المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثانيفي تبايعها نقدا - جواب الاستفتاء عن حقيقة الربا - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ١٨

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌الباب الثانيفي تبايعها نقدا

‌الباب الثاني

في تبايعها نقدًا

الذي حرَّمه الشارع من ذلك هو الذهب بالذهب مع رجحان أحدهما وزنًا، وهكذا الفضة بالفضة.

وكذلك حرَّم البر بالبر مع زيادة أحدهما في الكيل، وهكذا الشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح.

وصح من عدة طرق عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال بعد بيان هذا الحكم: "فمن زاد أو استزاد ــ وفي رواية: أو ازداد ــ فقد أربى"

(1)

.

وفي رواية: "فهو ربا"

(2)

.

زاد في رواية: "الآخذ والمعطي فيه سواء"

(3)

.

وأخبر بشراء التمر بالتمر متفاضلًا فقال: "أُوَّه عينُ الربا"

(4)

.

وفي رواية: "أُوَّهْ أُوَّهْ، عينُ الربا، عينُ الربا"

(5)

.

وفي رواية: "هذا الربا، فردوه"

(6)

.

(1)

أخرجها مسلم (1584/ 82، 1587، 1588، 1596).

(2)

أخرجها مسلم (1588/ 84).

(3)

أخرجها مسلم (1584/ 82).

(4)

أخرجها مسلم (1594/ 96). وفي ضبط "أوه" وجوه.

(5)

أخرجها البخاري (2312).

(6)

أخرجها مسلم (1594/ 97).

ص: 375

وأرشد إلى المَخلَص من ذلك بقوله: "بِعِ الجَمْع بالدراهم، ثم اشتر بالدراهم جنيبًا"

(1)

.

والجَمْع تمرٌ رديءٌ، والجنيب تمرٌ جيدٌ، كانوا يبتاعون الصاع من الثاني بالصاعين من الأول، ونحوه. ولا يرضى صاحب الجنيب أن يبيع صاعًا بصاع.

وجاء في حديث عبادة: "فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد"

(2)

.

وفُسِّر في الروايات المفصّلة ببيع الذهب بالفضة والفضةُ أكثرهما، وبيعِ البر بالشعير والشعيرُ أكثرهما، وقد تقدم ذكر الروايات.

والمقصود ههنا إنما هو النظر في العلة.

أما الفقهاء فإنهم يذكرون الحكم في باب الربا، اتبعوا السنة في إطلاق هذه الكلمة، ولكن ثبت في "الصحيحين"

(3)

وغيرهما عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لا ربا إلا في النسيئة".

[ص 42] وجمع أهل العلم بين هذا الحديث وبين الأحاديث المتقدمة بطرق:

(1)

أخرجه البخاري (2201، 2202) ومسلم (1593) عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري.

(2)

أخرجه مسلم (1587/ 81).

(3)

البخاري (2179) ومسلم (1596) من حديث أسامة بن زيد.

ص: 376

أصحها: أن الربا في هذا الحديث أريد به الربا الحقيقي، فهو لا يكون إلا في النسيئة، وأما إطلاق الربا فيما مُنِع من النقد فهو مجاز. فإما أن يكون أصل الربا في اللغة: الزيادة مطلقًا، ونقله الشارع إلى الزيادة المخصوصة في النسيئة، ثم أطلق الربا في الزيادة في النقد على أصل اللغة، وإما غير ذلك.

والذي تبين لي أن الربا في عرف اللغة خاص بالنسيئة، وقد دلّ القرآن وحديثُ:"لا ربا إلا في النسيئة" على أنه في الشرع كذلك، كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

وإطلاق الربا في البيع المحرم نقدًا إنما هو من باب التشبيه، والجامع بينهما أن كلاًّ منهما زيادة محرمة.

فإن قيل: لكن قوله: "عين الربا، عين الربا"

(1)

ينافي المجاز، كما يقوله النحاة في التوكيد.

قلت: أما التكرار فهو من باب التوكيد اللفظي، وقد صرَّح النحاة بأنه يجيء لغير نفي التجوز، كأن يخشى المتكلم أن لا يكون بعض المخاطبين سمع الأول كما ينبغي، فيكرر ليتحقق السماع، كما تقول: رأيت أسدًا يرمي، رأيت أسدًا يرمي.

وأما قوله: "عين الربا" إذا قيل: إنه بمنزلة "الربا عينه"، وقد قال النحاة: إن التوكيد بالنفس والعين لدفع احتمال التجوُّز، فمحلُّ ذلك حيث لم تقم قرينة على المجاز، فأما إذا قامت كأن يقال: أبو يوسف أبو حنيفة عينُه، فإنما يكون للمبالغة، والحديث من هذا. والله أعلم.

(1)

تقدم تخريجه.

ص: 377

ومما يوضح هذا أن القرآن أومأ إلى أن المعنى في تحريم الربا أنه ظلم كما تقدم، وبيع دينار من ذهب جيدٍ صرفُه عشرون درهمًا بدينارين من ذهب رديء صرفُ الواحدِ منهما عشرة دراهم، لا يظهر فيه ظلم، وهو حرام نقدًا. وبيع الدينار الجيد بأحد الدينارين الرديئين أقرب إلى أن يكون ظلمًا، وهو حلالٌ نقدًا. فلو كان المعنى في التحريم هو الربا، لكان الظاهر أن يكون الحكم بعكس ما تقدم، فيحل بيع دينار جيد صرفه عشرون درهمًا بدينارين رديئين، صرفُ كلٍّ منهما عشرة دراهم، ويحرم بيع الدينار الجيد بأحدهما وحده.

هذا، والذي ظهر لي أن العلة فيما حُرِّم متفاضلًا نقدًا: هي تشبيه المعاملة المشروعة بالممنوعة، أو الاحتكار.

فالأولى خاصة بما يمكن تصحيح المعاملة بصيغة أخرى، وذلك كبيع درهمين بدرهم مثل أحدهما. فالمقصود المعقول من هذا هو أن يهب صاحب الدرهمين لصاحبه درهمًا، فكان يمكنه أن يهب له درهمًا، فلما عَدلا عن هذه الصورة المحمودة المرغَّب فيها إلى صورة بيع الفضة بالفضة متفاضلًا، استحقَّا التأديبَ بتحريمِ ما اعتمده وإبطالِه.

وأما الاحتكار فهو العلة فيما عدا ذلك.

* * * *

ص: 378