المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حقوق الإنسان السياسية: - حقوق الإنسان في الإسلام لجمل الليل

[طاهر أحمد مولانا جمل الليل]

الفصل: ‌حقوق الإنسان السياسية:

‌حقوق الإنسان السياسية:

1-

لأن السياسة هي التي تسوس الناس، ولأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، كانت حقوق الإنسان السياسية من علامات النهوض والتماسك والترقي في المجتمعات.

والأمة الإسلامية لم تعدم -من خلال الفقه- من ينظم ويقعد القواعد والتنظيرات للسياسة. فالأمة في الإسلام هي صاحبة السلطة، فهي التي تختار حاكمها، وهي التي تقدم له المشورة، وتنصح له وتعينه وتقيله إذا انحرف أو جار. والخليفة في الإسلام ليس نائبا عن الله، بل هو وكيل الأمة.

أخرج الإمام أحمد عن أبي مليكة: قيل لأبي بكر: يا خليفة الله.

قال: أنا خليفة رسول الله.

2-

فللناس في المجتمع الإسلامي -على الحاكم- حق النصح والإرشاد، وله عليهم السمع والطاعة في المعروف. فأبو بكر الصديق رضي الله عنه حين ولي الخلافة خطب خطبته الشهيرة فقال:"إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فقوموني، القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم".

وعمر بن عبد العزير حين ولي الخلافة وبايعه الناس قام يخطبهم فقال: "إنما أنا كأحدكم غير أن الله جعلني أثقلكم حملا".

ويروي لنا الإمام البخاري عن عائشة قالت: لما استخلف أبو بكر قال: "لقد علم قومي أن حرفتي لم تعجز عن مئونة أهلي، وقد شغلت بأمر المسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، وسأحترف للمسلمين""أي أعمل كمستخدم عندهم".

ص: 36

ويدخل العالم الجليل أبو مسلم الخولاني على معاوية أمير المؤمنين، فيقول له في صراحة: السلام عليكم أيها الأجير، ويقول جلساؤه: قل السلام عليك أيها الأمير، فيقول أبو مسلم: السلام عليك أيها الأجير، فيعيدون قولهم، ويعيد قوله، وهنا يقول معاوية: دعوا أبا مسلم فهو أدرى بما يقول.

وهذا مما يدل على ما رسا في السياسة الإسلامية من مسئولية كل مسلم في مقابل الحاكم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورأينا بالتالي في التاريخ الراشد كيف تخطّئ امرأة خليفة على المنبر، فلا يجد غضاضة أن يعلن على الناس: أصابت امرأة وأخطأ عمر.

3-

واعتبر الإسلام التزام الصمت والموقف السلبي من الشر والمنكر، وعدم محاولة كفه ومنعه اعتبره ذنبا عظيما في حق المجتمع. ولذلك ذكر القرآن الكريم أن سبب انحطاط بني إسرائيل هو عدم تناهيهم عن المنكر:{كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: 79] .

واعتبر الإسلام ذلك السكوت سببا من أسباب سخطه، لذا كثيرا ما نطالع في القرآن الكريم الآيات التي تدعو إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحث عليه1.

4-

ويرى التنظير الإسلامي في السياسة نصب الإمام ضرورة لحماية حقوق الناس ورعاية مصالحهم، فيجب نصب إمام يقوم بحراسة الدين وسياسة أمور المسلمين، وكف أيدي المعتدين، وإنصاف المظلومين من الظالمين، ويأخذ الحقوق من مواقعها، ويضعها جمعا وصرفا في مواضعها، فإن بذلك صلاح البلاد وأمن العباد، وقطع مواد الفساد، لأن الخلق لا تصلح أحوالهم إلا بسلطان يقوم بسياستهم، أو يتجرد لحراستهم2.

1 كمثل قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71] . وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا

" ، مختصر شرح الجامع الصغير للمناوي.

2 تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام، للإمام بدر الدين بن جماعة، الباب الأول في وجوب الإمامة وشروط الإمام وأحكامه.

ص: 37

5-

وحددت صلاحيات الحاكم، وقيدت، ولم تترك سلطاته مطلقة في رقاب العباد. بل يقول مولانا جل شأنه، {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26] .

وقال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41] ، فضمن سبحانه نصرة الملوك بهذه الشروط الأربعة، كما قال الإمام بدر الدين بن جماعة في تحرير الأحكام "باب الإمامة"، وعن علي رضي الله عنه:"إمام عادل خير من مطر وابل"1.

6-

وتخضع شروط اختبار الحاكم في الأدبيات الإسلامية لعناية ومظاهر، ذلك ما نجده من تدقيق في أحكام البيعة والحكم والخلافة، حتى لتعد فصلا ثابتا في أبواب فقه الأحكام الشرعية والسياسية.

ومثال على ذلك كتاب الأحكام السلطانية للماوردي، وكتاب تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام لابن جماعة، والذي يقول:"لو كانت شروط الخلافة في جماعة صالحة لها، قدم أهل الحل والعقد أصلحهم للناس، فإن عقدت للفضول جاز عند أكثر العلماء، ولو كان أحدهم أعلم مثلا والآخر أشجع مثلا: فالأولى أن يقدم منهما من يقتضيه حال الوقت".

