المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربا في اللغة - جواب الاستفتاء عن حقيقة الربا - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ١٨

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌الربا في اللغة

اللغوي بجميع أنواعه أو ببعض أنواعه. فإن كان بجميع أنواعه فلا كلام، وإن كان ببعض أنواعه ــ ولفظ الربا في القرآن يعمُّها وغيرَها ــ فلا وجه لتخصيصه بالنوع الذي كان المشركون يستعملونه، لما تقرَّر في الأصول أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ونظير هذا لفظ «الخنزير» حُرِّم لحمه في القرآن، فلو وُجد بأمريكا ضربٌ من الخنازير مخالف في الصورة لِما كان موجودًا منها في أرض العرب لكان مما يشمله عموم القرآن اتفاقًا. وهكذا ما ورد من الأحكام الشرعية في «الإبل» يعمُّ إبلَ إفريقية التي يكون للبعير منها سنامان وإن لم يكن ذلك في أرض العرب. وأمثلة هذا أكثر من أن تحصى.

‌الربا في اللغة

أكثر أهل اللغة ومَن حكى عنها

(1)

من المفسرين والفقهاء وغيرهم يقولون: الربا: الزيادة. وقيَّده الراغب فقال

(2)

: «الزيادة على رأس المال، لكن خُصَّ في الشريعة بالزيادة على وجهٍ دون وجه» .

وزاد الثعلبي قيدًا فقال ــ كما نقله النووي في «تهذيب الأسماء واللغات»

(3)

ــ: «الربا زيادة على أصل المال من غير بيع» . والظاهر أن هذا تفسير لغوي، ولكن النووي نقل عن الواحدي قال

(4)

: «الربا في اللغة الزيادة

قال: والربا في الشرع اسم للزيادة على أصل المال من غير بيع».

(1)

كذا في الأصل، ولعل الصواب «عنهم» .

(2)

«مفردات ألفاظ القرآن» (ص 340).

(3)

(2/ 1/117).

(4)

المصدر نفسه (2/ 1/118).

ص: 400

وفي «اللسان»

(1)

: «رَبا الشيءُ يَرْبو رُبُوًّا ورِباءً: زاد ونما. وأربيتُه: نمَّيته. وفي التنزيل العزيز: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276]، ومنه أُخِذ الربا الحرام. قال الله تعالى:{وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الروم: 39]. قال أبو إسحاق

(2)

: يعني به دفع الإنسان الشيء ليُعَوَّض به ما هو أكثر منه، وذلك في أكثر التفسير ليس بحرام، ولكن لا ثواب لمن زاد على ما أخذ. قال: والربا رِبَوان: فالحرام كلُّ قرضٍ يؤخذ به أكثرُ منه أو تُجَرُّ به منفعة، فحرام. والذي ليس بحرام أن يهبه الإنسان يستدعي به ما هو أكثر، أو يُهدِي الهديَّة ليُهدَى له ما هو أكثر منها. قال الفرَّاء

(3)

:

فمن قرأ: {لِتَرْبُوْ} فالفعل للقوم الذين خوطبوا

ومن قرأها: {لِيَرْبُوَ} فمعناه: ليربو ما أعطيتم من شيء لتأخذوا أكثر منه، فذلك رُبُوّه».

أقول: والعرب لا يزالون إلى الآن يُطلقون الربا على الزيادة المشروطة في القرض. ولو سألت أحدهم عن الربا لفسَّره لك بذلك، ولو سألته عن هذه المعاملة ما اسمها؟ لقال لك: هذا الربا. غير أن أهل مصر ونحوها لما حاولوا استحلال الربا سمَّوه بغير اسمه فقالوا: «الفائض» ، وربما يسمِّيه بعضهم «فائدة» ، ومع ذلك لو سألت عامَّتهم عن الربا لفسَّروه لك هذا التفسير المعروف عند غيرهم من العرب.

فإن قلت: العوام من العرب قد تغيَّرت لغتهم.

(1)

(19/ 17) ط. بولاق.

(2)

هو الزجاج، وكلامه في «معاني القرآن» له (4/ 187).

(3)

انظر «معاني القرآن» له (2/ 325).

ص: 401

قلت: إنما تغيَّرت بتحريف بعض الكلمات أو دخول كلمات أعجمية. فأما الكلمات العربية التي لا يزالون يتكلمون بها فلا تكاد كلمة منها قد عمَّ استعمالها في غير وضعها الأصلي. وعلى طريق الاستصحاب المقلوب المعروف في الأصول نقول: الظاهر أن المعنى التي يستعمل فيه العرب الآن كلمةَ الربا هو المعنى التي كان أجدادهم يستعملونها فيه قبل الإسلام.

[ق 10] ومما يؤيد ذلك أن ألفاظ المعاملات الأخرى كالبيع والإجارة والهبة وغيرها لا يزال العرب يستعملونها في معانيها العربية الصحيحة.

ثم تدبرنا القرآن فوجدنا فيه الدلالة على أن الربا المذكور فيه هو زيادة يستزيدها الإنسان من صاحبه على رأس المال الذي دفعه إليه من غير بيع ولا أخذ عوضٍ يدًا بيدٍ.

