المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترخيص في الربا هو الداء العضال - جواب الاستفتاء عن حقيقة الربا - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ١٨

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌الترخيص في الربا هو الداء العضال

وأما المُربِي فإن طمعه في الربا قد سلبه هذه الصفات، فهو يحب أن يكون المسلمون كلهم مبذِّرين، ليحتاجوا إلى الأخذ منه بالربا، ولا يستحيي عن التوثُّق، ولا يبالي بالمخاصمة والمحاكمة، لأنه قد اعتادها واستفاد في مقابلها الربا.

ف‌

‌الترخيص في الربا هو الداء العضال

.

وقد رأيتُ حال المسلمين في الهند أكثرهم مبذِّرون، وأغنياؤهم يمتنعون عن الإقراض للأسباب السابقة، ويهودُ الهند (طائفة من الوثنيين يقال لواحدهم مارْوارِيْ) يُقرِضون بالربا ويتوثقون، فأصبحت أراضي المسلمين وبيوتهم وحُلِيُّهم تنتقل إلى المارواريين بسرعة مخيفةٍ. فقِصار النظر من المسلمين يرون الضرورة داعيةً إلى الترخيص لأغنياء المسلمين في الإقراض بالربا، حتى إذا انتقلت الأملاك من يد مسلمٍ فإلى يد مسلمٍ آخر. ولعل هذا مما حملَ صاحبَ الاستفتاء على ما قاله.

[ق 37] نتائج هذا العلاج:

1 -

تبديل الشريعة.

2 -

التعرض لغضب الله ومحاربته.

3 -

أن يسلِّط على المسلمين ذُلًّا لا ينزعه عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم، كما جاء في الحديث

(1)

.

(1)

أخرجه أحمد (4825، 5007، 5562) وأبو داود (3462) والبيهقي في «السنن الكبرى» (5/ 316) وغيرهم من حديث ابن عمر، وفي أسانيده ضعف.

ص: 486

4 -

إقرار الطبقة المتوسطة على تبذيرهم في المحرمات والملاهي والمعيشة والرسوم

(1)

الفارغة.

5 -

إقرارهم على الكسل والتواني عن طلب الحلال.

6 -

إقرارهم على عدم الأمانة وإخلاف الوعد والمماطلة بالديون.

7 -

إقرار أغنيائهم على عدم المعونة لمحتاجيهم بالقرض الحسن.

8 -

لا يزال كثير من المسلمين يتورعون عن الاستقراض بالربا، وهذا العلاج يُبيحه لهم، فيحملهم على الإمعان فيه.

9 -

لا يزال كثير من أغنياء المسلمين يتورعون عن الإقراض بالربا، ويقع منهم غيرَ قليل الإقراضُ بدون ربا. وهذا العلاج يبيح لهم الربا، فيوشك أن لا يُقرِضوا إلا به.

10 -

كما أن الكفار هزموا المسلمين في ميدان التجارة لرضا الكافر بالربح اليسير، في حين أن المسلم لا يُرضيه إلا الربح الكثير، فسيهزمونهم في ميدان الربا، وبذلك يرتفع ما في هذا العلاج من تلك الفائدة المتخيلة.

11 -

لا يزال كثير من الطبقة الوسطى يتورعون عن معاملة الكفار خوفًا من أن تنتقل بيوتهم وعقاراتهم إلى الكفار، ولهذا ينكَفُّ كثير منهم عن التبذير، فإذا أُبيح للمسلمين المراباة ارتفع هذا القدر، وأوشك أن يصبح خمسة وتسعون في المئة من المسلمين عالةً لا يملكون شيئًا.

12 -

إذا أُحِلَّ الربا، وكانت نتيجته ما توقَّعه واضعُ ذلك العلاج أن تنتقل

(1)

أي العادات والتقاليد.

ص: 487

أموال المسلمين إلى المسلمين، فيوشك أن يصبح خمسة وتسعون

(1)

في المئة فقراءَ لا يملكون شيئًا، وخمسةٌ في المئة أغنياءَ، وهؤلاء الخمسة إن سَلِموا من المرض الحقيقي ــ وهو التبذير والكسل ــ لم يَسلَم منه ورثتُهم، بل يوشك أن يقتصر ورثتُهم على المراباة، ويَدَعُوا الزراعة والصناعة والتجارة، ويوشك أن يشتطُّوا في الربا فلا يُقرِضوا إلّا بربًا باهظ، ووراء ذلك الهلاك المبير.

[ق 38] النظر الشرعي:

المرض الحقيقي هو التبذير والكسل، والتبذير أخبثهما، ونتيجتهما الفقر، ثم ينشأ عن الفقر أمراض أخرى: كعدم الأمانة، وإخلاف الوعد، والمماطلة بالديون. ثم ينشأ عن هذه الأمراض مرض آخر، وهو امتناع الأغنياء عن إقراضِ المحتاجين قرضًا شرعيًّا أو مضاربتِهم مضاربةً شرعية. ثم ينشأ عن ذلك فقر جماعة المسلمين وتقاطعهم ثم هلاكهم.