7-

وفي الباب الثاني من كتابه: "فيما للخليفة والسلطان وما عليه مما هو مفوض إليه" يحصي ابن جماعة عشرة حقوق للسلطان والخليفة على الأمة، ولهم عليه عشرة حقوق.

أما حقوق السلطان العشرة: فالحق الأول: بذل الطاعة له إلا أن يكون معصية، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"السمع والطاعة على المسلم فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية".

1 أورده القضاعي، دستور معالم الحكم في كلام أمير المؤمنين.

ص: 38

الحق الثاني: بذل النصيحة له سرا وعلانية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة"، قالوا: لمن؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"1. الحق الثالث: القيام بنصرته. والحق الرابع: أن يعرف له عظيم حقه، وما يجب من تعظيم قدره. والحق الخامس: إيقاظه عند غفلته. والحق السادس: تحذيره من عدوه. والسابع: إعلامه بسيرة عماله. والثامن: إعانته. والتاسع: رد القلوب النافرة عنه إليه. والحق العاشر: الذب عنه.

8-

وأما حقوق الرعية العشرة على السلطان: فالأول: حماية بيضة الإسلام. والحق الثاني: حفظ الدين. والثالث: إقامة شعائر الإسلام. والرابع: فصل القضايا والأحكام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل راع مسئول عن رعيته". والحق الخامس: إقامة فرض الجهاد بنفسه وبجيوشه أو سراياه وبعوثه. والسادس: إقامة الحدود الشرعية. والسابع: جباية الزكوات، والثامن: النظر في أوقاف البر. والحق التاسع: النظر في قسم الغنائم. والعاشر: العدل. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90] . وقال تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام: 152] .

وفي كلام الحكمة والتي أوردها الإمام بدر الدين ابن جماعة: "عدل الملك حياة الرعية، وروح المملكة، فما بقاء جسد لا روح فيه".

9-

وهكذا اهتدى الفكر السياسي الإسلامي إلى تنظيم هذه العلاقة الخطيرة الشأن بين الحاكم والمحكوم؛ لتقوم العلاقة بينهما على الثقة والانسجام، وتبتعد عن أي توتر.

10-

وتأتي الشورى كتعبير عن حق المشاركة في تسيير الأمور، والتي يعبر عنها بحقوق الترشيح والانتخاب، بعد أن كثر الناس وتعقدت المؤسسات وتوسعت البنى.

قال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159]، وقال الحسن:

1 تحرير الأحكام، الباب الأول، في وجوب الإقامة وشروطهما، فصل "3".

ص: 39

وكان الله غنيا عن مشاورتهم، ولكن أراد أن يستن للأمة1، وعنه: ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمورهم2، وقيل: من كثرت مشاورته، حمدت إمارته3.

ولأن المشورة تطييب لقلوب الرعية وإشعار لهم بحق المواطنة، وتشعرهم بأن البلاد لهم، وليسوا مجرد كائنات تحيا على هذه الأرض.

والحكماء يعدون المشورة من أساس المملكة وقواعد السلطنة4. وما زالت المشاروة من عادات الأنبياء، حتى إن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أمر بذبح ولده، ومع ذلك لم يدع مشاورته مع صباه5.

وقيل: من طلب الرخصة عند المشورة أخطأ رأيه، أو في المداواة زاد مرضه، أو في الفتيا أثم6. وقيل: أصدق الخبر تصدقك المشورة7.

ويتضح لنا أن عنصر المشاركة الإيجابية الفاعلة من قبل المواطن في شئون السياسة حق مكفول في الفقه الإسلامي، وإذا سلمنا بأن المشاركة هي أرقى أنواع الحقوق السياسية، وعلى حد تعبير أحد الحقوقيين عنها فهي:"الحقوق السياسية أو الدستورية، وهي السلطات المقررة للأشخاص باعتبارهم أعضاء في هيئة سياسية والتي تمكنهم من الاشتراك في الحكم. وأهم هذه الحقوق هي حق الانتخاب وحق الترشيح وحق تولي الوظائف العامة"8.

12-

وكما لاحظ صاحب كتاب "التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي" فالشورى لم تقرر نتيجة لحال الجماعة، فقد كان العرب في أدني درجات الجهل وفي غاية التأخر والانحطاط، وإنما قررت الشريعة نظرية الشورى،

1 تفسير الطبري: 3/ 101.

2 بهجة المجالس لابن عبد البر: 1/ 449.

3 سراج الملوك، ص154.

4 سراج الملوك، ص63.

5 سراج الملوك، ص64.

6 كلية ودمنة، طبعة الشعب، ص46.

7 سراج الملوك، ص64.

8 كتاب "نظرية الحق" الدكتور محمد سامي مدكور، دار الفكر العربي. القاهرة، ص10.

ص: 40

لأنها قبل كل شيء من مستلزمات الشريعة الكاملة الدائمة المستعصية على التبديل والتعديل1.

13-

ويرى أحد المفكرين العرب أن الشورى لها أهمية عظيمة، لذا قرنت بفرض الصلاة والصدقة واجتناب الفواحش، قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ، وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى: 37-38]2.

1 عبد القادرة عودة، "التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي": 1/ 37، مؤسسة الرسالة. الطبعة الثامنة.

2 والمفكر هو الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس في كتابه "النظام السياسي في الإسلام" دار القرآن الكريم، ص80.

ص: 41