فإن قلنا: إن الربا في اللغة موافق لذلك على ما يظهر من بعض الأقوال السابقة فلا كلام، وإن قلنا: إن الربا في اللغة أعم من ذلك كأن يكون هو الزيادة مطلقًا فالدلائل القرآنية تكون مخصصة لعموم لفظ الربا، ولا يلزم من ذلك نقلٌ ولا إجمال، وإلا لزم أن يكون كل عام مخصوصٍ منقولًا [أو] مجملًا، وقد تقدم بطلانه.

ولو ثبت النقل لم يلزمه الإجمال، بل يقال: الربا في القرآن مبين فيه، وهو زيادة يستزيدها الإنسان

إلخ.

بيان ذلك:

قال الله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ

ص: 402

(274)

الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 274 - 280].

فقوله: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} ظاهر في أن الربا معاملة غير البيع. وقوله: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} ظاهر في أن الربا زيادة صورية في المال، كما أن الصدقة نقص صوري في المال. وقوله:{وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} ظاهر في أن تلك الزيادة تتأخر عن عقد المعاملة، ويبقى المُرْبي يطالب بها مُعامِلَه. وقوله:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} صريح في أن تلك الزيادة هي زيادة على رأس المال يستزيدها المُرْبي من معامِله، وأن من شأن تلك المعاملة أن يتأخر رأس المال عند المطلوب، ويبقى المعطي يطالب به وبالزيادة.

[ق 11] وإذ قد تقرَّر أن في القرآن الدلالة على أن الربا هو زيادة يستزيدها الإنسان من صاحبه على رأس المال الذي دفعه إليه من غير بيع ولا عوضٍ

ص: 403

يدًا بيد، فلننظر فيما دلت السنة على أنه ربا. فأشهر ذلك حديث «الصحيحين»

(1)

عن عمر مرفوعًا: «الورِقُ بالذهب ربا إلا هاءَ وهاءَ، والبر بالبر ربا إلا هاءَ وهاءَ، والشعير بالشعير ربا إلا هاءَ وهاءَ، والتمر بالتمر ربا إلا هاءَ وهاءَ» . («صحيح مسلم» ج 5 ص 43).

وحديثهما

(2)

عن عُبادة: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا سواء بسواء، عينًا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى» . («صحيح مسلم» ج 5 ص 43).

ونحوه حديث أبي سعيد الخدري

(3)

، وفي آخره:«مثلًا بمثلٍ، يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذُ والمعطي فيه سواء» . («صحيح مسلم» ج 5 ص 44).

ونحوه حديث أبي هريرة

(4)

، وفيه:«مثلًا بمثل يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى» (أيضًا).

وحديث البراء بن عازب وزيد بن أرقم

(5)

في بيع الورق بالذهب نسيئةً، وفيه مرفوعًا:«ما كان يدًا بيد فلا بأس، وما كان نسيئة فهو ربًا»

(1)

البخاري (2134) ومسلم (1586).

(2)

أخرجه مسلم (1587)، ولم أجده عند البخاري.

(3)

أخرجه البخاري (1176) ومسلم (1584).

(4)

أخرجه مسلم (1588).

(5)

أخرجه البخاري (3939، 3940) ومسلم (1589).

ص: 404

(«صحيح مسلم» [ج 5 ص] 45).

وحديث أبي سعيد

(1)

: «جاء بلال بتمر بَرْنيّ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من أين هذا؟ » فقال بلال: تمر كان عندنا رديء فبعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند ذلك: «أُوَّهْ، عينُ الربا

» («صحيح مسلم» ج 5 ص 48).

فالجصاص يقول

(2)

: دلت هذه الأحاديث أن الربا يكون في البيع، ولم تكن العرب تعرف ذلك. وفيها أن بيع واحدٍ من الستة بجنسه متفاضلًا نقدًا ربا، ولم تكن العرب تعرف ذلك. فدلّ هذا أن لفظ الربا قد نقل عن معناه اللغوي إلى معنى شرعي، فيكون في القرآن مجملًا تبيِّنه السنة.

والجواب أنه كما أن هذا ليس من الربا اللغوي فليس من الربا في القرآن، لِما قدَّمنا أن سياق القرآن يدل أن الربا الذي ذكره غير البيع، وأنه إنما يكون في النسيئة وإذا كان الأمر هكذا فلا يمكن أن تكون هذه الأحاديث بيانًا للربا الذي في القرآن، بل الصواب ما نحا إليه الطحاوي وغيره، وحاصله ــ مع إيضاح وتكميل ــ أن ما حرَّمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من البيوع وسماه ربا، منه ما هو في معنى الربا كبيع الشيء بأزيدَ منه من جنسه نسيئةً، إذ لا فرق بينه وبين الربا المذكور في القرآن إلا لفظ البيع؛ ومجرد اختلاف اللفظ لا يغيِّر الحكم، وإلا لفسدت السماوات والأرض. وكذا بيع الذهب بالفضة [نسيئة] على ما ظهر لي.

(1)

أخرجه البخاري (2312) ومسلم (1594).

(2)

في «أحكام القرآن» (1/ 464، 465) بمعناه. وقد سبق النص فيما مضى.

ص: 405

ومنها ما أراد بتسميته ربا أنه كالربا على ما تقدم إيضاحه في القسم الأول.

* * * *

ص: 406