

(6)

بمقدار القائلة في الدنيا، وهو أسرع الحاسبين.

(1)

في (أ، ت، ظ): «الإجابة» .

(2)

في (ب): «بالتعزيز» ، وفي (ع):«بالتعذر» .

(3)

في (أ، ت، ع): «من» .

(4)

علَّق ناسخ (ظ) عليها في الحاشية «يحشرون» .

(5)

سقط من (ظ)، ووقع في (ب):«ونشر الصحف» .

(6)

كتب ناسخ (ب) عليها: «كذا» !

ص: 248

[ب/ق 40 أ] كما بدأهم له من

(1)

شقاوة وسعادة يومئذ يعودون، فريق في الجنة، وفريق في السعير. وأهل الجنة يومئذ في الجنة يتنعَّمون

(2)

، وبصنوف اللذات يتلذذون، وبأفضل الكرامة يُحبَرون، فهم حينئذ إلى ربهم ينظرون، لا يمارون في النظر إليه، ولا يشكُّون، فوجوههم بكرامته ناضرة، وأعينهم بفضله إليه ناظرة، في نعيم مقيم، لا يمسهم فيها نَصَبُ وما هم منها بمخرجين، أُكُلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار. وأهل الجحد عن ربهم يومئذ محجوبون، وفي النار مسجورون

(3)

{لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} [المائدة/ 80] لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها إلا من شاء الله إخراجه من الموحدين منها.

والطاعة لأولي الأمر فيما كان عند الله عز وجل مرضيًّا، واجتناب ما كان مسخطًا، وترك الخروج عند تعدِّيهم وجَورهم، والتوبة إلى الله عز وجل كيما يَعْطِف بهم على رعيتهم.

والإمساك عن تكفير أهل القبلة والبراءة منهم فيما أحدثوا، ما لم

(1)

كذا في (ب، ظ): «له مِن» ، وسقط من (أ، ت)، ووقع في (ع)«كما بدأ لهم شقاوة وسعادة» .

(2)

في (ب): «يُنَعَّمون» .

(3)

في (أ، ت): «مُسْجَرون» ، وفي (ب):«يُسجرون» ، وفي (ع):«لمسجورون» وكذلك قبلها «لمحجوبون» .

ص: 249

يبتدعوا ضلالة، فمن ابتدع منهم ضلالة كان عن

(1)

أهل القبلة خارجًا، ومن الدين مارقًا، ويُتَقرَّب إلى الله بالبراءة منه، ونهجره ونتجنَّب عُرَّتهُ

(2)

، فهي أعدى من عُرَّة الجرب.

ويقال بفضل

(3)

خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم عمر فهما وزيرا رسول الله صلى الله عليه وسلم وضجيعاه، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، ثم الباقين من العشرة الذين أوجب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة، ويخلص لكل رجل منهم

(4)

من المحبة بقدر الذي أوجبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم من التفضيل، ثم لسائر أصحابه من بعدهم رضي الله عنهم أجمعين

(5)

، ويقال بفضلهم، ويذكرون بمحاسن أفعالهم، ويمسك عن الخوض فيما شجر بينهم، وهم خيار أهل الأرض بعد نبيهم، اختارهم الله عز وجل [ظ/ق 39 ب] وجعلهم

(6)

أنصارًا لدينه، فهم أئمة الدين، وأعلام المسلمين رضي الله عنهم أجمعين.

(1)

في (ع، مط): «على» .

(2)

من (ت)، وفي (أ، ب، ظ): «غرته» ، وهو تصحيف، وفي (ع، مط): «عدته» ، وهو تصحيف أيضًا.

(3)

في (أ، ب، ت، ظ): «يفضل» .

(4)

في (ظ): «ويخلص لهم من المحبة» بدل «ويخلص لكل رجل منهم من المحبة» .

(5)

سقط من (ب، ظ).

(6)

في (ظ): «وخلقهم» وهو خطأ.

ص: 250

ولا نترك حضور الجمعة، وصلاتها مع برِّ هذه الأُمة [ب/ق 40 ب] وفاجرها؛ ما كان من البدعة بريًّا.

والجهاد مع كل إمام عدلٍ أو جائرٍ، والحج وإقصار الصلاة في الأسفار والتخيير فيه بين الصيام والإفطار.

هذه مقالات اجتمع عليها الماضون الأولون من أئمة الهدى، وبتوفيق الله اعتصم بها

(1)

التابعون قدوة ورضًا، وجانبوا التكلُّف فيما كفوا فسُدِّدوا بعون الله ووُفِّقوا، لم يرغبوا عن الاتباع فيقصروا، ولم يجاوزوا فيعتدوا، فنحن بالله واثقون، وعليه متوكلون، وإليه في اتباع آثارهم

(2)

راغبون.

فهذا شرح السنة، تحرَّيت كشفها وأوضحته، فمن وفقه الله للقيام بما أبنْته

(3)

مع معونته له بالقيام على أداء فرائضه بالاحتياط في النجاسات، وإسباغ الطهارات على الطاعات، وأداء الصلوات على الاستطاعات، وإيتاء الزكاة على أهل الجِدَات، والحج على أهل الجِدَة والاستطاعات، وصيام شهر رمضان لأهل الصِّحَّات. وخمس صلوات سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الوتر في كل ليلة، وركعتا الفجر، وصلاة

(1)

في جميع النسخ (به) وهو خطأ.

(2)

في (ظ): «آثار رحمته» .

(3)

في (ع): «أثبتُّه» ، وفي (أ، ت، ظ): «أتيتُه» .

ص: 251

الفطر، والنحر، وصلاة الكسوف، وصلاة الاستسقاء.

واجتناب المحارم والاحتراز من النميمة والكذب والغيبة والبغي بغير الحق، وأن يقول على الله ما لم

(1)

يعلم، كل هذه كبائر محرمات.

والتحري في المكاسب والمطاعم والمحارم والمشارب والملابس واجتناب الشهوات فإنها داعية لركوب المحرمات، فمن رعى حول الحِمَى فإنه

(2)

يوشك أن يواقع الحمى= فمن يُسِّر لهذا فإنه من الدين على هُدى، ومن الرحمة على رجاء. وفقنا الله وإياك إلى سبيله الأقوم بمنِّه الجزيل الأقدم، وجلاله العلي الأكرم، والسلام عليك

(3)

ورحمة الله وبركاته، وعلى من قرأ علينا السلام، ولا ينال سلام الله الضالون، والحمد لله رب العالمين»

(4)

.

