الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبادئ التي انبنت عليها حقوق الإنسان:
أرسل الله رسله، وحملهم -سبحانه- رسالته من أجل مصلحة الإنسان؛ ذلك لأن رحمة الخالق -جل وعلا- شاءت ألا تترك هذا المخلوق سادرا في غيه، فأبت عليه رأفة المولى إلا أن يكون إنسانا حقيقيا راقيا ليس كسائر المخلوقات الدنيا، بل ليرتقي في الخلق والقيم.
1-
الكرامة الإنسانية: وهذه هي أولى المبادئ التي ينبني عليها حق الإنسان في الإسلام، حقه في الحياة الراقية البعيدة عن الحيوانية والتدني في الطبع والسلوك. فتغليظ العقوبة في الزنا -خاصة للمحصن- ليس قسوة من الرحمن الرحيم، بل زجرا للمرء من اقتراف تلك الأفعال المشينة التي تهبط بآدميته. ومن هنا كان السعي إلى تقنين هذه الممارسة "الجنس" بالصور المشروعة المنظمة فقط، فيقول تعالى:{وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَاّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] .
ويقول عن المؤمنات: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} [الممتحنة: 12] .
ويحذر: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32] .
2-
حق الإنسان في التوبة، والتطهر من الدنس: هذا الحق الذي يُسْلَبُه الإنسان في الأنظمة التشريعية الأخرى. إذ جاء مجرم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب إنزال عقوبة الرجم فيه، فصرف وجهه صلى الله عليه وسلم عنه لا يريد السماع منه؛ لأنه عمل جرى في السر ولم يخرق به النظام العام، ولا اعتدى فيه على الآداب العامة، وإن مثل ذلك متروك إلى المجرم نفسه ليستغفر الله فيما بينه وبين ربه. ولكن المجرم عاد مرة ثانية يجدد الاعتراف بالجريمة ويطلب إنزال العقوبة به؛ لتكون التوبة أدل
على الإخلاص فيها إلى الله وعلى عدم التمكن من العودة إلى ارتكاب مثل هذه الجريمة، فصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه عنه مرة ثانية، ثم عاد مرة ثالثة فصرف وجهه مرة ثالثة، ثم عاد مرة رابعة فسأله:"أبك جنون؟ أو لعلك قبلت أو غمزت أو لمست؟ " قال: لا. وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقنه التراجع عن الاعتراف بالانصراف عن سماعه أولا، وبالتشكيك في الفعل ثانيا، ولكنه أصرَّ على طلب العقوبة فلم يجد عندئذ بدا من الأمر بإيقاعها فيه بناء على إصراره على الاعتراف. ولقد ندم بعد بدء تلقي العقوبة فهرب، فتبعه المأمورون بإنفاذ العقوبة حتى قتلوه، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قولته المشهورة:"هلا تركتموه فيتوب أو يتوب الله عليه"1.
3-
فالإنسان في نظر القرآن: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] و {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} [الإسراء: 70] . من أجل ذلك حرم الإسلام الانتحار واعتبره جريمة عظمى في حق الإنسان، بدليل خطورة العقاب الأخروي، وباعتبار أن روحه ليست ملكا له؛ لأنها ليست من صنعه، وإنما هي ملك لبارئها وخالقها، وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي:"ونفس المكلف داخلة تحت هذا الحق -أي: حق الله تعالى- إذ لا يجوز له أن يعتدي على نفسه بالإتلاف"2.
4-
وهذا يفضي إلى مبدأ آخر من المبادئ التي يرتكز عليها حق الإنسان في الإسلام، وهو مبدأ اتحاد عنصري الحق والواجب وتلازمهما، فالاعتقاد بثبوت هذه الحقوق الأساسية يكون أولا بالشرع والتكليف.
5-
فالحق في الحياة: وهو حفظ النفس، من الحقوق الأساسية المقررة في الشرع الإسلامي، وتعني عصمة الشخصية الإنسانية في عناصرها المادية، وهي سلامة الجسم بجميع أعضائه من الإتلاف، والمعنوية أي: الكرامة والأفكار الذهنية والمعتقدات وغيرها. وقد اعتبر الإسلام حياة الإنسان المقصد الأول الذي ترجع إليه سائر المقاصد الأساسية بعد المحافظة على الدين؛ لتوقفها جميعا
1 رواه البخاري "باب الحدود"، ص28، والإمام أحمد.
2 كتاب الموافقات.
على الإنسان وحفظ نفسه في أعلى مراتب التكليف. واعتبر بالتالي إزهاق النفس عمدا وعدوانا أعظم جريمة في الكون، لا بالنسبة للمعتدى عليه أو ذويه فحسب، بل بالنسبة للإنسانية كلها، وقرر القرآن أن جريمة القتل دون حق هي بمثابة قتل الناس جميعا، وإحياءها في حكم إحياء الناس جميعا.
يقول تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] .
ومن هنا كان حق الحياة حقا وواجبا في آن واحد؛ لارتباطه بالتكليف والأمانة التي حملها الإنسان لعمارة الدنيا واستخلاف الله في الأرض، وتطبيقا لسننه في الكون.
حرم الإسلام على الإنسان الاعتداء على نفسه أو إزهاقها أو السماح لغيره بشيء من ذلك، اللهم إلا إذا كان ذلك لتحقيق قصد شرعي؛ كجهاد العدو، أو المحافظة على حياة، كبتر عضو مريض يتوقع منه السريان لبقية البدن، والتعرض لخطر محقق.
7-
يقول تعالى في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] .
{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء: 33] .
{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] .
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ -أي: يطعن بها نفسه- بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو مترد في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا".
8-
ومن المبادئ التي يرتكز عليها التشريع الإسلامي عموما: صلاح
المجتمع؛ فمعظم التهم التي يشدد الإسلام في العقوبة عليها هي التهم التي تؤثر في المجتمع تأثيرا سلبيا بل هَدَّاما، كالزنا الذي يؤدي إلى انهيار الأسرة واختلاط الأنساب، وكالسرقة والاعتداء على الغير مما أشار إليه الشارع الإسلامي.
فحقوق الإنسان كما وصلت إليه وثيقة حقوق الإنسان الصادرة عن الجمعية العامة للأمم تحفظ الحقوق الفردية وتنص عليها، بينما الإسلام يوازن بين الحقوق الفردية وحق المجتمع الذي -هو أيضا مجموع الأفراد- وجب التنويه إلى حقوقه أيضا صيانة للصالح العام.
9-
وقد ثبت بالاستقراء والنصوص أن الشريعة الإسلامية قد اشتملت أحكامها على مصالح الناس، فقد قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [النمل: 77] .
والمصالح المعتبرة هي المصالح الحقيقية، وهي ترجع إلى أمور خمسة: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال؛ لأن هذه الأمور الخمسة بها قوام الدنيا التي يعيش فيها الإنسان1.
10-
والحرية عنصر مهم من عناصر الحياة الإنسانية المحترمة في الإسلام. وهل التوحيد إلا تحرير للإنسان؟
ولذلك كانت حرية الاعتقاد حقا من حقوق الإنسان في الإسلام بادر المسلمون بتطبيقه؛ إعمالا لتعاليم دينهم كمبدأ حيوي.
يقول الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ} [البقرة: 256] .
ويقول تعالى: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99] .
ويقول: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46] .
والعدل اسم من أسماء الله الحسنى، وكما يقولون:"العدل أساس الملك"؛
1 أصول الفقه، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، ص265.
لذا كان مبدأ أساسيا ترتكز عليه الشريعة السمحة في إقرار حقوق الإنسان الأساسية.
يقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] .
ويقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل: 90] .