الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المساواة:
1-
من الحقوق الأساسية التي شرعها الإسلام المساواة، يقول تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]1.
ويقول أيضا جل شأنه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70] .
2-
وقد طبق رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله وفعله، لأن هذا المبدأ اعتبر أصلا في أصول الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع:"يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب".
وقد غضب غضبا لم ير مثله على وجهه الشريف، عندما سمع أبا ذر الغفاري يحتد على بلال ويعيره بلونه قائلا: يابن السوداء! فزجره الرسول صلى الله عليه وسلم، ورده بقوله:"يا أبا ذر أعيرته بأمه، إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم"2.
فاستجاب أبو ذر لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع خده على الأرض، وأقسم أن يطأه بلال برجله توبة وتكفيرا عما صدر عنه من أخلاق جاهلية.
3-
ويؤكد الإسلام نبذه لأي شكل من أشكال التمييز بين بني البشر، يقول
1 إذا الناس متساوون في جميع مناحي الحياة، وفي الحقوق المدنية والمسئولية والعقاب، وفي جميع الحقوق العامة، فبنو البشر متساوون في طبيعتهم البشرية ولا تفاضل بينهم، بحسب الخلق أو العنصر أو اللون أو السلالة، وإنما هم يتفاضلون بكفاءتهم وأخلاقهم وأعمالهم.
2 صحيح البخاري: 1/ 13، دار الفكر.
القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1]1.
فنادى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: "الناس سواسية كأسنان المشط، ولا فضل لعربي على عجمي، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح، كلكم لآدم وآدم من تراب".
فالإسلام جعل من بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي دعاة وقادة وحكاما، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سلمان إنه من أهله وآل بيته.
وتقوم المساواة في الإسلام في جميع النواحي الحياتية، فهناك التسوية بين الناس في الحقوق المدنية والمسئولية والجزاء، فيقول تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135] .
4-
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده، لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها"2.
5-
ويظل قول عمر رضي الله عنه في رسالته إلى أبي موسى الأشعري مثلا للإنسانية، إذ يقول يوصيه:"ساو بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك، حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك".
1 وينفي القرآن أي شكل من أشكال الاستعلاء العرقي أو التمييز العنصري على أساس اللون أو مقولات الجنس الأسمى، أو شعب الله المختار أو الشعوب المنحطة بطبيعتها، أو المنبوذين، وغيرها من صور اللامساواة.
2 صحيح البخاري: 5/ 91، دار الفكر.
وضرب صلى الله عليه وسلم بنفسه مثلا للمساواة في العمل حتى شارك أصحابه في بناء المسجد النبوي، وقال:"ما أكل أحد طعاما خيرا من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من كد يده".
6-
كذلك سوى الإسلام بين الرجل والمرأة في القرآن الكريم يقول: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97] .
ويقول أيضا: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً} [النساء: 7] .
7-
كذلك سوى الإسلام بين المسلمين وغيرهم، فأعطى للذميين في المجتمع الإسلامي نفس الحقوق التي للمسلمين، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"لهم ما لنا وعليهم ما علينا"1.
ويقول صلى الله عليه وسلم: "من قذف ذميا حد له يوم القيامة بسياط من نار". "من آذى ذميا فإني خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة"2.
8-
وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين بالمثال عن نفسه، وذويه فقال بما هو بيان وتأكيد للتشريع وهو يتحدث إلى ذويه:"لا يأتين الناس إلي بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"3.
ثم يجيء عمر فيقيم الحد على ولده في ذنب ألم به، ويأمر بالقصاص من ابن عمرو بن العاص، ويأمر كذلك بالقصاص للأعرابي الذي لطمه ابن الأيهم، وهو من الأيهم وهو من أمراء الغساسنة أثناء طوافهما بالكعبة، فيقتص الأعرابي ويلطم الأمير.
1 قالها صلى الله عليه وسلم ليهود المدينة حتى لا توقع على أهل الذمة الحدود الإسلامية فيما لا يحرمون، ولا يدعون إلى القضاء في أيام أعيادهم.
2 مختصر شرح الجامع الصغير.
3 انظر أيضا: علي عبد الواحد وافي، المساواة في الإسلام، دار المعارف، سنة 1962م.
9-
فالمساواة إذن حق إنساني مقرر في الإسلام قبل أن تقرره المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، فاجتمعا على ضرورة التسوية بين بني البشر، وإنهاء ما ثبت في الأحقاب السابقة من تمييز لا يليق بعصرنا الحاضر1.
1 محمود شلتوت، الإسلام عقيدة وشريعة، ص24-25، دار القلم.