قول إمام الشافعية في وقته أبي العباس بن سُريج رضي الله عنه

(5)

:

ذكر أبو القاسم سعد بن علي بن محمد الزنجاني في «جوابات المسائل» التي سئل عنها بمكة فقال: «الحمد لله أولًا وآخرًا، وظاهرًا

(1)

في (أ): «لا» .

(2)

ليس في (ظ).

(3)

في (ب): «عليكم» .

(4)

انظر رسالة المزني (ص/73 ـ 80).

وأخرجها الذهبي في العلو (2/ 1142)، رقم (460) تعليقًا، فذكر قطعة منها.

(5)

من (أ، ت).

ص: 252

وباطنًا، وعلى كل حال، وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى وعلى الأخيار الطيبين من الأصحاب والآل. سألتَ أيَّدك الله تعالى بتوفيقه [ب/ق 41 أ] بيان ما صحَّ لديَّ وتأدَّى حقيقته إليَّ من مذهب السلف وصالحي الخلف في الصفات الواردة في الكتاب المنزل والسنة المنقولة بالطرق الصحيحة، برواية الثقات الأثبات عن النبي صلى الله عليه وسلم المرسَل

(1)

بوجيزٍ من القول واختصارٍ في الجواب، فاستخرت الله سبحانه وتعالى وأجبت عنه بجواب بعض الأئمة الفقهاء، وهو أبو العباس [ظ/ق 40 أ] أحمد بن عمر بن سُريج رحمه الله، وقد سُئل عن مثل هذا السؤال فقال:

«أقول وبالله التوفيق، حرام على العقول

(2)

أن تمثِّل الله سبحانه وتعالى، وعلى الأوهام أن تحدَّه، وعلى الظنون أن تقطع، وعلى الضمائر أن تعمق، وعلى النفوس أن تفكر، وعلى الأفكار أن تحيط، وعلى الألباب أن تصف إلا ما وصف به

(3)

نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد صح وتقرر

(4)

واتَّضح عند جميع أهل الديانة والسنة والجماعة من السلف الماضين والصحابة والتابعين من الأئمة المهديين

(5)

الراشدين

(1)

من (أ، ظ).

(2)

في (ب): «المعقول» وهو تحريف.

(3)

ليس في (أ، ت، ظ).

(4)

ليس في (ظ).

(5)

في (أ، ب): «المهتدين» .

ص: 253

المشهورين إلى زماننا هذا= أن جميع الآي الواردة عن الله تعالى في ذاته وصفاته، والأخبار الصادقة الصادرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الله وفي صفاته

(1)

، التي صححها أهل النقل وقبِلَها النقاد الأثبات= يجب على المرء المسلم المؤمن الموقن

(2)

الإيمانُ بكل واحدٍ منه كما ورد، وتسليم أمره. إلى الله سبحانه وتعالى كما أمر ذلك مثل قوله تعالى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة/ 210]، وقوله:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر/22]، وقوله:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5]، وقوله:{وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر/67]، ونظائرها مما

(3)

نطق به القرآن: كالفوقية والنفْس واليدين والسمع والبصر والكلام والعين والنظر، والإرادة والرضى والغضب والمحبة والكراهة والعناية والقرب والبعد والسخط والاستحياء، والدنو كقاب قوسين أو أدنى وصعود الكلام الطيب إليه

(4)

وعروج الملائكة والروح إليه ونزول القرآن منه وندائه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقوله للملائكة وقبضه وبسطه وعلمه ووحدانيته وقدرته

(1)

سقط من (ب) قوله: «الصادرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الله وفي صفاته» .

(2)

في (ظ، مط): «الموفق» .

(3)

في (ت): «كما» .

(4)

سقط من (ب) ..

ص: 254

ومشيئته وصمديته وفردانيته وأوَّليته [/ق 41 ب] وآخريته وظاهريته وباطنيته وحياته وبقائه وأزليته وأبديَّته ونوره وتجلِّيه والوجه وخلق آدم عليه السلام بيده، ونحو قوله تعالى:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك/16]، وقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف/84]، وسماعه من غيره

(1)

وسماع غيره منه، وغير ذلك من صفاته المتعلقة به

(2)

المذكورة في كتابه المنزل

(3)

على نبيه صلى الله عليه وسلم، وجميع ما لفظ به المصطفى صلى الله عليه وسلم من صفاته: كغرسه جنة الفردوس بيده، وشجرة طوبى بيده، وخطِّ التوراة بيده، والضحك والتعجب، ووضعه القدم على النار فتقول: قط قط، وذكر الأصابع، والنزول كل ليلة إلى سماء الدنيا، وليلة الجمعة، وليلة النصف من شعبان، وليلة القدر

(4)

، وكغيرته وفرحه بتوبة العبد، واحتجابه بالنور وبرداء الكبرياء، وأنه ليس بأعور، وأنه يعرض عما يكره ولا ينظر إليه [ظ/ق 40 ب]، وأن كلتا يديه يمين واختيار آدم بقبضته اليُمنى، وحديث القبضة، وله كل يوم كذا وكذا نظرة في اللوح المحفوظ، وأنه يوم القيامة يحثو ثلاث حثيات من حثياته

(5)

فيدخلهم الجنة، ولما خلق آدم عليه

(1)

سقط من (ظ): «من غيره» .

(2)

سقط من (ب).

(3)

في (ب): «المنزَّلة» .

(4)

في ثبوت أحاديث ليلة الجمعة والنصف والقدر نَظَر.

(5)

ليس في (ب): «من حثياته» ، ووقع في (ظ):«من حثيات الرب» .

ص: 255

الصلاة والسلام مسح ظهره بيمينه فقبض قبضة، فقال:«هذه للجنة ولا أُبالي: أصحاب اليمين، وقبض قبضةً أخرى وقال: هذه للنار ولا أبالي: أصحاب الشمال» ، ثم ردَّهم في صلب أبيهم

(1)

آدم

(2)

، وحديث القبضة التي يخرج بها من النار قومًا لم يعملوا خيرًا قط، عادوا حُمَمًا فيُلْقَون في نهر من الجنة يقال له نهر

(3)

الحياة

(4)

، وحديث خلق آدم على صورته،

(1)

من (ت) فقط ..

(2)

جاء نحو هذا المتن عن جماعة من الصحابة: عمر بن الخطاب وأبي الدرداء وأبي موسى الأشعري وهشام بن حكيم وعبد الرحمن بن قتادة السلمي، وابن عباس وأنس وابن عمر.