والذي يرخِّص في الربا إنما نظر إلى أمر واحدٍ، وهو فقر جماعة المسلمين، وعلاجه هذا لا يُغني في ذلك أيضًا، وفوقَ هذا ففقر جماعة المسلمين إنما نشأ عن التبذير والكسل وتوابعهما، فالتَّبِعةُ عليهم. ولا يُعقَل أن يكون التقصير منهم والغرامة على الشريعة، مع أن تحريم الربا من شأنه إلى حدٍّ ما أن يخفِّف وطأةَ المرض كما تقدم.

تحليل المرض:

أنا الآن مقيم بحيدراباد دكن الرياسةِ

(2)

الإسلامية العظمى في الهند،

(1)

في الأصل: «وتسعين» سهوًا.

(2)

الرياسة في الأردية بمعنى الدولة والإمارة.

ص: 488

فأبدأ بتحليل مرض المسلمين فيها.

أما التبذير فنصفه في الرسوم، وثُلثه في الملاهي، وسدسه في المعيشة.

أما الرسوم فإنه إذا وُلِد الولد فهناك دعوة العقيقة، ثم على رأس السنة دعوة (سَالْ كِرَهْ)

(1)

، وهكذا على رأس كل سنة، ثم دعوة كبيرة بعنوان (بسم الله)، أي أن الولد شرع في قراءة القرآن، وكثيرًا ما تكون قراءة الولد بسم الله في تلك الدعوة هي أول قراءته وآخرها! وكثيرًا ما يكون أهلُه غير عازمين على إقرائه القرآن، ولكن دعوة بسم الله لازمة. ثم إذا قرأ فأول ما يقرأ جزء عمَّ، ثم يُشرع في إقرائه من أول القرآن، وهناك دعوة أخرى. ثم إذا ختم القرآن دعوة. وأولَ ما يستطيع الصوم يُصوِّمونه يومًا ويجعلونه دعوة كبيرة، ولعل ذلك اليوم يكون أولَ صيامه وآخره! ثم إذا بلغت البنتُ دعوةٌ، ثم عند الزواج دعوات، ثم ثالثَ موتِه دعوةٌ، ثم على تمام العشر دعوة، ثم على تمام الأربعين دعوة، ثم على وفاء السَنة من موته دعوة، ثم تتكرر كلَّ سنة.

دع الدعوات التي يقيمها عند إرادة سفر قريبه أو صديقه، أو عند عودِه من السفر، أو عند فوزه في الامتحان، أو حصوله على خدمة في الحكومة، أو ترقيته في الخدمة، أو شفائه من مرض أو غير ذلك.

وهناك دعوات المولد، والمعراج، ونصف شعبان، وآخر أربعاء من صفر، ودعوات في رمضان، وأيام وفيات الخلفاء والأئمة والأولياء وهي كثيرة، والأسفار التي ينشئونها لزيارة الأولياء، إلى غير ذلك.

والغريب أن هذه الدعوات والاحتفالات أكثرها عندهم هي أركان

(1)

أي عيد ميلاد الطفل.

ص: 489

الدين، فتجد الرجل تاركًا للصلاة والزكاة والصيام والحج مرتكبًا للمحرمات، ولكنه يحافظ على هذه الدعوات!

[ق 39] الملاهي: السينما والفونوغراف (الحاكي) وقليل غيرهما.

أما السينما، فههنا مواضع كثيرة لها، وقد يمضي للرجل أسبوع كامل أو أكثر وهو كلَّ ليلة في سينما، وقد يجمع في يوم واحد بين روايتين، وفيها مع الخسارة المالية مفاسد أخرى: كإفساد الأخلاق، وتعليم السرقة، والإضرار بالصحة، وتضييع الأوقات، فقد تستغرق الرواية الواحدة ثلاث ساعات، وقد تبقى إلى ساعة أو ساعتين بعد نصف الليل، فيصبح الرجل كسلان لا ينشط للعمل النافع.

وفوق ذلك كله فبعض الروايات يُشرع فيها قبل العصر وعند الغروب وبعضها يُشرع فيه قبل المغرب ويمتدُّ إلى العشاء، وبعضها يُشرع فيه قبل العشاء ويمتدُّ إلى ثلث الليل، فربما فوَّتَ الناظرون الصلاةَ رأسًا، وربَّما فوَّتوا الجماعةَ، ولكن هذا يهون إذا علمنا أن غالب المسلمين هنا لا يصلُّون أصلًا!

وأما الفونوغراف فالرجل يحتاج إلى شرائه، ثم تستمر الحاجة إلى شراء الإبَر والأسطوانات، وإلى إصلاحه إذا تغيَّر.

وأما ما عدا هذين فهو قليل ههنا، وإنما يُبتلَى به الأغنياء في الغالب.

المعيشة:

أما الإسراف في المعيشة فهو هنا خفيف في الطبقة الوسطى، وعامة إسرافهم هو في الدعوات والرسوم والملاهي، فإن وقع من بعضهم فهو في لباس النساء، وكثير منهم يعتاد المسكرات الرخيصة، ولكن الإسراف

ص: 490