وكلها لا تصح، وأما اللفظ الذي ساقه المؤلف ــ وهو حديث أبي موسى الأشعري ــ فضعيف جدًّا، تفرَّد به روح بن المسيب ـ وهو ضعيف ـ عن يزيد الرقاشي وهو ضعيف جدًّا. انظر: القدر للفريابي، رقم (35).

وفي الباب موقوفات على بعض الصحابة: عبد الله بن سلام وسلمان وغيرهما.

وجاء مسح الظهر في حديث أبي هريرة عند الفريابي في القدر (19)، لكن ذكره أبو زرعة الدمشقي في الفوائد المعللة (153) وصححه الترمذي.

وجاء حديث القبضتين: من حديث أبي عبد الله عند أحمد (29/ 134،135)(17593، 17594) بلفظ: «إن الله قبض بيمينه قبضةً، وقال: هذه لهذه ولا أُبالي، وقبض قبضة أخرى بيده الأخرى، فقال: هذه لهذه ولا أُبالي» .

(3)

سقط من (ب).

(4)

أخرجه البخاري رقم (6192)، ومسلم رقم (184) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

ص: 256

وقوله: «لا تقبِّحوا الوجه فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن»

(1)

،

وإثبات الكلام بالحرف والصوت وباللغات، وبالكلمات وبالسور، وكلامه تعالى لجبريل والملائكة، ولملك الأرحام وللرحم

(2)

، ولملك الموت ولرضوان ولمالك، ولآدم ولموسى ولمحمد صلى الله عليه وسلم، وللشهداء

(3)

وللمؤمنين عند الحساب وفي الجنة، ونزول القرآن إلى سماء الدنيا، وكون القرآن

(4)

في المصاحف، وما أذن الله لشيء كأذَنه لنبي يتغنى بالقرآن، وقوله:«لله أشدُّ أذَنًا لقارئ القرآن من صاحب القينة إلى قينته»

(5)

،

(1)

أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (468)، والطبراني في الكبير (12/ 430)(13580)، وابن أبي عاصم في السنة (529)، وابن خزيمة في التوحيد (1/ 85)(41)، والبيهقي في الأسماء والصفات (640) وغيرهم.

من طريق: جرير بن عبد الحميد عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عمر فذكره.

وقد خولف الأعمش: فرواه سفيان الثوري عن حبيب عن عطاء مرسلًا.

أخرجه ابن خزيمة في التوحيد (1/ 86)(42).

وقد أعلَّه ابن خزيمة بثلاث علل: بالمخالفة كما تقدم، وبتدليس الأعمش، وبتدليس حبيب بن أبي ثابت.

لكن صحح الحديث: الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.

(2)

في (ب): «والرحم» .

(3)

في (ظ): «والشهداء» .

(4)

سقط من (أ): «إلى سماء الدنيا، وكون القرآن» .

(5)

أخرجه أحمد (39/ 378، 379) رقم (23956)، وابن ماجه (1340)،

=

=

والبخاري في تاريخه (7/ 124)، وابن حبان في صحيحه (754 ــ الإحسان).

من طريق: ميسرة مولى فضالة عن فضالة بن عبيد فذكره.

وقد اختلف على إسماعيل بن عبد الله ـ الراوي عن ميسرة ـ في ذكر ميسرة وإسقاطه، فإن كان محفوظًا ذِكْرُ ميسرة، فهو تابعي صحَّح حديثه ابن حبان وذكره في ثقاته (5/ 425)، وحسَّن إسناده البوصيري.

وإن كان المحفوظ إسقاطه ـ كما في أكثر الروايات ـ فالإسناد منقطع كما قال الذهبي. والله أعلم.

ص: 257

وأن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، وفرغ الله من الرزق والأجل، وحديث ذبح الموت، ومباهاة الله تعالى، وصعود الأقوال والأعمال [ب/ق 42 أ] والأرواح إليه، وحديث معراج الرسول صلى الله عليه وسلم ببدنه ونفسه، ونظره إلى الجنة والنار، وبلوغه إلى العرش إلى أن لم يكن بينه وبين الله تعالى إلا حجاب العزة، وعرض الأنبياء عليه، وعرض أعمال الأُمة عليه، وغير هذا مما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم من الأخبار المتشابهة الواردة في صفات الله سبحانه، ما بلغنا وما لم يبلغنا مما صح عنه اعتقادنا فيه.

وفي الآي

(1)

المتشابهة في القرآن أن نقبلها ولا نردها، ولا نتأولها بتأويل المخالفين، ولا نحملها على تشبيه المشبِّهين، ولا نزيد عليها ولا ننقص منها ولا نفسرها ولا نُكَيِّفها، ولا نترجم عن صفاته بلغةٍ غير العربية، ولا نشير إليها بخواطر القلوب، ولا بحركات الجوارح، بل

(1)

في (ب): «الآيات» .

ص: 258

نطلق ما أطلقه الله عز وجل، ونفسِّر الذي فسَّره النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون والأئمة المرضيُّون، من السلف المعروفين بالدين والأمانة، ونجمع على ما أجمعوا عليه

(1)

، ونمسك عمَّا أمسكوا عنه، ونسلم الخبر لظاهره، والآية لظاهر تنزيلها، لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسِّمة والمشبِّهة والكرَّامية والمكيِّفة

(2)

؛ بل نقبلها بلا تأويل، [ظ/ق 41 أ] ونؤمن بها بلا تمثيل، ونقول: الإيمان بها واجب، والقول بها سُنة، وابتغاء تأويلها بدعة»

(3)

.

آخر كلام أبي العباس بن سريج الذي حكاه أبو القاسم سعد

(4)

بن علي الزنجاني في أجوبته ثم ذكر باقي المسائل وأجوبتها.

قول الإمام حجة الإسلام أبي أحمد بن الحسين

(5)

الشافعي المعروف «بابن الحداد»

(6)

رحمه الله تعالى:

(1)

ليس في (ظ).

(2)

في (ب، ت، ظ): «والكيفيَّة» .

(3)

انظر: العلو للذهبي (2/ 1216، 1217) وفيه اختصار.

(4)

في (ب، ت): «سعيد» وهو تصحيف.

(5)

في (أ): «الحسن» .

(6)

ينظر من هو. وهناك آخر يُعرف «بابن الحداد» وهو أبو نعيم عبيد الله بن الحسن ابن أحمد بن الحسن الأصبهاني الحداد، ولد سنة 463 هـ، وتوفي سنة 517 هـ. انظر: السير (19/ 486).

ص: 259

قال الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين وسلم تسليمًا: أما بعد: فإنك وفقك الله تعالى لقول السداد، وهداك سُبل الرشاد، سألتني عن الاعتقاد الحق، والمنهج الصدق، الذي يجب على العبد المكلف أن يعتقدهُ ويلتزمه

(1)

ويعتمده.

فأقول والله الموفق للصواب:

الذي يجب على العبد اعتقاده، ويلزمه في ظاهره وباطنه اعتماده: ما دلَّ عليه كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإجماع الصدر الأول، من علماء السلف [ب/ق 42 ب] وأئمتهم، الذين هم أعلام الدين وقدوة من بعدهم من المسلمين. وذلك أن يعتقد العبد ويقرّ ويعترف بقلبه ولسانه: أن الله واحد أحد، فردٌ صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، لا إله سواه، ولا معبود إلا إياه، ولا شريك له، ولا نظير له، ولا وزير له، ولا ظهير له، ولا سميَّ له، ولا صاحبة له، ولا ولد له. قديم أبدي، أوَّل من غير بداية، وآخر من غير نهاية، موصوف بصفات الكمال من الحياة والقدرة، والعلم والإرادة، والسمع والبصر، والبهاء والجمال، والعظمة والجلال، والمن والإفضال، لا يعجزه شيء ولا يشبهه شيء، ولا يعزب عن علمه شيء، يعلم خائنة

(1)

في (أ، ت، ظ، ع): «ويلزمه» .

ص: 260

الأعين وما تخفي الصدور، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين، منزَّهٌ عن كل نقص وآفة، ومقدَّس عن كل عيب وعاهة، الخالق الرازق، المحيي المميت، الباعث الوارث، الأول الآخر، الظاهر الباطن، الطالب الغالب، المثيب المعاقب، الغفور الشكور.

قدَّر كل شيء وقضاه

(1)

وأبرمه وأمضاه، من خيرٍ وشرٍّ، ونفع وضُرٍّ، وطاعة وعصيان، وعمد ونسيان، وعطاء وحرمان، لا يجري في ملكه ما لا يريد، عدل في أقضيته، غير ظالم لبريَّته، لا رادَّ لأمره، ولا معقِّب لحكمه رب العالمين، إله الأولين والآخرين، مالك

(2)

يوم الدين، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى/11]، نَصِفُه بما وصف به نفسه في كتابه العظيم، وعلى لسان رسوله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ الكريم، لا نجاوز ذلك ولا نزيد، بل نقف عنده، وننتهي إليه، ولا ندخل فيه برأي ولا قياس؛ لِبُعْده عن الأشكال والأجناس {ذَلِكَ مِنْ [ظ/ق 41 ب] فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [يوسف/ 38].

وأنه سبحانه مستوٍ على عرشه، وفوق جميع خلقه؛ كما أخبر في

(1)

في (ب): «فقضاه» .

(2)

في (ب): «مَلِكِ» .

ص: 261

كتابه، وعلى ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، من غير تشبيه ولا تعطيل، ولا تحريف ولا تأويل، وكذلك كل ما جاء من الصفات نُمِرُّه كما جاء، من غير مزيد عليه، ونقتدي في ذلك بعلماء السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين

(1)

، ونسكت عما سكتوا عنه، ونتأوَّل ما تأولوا، وهم القدوة في هذا الباب {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر/18].

ونؤمن بالقدر خيره [ب/ق 43 أ] وشره وحلوه ومره أنَّه من

(2)

الله عز وجل، لا معقِّب لِمَا حكم، ولا ناقض لِمَا أبرم، وأن أعمال العباد حسنها وسيئها خلق الله عز وجل ومقدَّرة

(3)

منه عليهم، لا خالق لها سواه، ولا مقدِّر لها إلا هو

(4)

، {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم/31]، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء/23]، وأنه عدل في ذلك غير جائر، لا يظلمهم مثقال ذرة، {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء/40]، وكذلك الأرزاق

(1)

ليس في (ظ، ع).

(2)

في (ب): «مع» وهو خطأ، وكتب عليها الناسخ «كذا» .

(3)

في (أ، ب، ت، ع): «مقدورة» .

(4)

من نسخة على حاشية (ظ)، وفي (ظ، أ، ب): «إياهُ» ، وفي (ت):«إلا إيَّاها» وهو خطأ.

ص: 262

والآجال مقدَّرة لا تزيد ولا تنقص.

ونؤمن ونقرّ ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وخيرته من خلقه

(1)

، وأنه خاتم النبيين، وسيد المرسلين، أرسله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

ونؤمن أن كل كتاب أنزله الله تعالى حق، وأن كل رسول أرسله الله تعالى حق، وأن الملائكة حق، وأن جبرائيل حق، وميكائيل حق، وإسرافيل حق، وعزرائيل حق

(2)

، وحملة العرش والكرام الكاتبين من الملائكة حق، وأن الشياطين والجِنَّ حق، وأن كرامات الأولياء ومعجزات

(3)

الأنبياء حق، والعين حق، والسحر له حقيقة وتأثير في الأجسام، ومساءلة منكر ونكير حق، وفتنة القبر حق ونعيمه حق، وعذابه حق، والبعث بعد الموت حق

(4)

، وقيام الساعة والوقوف بين يدي الله تعالى يوم القيامة للحساب والقصاص والميزان حق، والصراط حق، والحوض حق

(5)

، والشفاعة التي خُصَّ بها نبينا

(6)

يوم القيامة

(1)

في (ظ، ت، ع)، ونسخة على حاشية (ب):«من أنبيائه» .

(2)

سقط من (ظ، ت، مط)، ولم يصح في اسم عزرائيل شيء.

(3)

سقط من (أ، ب، ت، ظ): «الأولياء ومعجزات» ، وكتب ناسخ (ظ) على كلمة «الأنبياء»:«كذا» . وقال في الحاشية: لعله: «الأولياء» .

(4)

في (أ، ب، ظ): «والبعث حقٌ بعد الموت» والمثبت أولى.

(5)

من (ب) فقط.

(6)

من (ع) فقط.

ص: 263

حق، والشفاعة من الملائكة والنبيين والمؤمنين حق، والجنة حق، والنار حق، وأنهما مخلوقتان لا تبيدان ولا تفنيان، وخروج المؤمنين من النار بعد دخولها حق، ولا يخلد فيها من في قلبه مثقال

(1)

ذرة من إيمان، وأهل الكبائر في مشيئة الله تعالى، لا يُقطع عليهم بالنار، بل

(2)

يُخاف عليهم، ولا يُقطع للطائعين بالجنة بل نرجو لهم.

وأن الإيمان: قول باللسان ومعرفة بالقلب وعمل بالجوارح، وأنه يزيد وينقص [ب/ق 43 ب].

وأن المؤمنين يرون ربهم عز وجل في الآخرة من غير حجاب، وأن الكفار عن رؤيته عز وجل محجوبون.

وأن القرآن كلام الله رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلب محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى [ظ/ق 42 أ] بالله شهيدًا، وأنه غير مخلوق، وأن السور والآيات والحروف المسموعات والكلمات التامات التي عجزت

(3)

الإنس والجن على أن يأتوا بمثله؛ ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا= ليس

(1)

سقط من (أ، ب).

(2)

في (ب، ت): «ولكن» .

(3)

في (مط): «أعجزت» .

ص: 264

بمخلوق كما قال المعتزلي

(1)

، ولا عبارة كما قال الكُلَّابي، وأنه المتلوّ بالألسنة، المحفوظ في الصدور، المكتوب في المصاحف، المسموع لفظه، المفهوم معناه، لا يتعدَّد بتعدد الصدور والمصاحف والآي

(2)

، ولا يختلف باختلاف الحناجر والنغمات، أنزله إذ شاء، ويرفعه إذ شاء

(3)

، وهذا معنى قول السلف: منه بدأ وإليه يعود.

واللَّفظية الذين يقولون: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة؛ مبتدعة جهميَّة عند الإمام أحمد والشافعي.

أخبرنا به الحسين بن أحمد بن إبراهيم الطبري، قال: سمعت أحمد ابن يوسف الشالنجي يقول: سمعت أبا عبد الله الحسين بن علي القطان يقول: سمعت علي بن الحسين

(4)

بن الجنيد يقول: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: «من قال لفظي بالقرآن أو القرآن بلفظي مخلوق فهو جهمي» .

وحُكي هذا اللفظ عن أبي زرعة وعلي بن خشرم وغيرهم من أئمة السلف.

(1)

في (ب): «المعتزلة» وهو خطأ.

(2)

في (مط): «والآيات» .

(3)

سقط من (ع): «أنزله إذ شاء، ويرفعه إذ شاء» ، وفي (ب):«إذا» بدل «إذ» في الموضعين.

(4)

من (ظ، ع)«بن الحسين» ، وسقط من (ت):«علي القطان يقول: سمعت» .

ص: 265

وأن الآيات التي تظهر

(1)

عند قرب الساعة من: الدجال ونزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام والدخان

(2)

والدابة وطلوع الشمس من مغربها وغيرها من الآيات التي وردت بها الأخبار الصحاح= حق.

وأن خير هذه الأُمة القرن الأول، وهم الصحابة رضي الله عنهم، وخيرهم العشرة، الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة، وخير هؤلاء العشرة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم.

ونعتقد حب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه وسائر أصحابه رضوان الله عليهم، ونذكر محاسنهم وننشر فضائلهم ونمسك ألسنتنا وقلوبنا [ب/ق 44 أ] عن التطلع فيما شجر بينهم، ونستغفر الله لهم، ونتوسل إلى الله ربهم باتباعهم

(3)

.

ونرى الجهاد والجماعة ماضيًا

(4)

إلى يوم القيامة، والسمع والطاعة لولاة الأمر من المسلمين واجب في طاعة الله تعالى دون معصيته، لا يجوز الخروج عليهم، ولا المفارقة لهم.

(1)

سقط من (ظ). وقارن ما تقدم بما عند اللالكائي رقم (599).

(2)

سقط من (ع)، ووقع في (ب):«والدَّجال» وهو خطأ.

(3)

من (ظ)، وفي (أ، ب، ت، ع): «بهم» بدل «باتباعهم» .

(4)

في (ب، ظ): «ماضيان» .

ص: 266

ولا نكفر أحدًا من المسلمين بذنب عمله ولو كبر، ولا ندع الصلاة عليهم؛ بل نحكم فيهم بحكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونترحم

(1)

على معاوية، ونكل سريرة يزيد إلى الله تعالى، وقد روي عنه: أنه لما رأى رأس الحسين رضوان الله عليه قال: «لقد قتلك من كانت الرحم بينك وبينه قاطعة» ، وتبرأ ممن قتل الحسين رضوان الله عليه وأعان عليه، أو أشار به ظاهرًا أو باطنًا، هذا اعتقادنا ظاهرًا، ونكل سريرته إلى الله تعالى.

والعبارة الجامعة في باب التوحيد أن يُقال: إثبات من غير تشبيه، ونفي من غير تعطيل. قال الله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى/11]. [ظ/ق 42 ب]

والعبارة الجامعة في المتشابه من آيات الصفات أن يقال: آمنت بما قال الله تعالى، على ما أراده، وآمنت بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، على ما أراده.

فهذا اعتقادنا الذي نتمسك به وننتهي إليه، ونسأل الله تعالى أن يُحيينا، وأن يميتنا عليه، ويجعله وسيلتنا يوم الوقوف بين يديه، إنه جواد كريم. والحمد لله رب العالمين. هذا آخر كلامه

(2)

.

(1)

في نسخة على حاشية (ب): «ونترضَّى» .

(2)

سقط من (أ، مط)«هذا آخر كلامه» .

ص: 267

قول الإمام إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي:

صاحب كتاب «الترغيب والترهيب» ، و «كتاب الحجة في بيان المحجة ومذهب أهل السنة» ـ وكان إمامًا للشافعية في وقته رحمه الله تعالى، وجمع له أبو موسى المديني مناقب جليلة

(1)

لجلالته.

قال في «كتاب الحجة» : «باب في بيان استواء الله سبحانه وتعالى على العرش.

قال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] وقال في آية أُخرى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة/255]، وقال:{الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [الشورى/4]، وقال تعالى:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى/1].

وقال أهل السنة: الله فوق السماوات لا يعلوه خلق من خلقه، ومن الدليل على ذلك: أن الخلق يشيرون إلى السماء بأصابعهم، ويدعونه ويرفعون إليه رؤوسهم وأبصارهم، وقال عز وجل:{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام/18]. وقال تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [تبارك/16، 17]، والدليل على ذلك الآيات التي فيها ذكر نزول [ب/ق 44 ب] الوحي.

(1)

سقط من (ت).

ص: 268

فصل

في بيان أن العرش فوق السماوات، وأن الله سبحانه وتعالى فوق العرش. ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الذي في «البخاري»:«لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي»

(1)

.

وبسط الاستدلال على ذلك بالسنة ثم قال

(2)

: قال علماء السنّة: إن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه. وقالت المعتزلة: هو بذاته في كل مكان.

قال: وقالت الأشعرية: الاستواء عائد إلى العرش. قال: ولو كان كما قالوا لكانت القراءة برفع العرش، فلما كانت بخفض العرش دل على أنه عائد إلى الله سبحانه وتعالى.

قال: وقال بعضهم: استوى بمعنى استولى، قال الشاعر:

قد استوى بشر على العراق

من غير سيف و

(3)

دم مهراق

(4)

(1)

أخرجه البخاري (3022).

(2)

سقط من (ت): «ثم قال» .

(3)

في (ب): «ولا» وهو خطأ.

(4)

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (5/ 146): «لم يثبت نقل صحيح أنه شعر عربي، وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه، وقالوا: إنه بيت مصنوع لا يُعرف،

».

ص: 269

والاستيلاء لا يوصف به إلا من قدر على الشيء بعد العجز عنه، والله تعالى لم يزل قادرًا على الأشياء ومستوليًا عليها؛ ألا ترى أنه لا يُوصف بِشْر بالاستيلاء على العراق إلا وهو عاجز عنه قبل ذلك.

ثم حكى أبو القاسم عن ذي النون المصري: أنه قيل له: ما أراد الله سبحانه بخلق العرش؟ قال: أراد أن لا يُتَوِّه

(1)

قلوب العارفين.

قال: ورويَ عن [ظ/ق 43 أ] ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ

} [المجادلة/7]، قال: هو على عرشه

(2)

، وعلمه في كل مكان.

ثم ساق الاحتجاج بالآثار إلى أن قال وزعم هؤلاء أن معنى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} أي: ملكه، وأنه لا اختصاص له بالعرش أكثر مما له بالأمكنة. وهذا إلغاء لتخصيص العرش

(3)

وتشريفه.

وقال أهل السنة: خلق الله تعالى السماوات وكان عرشه على الماء مخلوقًا قبل خلق السماوات والأرض، ثم استوى على العرش بعد خلق السماوات والأرض على

(4)

ما ورد به النص، وليس معناه المماسة بل

(1)

في (أ، ب، ت، ع): «تَتُوه» .

(2)

في (ب): «العرش» .

(3)

في (ب): «لتخصيصه بالعرش» .

(4)

سقط من (ت): «العرش بعد خلق السماوات والأرض على» .

ص: 270

هو مستوٍ على عرشه بلا كيف كما أخبر عن نفسه.

قال: وزعم هؤلاء أنه لا تجوز الإشارة إلى الله سبحانه بالرؤوس والأصابع إلى فوق، فإن ذلك يوجب التحديد، وقد أجمع المسلمون أن الله سبحانه هو

(1)

العلي الأعلى، ونطق

(2)

بذلك القرآن.

وزعم هؤلاء أن ذلك بمعنى: علو

(3)

الغلبة، لا علو الذات. وعند المسلمين أن لله عز وجل علو الغلبة والعلو من سائر وجوه العلو؛ لأن العلو صفة مدح، فنثبت أن لله تعالى علوَّ الذات، وعلو الصفات، وعلو [ب/ق 45 أ] القهر والغلبة. وفي منعهم الإشارة إلى الله سبحانه وتعالى من

(4)

جهة الفوق خلاف منهم لسائر الملل؛ لأن جماهير المسلمين وسائر الملل قد وقع منهم الإجماع على الإشارة إلى الله سبحانه وتعالى من جهة الفوق في الدعاء والسؤال، واتفاقهم بأجمعهم على ذلك حُجَّة، ولم يستجز أحد الإشارة إليه من جهة الأسفل، ولا من سائر الجهات سوى جهة الفوق.

وقال تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل/50].

وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر/10].

(1)

ليس في (ظ).

(2)

في (ظ): «ونطلق» وكتب عليها الناس في الحاشية: لعله: «ونطق» .

(3)

سقط من (ظ) فقط.

(4)

في (أ، ب): «إلى» .

ص: 271

وقال تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج/4].

وأخبر تعالى عن فرعون أنه قال: {

يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} [غافر/ 36، 37].

فكان فرعون قد فهم عن موسى عليه الصلاة والسلام أنه يثبت إلهًا فوق السماء، حين

(1)

رام بصرحه أن يطلع إليه، واتَّهم موسى عليه الصلاة والسلام بالكذب في ذلك، والجهمية لا تعلم أن الله فوقها بوجود ذاته، فهم أعجز فهمًا من فرعون بل وأضل

(2)

.

وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سأل الجارية التي أراد مولاها عتقها: «أين الله» ؟ قالت: في السماء. وأشارت برأسها. وقال: «من أنا» ؟ فقالت: أنت رسول الله. فقال: «أعتقها فإنها مؤمنة» ، فحكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإيمانها حين قالت: إن الله في السماء، وحكم الجهمي بكفر من يقول ذلك.

هذا كله كلام أبي

(3)

القاسم التيمي

(4)

رحمه الله تعالى

(5)

.

(1)

في (أ، ت، ع، مط).

(2)

من (ع، مط): «بل وأضل» ، وأثبتُّها إتمامًا للحُجَّة على الجهمية.

(3)

سقط من (ب).

(4)

سقط من (ت).

(5)

انظر: الحجة في بيان المحجة (2/ 81 ـ 115).

ص: 272

قول الإمام أبي عمرو عثمان بن أبي الحسن بن الحسين الشهرزوري

(1)

الفقيه المحدث من أئمة أصحاب الشافعي من أقران البيهقي وأبي عثمان الصابوني وطبقتهما:

له كتاب في «أصول [ظ/ق 43 ب] الدين» . قال في أوله: «الحمد لله الذي اصطفى الإسلام على الأديان، وزين أهله بزينة الإيمان، وجعل السنة عصمة أهل الهداية، ومجانبتها أمارة أهل الغواية، وأعز أهلها بالاستقامة، ووصل عزَّهم بالقيامة، وصلى الله على محمد وسلم وعلى

(2)

آله أجمعين وبعد:

فإن الله تعالى لمَّا جعل الإسلام ركن الهدى، والسنة سبب النجاة من الردى، ولم يجعل لمن ابتغى غير الإسلام دينًا هاديًا، ولا من انتحل غير السنة

(3)

نحلة ناجيًا= جمعت أصول السنة الناجي أهلها، التي لا يسع الجاهل نُكْرها، ولا العالم جهلها، ومن سلك غيرها من المسالك فهو في أودية البدع هالك» ـ إلى أن قال: ـ «ودعاني إلى جمع هذا المختصر [ب/ق 45 ب] في اعتقاد أهل

(4)

السُّنة على مذهب الشافعي وأصحاب الحديث؛ إذ هم أُمراء العلم وأئمة الإسلام= قول النبي صلى

(1)

في (أ، ت، ع، مط): «السهروردي» ، ولم أقف على ترجمته.

(2)

من (ظ).

(3)

في (مط): «الإسلام» ، وهو خطأ.

(4)

ليس في (أ، ت، ظ).

ص: 273

الله عليه وآله وسلم: «تكون البدع في آخر الزمان

(1)

، فإذا كان كذلك فمن كان عنده علم فليظهره، فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل الله على محمدٍ نبيه صلى الله عليه وآله وسلم»

(2)

.

(1)

في (مط): «الزمان محنة» ، ولعلها زيادة من الناسخ أو الطابع.

(2)

أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (54/ 80).

من طريق: محمد بن عبد الرحمن الدمشقي عن الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل رفعه «إذا ظهرت البدع، ولعن آخر هذه الأمة أوَّلها، فمن كان عنده علم فلينشره؛ فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل الله على محمدٍ» .

ورواه: محمد بن الهيصم ومحمد بن عبد المجيد المفلوج وهشام بن عمار كلهم عن الوليد بن مسلم به بلفظ «إذا ظهرت البدع، وسُبَّ أصحابي؛ فعلى العالم أن يظهر علمه، فإن لم يفعل فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» .

قال محمد بن الهيصم: قلت للوليد: وما إظهار علمه؟ قال: السنة.

أخرجه الخلال في السنة (787)، وابن رزقويه في جزء من حديثه (ق 2/ 2)، والديملي (1/ 1/66) كما في السلسلة الضعيفة رقم (1506).

قلت: هذا اللفظ أصح، لكن كل من رواه عن الوليد في ثبوت روايته نظر.

لكن أصح الطرق: طريق محمد بن الهيصم عند الخلال وسؤاله الوليد يدل على ضبطه، والله أعلم.

لكن أخشى أن يكون جبير بن نفير لم يسمع من معاذ؛ لأن روايته عن عمر بن الخطاب متكلَّم فيها. قال المزي: وفي سماعه منه نظر. التهذيب (4/ 510)، قلت: وعمر قُتل سنة 23 هـ، ومعاذ سنة 18 هـ أو قبلها، وقد يؤيِّد السماع أن جبيرًا من كبار التابعين، أدرك الجاهلية، وأسلم زمن أبي بكر الصديق، وكان هو ومعاذ بالشام فالله أعلم بالصواب.

=

=

وجاء الحديث عن جابر: إذا لعن آخر هذه الأمة أوَّلها، فمن كان عنده علم فليظهره، فإن كاتم العلم ككاتم ما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم.

أخرجه ابن ماجه (263)، والبخاري في تاريخه (3/ 197)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 264) وغيرهم.

من طريق: عبد الله بن السري عن محمد بن المنكدر عن جابر فذكره.

قلت: والسري لم يسمعه من ابن المنكدر بينهما عنبسة بن عبد الرحمن القرشي ومحمد بن زاذان وهما متروكان متَّهمان بالكذب كما بين ذلك العقيلي وابن صاعد وغيرهما. انظر: العقيلي (2/ 265)، وتاريخ ابن عساكر (17/ 5، 6)، وعليه فحديث جابر واهي الإسناد.

ص: 274

ثم ساق الكلام في الصفات إلى أن قال: «فصل: ومن صفاته تبارك وتعالى فوقيته واستواؤه على عرشه بذاته، كما وصف نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بلا كيف، بدليل قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5]، وقوله:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الفرقان/59]، وقوله في خمسة مواضع أُخر

(1)

: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}

(2)

، وقوله تعالى في قصة عيسى عليه السلام:{وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران/ 55]»، وساق آيات العلو ـ ثم قال: ـ «وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف لم يختلفوا في أن الله سبحانه مستوٍ على

(1)

من (ب) فقط.

(2)

انظر المواضع الخمسة في: [الأعراف/54]، و [يونس/3]، و [الرعد/2]، و [السجدة/4]، و [الحديد/4].

ص: 275

عرشه، وعرشه فوق سبع سماوات

(1)

» ــ ثم ذكر كلام عبد الله بن المبارك ــ: «نعرف ربنا بأنه فوق سبع سماواته؛ على عرشه بائن من خلقه» ـ وساق قول ابن خزيمة: «ومن لم يقر بأن الله تعالى على عرشه؛ قد استوى فوق سبع سماواته فهو كافر» = بإسناده من

(2)

كتاب «معرفة علوم الحديث» ، ومن كتاب «تاريخ نيسابور» للحاكم.

ثم قال: وإمامنا في الأصول والفروع أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ــ رحمه الله تعالى ورضي عنه ــ احتجَّ في كتابه «المبسوط» على المخالف في مسألة إعتاق الرقبة المؤمنة في الكفارة، وأن الرقبة الكافرة لا يصح التكفير بها= بخبر معاوية بن الحكم السُّلمي رضي الله عنه: وأنه أراد أن يعتق الجارية السوداء عن الكفارة، وسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن إعتاقه إياها فامتحنها صلى الله عليه وسلم

(3)

؛ ليعرف أنها مؤمنة أم لا، فقال لها:«أين ربك؟» فأشارت إلى السماء، إذ كانت أعجمية، فقال لها:«من أنا؟» فأشارت إليه وإلى السماء: تعني أنك رسول الله الذي في السماء. فقال: «أعتقها، فإنها مؤمنة»

(4)

، فحكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإسلامها وإيمانها؛ لمَّا أقرَّت بأن ربها في السماء [ظ/ق 44 أ]،

(1)

في (أ، ب): «سماواته» .

(2)

في (أ): «في» .

(3)

قوله: «عن إعتاقه إيَّاها فامتحنها صلى الله عليه وسلم» من (ظ) فقط.

(4)

تقدم تخريجه (ص/105).

ص: 276

وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية». هذا لفظه

(1)

.

قول إمام الشافعية في وقته: الإمام أبي بكر محمد

(2)

بن محمود ابن سورة التميمي فقيه نيسابور رحمه الله تعالى:

قال الحافظ عبد القادر الرهاوي: أخبرنا أبو العلاء الحسن بن أحمد [ب/ق 46 ب] الحافظ الهمداني قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أبي علي الحافظ قال: سمعت الشيخ الفقيه أبا بكر محمد بن محمود ابن سورة التميمي النيسابوري يقول: «لا أُصلِّي خلف من ينكر الصفات، ولا خلف من يقول بقول أهل الفساد، ولا خلف من لم يُثْبت القرآن في المصحف، ولا يُثْبت النبوة قبل الماء والطين إلى يوم الدين، ولا يقرُّ بأن الله تعالى فوق عرشه بائن من خلقه.

قال أبو جعفر: وسمعته يقول للشيخ أبي المظفَّر السمعاني بنيسابور: «إن أردت أن يكون لك درجة الإيمان

(3)

في الدنيا والآخرة

(1)

ورد أكثر هذا النص عن أبي عثمان الصابوني في رسالته: اعتقاد أهل السنة وأصحاب الحديث والأئمة (ص/14 ـ 23).

(2)

من (أ، ظ، ت)، ووقع في (ع):«ابن محمد» وهو خطأ.

قال الصَّرِيفيني في المنتخب من السياق لتاريخ نيسابور (ص/64)، رقم (121):«الفقيه أبو بكر التميمي، مشهور من بيت الثروة والمروءة والفضل، كان خِتْن أبي عثمان الصابوني على ابنته أبو سبطيه: الحسن والحسين. توفي سنة 477 هـ» .

(3)

في (أ، ت، ع): «الأئمة» .

ص: 277

فعليك بمذهب السلف الصالح، وإياك أن تداهن في ثلاث مسائل: مسألة القرآن، ومسألة النبوة، ومسألة استواء الرحمن على العرش= باستدلال النص من القرآن والسنة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم».

حكاه الحافظ أبو منصور عبد الله بن محمد بن الوليد

(1)

في كتاب «إثبات العلو» له.

قلت: ونظير ذكره

(2)

هذه المسائل الثلاث

(3)

، ما حكاه أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي قال: سمعت أحمد بن أميرجة القلانسي خادم شيخ الإسلام الأنصاري يقول: حضرت مع شيخ الإسلام عند

(4)

الوزير أبي علي الحسن بن علي الطوسي ـ نظام المُلك ـ وكان أصحابه كلَّفوه بالخروج إليه، وذلك بعد المحنة ورجوعه من بلخ، فلمّا دخل عليه أكرمه وبجَّله، وكان في العسكر أئمة من

(5)

الفريقين، فاتَّفقوا جميعًا

(1)

هو البغدادي الحربي الحنبلي، كان حافظًا مفيدًا، مشهورًا بسرعة القراءة وجودتها، وقال ابن رجب الحنبلي: وله تخاريج كثيرة، وفوائد وأجزاء. توفي سنة 643 هـ.

انظر: صلة التكملة للشريف الحسيني (ص/81، 82)، وسير أعلام النبلاء (23/ 213)، وذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (2/ 233، 234).

(2)

من (ت، ظ).

(3)

في (أ، ب، ت): «الثلاثة» والمثبت أعلى وأشهر.

(4)

في (أ، ت، ظ، ع): «على» وهو خطأ.

(5)

سقط من (ب).

ص: 278

على أن يسألوه عن مسألة بين يدي الوزير يُعنتونه

(1)

بها؛ فإن أجاب بما كان

(2)

يجيب بهراة سقط من عين الوزير، وإن لم يجب سقط من عيون

(3)

أصحابه وأهل مذهبه، فلمَّا دخل واستقر به المجلس انتدب له رجل من الجماعة، فقال: يأذن الشيخ الإمام في أن أسأل مسألة؟ فقال: سل. فقال: لِمَ تلعن أبا الحسن الأشعري؟ فسكت. وأطرق الوزير لِمَا علم من جوابه، فلمَّا كان بعد ساعة قال له الوزير: أجِبْه. فقال: أنا

(4)

لا ألعن الأشعري، وإنما ألعن من لم يعتقد أن الله في السماء، وأن القرآن في المصحف، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اليوم نبي. ثم قام وانصرف فلم يمكن أحدًا أن يتكلَّم بكلمة من هيبته وصولته وصلابته، فقال الوزير للسائل ومن [ب/ق 47 أ] معه: هذا أردتم؟ كنا نسمع أنه يذكر هذا بهراة، فاجتهدتم

(5)

حتى سمعناه بآذاننا، وما عسى أن أفعل به، ثم بعث خلفه خِلَعًا وصِلَة فلم يقبلها، وخرج من فوره إلى هراة

(6)

.

وهذا القول في النبوة بناء على أصل الجهمية وأفراخهم: أن الروح

(1)

في (ت، ع): «يفتنونه» .

(2)

من (ظ) فقط.

(3)

في (أ، ت): «أعين» ، وفي (ع):«عين» .

(4)

سقط من (أ، ت، ع). وفي ذيل الطبقات «لا أعرف الأشعري» .

(5)

في (ب، ع): «فاجتهد» ، وكتب ناسخ (ب) عليها:«كذا» .

(6)

انظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (1/ 54، 55).

ص: 279

عَرَضٌ من أعراض البدن كالحياة، وصفات الحي مشروطة بها، فإذا زالت بالموت تبعتها صفاته فزالت بزوالها. ونجا متأخروهم من هذا الإلزام وفروا إلى

(1)

القول بحياة الأنبياء عليهم السلام في قبورهم، فجعلوا لهم

(2)

معادًا يختص بهم قبل المعاد الأكبر، إذ لم يمكنهم التصريح بأنهم لم يذوقوا الموت.

وقد أشبعنا الكلام على هذه المسألة واستيفاء الاحتجاج

(3)

لهم وبيان ما في ذلك في كتاب «الشافية

(4)

الكافية في الانتصار للفرقة الناجية»

(5)

.

(1)

في (ب، ظ): «من» ، ولعله سهو.

(2)

في (ب، ظ): «له» وهو خطأ.

(3)

في (ظ): «الحُجَج» ، وفي (أ، ت، ع): «الحِجَاج» .

(4)

كذا في جميع النسخ الخطية. ووقع في المطبوعة (مط): «الكافية الشافية

». وهذا العنوان ـ أعني «الشافية الكافية

» جاء في صفحة العنوان من النسخة الظاهرية من هذا الكتاب «الشافية الكافية» وخاتمتها، وهي نسخة عالية نفيسة منقولة عن نسخة الحافظ ابن رجب بقراءة والده على المؤلف (ابن القيم) قبل وفاته بستة أشهر، وقد ذُكر العنوان المشهور:«الكافية الشافية» في آخر فصل الأمثال في الحاشية من نسخة المؤلف التي قوبلت عليها نسخة الظاهرية.

انظر: الكافية الشافية (1/ 9، 10، 199 ـ 203).

(5)

(2/ 307 ـ 484) ط. عالم الفوائد.

ص: 280